Archive

حركة أحرار البحرين

” فحتى يتم عزل العناصر المتوحشة والوجوه القبيحة في الظلم الممارس يلجئون إلى التغطية بغطاء شرعي و شريف وطاهر و مقدس إلا وهو الإرادة الإلهية التي لا تخطئ ” خواء عجل السامري….(1)

عباس ميرزا المرشد

” فحتى يتم عزل العناصر المتوحشة والوجوه

القبيحة في الظلم الممارس يلجئون إلى التغطية
بغطاء شرعي و شريف وطاهر و مقدس
إلا وهو الإرادة الإلهية التي لا تخطئ “

إنه ليس اللقاء الأول لكنه الأكثر إثارة . إذ لم يكن يخطر على بال أحد أن يكون اللقاء الذي أجراه أحمد عبد العزيز الجار الله رئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية، بتاريخ 26 نوفمبر 2007 مع رئيس الوزراء البحريني خليفة بن سلمان أن يأخذ هذا المنحى الوثائقي حيث يسجل ئيس الوزراء رأيه الخاص بكل وضوح و صراحة. النظرة الإعجابية المتبادلة بين كلا الطرفين ليست بالبراءة التي يمكننا أن نتصورها بل هي محفوفة بالكثير من نظرات الشك و الريبة فأحمد الجار الله يمتلك العديد من المشاريع الاستثمارية في البحرين، منها منتج البندر الشهير، و يفوت فرصة زيارة إلى البحرين إلا و يتلقى برئيس الوزراء و بعض حاشيته، و قد سجل معه العديد من اللقاءات الصحفية ، فأحمد عبد العزيز الجار الله بنظر رئيس الوزراء البحريني “علم إعلامي بارز على الساحة الصحفية والإعلامية العربية” و خليفة بن سلمان بنظر الجار الله يعتبر مهندس الأمن والتطور الاقتصادي في البحرين إضافة إلى أنه محارب يبدي جهوزيته كل حين. و بحكم هيمنة العائلة الحاكمة على جسم الصحافة البحرينية، يقوم ديوان رئيس الوزراء، بنشر اللقاء في كافة الصحف إما عنوة أو كإعلان مدفوع الأجر.

في هذا اللقاء الساخن يظهر خليفة بن سلمان بصورته الجلية البعيدة عن الدبلوماسية و يسعى بكل جراءة إلى تثبيت صورته كحاكم فعلي للبحرين و مسئول عن كل صغيرة وكبيرة فيها.
يبدأ رئيس الوزراء حديثه بذكرياته عن فترة الاستعمار البريطاني للبحرين، لكنها ذكريات مشوهة و مبتورة الغرض منها تأسيس أسطورة خاصة بحياة رئيس الوزراء تتعاضد بعض الشيء مع أسطورة بقاء العائلة في الحكم. فكل نظام حكم يثبت شرعية بقاءه من خلال أسطورة خاصة بها ، والنظام في البحرين يبني شرعيته على أساس أسطورة الغزو أو الفتح كما يطلق عليها في أدبياته، و يعتبر أن كل الأشياء قابلة إلى أن تعامل و فق هذه الأسطورة. ثم ما يلبث الحديث أن يؤطر فعل الغزو وهو فعل وحشي و مخيف و همجي بإطار أكثر نبلا و ديمقراطية عندما يؤكد على انفتاح العائلة الحاكمة على هموم الناس و تباعد موقفها من موقف الاستعمار البريطاني. الذاكرة التاريخية والوطنية تتقاطع مع هذا السرد الصحفي و تسرد لنا أحداثا مؤسفة قامت بها الإدارة البريطانية بمعاونة نظام الحكم ابتداء من أحداث الهيئة العليا في أوساط الخمسينات 1954- 1956 و أحداث انتفاضة مارس 1965 و إضرابات العمال في بداية السبعينات وصولا لبدعة قانون أمن الدولة في العام 1975 و تجميد العمل بمواد الدستور الديمقراطية. في خضم تلك الأحداث و غيرها كان رئيس الوزراء ماسكا بالجهاز الأمني ثانيا و الجهاز المالي أولا ثم بالحكومة مجتمعة ثالثا.
و كي يستمر رئيس الوزراء في تثبيت شرعية بقاءه لأكثر من 30 عاما في سدة الحكم يلجأ إلى الاستعانة بنظام الخلق و الحالة الطبيعية التي خلق الناس عليها و كأنه يريد أن يقول أن بقاءه في سدة الحكم و وقوفه على قمة الطبقات هو أمر الهي لا يجب مناقشته و حسب تعبير رئيس الوزراء ” إن الله عندما خلق الخليقة لم يخلق أبداناً من دون رؤوس، حتى الحيوانات والبهائم لها رؤوس، ولابد من أن يكون هناك رأس في المجتمع والدولة” وظيفة هذا الاحتجاج أنه يقول أنه رأس خلقه الله على أبدان وأجساد المواطنين في البحرين.
استخدام هذا المنطق “الحجاجي ” في حديث رئيس الوزراء البحريني يحيلنا إلى تلك النزعة التي سادت في الحضارات القديمة يوم أن ادعى حكامها الإلوهية و تحيلنا إلى بعض الشواهد التاريخية في التاريخ الإسلامي و كيف كان الخلفاء ينظرون إلى أنفسهم على أنهم ممثلين لإرادة الله في الأرض و انه ظله في الأرض وأن النظام الكوني و الطبيعي خلق من أجل بقاءهم في الحكم و على هذا الأساس يبنون شرعيتهم.
الحقيقة المؤكدة هنا أن توظيف هذه النزعة في الحجاج السياسي ترتبط بشكل كبير بواقع مغاير ومختلف هو واقع الاستبداد و السيطرة و كأن هناك توجه لجمع المتناقضات في قالب واحد. فحتى يتم عزل العناصر المتوحشة والوجوه القبيحة في الظلم الممارس، يلجئون إلى التغطية بغطاء شرعي و شريف وطاهر و مقدس إلا وهو الإرادة الإلهية التي لا تخطئ . من هنا سنرى أن الإرادة الإلهية هي من تقف خلف ممارسات النظام وهي التي تسدد خطواته، فأي اعتراض عليها هو اعتراض على الحكم الإلهي.
يأخذ هذا البعد مركزيته في الحديث الصحفي من خلال تكرار القسم بالاسم الإلهي و التشديد على الإرادة الربانية في كل مقطع من المقاطع مثل ” نعم، كانت الرياح عاتية علينا، ولكن إيماننا بالله وبقدرتنا على المواجهة كان كبيراً وكذلك ثقتنا بشعبنا الذي كان كبيراً في المواجهة” أو في ” كل هذا انتبهنا له، وأقسم بالله اننا كنا، وأنا بالذات كنت أمارس الدور الموكل إليَّ بكل ثقة ومن دون أي خوف” و كي يؤدي هذا التوظيف دوره يستعين بالنقيض التاريخي لدوره السياسي هو القوى السياسية المناهضة لإدارته و يوصفها بأبشع الأوصاف والنعوت و يصنفها في خانة الكارهين لإرادة الله في أرض البحرين بعد أن يستنفذ قوته في التسفيه بالأطروحات السياسية لهم وطريقة عملهم.
و لنقترب من واقع الحال أكثر فإن الخطاب رغم أنه تاريخي لكنه يكتسب أبعادا آنية و يستبطن الخطاب رسائل موجهة للقوى السياسية الحالية وهي القوى التاريخية نفسها التي كانت شيوعية ومهرطقة ومخالفة لإرادة الله و مغرر بها و مظللة في أفكارها ومعرضة للتشيك في إخلاصها الوطني و هذا ما سنتناوله في الحلقة المقبلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق