Archive

حركة أحرار البحرين

يخطيء من يظن ان عصر الشعوب قد ولى، فالشعوب باقية، ولكن الطغاة هم الذين يرحلون. ولكن ذلك الرحيل مرهون بارادة الشعوب، فاذا توفرت ارادة التحرر، فلا يملك المستبدون والديكتاتوريون الا الرحيل. بالامس القريب حدثت ثورة النيبال، واستطاع المناضلون كسر شوكة الملك المستبد، ويسعون الآن لانهاء العهد الملكي بعد ان اثبت فساده وعدم قدرته على استيعاب مستجدات الزمن ومتطلبات الشعب، واليوم يضغط الاحرار في بورما على طغمة العسكر التي تحكم الناس بالنار والحديد. وقبلها حدثت الثورة الوردية

في جورجيا التي اطاحت بحكم ادوارد شيفاردنازة بعد ان اوغل مع عائلته في الفساد. وبعدها جاءت ثورة البرتقال في اوكرانيا احتجاجا على الفساد من جهة وتزوير نتائج انتخابات 2004. من هذه الثورات يتضح ان الشعوب اذا تحركت فلا تتوقف الا عندما تحقق اهدافها بشرط ان تتوفر لها قيادات ميدانية قوية ذات رؤى واضحة ومباديء تحررية ثابتة. واليوم ينجح المناضلون الاحرار من ابناء البحرين في ايصال صوتهم مجددا الى العالم، فيقرر مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة، التحقيق في ملف حقوق الانسان البحريني بشكل واسع، في خطوة اعتبرت صفعة موجعة لنظام الاحتلال الخليفي. جاء هذا القرار برغم اساليب التضليل والتشويش التي مارستها هذه العائلة على الصعيدين المحلي والدولي، والانفاق الهائل لشراء مواقف المنظمات الدولية. وتجدر الاشارة الى ان الحكم البحريني انفق في السنوات الاخيرة اموالا كبيرة بهدف تحييد منظمات حقوقية واعلامية عربية وغربية، ودفع اموالا لاشخاص وجهات عربية واجنبية لعقد مؤتمرات وندوات تشيد بالحكم التوارثي الاستبدادي في الجاثم على صدور اهل البحرين. مع ذلك لم ينفعه ذلك شيئا، فها هي المنظمات الدولية تستعيد صحوتها، وترفض ادعاءات النظام، وتستمع الى شهادات ضحاياه، وتصدر التقارير الدامغة ضد هذا النظام الجائر. فلربما تمكن هذا النظام من تخدير الجماهير فترة من الزمن، ولكن الشعوب لا  تموت، وها هو شعب البحرين يصحو مجددا لمواجهة الاستبداد الخليفي باساليبه المتحضرة المعهودة. لقد تمكن الشعب من تجديد دمائه، فانبرى للعمل المعارض جيل جديد أشد اصرارا وتصميما على مواجهة  الاستبداد والظلم، رافضا الاستسلام والخنوع. ان شعبا تتجدد دماؤه في عروق شبابه لا يمكن ان يهزم، مهما حاول النظام اسكاته واحتواء غضبه وثورته.

لقد تحرك شعبنا البحراني ضد  الطغمة الخليفية الحاكمة مرارا وحققت انجازات محدودة، كان آخرها ارغام الحكم على اطلاق سراح السجناء السياسيين والغاء القوانين التعسفية التي فرضها رئيس الوزراء وعصابته على البلاد على مدى ربع قرن. وأرغمت العائلة الخليفية ايضا على السماح بعودة المبعدين، بعد ان انكسرت شوكتها وكشفت جرائمها للعالم. حدث هذا قبل ان “تتذاكى” هذه العائلة الماكرة وتلتف على مطالب الجماهير، وترتكب أكبر جريمة في تاريخ البلاد، وهي الابادة الثقافية للشعب البحراني من خلال مشروع التجنيس. وبالاضافة الى هذه الجريمة النكراء، عبر الكثير من المراقبين والحقوقيين عن دهشتهم بعد اعلان التشكيلة الحكومية الجديدة التي استحوذ فيها ابناء العائلة الخليفية على 16 مقعدا من 28 منصبا وزاريا (24 وزيرا، وأربعة مناصب برتبة وزير، اثنان للقصر الملكي، ورئيس الحرس الوطني، ورئيس الامن الوطني). بينما لم يحصل ابناء البحرين من السنة والشيعة الا على 12 مقعدا (سبعة للسنة وخمسة للشيعة). هذه التشكيلة الجديدة أحرجت حتى عملاء النظام الذين دافعوا عنه وسعوا لتحسين صورته لدى الآخرين. فأين هي الديمقراطية؟ وأين هو “المشروع الاصلاحي” الذي زعم الشيخ حمد انه يتبناه؟ فأية ديمقراطية هذه التي تستحوذ فيه عائلة حاكمة على اكثر من نصف المناصب الوزارية؟

ولوحظ ايضا ان الشيخ حمد وعصابته عمدوا لتحدي مشاعر المواطنين باعادة تعيين أحد رموز الفساد والتآمر ضد الشعب، وهو أحمد عطية الله آل خليفة، زعيم التنظيم السري المخول بارتكاب جريمة الابادة الثقافية والدينية للغالبية الكبرى من شعب البحرين. هذا الوزير هو شقيق رئيس لجنة التعذيب خلال الانتفاضة المباركة، عبد العزيز عطية الله آل خليفة الذي تطالب المنظمات الحقوقية بمحاكمته لارتكابه جرائم ضد الانسانية بالتعذيب. وهو الشخص الذي أثر وجوده في الحكومة السابقة حفيظة المواطنين وبعض الجهات السياسية، وقدمت طلبا لاستجوابه ولكن العائلة الخليفية منعت الاستجواب. وبدلا من ازاحته عن منصبه، اعادت تعيينه بوزارة مجلس الوزراء تحديا لارادة المواطنين ومن يطالب بمحاكمته. قد ينظر البعض الى ذلك انه لعبة فحص الارادات بين الطرفين، ولكن الحقيقة انه تعبير عن طرفين منفصلين عن بعضهما نفسيا وسياسيا وفكريا واخلاقيا وانسانيا، يحمل كل منهما أشد العداء للآخر. فالمواطنون يعتبرون الحكم الخليفي احتلالا لا يستحق البقاء، خصوصا بعد ان فرض دستوره الذي صاغه وفق ارادته،  ولا يعبر عن ارادة المواطنين، ولا يحظى بشرعية شعبية لان المواطنين لم يشاركوا في صياغته، ولم يشاركوا في استفتاء لاقراره. ففي العام 2002 قرر الشيخ حمد الغاء الوثيقة الوحيدة في تاريخ البحرين التي منحت للحكم الخليفي شرعية محكومة بالدستور، وبالغاء ذلك الدستور فقدت العائلة الخليفية شرعية الحكم، واصبحت تحكم بعقلية الاحتلال وليس بعقلية التعايش مع شعب البحرين. واصبحت القضية تتجاوز الخلاف السياسي، وتتصل من وجهة نظر المواطنين بوجودهم في هذه الارض. وتعقدت القضية بقرار العائلة الخليفية شن حرب شاملة ضد اهل البحرين الاصليين (شيعة وسنة) واستبدالهم بمواطنين جدد من كافة اصقاع الارض. أليس ذلك تعبيرا عن حرب غير معلنة بدون حدود؟

في المعترك السياسي هذا، اصبح واضحا ان ميدان النزال بين الطرفين يتسع وتطول مضاميره. فلا الشعب مستعد للتنازل عن حقوقه ووجوده لصالح قبيلة محتلة، ولا هذه القبيلة قادرة على  التعايش مع شعب لم تشعر يوما بالانتماء اليه او الى تاريخ او ثقافته.

تعتمد العائلة الحاكمة في الوقت الحاضر سياسات تهدف لحصر المشاكل بالقضايا الحياتية. وتسعى لنشر ثقافة استهلاكية قاتلة، بهدف القضاء على الوجود المعنوي لأهل البحرين. ويطرح المحسوبون على الحكم مقولات هامشية لتسويغ التخلي عن القضايا الكبيرة والانشغال بما هو هامشي من الهموم. من ذلك حصر النضال بدائرة الحقوق المعاشية المحدودة، واستعطاف الحاكم المستبد للتفضل على المواطنين في كل صغيرة وكبيرة، وبالتالي فرض ثقافة المكرمات بدلا من الحقوق وفق حكم القانون. ومنها ايضا القول بضرورة تحقيق مصالح مادية لضحايا التعذيب والتخلي عن محاكمة مرتكبي جرائم التعذيب، ومنها الترويج لمقولة عدم القدرة على مواجهة العائلة الحاكمة بدعاوى واهية من نوع ان الوضع الاقليمي لا يحتمل التصعيد، او ان الامريكيين يدعمون العائلة الحاكمة، او ان النظام قوي ولا نستطيع مواجهته. فكل ذلك سعي لفرض ثقافة الاستسلام واعلان الهزيمة بدون مقاومة او مواجهة. ان تلك الاطروحات مغايرة تماما لثقافة النضال التي تربى عليها اهل البحرين منذ مطلع القرن السابق، والتي قدموا على طريقها الشهداء والسجناء، ومن اجلها تواصلوا مع العالم، وبسببها استطاعوا ايصال قضيتهم الى مواقع عالمية كبيرة. فقد كان تقديم العريضة الجماهيرية الواسعة التي وقعها اكثر من 82 الفا من المواطنين في الصيف قبل الماضي الى مكتب الامين العام للامم المتحدة  بنيويورك خطوة نوعية متميزة. ويأتي قرار مجلس حقوق الانسان بمراقبة ملف حقوق الانسان في البحرين، ضربة قوية للنظام الذي يهدر اموال المواطنين على الدعاية والتضليل. ولذلك اصبح مطلوبا من النشطاء تفعيل التواصل مع المنظمات الدولية والاستمرار بجمع افادات ضحايا التعذيب، ومطاردة المعذبين قضائيا بدون تردد او مهادنة. واصبح لزاما على النشطاء تصعيد الموقف بهدف حماية وجود المواطنين الاصليين (شيعة وسنة) من شرور مشروع التغيير السكاني، والقطيعة الكاملة مع النظام ورموزه. وفي النهاية فقد اصبح مسؤولية عملاقة على عاتق الواعين والنشطاء توعية الشعب على حقوقه والدفاع  عن هويته، والاصرار على مواجهة الظلم بكل الوسائل المشروعة المتاحة بهدف القضاء عليه تماما. لقد بزغ عصر الشعوب، وعلى الطغاة الرحيل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق