Archive
Bahrain Freedom Movement
08/11/2006 – 19:04 | مرات القراءة: 970 |
موسم العاشوراء، هذا الذي يحتفي به الملايين من المسلمين خصوصا الشيعة منهم، ماذا يعني؟ ما هي اسسه الدينية ودلالاته العملية وما انعكاساته الاجتماعية والفكرية والسياسية؟ الارمن يحتفون بالعاشر من شهر المحرم لانهم يعتقدون انه اليوم الذي رست فيه سفينة نوح على جبل عرارات بعد انتهاء الطوفان، بإعداد »حلوى نوح« في ذكرى ميلاد المسيح عليه السلام. لكن هذه العادة تغيرت في القرن السابع عشر، واصبحت المناسبة تسمى »وليمة عاشوراء«. ومنذ قرون احتفى اليهود بالعاشر من المحرم لانه، في عقيدتهم، اليوم الذي كفر فيه المسيح عن ذنوب البشر، وهو اليوم الذي انقذ الله فيه موسى وقومه من الغرق وأغلق فيه فرعون وجنوده. واحتفت بهذا اليوم امم اعتقدت انه اليوم الذي خلق الله فيه آدم وحواء. وحدد الله فيه الموت والحياة، والجنة والنار، وهو اليوم الذي أنقذ الله فيه ابراهيم من النار، وأعاد الله فيه يوسف الى يعقوب. وتشير الاحاديث النبوية الى ان رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام أمر المسلمين في بداية الاسلام بصوم يوم عاشوراء قبل ان ينسخ ذلك بصوم رمضان. وفي العام 61 من الهجرة استشهد حفيد رسول الله، الحسين بن علي عليه السلام على يدي جيش الخليفة الاموي، يزيد بن معاوية بسبب رفضه اقرار تغيير الحكم الاسلامي من الشورى الى التوارث. وحتى اليوم ما يزال العاشر من المحرم يوما ذا معنى خاص لدى الشعوب الاسلامية. ويمكن القول انه لا توجد ذكرى اخرى يحتفى بها بالاساليب المتباينة التي يتم بها احياء يوم العاشوراء. ففي المغرب العربي، مثلا، يتم احياء المناسبة وفق طقوس تغيّرت خلال القرون بشكل مغاير للاساليب التي يتم بها احياء المناسبة لدى المسلمين الشيعة، حيث الحزن والاسى بدلا من الفرح. وتم ذلك بتحول تدريجي من حالة الحزن التي كان احفاد آل البيت الذين لجأوا الى تلك البلاد ما بين القرنين التاسع والثاني عشر الميلادي هربا من بطش العباسيين يمارسونها، فاصبح احياء هذه الذكرى يقتصر على ما تعده النساء من مأكولات خاصة بالمناسبة بدون ان يكون لها معنى خاص. قبل اكثر من ثمانين عاما، عندما كانت القوات البريطانية تحتل العراق، أطلق المفكر الاسلامي الهندي، الدكتور محمد اقبال، صرخته لتحرير العراق قائلا: »ان ارض دجلة والفرات تستغيث بالمخلصين من ابناء الاسلام لتحريرها من العبودية لهم »الانجليز«، متمنيا ان »يخرج رجل من اتباع الامام الحسين لمساعدة مسلمي العراق«. فما أشبه الليلة بالبارحة. فها هي المواكب الحسينية في اغلب البلدان تهتف ضد الحرب الانجلو-امريكية ضد العراق. لقد تأثر اقبال كثيرا بقصة استشهاد الامام الحسين ونعاه كثيرا، مشيرا الى انعكاس فقدان الهوية على اوضاع المسلمين: »»عندما قطعت الحكومة الاسلامية علاقاتها بمفاهيم القرآن الكريم، عانى المسلمون من الانحطاط الاخلاقي. فخسروا حريتهم، وعندما ولغ الحكام في اشكال العادات السيئة وسعوا لاشباع نزواتهم المغايرة لمفاهيم القرآن الكريم، ضعفت التركيبة الاجتماعية، فلم يستطع احد ان يتفوّه بكلمة ضد حاكم مستبد او أحد من اعوانه. وهنا نهض امام المسلمين (الحسين) كالسحابة المباركة لتصب غيثها الرحيم بين ارجله. فهطلت البركات على تراب كربلاء وحولت الصحراء الى جنّة غناء«. وكان احياء ذكرى عاشوراء عادة تواصلت عبر الزمن، وتغيرت اساليب ذلك الاحياء وطرق التعبير عن الشعور الحزين لما أصاب احفاد رسول الله. وتكتظ المراجع التاريخية بانماط التعاطي مع الذكرى في البلدان التي اعتادت احياءها. ويمكن ملاحظة ذلك التطور بمقارنة ما تذكره تلك الكتب وما يمارس الآن في البلدان التي تهتم بالمناسبة. ولاحظ الرحالة الغربيون بعضا من تلك الاساليب ووصفوها في كتبهم. فقد سجلت ايفليا افندي في القرن السابع عشر، الطقوس التي كانت تصاحب احياء موسم العاشوراء في مدينة تبريز الايرانية. ففي العاشر من شهر المحرم يجتمع كل سكان المدينة في الخيام بهذا المكان الكبير، وعلى مدى ثلاثة ايام ولياليها يطبخون آلاف الاطباق من اجل تذكر شهداء كربلاء، وتوزع هذه الاطباق ومعها مشروبات سكرية، وهم يرفعون شعارات من بينها »لقد سقاهم الله انقى الشراب«. وتصف كتب التاريخ ما يفعله المسلمون في الصين وماليزيا في هذه المناسبة بمعانيها المختلفة. اما في تركيا فيحيي دراويش الطريقة البكتاشية بقضاء عدة ايام في اعداد الاطباق الخاصة بالمناسبة والقراءات التي تروي قصة استشهاد الامام الحسين. واصبح طبق »عاشوراء« موضع اهتمام كبير لدى الطرق الصوفية خصوصا بعد وفاة جلال الدين الرومي. هذه النبذة التاريخية تؤكد اهمية العاشوراء في التاريخ الهجري من جهة، واختلاف النظرة اليه من حيث البعد التاريخي والمنطلق الديني. الامر المؤكد في كل هذه الطقوس ليس وجود شعور عميق تواصل عبر الاجيال بالاهمية الدينية لهذا اليوم فحسب، بل بضرورة احيائه واعتباره يوما متميزا عن بقية ايام السنة. وفيما يمارس عشاق الحسين هذه الايام طقوسهم الخاصة التي تسبق يوم العاشوراء تتضح صورة التباين في العادات بشكل اوضح. كما تتضح ايضا حالة التباين في تقييم العظماء من المصلحين الذين صنعوا المواقف وشيّدوا الامم وساهموا في صنع الحضارات. والامام الحسين بن علي، عليه السلام، له الباع الكبرى في توجيه مسيرة الامة في واحدة من اخطر لحظاتها. تميزت تلك اللحظة بتحويل حكم الاسلام القائم على الشورى والعدل الى ملك عضوض يتوارثه الابناء عن الآباء والاجداد وفي ذلك مغايرة كبيرة لمنطق الاسلام ومبادئه في حكم المسلمين وادار
ة شوؤنهم. وبرغم وضوح هذه الرسالة العامة التي سعى الحسين بن علي لتبليغها لامة المسلمين، فقد تباينت المواقف ازاءها، وانعكس هذا التباين على موقف عموم المسلمين من الثورة الحسينية. فهناك شيء من الافراط من جانب بعض محبيه الذين يرون في ثورته ضد نظام يزيد موقفا اسلاميا يسعى للحفاظ على قيم الاسلام ومفاهيمه ونظرته للحكم، بوسائل تبدو احيانا بعيدة عن الذوق العام، وتفريط من الاطراف التي تعتقد بعدم جواز الخروج على الحاكم الظالم لما في ذلك من محاذير على الوضع الاسلامي العام، واعتبار حركة الامام الحسين مرفوضة الافراط والتفريط ظاهرتان لازمتا الملف الحسيني منذ العقد السابع من تاريخ الاسلام، وما يزال يمثل منعطفا صعبا في موقف الامة ازاء قضاياها المصيرية، ويوفر تباينا في طريقة صنع الموقف واتجاهه ما بين الثورة ضد الحكم او مهادنته او التعايش معه. فعندما ثار الامام الخميني رحمه الله ضد نظام الشاه كان ينطلق في موقفه من موقف الامام الحسين بن علي، وينسب اليه قوله: »كل ما لدينا من عاشوراء«. وعندما انطلق حزب الله اللبناني لمواجهة قوات الاحتلال الاسرائيلية في جنوب لبنان، كانت ثورة كربلاء تمثل شعارا محوريا لديهم، واعتبروا التضحية بالنفس أقصر الطرق لصنع النصر، في اطار مقولة »انتصار الدم على السيف«. ولم يجد قادة الحزب صعوبة كبيرة في توفير المتطوعين لمقاومة الاسرائيليين انطلاقا من تحريك المشاعر المرتبطة بملحمة كربلاء واستشهاد الامام الحسين. ومع ان موقف الامام الحسين يوفر للاستشهاديين المثل العملي والمبرر الشرعي لتقديم ارواحهم في سبيل اهدافهم، فان الظلم كثيرا ما يكون كفيلا بتحريك مشاعر التضحية والفداء، خصوصا اذا تحول هذا الظلم الى ما يشبه القدر المحتوم للبشر، فعندها يصبح الموت اهون من الحياة. وبرغم الضغوط الامريكية على الجانب العربي والاسلامي فقد فشلت واشنطن في الحصول على فتوى تحرّم العمليات الاستشهادية التي يقوم بها ابناء فلسطين ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي. الفلسطينيون قد لا ينطلقون في تلك العمليات من المنطلق التاريخي – الديني الذي يمثله »عاشوراء« وملحمة كربلاء بشكل مباشر، ولكنهم ينطلقون على اساس ان الدفاع عن الحق طريق مشروع للاستشهاد، وهو مبدأ لا ينفك عن المنطلقات التي انتهجها الامام الحسين عندما تحرك بقافلته الى العراق، وواجه الجيش الاموي مضحيا بنفسه واهله واصحابه. فاستشراء الظلم وسلب الحقوق والاستبداد السياسي والفساد الاداري والمالي، كل ذلك يوفر ارضية مناسبة للتضحية والفداء لدى الشعوب المستضعفة. وما يميز الجانب الاسلامي في النضال ضد الظلم والانحراف والفساد انطلاقه على اساس الاستجابة لاوامر الله التي تؤصل التضحية والفداء من اجل احقاق الحق وابطال الباطل. وتزداد قوة منطق الداعين للعمل الجهادي عندما ينجحون في عرض الواقع بشكل استقطاب واضح بين قوى الخير وقوى الشر، وهو استقطاب يسعى كل فريق لتوفيره لنفسه. وهذا المنطق لا يقتصر على الجانب الاسلامي او العربي، بل حتى الاطراف الاخرى تمارس حربا نفسيه وتعلن ان الحق معها وانها تواجه الباطل. وهذا ما يدّعيه دعاة الحرب في واشنطن ولندن وهم يستعدون لشن الحرب ضد العراق. حالة الاستقطاب هذه واضحة في ذهن العلامة اقبال الذي يرى ان »الحسين يمثل قيم السماء«، بينما »يمثل يزيد سلطان الارض«، والصراع بين الله والسلطان له اصداؤه في الثقافة الاسلامية التي لا تعترف لموقع للسلطان في مواجهة السلطان المطلق لله. فالحسين في نظره »رمز التضحية وحب الله«، بينما حكام الكوفة والشام »يغيّرون مواقفهم ليحققوا القوة من خلال التزوير والظلم والممارسة السياسية غير المستقيمة«. هذه الرؤية الفكرية لقضية الصراع القديم – الجديد تصلح لتكون عنوانا لتحريك الشعوب باتجاه الخير وضد الظلم، اذا استطاع المؤمنون بها تسويقها بالاساليب المناسبة. اما اذا بقيت ملحمة كربلاء في اطار الصراع على الحكم بين قطبين سياسيين يتنازعان عليه، او في اطار »التراجيديا الشخصية« التي ألمّت بالحسين واصحابه نتيجة وحشية الطرف الآخر في التعاطي مع المعارضين، فانها تبقى واحدة من قصص النضالات التي خاضتها الامم والشعوب عبر العصور، لا تتميز عنها الا في بعدها الديني ومسرحها الثقافي.
فقضية كربلاء بقيت قادرة على توفير السياج العاطفي لجمهور واسع من المسلمين، تقيهم الضربات ممن يكيدون لهم الشر، وعنوانا للكثيرين ممن يتحاشى »الابتلاء« بالبعد السياسي لقيم الاسلام، مع التركيز المتواصل على جوانبها الشكلية وتجاهل هويتها الحقيقية المرتبطة بأهداف الحسين التي يلخصها عدد من خطبه وكلماته. ان هجران الحسين لا يقتصر على الذين لا يتفاعلون مع المأساة الانسانية التي لازمت ثورته، بل يشمل التنكر لمبادئه وقيمه وعدم قراءة اهداف ثورته بوضوح. ومع ايجابية الاجواء المهرجانية العظيمة التي تقام سنويا لاحياء ذكرى شهداء كربلاء، فما تزال ثمة هوة نفسية وفكرية بين النهضة الحسينية والسائرين في ظلالها. فدماء الاطفال والنساء والرجال التي سفكت في ارض كربلاء تمثل مشهدا دمويا يدفع للبكاء والحزن والاسى، خصوصا ان ضحايا المشهد الرهيب هم سلالة رسول الله يتقدمهم حفيده هذا الجانب يستحق الاهتمام والاحياء بالحماس المشهود في بلدان مثل ايران وباكستان والهند وباكستان ولبنان والبحرين وبلدان كثيرة اخرى، ولكي تكون المشاهد مترابطة مطلوب من المفكرين والمثقفين وخطباء المنبر الحسيني النهوض بالرسالة المتوخاة من هذه المناسبة وامثالها، وذلك بتطوير اساليب العرض خصوصا في الجوانب الفكرية والسياسية. عندها ستكون »التراجيديا« مدخلا للتوعية والتثقيف والتغيير. يرى المفكر الايراني، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ان الثورة الحسينية شهدت ثلاثة تحريفات او تشويهات خطيرة: اولها الدعاية الرسمية التي وصمت الحركة بالخروج على اولى الامر والافساد وشق عصا الامة، وثانيها النزعة لخلق البطولات الخارقة للاشخاص ليتحولوا الى كيانات اسطورية، وهو امر، في نظره، يسيء للقضية، وثالثها الاصرار على شكليات القضية وتجاهل جوهرها المتمثل بالرسالة والمباديء وقيم الحرية والكرامة. وهذا ما اشار اليه المفكرون الاسلاميون الذين رأوا في الحسين مثلا للتضحية والفداء والدفاع عن الحقوق ومواجهة الاستبداد والانحراف. مطلوب من عشاق الحسين ان يعرضوا القضية بصفائها ونقائها بعقلانية وبمنطق يناسب العصر ويتناسب مع قضايا الامة، والتركيز على الدعوة الى »الاصلاح« ومحاربة الفساد. اما الجوانب العاطفية فهي مطلوبة في الاطر الشخصية ولا تصلح لان تكون جوهر مشروع عرض القضية للآخرين.