Archive

حركة أحرار البحرين

عام آخر ليس كالاعوام، وحقبة ليست كالحقب، وموعد آخر لهذه النشرة “صوت البحرين” مختلف عن مواعيد الصدور الاخرى. فالعام المنصرم كان أشد الاعوام منذ توقف الانتفاضة الشعبية المباركة التي شهدتها التسعينات، من حيث تصاعد القمع والارهاب والاعتقال التعسفي والتعذيب، فكأنه جسد قطيعة كاملة مع “العهد الاصلاحي” وأعاد البلاد الى مربع الصراع التاريخي بين شعبها ونظام الحكم فيها. ومهما قيل عن تقييم الاثني عشر شهرا الماضية، فقد كانت ضرورة للتمحيص والمفاصلة بين طرفين: النظام وداعميه، وشعب البحرين ومعارضته الازلية لذلك النظام. بدأ العام بمشاركة قطاع كان يعمل خارج اطر النظام، قرر العمل من داخله، وشارك في انتخاباته الصورية التي اجريت قبيل حلول العام، وحققت أقل من نصف مقاعد النصف المنتخب من مجلس الشورى. وبذلك تحققت مفاصلة اخرى بين تيارين: تيار يسعى لما يعتبره “التغيير من الداخل” وآخر يصر على مواجهة النظام ليس في تفصيلات ادائه، بل في ايديولوجية حكمه وقوانينه الدستورية. هذه المفاصلة وفرت للمعارضة فسحة واسعة سهلت لها مساحة التحرك بحرية لم تتوفر لها من قبل. وعلى مدى الاثني عشر شهرا الماضية تميزت تحركاتها بجدية أكبر، وتوجه أقل لارضاء النظام ورموزه. ومع ان النظام استطاع الادعاء بانه حقق اختراقا للمعارضة بعد ان شقها، ولكنه اصبح أكثر انكشافا امام الجماهير والرأي العام الخارجي، لان المعارضة اصبحت أقدر على التحرك خارج الاطر الرسمية، وأكثر استعدادا على تحدي النظام مستعدة لتحمل تبعات ذلك. وتمثل حركة “حق” عودة للخيار الوطني اذ استطاعت لملمة شمل المعارضة مجددا، وحررتها من ارادة  النظام الذي كان يصر على  تشطيرها مذهبيا وايديولوجيا. حركة “حق”  تمثل اليوم الاجماع الوطني الذي يضم الشيعة والسنة والاسلاميين والليبراليين، الامر الذي سعى النظام لمنع حصولهز وبالتالي ففي الوقت الذي شارك فيه قطاع من المعارضة السابقة في العمل السياسي من خلال مجلس الشيخ حمد، حققت المعارضة قفزة نوعية عندما لملمت نفسها ضمن اطار سياسي وطني قادر على اعاقة مشروع الشيخ حمد الطائفي. المعارضة  تستطيع اليوم القول انها تمثل الاجماع الوطني، على عكس ما تريده العائلة الحاكمة. وهذا انجاز كبير لم يكن ليتحقق لولا مشاركة بعض المحسوبين على المعارضة سابقا في المشروع السياسي للشيخ حمد.

العام المنصرم كان حقبة ليست كالحقب. فقد انكشفت فيها حقائق حكم الشيخ حمد ونجله. فقبل ذلك كان ثمة اعتقاد بان بانهما أكثر نقاء وعفة من “العم العزيز” الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء. ولكن خلال العام ظهرت مؤشرات قوية تؤكد ان الجميع على خط واحد من حيث القمع والاستفزاز والجشع والطمع، بالاضافة الى سياسات التمييز والاعتقال التعسفي والتعذيب والقتل خارج القانون. تجسد ذلك من خلال التطورات الخطيرة التي حدثت ومنها مقتل الشاب عباس الشاخوري، على ايدي فرق الموت، واستشهاد الشاب علي جاسم، في ذكرى عيد الشهداء في 17 ديسمبر. وتجسد خلالها ايضا استمرار السياسات السابقة ومنها الاعتقال التعسفي الذي طال عشرات المواطنين خلال العام، والتعذيب الذي كشفته الصور الفظيعة التي نشرت على الانترنت واقنعت العالم بان الشيخ حمد ونجله ليسا سوى نسخة طبق الاصل من النظام الذي شيده رئيس الوزراء بمساعدة ايان هندرسون وبقية المعذبين. ومع استمرار المفاصلة مع النظام جاءت ذكرى عيد الشهداء لتصنع واقعا جديدا ولتخلق انتفاضة عملاقة ضد الحكم، قادرة على الاستمرار والتصاعد. ونظرا لاصرار المعارضة على التحرك خارج الاطر الرسمية، فقد استطاعت التحشيد لمواجهة سياسات السلب والنهب، فتمكن المواطنون من افشال خطة احتلال مساحات ساحلية واسعة، فانتفضت منطقة “المالكية” عندما حاول ابناء الشيخ محمد، عم الحاكم الحالي وشقيق رئيس الوزراء، بناء جدار عازل في تلك المنطقة، وتمكن المواطنون من هدمه وارغام العائلة الخليفية على الاعتراف بالهزيمة. ثم جاء موعد المعارضة مع محاولات استرداد السيادة الوطنية على الجزر المحتلة من قبل رموز العائلة الخليفية، وللمرة الاولى تسلطت الاضواء على الجزر الكبرى مثل “ام النعسان” التي يحتلها الشيخ حمد، وام الصبان التي وضع الشيخ حمد يديه عليها، وجدة التي يحتلها رئيس الوزراء. وهناك خطط لاسترجاع جزر “حوار” التي انفق على استرجاعها للسيادة البحرانية اكثر من 100 مليون دينار خلال الترافع امام محكمة العدل الدولية. وقد واجه الحكم هذه المحاولات بيد حديدية، ووقعت مواجهات كثيرة سقط خلالها العديد من الجرحى، ولكن ارادة الشعب انتصرت في النهاية، فأصبحت هذه المناطق على اجندة المعارضة بهدف تحريرها من ايدي المحتلين الخليفيين واعادتها للسيادة الوطنية.

وعلى مستوى آخر، يمثل العام الماضي فترة نضج للاعلام المعارض، اذ يمثل اكمال “صوت البحرين” مشوارا طويلا من الصدور المنتظم استمر ربع قرن بدون انقطاع.تجربة متميزة قل نظيرها. فعندما صدر الاول منها في فبراير 1983 لم يدر في ذهن القائمين عليها انها سوف تستمر طوال هذا العمر المديد، وانها ستتحول الى مشكاة للنضال، ومعلم من معالم الجهاد الوطني ا لمتواصل، وكشكولا للتطورات السياسية والامنية في البلاد. وما أكثر الذين سطروا بأقلامهم الخواطر والأفكار، وما أكثر الذين أمدوها بالانباء والمعلومات من بواطن الزنزانات. كانت تستلم اخبار السجناء مكتوبة على قطع قماش ملابسهم، او بالحبر السري او بالرسائل المشفرة. ربع قرن من العمل المتواصل لم يتأثر بعوامل السياسة وتطوراتها. وبرغم اصرار السلطات على ايقافها بكافة وسائل “الاقناع” و “الضغط الداخلي” و “التهديد” فقد واصلت طريقها معبرة عن مشاعر اهل البحرين، تنشر قضاياهم وتتضامن معهم، وتنشر الشعر والادب للتعبير عن تلك المعاناة. راهن البعض على خنقها، ولكن شاء الله الا ان تواصل المشوار الطويل، معتمدة على الله وعلى جهود شباب البحرين الأبي، وأصحاب الاقلام الحرة التي ترفض ان تتدنس بوسائل إعلام النظام. لقد بقيت معلما مهما في تاريخ الحركة السياسية الاسلامية المعاصرة، وما تزال تصر على الوقوف مع الناس في ساعة بلواهم، وتربأ بنفسها عن الخوض في قضايا الخلاف، وتؤكد عمق الخلاف بين اهل البحرين والطغمة الخليفية الحاكمة. بدأت مسيرتها عندما كان النظام يزج بالشباب في السجون بدون حق. كان ذاك في ذروة الارهاب الذي شنه الثنائي البغيض خليفة – هندرسون في مطلع الثمانينات، بعد قتل اول شهيد من التيار الاسلامي: جميل العلي في 1980، وتلاه سقوط الشهيد كريم الحبشي ثم محمد حسن مدن والشيخ جمال العصفور ورضي مهدي ابراهيم والدكتور اسماعيل العلوي. استهلت النشرة حياتها باعادة نشر مقال حول الشيخ المجاهد محمد علي العكري، نشرته صحيفة “التايمز” اللندنية في يناير 1983، الذي كان يرزح في زنزانات التعذيب الخليفية. وفي نهاية الثمانينات كان الاجرام الخليفي يتصاعد بشكل مضطرد، وكانت قوافل السجناء تتجه نحو سجن جو بأعداد كبيرة، في الوقت الذي كانت وزارة الداخلية تتفنن في تأليف “الاعترافات” على السنة ضحايا التعذيب. وجاءت التسعينات لتتصاعد الحركة الوطنية  المعارضة. كانت “صوت البحرين” تتألق وهي تتابع تلك التطورات وتساهم في ايصال صوت المظلومين الى العالم. يومها كانت مصدر أخبار للكثيرين خصوصا في اراضي المهجر. وهكذا استمرت في اداء رسالتها بدون توقف. وبرغم الضغوط التي تعرضت لها بعد صعود الشيخ حمد الى الحكم، فقد أصرت على ان تبقى معلما للحق وراية للعدل، وهذا شأنها حتى اليوم. فتحية للشعب البحراني الذي يواصل جهاده ضد الطغيان الخليفي، وألف شكر للاقلام التي خطت كلماتها على صفحات هذه النشرة، وعهدا للشهداء والثوار ان تبقى “صوت البحرين” على خطها الاصيل الذي لا يساوم ولا يجامل ولا يداهن، بل يقول الحق مهما كلف الامر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق