الأرشيف

سيكولوجية التجنيس

سيكولوجية التجنيس
 

الأستاذ عباس المرشد
30/6/2003       سيكون الحديث منصبا على تناول قضية التجنيس من الناحية النفسية من دون الدخول في تفاصيل العملية السياسية التي تخضع في كثير من أبعادها إلى حساب القوى والمعادلات السياسية القائمة على أرض الواقع بمعنى أن العملية السياسية لا تلحظ إلا البعد المرهون بميزان القوى والمصالح. ولا يعد هذا قدحا في الفاعلين السياسيين وإنما هي طبيعة المجال السياسي.لكن الناحية النفسية تأخذ أكثر من هذا البعد لما يسببه الأثر النفسي من تأثيرات على البني العميقة والمسؤولة عن تكوين البناء للهوية عند المواطن    من الملاحظ إن البحث في القضايا السياسية من الناحية النفسية هو بحث مستجد في علم النفس ولربما يعود إلى منتصف السبعينات من القرن المنصرم  ولربما أثرت أجواء الحرب البادرة على تنمية هذا المجال خصوصا فيما يسمى بالحرب النفسية واليات الإكراه السياسي.ومن جهة ثانية فان علم النفس كعلم يعنى بسلوك الإنسان ومحاولة تفسيره وكشف الأسباب المفضية للاختيارات والاكراهات قد طور  من نفسه عبر فتح مجالات واسعة جدا وعبر توسعة اهتماماته وذلك من خلال تفكيكه للمدرسة السلوكية التي كانت تنظر للإنسان على انه صندوق مغلق يخضع لمبدأ المثير والاستجابة. كان هذا التفكيك مبشرا لصعود المدرسة المعرفية في دراسة سلوك الإنسان حيث اعتبرت أن الموجه الأساسي للأفعال هو نمط التفكير والإدراك للامور هذا البعد سوف اسميه بالبعد الإرتكازي في هذا الموضوع وهو التجنيس    التجنيس هو بالأساس عملية قانونية تسلكها كل الدول بناء على مبررات موضوعية وهذا لا يثير قضية سياسية أو نفسية بالدرجة الأولى لكنه يتحول إلى عائق والى مشكل والى مصدر قلق والى مبحث للتأزم عندما يبدأ يثر خصومات ويولد عداءات في أوساط المواطنين. إذا ما الذي يحث في عملية التجنيس في البحرين ؟ هل هو شأن قانوني طبيعي ؟أم انه مولدا لأزمات نفسية على المستوى القريب والبعيد؟وكيف له ان يتحول من هذه الناحية المقلقة إلى قضية طبيعة لا تثير حنق أحد؟    إن المتتبع لقضايا التجنيس في البحرين من الناحية النفسية لا يسعه إلا أن يؤكد على خطورة هذه العملية وأثرها الخطير في بناء الهوية ومحيط الإدراك عند المواطنين هذا الخطر القادم يعتمد أساسا على نوعية خاصة من الإدراك عند المواطنين لعملية التجنيس حيث تؤدي هذه العملية بل أنها أدت إلى تحطيم الشعور بالثقة والى الشعور بالإحباط كما أدت في النهاية إلى زعزعة البناء الاجتماعي وتكوين اتجاهات تعصبية ناحية الفئة المجنسة. في علم النفس لا يبحث عن صوابية الفكرة قدر ما يهتم بالفكرة وأثرها وبالتالي فان الآثار المتوقعة من عملية التجنيس هي أثار خطيرة بارتباطها بالبناء النفسي وتكوين المفاهيم والاتجاهات سوف أخذ بعدا اتجاهي واحد لنرى مدى الخطورة التي يسببها النظام جراء قيامه بهذا الفعل وهو بعد العلاقات العربية- العربية بين الشعوب في الماضي وقبل القيام بالتجنيس السياسي كانت علاقة الشعب البحريني وأقصد بالعلاقة هنا مستوى الإدراك والتقبل والتلاحم والتضامن كمحددات للعلاقات بين الشعوب  كانت هذه العلاقة بين الشعب البحريني والشعب السوري والأردني واليمني علاقة تسودها الثقة والاحترام  وفي كثير من الأحيان أخذت بتقبل تلك الجنسيات والتعاون معها على كثير من المستويات كما  إن الصورة المتكونة عند المواطن البحريني اتجاه هذه الفئات إن لم تكن عادية فإنها لم تتحول إلى عدائية أو كراهية وفرت هذه العلاقة دعما نفسيا وسياسيا عند القوى البحرينية في تفعيل برامجها كما وفرت للمواطن الدعم النسبي في الأمن والشعور  بالقومية والارتباط العربي والإسلامي هذا التكوين النفسي عند المواطن  ومع البدء في عملية التجنيس أخذ في التفكك والزوال وحلت محله اتجاهات تعصبية وصور تتضمن القدح في هذه الجنسيات وأفراد تلك الشعوب  وبالتالي فان السياج الذي كان المواطن البحريني يمتلكه من العرب المحيطيين به أخذ في الانهيار وأدى إلى توقع البحريني حول نفسه وحد من سعة تفكيره. هذا مثال بسيط جدا على أهمية إدراك البعد النفسي لقرار سياسي اتخذته الحكومة تناولته القوى السياسية بالرفض والنبذ و لكن لم يبحث حتى الآن مدى الخطورة المستقبلية له بمعنى انه لو توقف التجنيس واعد النظر في كل ما حدث ما الذي يضمن تلاشي هذه الآثار ؟ لا احد حاليا يقدر على ذلك    لنأخذ بعدا آ خر يتعلق بالشأن المحلي أو لنقل الحياة الداخلية للفرد البحريني المواطن في هذه البلاد  ومنذ زمن ليس بقصير يشعر بالإحباط والغبن نظرا لسيطرة السلطة السياسية على مقدرات الحياة الاقتصادية والاجتماعية فهو يعيش وسط دولة تسلطية تسعي للسيطرة على كافة أنشطة المجتمع وبالتعبير الأخلاقي فالسلطة أنانية إلى حد كبير جدا وتمتلك قدرا هائلا من الحسد  والمواطن يشعر نفسه غريبا عن هذه السلطة وعن كل ما تقوم به القيام بعملية التجنيس العشوائي والموجه من شانه أن يعزز هذا الانفصال وهذا الشعور بالاغتراب كما  أن ذلك يؤدي إلى نوع من التململ من كافة المشاريع المقدمة والأخطر من ذلك هو هندسة الشعور والتفكير عند المواطن بهيكلية المؤامرة والشعور بالخوف من كل ما يجرى من حوله وإذا تمت هذه الضيافة فانه من المتوقع أن تمرر كثير من الأمور لانشغال المواطن في تنمية هذا الشعور والاستسلام أو الأخذ بالاتجاه القدري في التغير وفي النهاية فان التسلط والهيمنة والانفلات عن الموضوعية والواقع هي ما يمكن تقديمه كوصف للحياة النفسية عند المواطن البحريني. ومن الطبيعي أن تتبع هذه ا
لآثار النفسية قد يأخذ وقتا طويلا  لما هو خطير جدا بل انه اخطر من الفعل السياسي كما أراه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق