Archive

رؤية نقدية لقانون التجنيس البحريني

رؤية نقدية لقانون التجنيس البحريني
 

الأستاذ : نادر الملاح
بنفس المنهجية التي اتبعتها حكومة البحرين في إجراء التعديلات الدستورية التي أدخلتها على دستور 73 لتنتج دستورا جديدا لا يمت للدستور السابق بصلة ولا يتمتع بالشرعية التي يتمتع بها الدستور الأصلي الذي كان معطلا فبات ملغيا، وليس كما تقول الحكومة البحرينية ويقول مناصروها دستورا معدلا، وبذات المنهجية التي اتخذتها الحكومة في توزيع الدوائر الانتخابية والتي عكست الرغبة الجامحة في تكريس الطائفية، وكذلك إنشاء جهاز الأمن الوطني الذي جاء ليحل محل جهاز أمن الدولة السابق سيئ الصيت وبصلاحيات أكبر و أوسع بشكل كبير جدا لا يقبل المساومة، أعلنت حكومة البحرين تعديل قانون الجنسية وكجزء من عملية التجميل التي دأبت الحكومة البحرينية على اللجوء إليها عبر الأبواق الإعلامية ذات الصوت الواحد، أضفت طابع الوحدة الخليجية وعمليات التنمية الاقتصادية والبشرية في المملكة على هذا الإجراء، وتجاهلت أو بمعنى أدق أخفت الجوانب الأخرى ذات الطابع السلبي من الناحية الحقوقية والتي تكرس عمليات انتهاك حقوق المواطنين التي لم تتوقف للحظة واحدة لا قبل ما يسمى بعهد الميثاق ولا بعده ولنا أن نتساءل:
لماذا جاء هذا التعديل في قانون الجنسية في هذا الوقت بالذات؟
ما هي الدوافع الحقيقية لهذا التعديل؟
لماذا لم تنتظر السلطة قيام “المجلس التشريعي” لتعرض عليه الموضوع؟
ما هي الآثار السلبية وما هي المصلحة الوطنية في هذا القانون؟
ما هو مفهوم الوحدة الخليجية؟ وما هو مفهوم التنمية الوطنية؟
لماذا تقمع الأصوات المنددة بهذا القانون رغم زعم حرية التعبير؟
ولماذا جاء هذا القرار بصورة فردية إذا كان الهدف منه هو الوحدة الخليجية؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير هي ما تبادر ويتبادر لأذهان فئة كبيرة من أبناء الشعب والمهتمين بالشأن البحريني.. وربما تجيب على بعضها الدراسة التي أجراها الدكتور الكويتي محمد الفيلي، وهي دراسة دستورية قانونية أجراها بنفس محايد وخلص فيها إلى نتيجة مفادها أن الدستور المعدل هو دستور جديد لا يتمتع بالشرعية القانونية جاء على أثر الأحداث السياسية التي جرت في البحرين وليس اتجاها حكوميا نابعا عن رغبة حقيقية في الإصلاح والاتجاه نحو الحياة الديمقراطية كما يجري الحديث وسوف نحاول في هذه العجالة أن نسلط الضوء على قانون الجنسية الجديد من خلال الإجابة على مجموعة من الأسئلة التي أشرنا إليها فيما مر يعتقد المراقبون والمحللون السياسيون أن توقيت هذا التعديل الذي أدخل على قانون الجنسية البحريني لم يأت اعتباطا ولا عبثا ولم تسقه الصدفة أو الرغبة في الإصلاح وإنما قد تم اختياره بدقة قبل أن يتم انتخاب المجلس التشريعي في أكتوبر القادم من العام الجاري 2002، والذي هو في حد ذاته موعد مقدم وليس الموعد الذي سبق وأن تم الاتفاق عليه بين الحكومة وفصائل المعارضة الممثلة للشعب وتكمن الأسباب في اختيار هذا التوقيت في ما يلي:
1- محاولة إعادة ترتيب الأوراق السياسية بما يناسب التوجهات الحكومية مخافة أن لا تتمكن السلطة من القيام بذلك بعد تشكيل المجلس التشريعي.
2-  إن المجلس التشريعي حسب الدستور الجديد لا يملك أية صلاحيات تشريعية بصورة فعلية نتيجة التشكيل الذي أعلنته الحكومة حيث يتساوى فيه عدد الأعضاء المنتخبين والذين يشكلون المجلس النيابي مع عدد الأعضاء المعينين تعيينا كاملا والذين يشكلون المجلس الاستشاري أو مجلس الأعيان الذي أعطي صلاحيات تشريعية في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم، وبذلك تساوت الصلاحيات بين المجلسين المعين والمنتخب، ومع ذلك فإنه ربما تخسر الحكومة هذه المراهنة ويكون التصويت بالرفض.
3- تشكل التركيبة السكانية مصدر قلق كبير بالنسبة للحكومة حيث أن نسبة 70% تقريبا من الشعب هم من الشيعة. وهو ما شكل نقطة إحراج للحكومة في الأحداث الأخيرة التي كان الشيعة أبرز عناصرها، لا سيما أمام لجان وجمعيات حقوق الإنسان مما دفع الحكومة للقيام بمجموعة من الإجراءات التي هدفت من خلالها إلى خلخلة هذه التركيبة السكانية بحيث تخفض من نسبة الشيعة إلى ما دون الـ50% على الأقل لتقطع بذلك الطريق على الأصوات المنادية بإعطاء الحقوق المدنية للغالبية الشعبية وتلك الأصوات المنددة بسيطرة الأقلية على الحكم ومصادرة حقوق الأغلبية وكان من بين هذه الإجراءات أن عمدت الحكومة إلى إلى سياسة التجنيس العشوائي لمجموعات كبيرة من البدو الأردنيين والسوريين واليمنيين وأعداد أخرى ربما تكون قليلة مقارنة بهذه الدول لكنها في الحقيقة ليست كذلك، من مصر والمملكة العربية السعودية (الدواسر) ورغم أن هذه السياسة لم تحقق هدفها الكامل إلا أنها نجحت إلى حد ما في إحداث الخلل المطلوب والذي صاحبته عدة مظاهر سلبية أبرزها:
‌أ. ظهور مجموعة من المشكلات الاجتماعية والانحرافات السلوكية وتفشي ظاهرة الجريمة التي لم تكن سائدة في المجتمع البحريني أو ربما نادرة الحدوث.
‌ب. ارتفاع نسبة الأمية بعد أن حققت البحرين إنجازا كبيرا في خفضها إلى أدنى المستويات.
‌ج. ارتفاع الكثافة السكانية العالية أصلا.
‌د. زيادة نسبة البطالة الرسمية بين المواطنين الأصليين وبرز ظاهرة جديدة هي منافسة المجنسين للسكان الأصليين في الحصول على الوظائف.
‌ه. ارتفاع حجم النفقات الخدمية في مجال الصحة والبلدية وغيرها من الخدمات المجانية أو شبه المجانية التي تعهدت الحكومة بتقديمها لمواطنيها هذا بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الآثار السلبية التي لا يتسع المجال لذكرها هنا وإنما تحتاج إلى بحث ودراسة منفصلة وكخطوة داعمة لهذا التوجه قامت الحكومة بتعديل قانون الجنسية الذي أصبح الآن يجيز لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي الحصول على الجنسية البحرينية مع الاحتفاظ بجنسياتهم الأصلية. جدير بالذكر أن غالبية سكان دول المجلس هم من السنة، الأمر الذي يعني بالنسبة للحكومة ضمان تحقيق الهدف ولعل خير دليل على ذلك هو الدعوة التي أطلقتها بعض المواقع الإلكتروني السعودية التي يسيطر عليها السلفيون – الذين يُعتبر تكفير الشيعة أو الروافض كما يسمونهم أحد أهم الركائز الدينية عندهم – للمبادرة في الاستفادة من هذه الفرصة لتحويل البحرين – على تعبيرهم – إلى بلد سني بحق، بدلا من وضعها الحالي بالغالبية الشيعية 4 – قد لا يكون إحداث الخلل في التركيبة> السكانية هو الهدف النهائي من هذه العملية وإنما الهدف هو تحجيم الطائفة الشيعية المعارضة وتقليص نصيبها من المقاعد البرلمانية كما حصل في الانتخابات البلدية وما صاحبها من عمليات مغالطة تعمدت الحكومة التستر عليها فكانت النتيجة هي حصول التيار الشيعي على 23 مقعدا وهو الذي يشكل نسبة 70% من الشعب، مقابل 27 مقعدا سيطر عليها أبناء السنة والمضحك المبكي في هذا الأمر هو محاولة إضفاء طابع الوحدة بين دول الخليج على هذه العملية والإشارة إلى التنمية الاقتصادية والبشرية وزيادة حجم الاستثمار في البحرين من خلال تقديم التسهيلات لمواطني دول مجلس التعاون. وهذا ما أشارت له التصريحات الحكومية الرسمية وما حاول الإعلام المحلي ترسيخه في عقول البسطاء من الناس باستخدام الأقلام المأجورة أحيانا وبالضحك على الأقلام السطحية أحيانا أخرى ولست أرى حقيقة ما هو موقع الوحدة الخليجية وما هو مدى ارتباطها بهذا الموضوع، لا سيما وأن هذا القرار قد اتخذ بصورة فردية من قبل السلطات البحرينية وبمعزل عن باقي الدول التي من المفترض أن تمثل أركان الوحدة فالوحدة الأوربية مثلا – ليس الوحدة الكاملة وإنما وحدة العملة والسوق الأوربية المشتركة فقط – قد أخذت قسطا ليس باليسير من المداولات والمناقشات التي امتدت على مدى أعوام، ثم لاقت ما لاقت من معارضة ورفض من قبل البعض والتحفظ والتريث من قبل البعض الآخر. فهل يا ترى يمكن لأصغر دولة خليجية وأضعفها اقتصاديا أن تتخذ قراراها بتوحيد المنطقة وتشرع في التنفيذ دون الرجوع إلى الآخرين وكأن لها اليد الطولى والزعامة المطلقة في المنطقة؟ أما حجة التسهيلات والتنمية، فتلك حجة مردود عليها لما يعتريها من مغالطة فاضحة. فالتسهيلات لا تقدم عن طريق منح الجنسية وإنما سن التشريعات وتقنين القوانين التي تضمن تقديم أفضل الخدمات لاستقطاب المستثمرين سواء الخليجين أو غيرهم. كما أنها تكون محصورة في فئة المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال وليس بالصورة المطروحة وهي الإطلاق العام لكل من هب ودب هذا من جهة، أم امن الجهة الأخرى فإننا نلاحظ أن مملكة البحرين قد عقدت مجموعة كبيرة من الاتفاقات الدولية التي تصب في مصب التعاون التجاري المتبادل، وهذه الاتفاقات طبعا لا يمكن لها أن تترجم إلى أرض الواقع إن لم ترافقها بعض التسهيلات. من بين الدول التي كانت طرفا في هذه الاتفاقات كانت المغرب وتايلاند وماليزيا.. فهل يا ترى سينتظر سكان هذه الدول صدور قرار بحقهم في الحصول على الجنسية البحرينية للحصول على التسهيلات اللازمة؟ إن مفهوم التنمية الوطنية يتعارض تماما مع مفهوم الوحدة بالشكل المطروح، بل يعمل عكسه. فالتنمية الوطنية تقتضي رفع المستوى المعيشي لأبناء الوطن وتحسين مستوى دخل الفرد وتوفير فرص العمل وما إلى ذلك من المتطلبات التي ينبغي توفير مخصصات مالية ضخمة للإتيان بها والتكيف معها. إلا أن أهم المعيقات التي تحول دون المضي فيها هو ضعف الموارد الاقتصادية من جهة وزيادة عدد السكان من جهة أخرى ولعلنا نرى أن المواطن في الوقت الحالي على سبيل المثال يتقدم بطلب للحصول على وحدة سكنية أو قرض لتوفير المسكن الملائم فيضطر للانتظار ما بين ثمان إلى عشر سنوات على أقل تقدير وذلك بسبب حجم الطلبات. فكيف سيكون الحال مع هذه الزيادة السكانية المفاجئة وغير المحسوبة أصلا كذلك هو الحال بالنسبة لأعداد المواطنين العاطلين عن العمل والذي كان سببا مباشرا في تقجر الوضع السياسي في الآونة الأخير في البحرين والذي كان من بين نتائجه السلبية الجمة إزهاق أرواح أكثر من 40 مواطنا ودخول ما لا يقل عن عشرة آلاف مواطن للسجن وتعرضهم للتعذيب والتنكيل على أيدي المرتزقة والجلادين هذا إلى جانب الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية التي أفرزتها عملية التجنيس العشوائي والانفتاح اللا عقلاني الذي تشهده البلاد إلا أنه من المؤسف حقا أن تتجاهل الحكومة كل الأصوات الشعبية المنددة بهذا القانون، وتغمض عينيها عن التحاليل السياسية والاجتماعية لمثل هذا الإجراء، فتختار أن لا تسمع سولا صوتها وأصوات الأبواق الإعلامية التي اعتادت على التمجيد في كل قرار يصدر عن الحكومة ولست أستغرب من هذه الأقلام وهذه الأبواق الإعلامية إذا ما امتدحت إلغاء قانون التجنيس في المستقبل واعتبرته خطوة حضارية وتنموية، إذا ما تراجعت الحكومة عن هذا القانون. فهذه الأبواق لا تتكلم في هذا الشأن وغيره من واقع قناعة وإنما فقط
لأن ولي الأمر قال والقول منه فصل ولا جدال فيه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق