Archive

حركة أحرار البحرين

 اذا كان رئيس الوزراء يعتقد ان “منحه” جائزة تقديرية من الامم المتحدة تعتبر “شهادة حسن سلوك” له فانه مخطيء تماما، وانها تثبت عكس ذلك. انها شهادة اشتراها بأموال الشعب المنهوبة، وان أكدت شيئا فانما تؤكد طبيعة الفساد المتأصل في نظام الحكم الذي تربع عليه على مدى 36 عاما. وعندما يترك منصبه قريبا، فسوف تلاحقه لعنة الشعب وكراهيته وازادراءه له واحتقاره كمجرم ارتكب من الجرائم ضد الانسانية ما لم يرتكبه حاكم خليجي آخر. ان الشعب ليتطلع لذلك اليوم الذي ينتهي فيه عهده الأسود الذي كان مليئا بالدماء وأشلاء الابرياء، ويتمنى ان يكون ذلك قريبا بعون الله. لقد كان عهدا حالكا لم تميز بالدموية المفرطة والتعذيب والاعتقال العشوائي والابعاد القسري، بالاضافة  الى سرقة اموال النفط واراضي البلاد. وتميز بدخول رئيس الوزراء شريكا لأصغر المواطنين في الرزق، وللتجار كبارا وصغارا في الصفقات التجارية والعقود والمشاريع. كما تميز بالقمع المفرط للمعارضين وتكميم الافواه وغلق الجمعيات والمساجد، وممارسة أسوأ أشكال ارهاب الدولة. ومع ان من جاء بعده ليس أفضل منه، بل ربما أسوأ كثيرا، فان ذلك لا يجعل الحقبة السوداء التي اعقبت قرار خليفة بن سلمان آل خليفة، الشرير في 26 اغسطس 1975 بتعليق العمل ببعض مواد الدستور وحل المجلس الوطني، الا حقبة سوداء كالحة، أدخلت البلاد في نفق مظلم لم تخرج منه حتى الآن. وبذلك أسس نمطا استبداديا فريدا من نوعه، سيظل شاهدا على فساد الحكم وارهابه وحقده ضد اهل البحرين، وممارسة عقلية الاحتلال والقمع والاستبداد بلا حدود.

نقول ان “الجائزة” التي منحتها اياه لجنة تابعة للامم المتحدة لا تختلف عن “الشهادات” التي حصل عليها خلال الحقبة السوداء  عندما كان يستعمل اموال الشعب المسروقة لشراء “شهادات حسن السلوك” خصوصا من برنامج الامم المتحدة الانمائي الذي كان يصنف البحرين في المرتبة الاولى بين دول العالم العربي في مجال التنمية البشرية، في الوقت الذي كانت السجون ترزح بآلاف المواطنين، والمقابر تعج من كثرة الشهداء المظلومين. فأية تنمية بشرية هذه التي تؤدي الى الاعتقال التعسفي والتعذيب والابعاد القسري وممارسة أبشع أشكال التمييز العنصري والمذهبي؟ وأية تنمية بشرية يمكن ان تتطور في ظل الاستبداد والديكتاتورية والحكم العائلي المتوارث. ومع ذلك، عش رجبا تر عجبا. اذ لم يعد سرا ان اموال الشعب المسروقة اصبحت تستعمل لشراء مواقف الافراد والمنظمات في الداخل والخارج. ولا ينسى العالم ما حدث في 1998 عندما كشف الستار عن “الدعم” الذي قدمه رئيس الوزراء لمنظمة ترأسها احدى الخبيرات بلجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة، والذي بلغ 120 الف دولار. كان ذلك الخبر فضيحة للطرفين: خليفة بن سلمان والمنظمة المذكورة. ومنذ ذلك الوقت اصبح واضحا ان النظام الخليفي الاستبدادي يسعى لتغطية جرائمه بكسب مواقف الجهات الدولية المعنية، اما بشرائها مباشرة او بشراء مواقف بعض مسؤوليها بشكل شخصي. واذا كان أمر مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، وشركة “بوليسي بارتنرشيب” معروفا، اذ كانا يستلمان الاموال في مقابل الدفاع عن النظام الخليفي الاستبدادي في المحافل الدولية، فان هناك معلومات اخرى عن قيام الحكم الخليفي في السنوات الاخيرة بالسعي للتأثير على مواقف منظمات حقوقية وجهات اعلامية مرموقة وذلك برشوة بعض مسؤوليها في مقابل التغاضي الحقوقي والاعلامي عما يجري في البحرين. ولقد اصبح امرا شبه مستحيل الحصول على بيان داعم من بعض المنظمات التي كانت في السابق، تصدر تقاريرها ضد حكومة البحرين بشكل منتظم، او تبث الاخبار بشكل موضوعي حول ما يجري في البحرين من استبداد وقمع. لقد استطاع المال المسروق من ابناء البحرين اليوم اسكات بعض المنظمات والجهات الاعلامية، ولكنه ما يزال عاجزا عن اسكات الجميع. وبالتالي لم يعد مستغربا ان يحصل خليفة بن سلمان “جائزة تقديرية” من الجهة المسؤولة عن التنمية البشرية بالامم المتحدة. ولكن ماذا سيحقق ذلك لهذا الطاغية الدموي؟

سياسة الفساد هذه هي التي دفعت بعض الاشخاص الذين كانوا محسوبين على المعارضة سابقا لعرض مشروع تأسيس مركز شبيه بمركز الخليج المذكور، يمارس الدعاية للنظام الخليفي في الغرب، وتنظيم سفرات البرلمانيين الغربيين وزوجاتهم لقضاء الاجازات المجانية في البحرين، واضعاف تأثير فعاليات المعارضة التي تكشف جرائم هذا النظام امام العالم، وتدافع عن شعب البحرين المظلوم وحقوقه. ان الفساد آفة الشعوب والامم، فهو يقتل الضمائر والقيم ويقضي على انسانية  الانسان الذي يروج للقتلة والسفاحين واللصوص ومصاصي دماء الشعوب، ويكرس الفساد كأساس من أسس السياسة الحديثة، وأسلوب من أساليب “الحنكة السياسية”. انها فتنة للناس في قيمهم واخلاقهم ودينهم، اذ ييقى هذا الفساد خارج دائرة المنكر التي يطالب المسلمون بمواجهتها والتصدي لها، فيصبح المنكر معروفا، وتصبح المناداة بمواجهته من المنكرات في نظر البعض. ان هذا النظام افتتن الناس في كل شيء، ابتداء بمعيشتهم واخلاقهم وانتهاء بقيمهم ودينهم. انه جانب من سياسات الفساد المستشرية في انظمة الخليج القمعية. فما جرى في صفقة “اليمامة” التي ابرمت في 1985 بين الحكومتين البريطانية والسعودية مؤشر آخر على ممارسة الفساد على اعلى المستويات. وفي الايام الاخيرة طالبت وزارة العدل الامريكية الحكومة البريطانية بالسماح لها في الحصول على معلومات من البنك المركزي البريطاني للتحقيق في مدى ممارسة الفساد المالي في تلك الصفقة، وما اذا كانت الحكومة البريطانية متورطة فعلا في دفع اكثر من مليار جنيه استرليني كرشوة لمسؤولين سعوديين، وكان توني بلير قد امر في شهر ديسمبر الماضي بغلق التحقيق في الصفقة بذريعة ان ذلك سوف يمنع السعودية من التعاون في مجال الحرب ضد الارهاب. واعتبر ذلك خطوة غير موفقة من جانب الحكومة البريطانية وانها تشجيع للفساد وممارسته من اجل تحقيق مكاسب مالية وتجارية.

رئيس وزراء البحرين لم يمارس شيئا غير الفساد في مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة والادارة. هذا الفساد يشعر به المواطن الذي يسعى لتسيير اموره في دوائر الدولة، اذ اصبحت الرشوة امرا مألوفا، بالاضافة الى الوساطات والمحسوبيات. وكل ذلك بدأه الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، الذي أقام حكمه على جثث الابرياء، وأوكل الى الضابط البريطاني، ايان هندرسون، مهمة تعذيب ابناء البحرين وقمع اية معارضة للحكم الخليفي الاستبدادي. ولذلك فعندما صدر قرار “تكريم” الشيخ خليفة بدعوى مساهمته في “التنمية البشرية” صعق اهل البحرين الذين لم يروا من تلك التنمية سوى زيادة زوار السجون، والمبعدين والعاطلين عن العمل والمتظاهرين في الشوارع. وفي الحقبة الحالية التي تدار من قبل رأس النظام، الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، ازدادت المستوطنات للمجنسين سياسيا، وهم الشعب الجديد الذي قررت العائلة الخليفية احلاله محل أهل البحرين الاصليين (من الشيعة والسنة). هذا في الوقت الذي تتصاعد فيه معاناة المواطنين الباحثين عن العمل، وتفرض ضرائب اضافية على العمال الفقراء بعنوان دعم المعطلين عن العمل، بينما يقتطع الحاكم ورئيس الوزراء اكثر من نصف المدخولات النفطية بدون حق. ويعيش اهل البحرين بدون سكن مناسب في الوقت الذي تشيد فيه المنازل للمستوطنين الجدد الذين يوفر لهم المسكن والوظيفة. أهذه هي الانجازات البشرية لرئيس الوزراء؟ انه الفساد اولا واخيرا، فهو الذي يشجع البعض لتكريم الطغاة والمستبدين واللصوص، وهو الذي يجدر بالعالم مواجهته على وجه السرعة لكي لا يقضي على ما تبقى من قيم واخلاق لدى ابناء هذا الكوكب. اما شعب البحرين فيحتقر خليفة بن سلمان ويتمنى انتهاء عهده عاجلا، ويزدري من  تحدثه نفسه بتكريمه، ويطالب بتطبيق قوانين الامم المتحدة في ما يتعلق بمرتكبي الجرائم ضد الانسانية لمحاكمة رئيس وزراء البحرين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق