الأرشيف
مترجِم 14 فبراير \\ مقال في صحيفة الفوريِن بوليسي الأمريكية: الجانب الآخر للتطرف في البحرين – حركة أحرار البحرين
17/07/2011م – 5:26 م | عدد القراء: 46
في مقابلةٍ بتاريخ السادس من شهر يوليو مع صحفيين مصريين نُشِرَت في صحيفة الأهرام اليومية؛ كشف قيادي بحريني بأن انتفاضة شهر فبراير التي حدثت في بلاده كانت “بكل المقاييس مؤامرة اشتركت فيها إيران بدعمٍ من الولايات المتحدة” حيث تهدف هذه الأخيرة إلى “رسم خريطة جديدة” للمنطقة.
أصر هذا القيادي أنه “الشيء الأهم من التحدث حول الخلافات بين الولايات المتحدة وإيران هو مصالحهما المشتركة في مجالاتٍ مختلفةٍ ولا تستهدف الصالح العربي”.
من هو واضع نظرية المؤامرة البحرينية؟ أحد القوميين المتطرفين العرب ربَّما؟ أو زعيم ثورة سنية شعبية مضادة والتي حُشِّدَ لها بنجاح ضد الثورة التي يقودها الشيعة؟ ليس بالضبط. في الحقيقة، إنه ليس سوى المشير خليفة بن أحمد آل خليفة: وزير الدفاع والقائد العام لقوة دفاع البحرين، وكما يدل اسمه، هو عضو بارز من العائلة البحرينية المالكة. فورة غضبه التي تستنكر الازدواجية الأمريكية في البحرين ما هي إلا أحدث حلقة في سلسلةٍ من الحوادث المماثلة والاتهامات الشعبيَّة والتي تثير مرَّةً أخرى مسألة التطرف السياسي في البحرين. ولكن في هذا الوقت، وعلى النقيض من المعتاد من السرد؛ التطرف لا ينبع من الأغلبية الشيعية في البلاد.
نشوء حكاية معاداة الولايات المتحدة بين صفوف البحرينيين السُنَّة يمكن تتبَّعه بسخرية إلى المظاهرة التي حدثت في السابع من شهر مارس أمام سفارة الولايات المتحدة في المنامة والتي نُظِّمَت بواسطة نشطاء سياسيين شيعة. الحاضرون في الاعتصام أدانوا ردة الفعل الأمريكية الصامتة إن لم تكن المعادية كليَّاً لثورتهم الشعبيَّة التي كانت مفعمةً بالأمل آنذاك. تفصيل عديم الأهمية وقع في هذه المظاهرة -جلب صندوق من كعك الدونات وفقاً لما قالته التقارير إلى المتظاهرين بواسطة مسؤول الشؤون السياسية في السفارة آنذاك، والذي تجرأ على الذهاب للخارج لسماع شكاوى المتظاهرين- قد أعطى المادة الخام في بضعة أسابيع لاحقة لمقالات واسعة الانتشار على شبكة الإنترنت تصوِّر المسؤول على أنَّه مقاتِل عدو حقيقي. صُوَرٌ لهذا المسؤول ولعائلته، جنباً إلى جنب مع عنوانه المحلي ورقم هاتفه ظهرت في وقتٍ قريبٍ على منتديات سلفية متطرفة، حيث تم حث القراء على اتخاذ إجراءات ضد هذا العميل لحزب الله. في غضون أسابيع قليلة؛ أصبح لدى السفارة الأمريكية مسؤول جديد للشئون السياسية، أما المسؤول القديم فقد أُرسِلَ إلى الوطن بشكلٍ هادئٍ جداً.
وفي نفس الوقت تقريباً؛ قامت صحيفة الوطن الصحيفة البحرينية الحكومية الأكثر تشدداً بنشر سلسلة من الافتتاحيات التي تتناول بالتفصيل الازدواجية الأمريكية المزعومة في البحرين. المقالات التي عُنوِنَت بـ “واشنطن وسُنَّة البحرين” قد أرَّخَت تشكيلةً واسعةً من سياسات ومؤسسات أمريكية تهدف إلى تقويض الحكم السني في البحرين وفي الخليج العربي عموماً. هذه الأشياء تتضمَّن مبادرة الشراكة الشرق أوسطية التي أطلقتها وزارة الخارجية الأمريكية والمعهد الديمقراطي الوطني ومنظمة هيومن رايتس ووتش ومركز الدراسات الأمريكية في جامعة البحرين (الذي “أعيد تنظيمه” فيما بعد).
في أواخر شهر يونيو أفسحت هذه السلسلة المجال لمقال أقل تهذيباً بعنوان: “آية الله أوباما والبحرين”، والذي يستند على الاسم المسلم للرئيس ليس فقط لتصوير بلدٍ قادتها مصالحها الاستراتيجية لترك الخليج العربي والذهاب نحو إيران بل لتصوير الرئيس الأمريكي على أنَّه يحمل تعاطفاً أيديولوجياً شخصياً مع الشيعة. المقالات التي غطَّت عشرات القضايا تقريباً من السادس والعشرين من يونيو حتى السادس من يوليو قد تم إنهاؤها فقط بعد احتجاج رسمي قدَّمته سفارة الولايات المتحدة.
هذا كان أكثر من مجرد حملة إعلامية. أقامت الوفاق الجمعية الشيعية المعارضة الأكبر في عطلة نهاية الأسبوع الماضية مهرجان كرَّرت فيه مطلبها بإقامة حكومة منتخبة والذي سيُقدَّم في جلسات هذا الأسبوع من مؤتمر الحوار الوطني الجاري. الموالون السنَّة ردُّوا على هذا المهرجان بتجمع خاص بهم، هذا التجمع غير موجَّه للحديث عن السياسة المحلية ولكن لإنهاء “التدخل” الأمريكي في الشئون البحرينية. لافتة يبلغ عرضها خمسة عشر قدم قد تم تعليقها مباشرةً وراء منصَّة المتحدثين تحمل أعلام “المتآمرين على الخليج العربي” الولايات المتحدة والوفاق وحزب الله وإيران، وتحت هذه الأعلام كُتِبَت هذه الرسالة: “البحرين الخليفية: اللهم احفظ البحرين من الخونة”.
رجل الدين السني الصاعد الشيخ عبداللطيف المحمود أخبر المستعمين أنَّ -من بين الأشياء الأخرى- الولايات المتحدة هي من قامت بتقسيم البحرين إلى سُنَّة وشيعة، تماماً كما فعلت في العراق. المحمود قال: “إذا كان النظام أضعف من يواجه الولايات المتحدة فعليه أن يعلن ذلك للناس حتى يقولوا كلمتهم”، وأكمل حديثه قائلاً: “وإذا كان النظام يحتاج لتجمٌّع أمام السفارة الأمريكية فإنَّ الناس مستعدُّون”، وبعد تعالي الأصوات قال: “وإذا كانت الولايات المتَّحدة تهدِّد بسحب قواتها وتسهيلاتها التي تعطيها إلى البحرين، فلتذهب إلى الجحيم مع هذه القوات والتسهيلات. نحن مستعدون للعيش في مجاعة لحماية كرامتنا.” هذا الكلام كان فقط من الرجل الذي قاد تجمعات مؤيدة للحكومة قبل شهور والتي جذبت عدة مئات من الآلاف من البحرينيين السُنَّة.
هذا التحشيد المعادي للأمريكيين من قبل مؤيدي النظام في البحرين هو أمر مشؤوم، وساخر بالطبع نظراً لأن ردة فعل إدارة أوباما الفاترة تجاه احتجاجات شهر فبراير تقوم في جزءٍ كبيرٍ على الافتراض الذي يقول أن البحرين التي يسيطر عليها الشيعة ستكون بدون الأسطول الأمريكي الخامس. ولكن لسوء الحظ الحكاية لا تزيد إلا سوءاً.
الأمر الكامن وراء هذا الشعور الشعبي هو سبب ما زال مثيراً للقلق وبشكل أكبر: نزاعٌ سياسي طويل المدى يقسِّم أعضاء العائلة البحرينية المالكة والتي دفعتها الأزمة الحاليَّة إلى اتخاذ قرارٍ حاسم. بعد شهر فبراير؛ شهدت البحرين تمكين الفصائل الأقل ميلاً إلى التفاوض في عائلة آل خليفة الحاكمة -بشكل خاص رئيس الوزراء الذي يحكم البلاد منذ أربعين سنة- على حساب الملك وولي عهده الأكثر اعتدالاً. الملك يمسك السلطة بشكل غير مستقر، أما ولي العهد فعلى الرغم من الجهود الأمريكية لإحياء موقفه السياسي في اجتماعٍ له في السابع من شهر يونيو في واشنطن مع الرئيس أوباما إلا أنه تم إزاحته بالكامل منذ فشله في التوصل لاتفاقٍ لإنهاء الاحتجاجات في الأيام الأولى للأزمة.
الشيء الأكثر جدارة بالذكر حول تحذيرات المحمود لأتباعه من السُنَّة هو ليس تهديده الموجَّه للولايات المتحدة، ولكنَّه تهديده الموجَّه لحكومته. اقتراحه الذي يقول بأنَّه ” إذا كان النظام أضعف من يواجه الولايات المتحدة فعليه أن يعلن ذلك للناس حتى يقولوا كلمتهم” هو ليس أقل من تحدٍّ صريحٍ للفصيل البحريني الحاكم: إما أن يفعلوا ما هو ضروري لضمان مصالح البلاد، أو يتنحُّوا عن الطريق لصالح أولئك الذين سيفعلون ذلك.
عدم قيام الملك حمد بوضع حدٍّ لسلسلة الخطابات -والتي أزعجت السفارة الأمريكية والرئيس الأمريكي بشكل مربك لمدة أشهر- أو الانتقاد العلني لطريقة تعامله مع الأزمة السياسية في البحرين هو دليلٌ على خوفه من خسارة الدعم الثمين القليل الذي ما زال يتمتَّع به بين أوساط الجماهير السُنيَّة الهامة في البلاد. في الحقيقة؛ بدلاً من التحرك لإسكات هذه الأصوات المتطرِّفة، قام الملك حمد بدافع الضرورة بإعطائها الشرعيَّة. في الحادي والعشرين من شهر يونيو ذهب إلى حدِّ قيامه بزيارة شخصية إلى منزل المحمود حيث “أشاد بجهوده لخدمة أمَّته ودينه” طبقاً لما ذكرته وكالة أنباء البحرين الرسميَّة.
عندما اندلعت الاحتجاجات في البحرين في شهر فبراير، القصة الأوليَّة أظهرت حكومةً سُنيَّةً ودودةً تحت حصار أغلبيَّةٍ شيعيَّةٍ مؤيِّدةٍ لإيران، والتي هي بطبيعتها فصيل معادٍ للغرب خُشِيَ من أنَّها لم تصبح إلا أكثر تطرُّفاً بعد حملة القمع الأمنية الواسعة الضرورية لإخماد الاضطرابات. بالنسبة لصُنَّاع القرار الأمريكيين فقد تحمَّلوا أشهراً من المراقبة الدقيقة لدعمهم الثابت للحكومة البحرينية بينما يدعمون الانتفاضات المطالبة بالديمقراطية في أماكنٍ أخرى، السخرية التي يثيرها التحوُّل الأخير المناهض للولايات المتحدة زالذي يقوده إسلاميُّون سُنَّة يجب أن تظهر فكاهيَّةً قليلاً، خصوصاً أن الحركة قد مُكِّنَت إن لم تَكُن قد زُرِعَت بالكامل بواسطة أعضاء برغماتيون من نفس العائلة التي عملت الولايات المتحدة بثباتٍ للمحافظة عليها.