Archive

حركة أحرار البحرين

الوقت – جواد مطر:
اعتبر الناشط السياسي عبدالوهاب حسين أن ”أي إخلال في تنفيذ بنود الميثاق، لا يعني وجود خلل في الميثاق نفسه”، منوهاً إلى أن ”الأوضاع السلبية التي أفرزتها حقبة ما بعد الميثاق، كانت بسبب عدم تطبيق الجهات التنفيذية للبنود التي اشتمل عليها الميثاق بشكل صحيح”.وأضاف حسين في الندوة التي نظمتها حركة (حق) غير المرخصة، مساء أمس الأول (الجمعة) بمأتم العطار في سترة، بعنوان ”المملكة بعد 6 أعوام من التعديلات الدستورية” أن ”الرفض النظري للميثاق ودستور ,2002 ومن ثم العمل في سياقهما يفقد القوى المعارضة مصداقيتها أمام الأهالي”، منوها إلى أن ”إقرار الحكومة دستور ,2002 نتج عنه أوضاع سلبية كثيرة على الساحة الوطنية”.ورأى حسين أن ”ميثاق العمل الوطني الذي طرحته الحكومة، لم يكن سوى مخرج للمأزق السياسي والأمني الذي حل إبان تسعينات القرن الماضي”، مضيفا أنه ”من عجائب القدر، أن آراء المعارضين الذين كانوا خارج السجن، كانت أقل شدة من المعارضين الذي قضوا فترات في السجن، بينما يفترض العكس تماماً”. الصلاحيات الدستورية لمجلسالسبعينات واسعة مقارنة بالحاليمن جهته، أشار الناشط السياسي في حركة”حق” غير المرخصة علي ربيعة إلى أن ”المجلس الوطني إبان سبعينات القرن الماضي، كان يتمتع بصلاحيات دستورية واسعة مقارنة بالمجلس الحالي، من ناحية الرقابة على المال العام، والرقابة الإدارية، التي تُعنى بمحاسبة السلطة”.وتابع ”كان يتميز بعدة صلاحيات تشريعية، منها ضرورة عرض أي قانون يتم صياغته في إجازة المجلس، على المجلس في حال انعقاده لاحقاً، بعكس ما هو الآن”.واعتبر ربيعة أن ”إقرار دستور 2002 ساهم بشكل كبير في ضعف صلاحيات المجلسين، مقارنة بدستور 1973 الذي جاء به الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة”، منوها إلى أن ” جميع نواب مجلس 2002 فوجئوا بمحدودية الصلاحيات التشريعية والرقابية، رغم أن الدستور الجديد، كان واضح المعالم، وبإمكان أي مطلع أن يدرك ما تضمنه من قصور من أول وهلة”، وفق ما قال.ورأى ربيعة أنه ”كان يُفترض على الجمعيات السياسية المعارضة (الوفاق، العمل الديمقراطي، التجمع الديمقراطي، وأمل) أن تعي أن صلاحيات المجلس الوطني الحالي محدودة جداً”، مشيراً إلى أن ”رغبتها دخول التجربة، جعل مصيرها نفس المصير الذي مر به نواب .”2002وأوضح ربيعة أن ”فقدان النواب صلاحياتهم الرقابية، وعجزهم عن لعب دور بارز في حل القضايا المجتمعية والاقتصادية، جعلهم يتحولون بشكل تلقائي إلى نواب خدمات، في محاولةً للتعويض عن فقدهم للصلاحيات التشريعية”، منوهاً في الوقت نفسه إلى ”نواب خدمات مقبولين لدى الحكومة، تشجعهم وتلبي طلباتهم، ونواب خدمات ممن يجهدون أنفسهم من دون أن يتمكن من تقديم بعض الخدمات لناخبيه”.البرلمان الحالي عاجز عن تعديل الدستورمن جهته، أكد الناشط الحقوقي، المحامي حسن رضي أن ”جميع الدساتير، تقر أن الشعب هو المعني بإدارة ثروته ومراقبتها (….) الدستور ما هو إلا وثيقة تعاقدية بين الحاكم والمحكوم، حول إدارة البلاد وتسيير شؤونها، وليس من حق أي طرف الانفراد بتغيير هذا العقد”.واستدرك ”وفي حال حدوث تغيير في الدستور المبرم بين الطرفين، يتفق فقهاء القانون في عدم مشروعية المواد المعدَلة في حال اشتمالها على حقوق أقل من سابقتها، حتى وإن كان التعديل عن طريق الاستفتاء العام، في حين يرى الحقوقيون إمكان التغيير في حال إعطاء المادة مزيداً من الحقوق للمواطنين”.ورأى رضي أن ”اشتمال المجلس الوطني على 50% من أعضائه عن طريق التعيين، هو أبرز تراجع، شهده الدستور الجديد”، مضيفا أن ”التراجع الآخر، يتمثل في نقل ديوان الرقابة المالية من البرلمان إلى الديوان الملكي”.وأوضح رضي أن ”جميع الديمقراطيات، تتفق على أن مهمة الغرفة العليا (مجلس الشورى) تقتصر على إبداء مشورتها حول ما يقرره البرلمان، ومن ثم إرجاعه إلى البرلمان مرة أخرى، وليس التشريع نفسه”، مذكراً بأنه ”لا يوجد أدنى مجال للمقارنة بين المجلس الوطني، والمجالس البرلمانية الأخرى، كما في الأردن والمغرب، رغم تشابه ظروف المملكة مع هذين البلدين”.واعتبر رضي أن ”البرلمان الحالي، عاجز عن تعديل الدستور، نظراً للمواد التي يتضمنها، والتي تنص على اشتراط التعديل على موافقة الثلثين من كل مجلس على حدة، بخلاف ما نص عليه دستور 1973 من أن التعديل يتم بأغلبية ثلثي المجلس الوطني”.تزايد التجنيس السياسي سيسهمفي تغيير التركيبة السكانية وفي سياق متصل، رأى الناشط السياسي سعيد الشهابي في مداخلة هاتفية خلال الندوة أن ”الجهة الرسمية في المملكة، استطاعت التأثير على الصف المعارض، مع إقناعه بجدوى المشاركة في العملية السياسية، في حين لم تترك تلك الجهات فرصة للمشاركين في لعب دور بارز في التعديل أو الرقابة”.ورأى الشهابي أن ”مبرر التغيير من الداخل الذي ساقه المعارضون قبل دخولهم اللعبة السياسية، عديم الجدوى”، منتقداً ”تزايد عمليات التجنيس السياسي، الذي سيسهم لا محالة في تغيير التركيبة السكانية والثقافية للمملكة سلباً”.

إلى ذلك، استعرض الأمين العام لحركة (حق) غير المرخصة حسن مشيمع، العوامل التي أدت إلى بروز الميثاق، منوها في هذا الشأن إلى ”النزاع الحدودي بين البحرين وقطر، سقوط عدد من الأهالي في المواجهات مع قوات الأمن، متابعة عدد من المنظمات الدولية الحقوقية للوضع الأمني، إضافة إلى الضغط الشعبي”. ولفت مشيمع إلى أن ”الإصلاح السياسي، كان يجب أن يتزامن مع وضع حد للنقاط المختلف عليها بين المعارضة والحكم”، معتبرا أن ”دستور 1973 كان يمثل نموذجا راقياً للدساتير العقدية (…) إقراره مجدداً هو الحل للخروج من عنق الزجاجة الذي مضى عليه عدة عقود”.

نص كلمة الإستاذ عبدالوهاب

بين يدي الانقلاب على الميثاق

الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .

المناسبة : ذكرى الانقلاب على ميثاق العمل الوطني والدستور .
المكان : مأتم العطار ـ سترة / مركوبان .
التاريخ : 7 / صفر / 1429هج .
الموافق : 15 / فبراير ـ شباط / 2008م .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .

بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .
اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، وأهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، وأجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرف عين أبدا يا كريم .

اللهم معهم .. معهم لا مع غيرهم .

السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .

في 14 / فبراير ـ شباط / 2001م كان التصويت على ميثاق العمل الوطني ، وفي 14 / فبراير ـ شباط / 2002م ( أي بعد عام واحد فقط ) كان الانقلاب على ميثاق العمل الوطني والدستور العقدي ، ثم كان ما كان على الساحة الوطنية من أوضاع ، وبالتالي فإني سوف أتحدث في هذه الليلة في ثلاثة محاور أساسية ، وهي :

أولا : التصويت على الميثاق .
ثانيا : الانقلاب على الميثاق والدستور العقدي .
ثالثا : المواقف بعد الانقلاب .

المحور الأول ـ التصويت على الميثاق : أرى بأن السلطة قد طرحت ميثاق العمل الوطني كوسيلة للخروج من المأزق الأمني والسياسي الذين كانت تعيشهما في ذلك الوقت في ظل انتفاضة الكرامة الشعبية المباركة . ومن المعلوم لديكم أن السلطة قد نجحت في السيطرة ( بصورة عامة ) على الحالة الأمنية في الشارع في عام 1998م .

وقد وجد في ظل سيطرة السلطة على الحالة الأمنية للشارع اتجاهان ، وهما :
الاتجاه الأول :

يرى أصحاب هذا الاتجاه بأن نجاح الانتفاضة يتوقف على استمرار الحالة الأمنية المضطربة حتى تتحقق المطالب ، وبما أن السلطة قد نجحت في السيطرة على الحالة الأمنية للشارع فإن الانتفاضة قد انتهت عمليا ، وأصبح أصحاب هذا الاتجاه يفكرون كيف يعلنون انتهاء الانتفاضة رسميا .
الاتجاه الثاني : يرى أصحاب هذا الاتجاه بأن صلب الانتفاضة يتمثل في العملية السياسية الفاعلة وليس في الحالة الأمنية ، ومتى توفرت الإرادة السياسية في الاستمرار ، فإن الانتفاضة باقية وسوف تنجح في تحقيق المطالب .
ومن عجائب الدهر : أن أصحاب الاتجاه الأول كانوا جميعا في خارج السجن ، أما من كانوا في داخل السجن فهم جميعا من أصحاب الاتجاه الثاني ، وفي الحالة الطبيعية : إذا كان للاتجاه الأول أن يوجد ، فيمكن أن يوجد لدى من هم في داخل السجن بسبب تعبهم من السجن والسجانين ، أما أن يوجد لدى من هم في خارج السجن ويكون جميع من هم في داخل السجن من أصحاب الاتجاه الثاني ، فهذا يدل على وجود خلل في الرؤية لدى أصحاب الاتجاه الأول وأنهم من ذوي النفس القصير .
أتذكر : أن الضابط عادل فليفل زارني في السجن مبعوثا من قبل السيد هندرسون ، وكان معي في ذلك الوقت الشيخ محمد الرياش ، وكان من جملة الرسائل التي أبلغني بها : أن الحكومة لا تريد أن تستجيب لأي من المطالب ، وأن علينا أن نتدبر أمرنا ، فقلت له : ليس أمام السلطة من مخرج سوى الاستجابة للمطالب ، وأنها إذا لم تستجب لها اليوم ، فإنها سوف تستجيب لها غدا .
وأيضا : لما حصلت على حكم بالإفراج من المحكمة ، وكان ذلك بفضل الله عز وجل والجهود المخلصة للمحامي الكبير الدكتور حسن رضي وشركاه ، لم تنفذ السلطة حكم المحكمة . وبعد أسبوعين من مسرحية الإفراج عني لمدة ساعة ، طلبوني ليلا في إدارة المخابرات وأبدوا رغبتهم بالإفراج عني بشرط أن لا أصلي جماعة ولا أخطب ولا أطالب بشيء ، فرفضت ذلك جملة وتفصيلا وهاجمت بشدة رموز السلطة والمخابرات ، إلا أن اللقاءات تواصلت ، وقالوا لي في آخر لقاء يتعلق بالموضوع : لتلتقي الحكومة مع عبد الوهاب في منتصف الطريق ، الحكومة تفرج عن عبد الوهاب ، وعبد الوهاب يصلي جماعة ويخطب ويطالب سياسيا بما يريد ، فقط لا ينسق مع الأطراف السياسية الأخرى ، فرفضت ذلك بشدة ، وقلت لهم : أخرج من السجن بدون قيد أو شرط ، وأمارس حياتي العامة بشكل طبيعي ، وأتصل وأنسق مع من أشاء في الداخل والخارج ، وإذا كنتم تفكرون أن تفرجوا عني وتتصرفوا معي كما تتصرفون مع سماحة الشيخ ألجمري بأن تفرضوا علي الإقامة في البيت أو ما شابه ذلك ، فإني سوف أتمرد عليكم وأخلق لكم مشكلة ، فالأفضل لكم أن تبقوني في السجن .
وأعتقد أن الأخوة الآخرين في السجن كانوا على نفس الرأي تقريبا ، ولو أن من كانوا في السجن قد ضعفوا في موقفهم لما وجد الميثاق أصلا ، فالميثاق إنما وجد كوسيلة للخروج من المأزق في ظل التزام من كانوا في السجن بالمطالب وتصلبهم في الموقف ، فاضطرت السلطة لطرح الميثاق للخروج من المأزق الأمني والسياسي .
وخرجنا من السجن وكان أمامنا رأي أصحاب العريضة وحركة أحرار البحرين برفض الميثاق ، ولم أكن أعلم حتى ذلك الوقت شيئا عن رأي سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم ، ولم يحدثني أحد عنه ، وكان في مقدمة المتصدين : سماحة الشيخ عبد الأمير ألجمري وسماحة السيد عبد الله الغريفي وكانا في البلاد وخارج السجن يوم طرح الميثاق . أما الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين فلم يكن لهم حتى ذلك الوقت أي تنسيق مع أصحاب المبادرة ، وكان خيارهم الاستراتيجي المعلوم هو إسقاط النظام .
وعلى مستوى القاعدة : كانت فئة قليلة مع التصويت بنعم للميثاق ، وفئة قليلة مع التصويت بلا على الميثاق ، والغالبية العظمى كانت تنتظر خروج أصحاب المبادرة من السجن لتحدد رأيها . وقد أجرينا اتصالاتنا مع شركائنا في غضون ثلاثة أيام بعد خروجنا من السجن والتقينا مع الملك ، واشترطنا عليه بعض الشروط للتصويت بنعم على الميثاق ، وهي :
الشرط ( 1 ) : حاكمية الدستور على الميثاق .
الشرط ( 2 ) : أن يكون التشريع والرقابة من اختصاص المجلس المنتخب ، والمجلس المعين للاستشارة فقط .
ولما أعطانا الملك هذين الشرطين بلسانه طلبت منه أن يخرج شيء إلى الناس بهذا الخصوص ، فقال أنا رجل أكلم رجالا ، فقلت له هذا صحيح ولكننا نتكلم في شأن عام وليس في شان خاص ، فقال : سوف أطلب من وزير العدل بوصفه رئيس لجنة الميثاق أن يصرح إلى الصحافة بهذا المعني ، وفعلا صرح بذلك إلى الصحافة ونشر في يوم الجمعة بتاريخ : 9 / فبراير / 2001م ويعتبر تصريحه ( قانونيا ) بمثابة التفسير لما جاء في الميثاق .
الشرط ( 3 ) : إلغاء قانون أمن الدولة ، وقد أعلن الملك تجميده تمهيدا لإلغائه .
الشرط ( 4 ) : الإفراج عن كافة المعتقلين والسماح لكافة المبعدين بالعودة إلى الوطن .
وبعد القبول بهذه الشروط التقينا مع أصحاب العريضة في الداخل ، فغيروا رأيهم على ضوء قبول الملك بالشروط وقبلوا بالتصويت بنعم للميثاق وأصدروا بيانا بذلك . كما اتصلنا بالأخوة في حركة أحرار البحرين في لندن ، وتوصلنا معهم إلى أن يعلنوا إلى الجمهور حريتهم في التصويت وأصدروا بيانا بذلك ، وبعد هذا أعلنا موقفنا للتصويت على الميثاق بنعم .
وأرغب هنا في ذكر ثلاث ملاحظات :
الملاحظة ( 1 ) : أن التصويت على الميثاق بنعم كان بنسبة ( 98،4% ) وبقرار من القيادة المتصدية في الداخل ، ومنهم : سماحة الشيخ ألجمري وسماحة السيد عبد الله الغريفي ، ومن كان له رأي آخر فعليه أن يحترم هذا القرار القيادي والغالبية الساحقة التي صوتت بنعم على الميثاق ويكف عن الإهانة . ولا يستطيع أحد أن يدعي بأن الداعين إلى التصويت بنعم للميثاق قد منعوا أحدا من إبداء رأيه .
الملاحظة ( 2 ) : أن القائد السياسي لا يكتفي بإبداء رأيه ، وإنما يكوون رأيه ، ثم يحول الرأي إلى قرار وفق آليات محددة ، ثم يحول القرار إلى الموقف ، ويحول الموقف إلى حركة وفعل حتى تتحقق الأهداف .
الملاحظة ( 3 ) : أن كل الذين لم يوافقوا على الميثاق من الذين كانوا في الداخل أو كانوا في الخارج وعادوا إلى البلاد ، لم يتخذوا لأنفسهم وضعا خارج دائرة الميثاق واجهوا به الميثاق وما بني عليه ، وإنما رتبوا أوضاعهم جميعا طبقا لما جاء في الميثاق .
مثال للتوضيح : هناك من رفض دستور : 2002م ولهذا لم يرتب أوضاعه طبقا لما جاء فيه ، وإنما اتخذ لنفسه وضعا واجه فيه هذا الدستور وما بني عليه ـ على قاعدة : أن ما بني على باطل فهو باطل ـ وهذا في رأيي مما تفرضه المصداقية في الموقف والعمل السياسي .

المحور الثاني ـ الانقلاب على الميثاق والدستور العقدي : أرى ـ وهذا الرأي يخالفني فيه بعض أصحاب الرأي السياسي المحترمين ـ بأن الملك لم تكن له نية الانقلاب على الميثاق والدستور حينما بدأ عهده الجديد ، وقد اُقنع ـ في ظل أداء المعارضة ـ بأن المعارضة سوف تحتج ثم تقبل بالأمر الواقع .

وكان في المعارضة اتجاهان في ذلك الوقت ، وهما :
الاتجاه الأول :

يغلب على أصحابه الحذر الشديد من كل طرح أو موقف يمكن أن يغضب السلطة خوفا من أن تتراجع عن الإصلاحات . وكان أصحاب هذا الاتجاه يرفضون كل حديث عن المسألة الدستورية أو التجنيس أو التمييز الطائفي أو الشهداء أو ما شابهها من المسائل .
الاتجاه الثاني : يرى أصحابه بأن في يد الشعب والمعارضة الدستور والميثاق وتعهدات السلطة الشفهية والتحريرية ، ولهما مطالب عادلة لم تتحقق بعد ، وأن عليهما المحافظة على كافة الحقوق ومواصلة الضغط على السلطة حتى تتحقق المطالب .
وكنت أحذر كثيرا في ذلك الوقت مما أسميته بسياسة الإغراء بالخطأ التي يمارسها أصحاب الاتجاه الأول . وللأسف الشديد أن توقع من كان حول الملك وأقنعه بموقف المعارضة ( الاحتجاج ثم القبول بالأمر الواقع ) قد صدق ، وهذا ما يشهد به الواقع اليوم على الساحة الوطنية .
وأرغب هنا في ذكر بعض الملاحظات ، وهي :
الملاحظة ( 1 ) : هناك من يقول بأن الذين دعوا إلى التصويت على الميثاق لا يفهمون في السياسية ، وأنا أحترم هذا الرأي بالتأكيد ، ولكني لا أحترم من يتجاهل الانقلاب على الميثاق والدستور العقدي ويحمل التصويت على الميثاق مسؤولية الأوضاع السلبية على الساحة الوطنية ، لأن هذه الأوضاع ليست نتيجة لتطبيق بنود الميثاق ، وإنما هي نتيجة للانقلاب على الميثاق والدستور العقدي ، وقد قال سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم في أكثر من مناسبة : لو عمل بالميثاق لكانت الأوضاع على الساحة الوطنية غير هذه الأوضاع . وسبق لي أن قلت وأكرر : لو وضع رشاش على رأسي وجعلت بين خيارين : أن أقول بخطأ التصويت على الميثاق أو ينسف رأسي ، لاخترت نسف رأسي على القول بخطأ التصويت على الميثاق ، رغم أني اليوم قد تجاوزت عمليا الميثاق حينما طالبت بوضع دستور جديد من خلال هيئة تأسيسية منتخبة ، بعد أن أصبحت بانقلاب السلطة على الميثاق في حل من التزمي به ، وذلك لأن القول بخطأ التصويت على الميثاق يعني تبرئة المجرم من مسؤولية الانقلاب على الميثاق والدستور العقدي وتحميل الضحية وهم الغالبية الساحقة من أبناء الشعب المسؤولية بغير حق ، وهذا ظلم لا أريد أن أتحمل مسؤوليته أمام الله عز وجل والتاريخ والأخلاق . وأحذر الأخوة السياسيين من المشاركة في تزوير الحقائق وتضليل الرأي العام ، من خلال تحميل التصويت بنعم على الميثاق مسؤولية الأوضاع السلبية على الساحة الوطنية وتجاهل الانقلاب على الميثاق والدستور العقدي .
الملاحظة ( 2 ) : من الذين قالوا بأن الذين دعوا للتصويت بنعم للميثاق لا يفهمون في السياسة ، عللوا ذلك بنقص الضمانات ، ولا أريد الآن مناقشة هؤلاء في مسألة الضمانات وقد ناقشتها في مناسبات سابقة ، وأكتفي بسؤالهم : إذا كانت العلة في الانقلاب على الميثاق نقص الضمانات ، فما هي علة الانقلاب على الدستور العقدي وهو أعظم وثيق قانونية في البلاد ، وعلة الانقلاب على الحياة البرلمانية في عام : 1975م ؟!
أيها الأعزاء : لماذا تتجاهلون حقيقة هذا السلوك الانقلابي لدى السلطة ، وتحملون الضحية المسؤولية بغير حق ؟!
الملاحظة ( 3 ) : أرى بأن الكثير من الذين يحملون مسؤولية الأوضاع السلبية على التصويت بنعم للميثاق ، كان رأيهم لا للميثاق أو لإثبات هذا الرأي ، وأنا أحترم هذا الرأي والتوجه بالتأكيد ، ولكن أقول لهؤلاء : ليس من الحكمة والأخلاق التخندق لإثبات صحة رأي بظلم الضحية وتبرئة المجرم ، وكما قلت قبل قليل : عليهم احترام القرار القيادي ورأي الغالبية الساحقة التي صوتت بنعم للميثاق .

المحور الثالث ـ المواقف بعد الانقلاب : برزت ثلاثة مواقف بعد الانقلاب على الميثاق والدستور العقدي ، وهي :

الموقف ( 1 ) :

لم ير أصحابه أن هناك انقلابا وقبلوا بدستور 2002م وبنوا عليه .
الموقف ( 2 ) : رأى أصحابه في دستور 2002م انقلابا على الميثاق الوطني والدستور العقدي ، إلا أنهم رتبوا أوضاعهم عمليا بناء على معطيات دستور 2002م ، وهذا في رأيي خلاف المصداقية .
الموقف ( 3 ) : رأى أصحابه في دستور 2002م انقلابا على الميثاق الوطني والدستور العقدي ، واتخذوا لأنفسهم وضعا في مواجهة هذا الدستور وما بني عليه ، على قاعدة : أن ما بني على باطل فهو باطل ، وهذا في رأيي ما تقتضيه المصداقية في العمل والموقف .
ومن عجائب الدهر : أن أعمدة الذين دعوا إلى التصويت بنعم على الميثاق قد رفضوا الانقلاب على الميثاق والدستور العقدي ، واتخذوا لأنفسهم وضعا في مواجهة دستور 2002م وما بني عليه ، بينما رتب غالبية أعمدة من رفضوا التصويت بنعم للميثاق أوضاعهم على معطيات دستور 2002م . وأنا لا أصحح منطقيا وسياسيا هذا الموقف مع كل الاحترام والتقدير لأصحابه .
وأرى من سخف المنطق : الرأي الذي يبرر المشاركة في البرلمان بخطأ التصويت على الميثاق ـ وهذا غير الرأي الأول ـ وأسخف منه في المنطق والسياسة : أن يرفض شخص الميثاق ثم يشارك شخصيا في البرلمان ، ويكتشف بعد التجربة أن التغيير من الداخل شبه مستحيل ويحمل التصويت بنعم للميثاق مسؤولية ذلك الوضع المأساوي في البرلمان ، ولكي يبرأ ذمته فإنه سوف يطرح التعديلات الدستورية في البرلمان .
عجبا : يقول بأن التغيير من الداخل شبه مستحيل ، ويقول بأنه سوف يبرأ ذمته بطرح التعديلات الدستورية في البرلمان ، وكأنه يخاطب عجماء لا عقل لها ولا لسان . وسوف يُكتب في التاريخ : أن هناك من يحمل هذا المنطق ، وأنه لا يستحي منه وإنما يتبجح به في العلن أمام الناس ، وأن هؤلاء معروفون بأسمائهم وأشخاصهم بين الناس .
أيها العزيز : إذا كنت صادقا فاخرج من هذا البرلمان الذي ترى بأن التغيير من خلاله شبه مستحيل ، والتحق بركب الذين حملوا أرواحهم على أكفهم وطالبوا ولا زالوا يطالبون بالإصلاح الحقيقي في هذا البلد الطيب العزيز .
وفي الختام : أرغب في ذكر بعض الملاحظات :
الملاحظة ( 1 ) : أن التخلف والظلم والدكتاتورية والاستبداد والفساد قد تكرسن في هذه البلاد وغيرها من البلدان الإسلامية لقرون من الزمن ، حيث عجزت الشعوب عمليا عن تغييره وتعايشت معه ولا زالت باسم الدين أحيانا ، وتحت عنوان الحكمة والواقعية أحيانا أخرى ، وحمل الإسلام العزيز المسؤولية عن ذلك بوصفه الدين الذي يدين به غالبية الشعب ، وهذا عار يجب أن يغسل ، وبئس الواقعية التي تكرس هذا العار وليس من الحكمة في شيء والدين منه بريء .
الملاحظة ( 2 ) : يبرر البعض قبوله بذلك الواقع البائس بالطاعة لولي الأمر ، ويبرر بعض أتباع مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) قبوله بصلح الإمام الحسن وعدم ثورة أي من الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) على الحكام ما عدا سيد الشهداء الإمام الحسين ( عليه السلام ) وبحسب ما أفهمه من أقوال العلماء : أن العقل والدين يحكمان بأن سلوك الأئمة ( عليهم السلام ) ومواقفهم كأقوالهم واحدة لا تختلف ، وأن التعارض بين صلح الإمام الحسن وثورة الإمام الحسين ( عليهما السلام ) يحل من خلال دراسة ظروف كل منهما ، وبالتالي فإن الموقف لا يبرر بالصلح أو الثورة وإنما بالظروف التي يعيشها المكلف .
الملاحظة ( 3 ) : يجب التمييز بين موقفنا من الشخص ( الطبيعي أو الاعتباري ) وبين موقفنا من أطروحته ومشرعه ، فقد أحب شخصا وأقدره وأجله لعلمه وتقواه ووطنيته وغير ذلك ، ولكن لا أرى صحة أطروحته ومواقفه فأخالفه فيهما ويبقى حبي وتقديري وإجلالي له على ما هو عليه . وقد يكون هواي ورغبتي ليسا مع شخص ( طبيعي أو اعتباري ) وأرى الحق في أطروحته ومشروعه فأقبلهما منه بقبول الحق رغم أن هواي ورغبتي في مكان آخر . وهذا ما عبر عنه سيد الشهداء الإمام الحسين ( عليه السلام ) بقوله : ” فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ” فالقبول بالحق سابق على القبول بالإمام الحسين ( عليه السلام ) وأساس له ، وأن ذلك نابع من الإيمان بالله عز وجل ، فلا يمكن لمؤمن أن يرفض أطروحة أو مشروع يرى أنهما مع الحق لأنهما من شخص ( طبيعي أو اعتباري ) لا يوافق هواه ورغبته ، ولا يمكنه أن يقبل أطروحة أو مشروع يرى أنهما ليسا مع الحق لأنهما من شخص يوافق هواه ورغبته ، فإن ذلك بخلاف الحق والتوحيد ، ولنا في زهير ابن القين قدوة حسنة حيث كان عثماني الهوى ، ثم تحول إلى معسكر الإمام الحسين ( عليه السلام ) واستشهد معه لأنه رأى بأنه مع الحق ومضى إلى الله عز وجل شهيدا في ركب السعداء .
الملاحظة ( 4 ) : أرجو من إخواني أن يتعاطوا من مضمون هذه المحاضرة بعقول مفتوحة وضمائر حاضرة بشاهدة الرب الجليل .

أيها الأحبة الأعزاء ،
أكتفي بهذا المقدار ،،
واعتذر لكم عن كل خطأ أو تقصير ،،
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم ،،
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء ،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

1166612922-6822407

هذه هي الحقائق فما نحن فاعلون؟

ستة اعوام تفصلنا عن اليوم المشؤوم الذي انقلبت العائلة الحاكمة فيه على الاتفاق الوحيد بينها وبين أهل البحرين، ذلك الاتفاق الذي جاء بعد الانسحاب البريطاني من المنطقة، وهي اعوام شداد، شهدت معارك سياسية وامنية بين الطرفين لم تنته بعد، ولن تتوقف ما لم يتم التوصل الى صيغة توافقية للتعايش. وفي هذه المناسبة وددت ان اشير الى عدد من النقاط:
1- ان العائلة الخليفية احتلت البلاد في العام 1783، وما ان استقرت الاوضاع حتى جاء البريطانيون الى الخليج، وفي العام 1820 وقعوا مع مشيخاته اتفاقية منع القرصنة. وبموجب هذه الاتفاقية تعهد شيوخ القبائل في تلك المشيخات بالاستسلام الكامل للارادة البريطانية. وعلى مدى 150 عاما لاحقة لم يمارس آل خليفة الحكم الا في ظل الحماية البريطانية. فكان المواطنون يتظلمون لدى الانجليز عندما يطفح كيل الظلم الخليفي لهم، وما حصل في العشرينات من القرن الماضي أكد ان الانجليز كانوا هم الآمرين والناهين. وكرسوا سلطتهم في 1926 عندما جيء بالمستشار، تشارلز بليجريف، لمساعدة الشيخ حمد بن عيسى بعد استلامه الحكم من ابيه الذي نحاه البريطانيون.
2- في العام 1971 انسحب البريطانيون من الخليج، ومن ضمنه البحرين. تم ذلك بعد ان استمزجت الامم المتحدة آراء شعب البحرين حول المستقبل السياسي لبلاده، فعبر عن رغبة اكيدة في دولة عربية مستقلة، يكون له دور في ادارة شؤونها. وفي العام التالي انتخب اعضاء المجلس التأسيسي لكتابة اول دستور دائم للبلاد. كان ذلك الدستور الوثيقة الرسمية الوحيدة التي اتفق فيها الطرفان: شعب البحرين والعائلة الخليفية على نمط الحكم. وقد تمسكت الطرفان بها لاعتقادهما انها الوثيقة الوحيدة التي تشرعن الحكم، فتنص على حكم العائلة الخليفية من جهة، وتجعل شعب البحرين شريكا مساويا في الحكم.
3- فوجيء اهل البحرين بمشروع الميثاق الوطني، وادرك بعض الرموز انها مكيدة، ولكن البهرجة الاعلامية التي صاحبته، والتعهدات التي قدمها الأمير آنذاك، الشيخ حمد، دفعت الكثيرين الى التصويت على تلك الوثيقة.
4- جاءت المفاجأة الثانية والأخطر في 14 فبراير 2002، عندما اعلن الحاكم، الشيخ حمد، عن الغاء دستور البلاد الذي كان، كما ذكرنا، مصدر الشرعية الوحيد للحكم الخليفي، و تحويل الدولة الى مملكة. وفي الوقت نفسه فرض على البلاد دستوره الخاص الذي كتبه له المصريون، وفي مقدمتهم رمزي الشاعر. ولم يتم التصويت او الاستقتاء على ذلك الدستور.
5- كانت تلك هي لحظة المفاصلة التاريخية بين شعب البحرين والمشروع السياسي الذي دشنه الشيخ حمد. ففي ذلك اليوم ادرك المواطنون عددا من الحقائق:

اولها ان انقلابا خطيرا قد حصل على الوعود التي قدمت للمواطنين، والتي دفعتهم للتصويت على ميثاق الشيخ حمد قبل عام واحد

. ثانيها: ان الحكم الخليفي لم تعد له شرعية شعبية بعد الغاء الدستور الذي كتبه الطرفان بعد الانسحاب البريطاني.

ثالثها: ان البلاد دخلت نفقا مظلما جديدا، وانتهى بذلك “ربيع الانفتاح” السياسي.

رابعها: كان هناك اجماع على رفض دستور الشيخ حمد لفقدانه الشرعية الشعبية، ولتناقضه مع التعهدات التي قدمها الشيخ حمد ونجله ووزير عدله آنذاك، بان تكون الحاكمية لدستور 73.

خامسا: ادرك الشعب ايضا انه امام مفترق طرق بين الاستسلام للواقع الجديد او فتح ملف النضال مجددا، وما يتضمنه ذلك من تضحيات ومواجهات سياسية وامنية. سادسها: ان طيبة شعب البحرين، وثقته العمياء في طرف مخادع، لا يحترم العهود، ولا يلتزم بما ألزم به نفسه مرارا، هي السبب الاول في ما آلت اليه الامور.

6- في ضوء الحقائق السالفة، دخلت البلاد نفقا مظلما جديدا تواصل عبر السنوات الست. وخلال هذه الفترة راهنت العائلة الخليفية على ان المظهر الانتخابي سيقنع المواطنين والعالم بديمقراطية النظام. اي ان المشروع الديمقراطي الموعود اختزل بالانتخابات لمجالس صورية غير ذات شأن ولا حول لها ولا قوة.
7- لا بد من تسجيل نقطة مهمة وهي ان الشيخ حمد عمل بما قدمه له خبراؤه الاجانب والمحليون، واستطاع اختراق الصف المعارض الذي انقسم الى عدة اصناف: فما بين من تحول الى الصف الحكومي، ومن قرر لنفسه موقف ما يعتبره موقفا محايدا، ومن شارك في المشروع السياسي بعنوان المعارضة، ومن قرر البقاء خارج النظام والعمل لتغييره ما استطاع الى ذلك سبيلا.
8- لقد قررنا البقاء خارج النظام لاعتقادنا ان النظام لم يترك ثغرات تساعد على احداث تغيير فيه من داخله. ونقصد بالنظام اساسا شكل الحكم، فمن الذي يحكم؟ ومن اين يستمد شرعيته؟ وما هي صلاحياته؟ وما دور المواطنين في الحكم والادارة والرقابة والمحاسبة؟ فما لم يتم الاتفاق بين الطرفين: شعب البحرين والعائلة الخليفية على طريقة حكم هذه البلاد، فسوف نظل معارضين لنظام الحكم، نسعى لتغييره بدون ان نتردد في التصريح بذلك، ولا تخيفنا اراجيف العائلة الخليفية وترهيبها، فنظام الحكم الحالي مرفوض بدون تردد، لانه يعتمد على اساسين خطيرين جدا: اولهما ان العائلة الخليفية هي صاحبة الحق المطلق في تحديد نمط الحكم وفق دستور فرض على الشعب بالقوة، وليس بالتوافق كما حدث في 1972. ومن خلال النقاش مع بعض رموز العائلة الحاكمة، اتضح عدم جدوى السعي للتغيير من داخل النظام، اي بالعمل وفق دستوره ومن خلال مجالسه ومؤسساته. وهذا مبدأ مرفوض، اذ لا يمكن ان يقبل اهل البحرين بالاستعباد، ولا يقبلون بالعودة الى العشرينات من القرن الماضي عندما كانوا مستعبدين لرموز العائلة الخليفية، ومستهدفين في حياتهم وارزاقهم من قبل الفداوية الذين جيء بهم من وادي الدواسر. وثانيهما: تغيير التركيبة السكانية بشكل جوهري، وذلك عبر مشروع التجنيس السياسي الذي يعتبر ابادة ثقافية وانسانية لشعب البحرين الاصلي (شيعة وسنة). وللتوضيح فان تعريف الابادة لا ينحصر في القتل الجماعي كما حدث في رواندا والبوسنة وكوسوفو، بل يشمل ايضا العمل بسياسات تستهدف وجود السكان الاصليين ثقافيا وبشريا، واستبدالهم بآخرين مستوردين من اصقاع الارض. وقد مارست دول عديدة هذا النمط: فعله الاوروبيون في استراليا ضد الابوريجينيز، وضد الهنود الحمر في امريكا، وضد الملاويين في سنغافورة، وضد الفلسطينيين من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلية.

من هنا فان مهمة الحركة الوطنية لا تقتصر على الاهتمام بالجانب الدستوري فحسب، وان كان ذلك من اهم ركائز الاصلاح السياسي، بل تشمل التصدي لظاهرة التجنيس السياسي والهندسة الديمغرافية، فذلك من اخطر ما يواجه اي مجتمع. وقد اثبتت تجربة العامين الاخيرين ان رواد المشروع السياسي الحالي مستعدون للفتك والتنكيل وقتل الابرياء من اجل الحفاظ على مشروعهم الشرير. ولم يعودوا يهتمون للانتقادات حول انتهاكات حقوق الانسان، فها هو التعذيب يمارس على اوسع نطاق، والشهداء يتساقطون تباعا، بدون ان يجرى اي تحقيق في ظروف استشهادهم، ابتداء بمحمد جمعة الشاخوري، مرورا بمهدي عبد الرحمن وعباس الشاخوري وانتهاء بالشهيد السعيد علي جاسم مكي. وها هي اموال البلاد تنفق بدون حياء او خجل لاستقدام المرتزقة وتعبئتهم لخدمة المشروع الشرير الذي يهدف للقضاء على هوية البحرين وشعبها وتاريخها، ويفرض نمط حكم استبدادي رهيب، ظاهره الانفتاح والاصلاح، وباطنه التغيير الشامل الذي يحول البحرين الى مملكة خليفية لا صلة لها بتاريخ البلاد وثقافتها واهلها.

ايها الاخوة والاخوات: هذه حقائق نعيشها وندركها جميعا، فما نحن فاعلون؟ ان الوضع يزداد قمعا وخنقا للحريات، وتكريسا للمظاهر الخاوية والتسطيح السياسي، والاستعباد والتهميش، فما تقولون؟

جانب من الهتافات لحظة وصول الاستاذ حسن المشيمع

[

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق