Archive
Bahrain Freedom Movement
08/11/2006 – 19:00 | مرات القراءة: 801 |
.بقلم – د.سعيد الشهابي وجدت واشنطن نفسها مضطرة لشجب الاجراء الحكومي البحريني الاسبوع الماضي باعتقال الحقوقي المعروف، عبد الهادي الخواجة، فهي حريصة علي اظهار شيء من نجاح ادعاءاتها بشأن المشروع الديمقراطي الذي روجت له في العامين الاخيرين، وتسعي لتجاوز ما من شأنه اثارة الشكوك في الخطوات التي تتخذها الانظمة الحليفة لها.
واشنطن اعتبرت، علي لسان روندا شور المختصة بشؤون الشرق الادني، اعتقال الاستاذ الخواجة خطوة مخيبة للآمال الي الوراء وأكدت ان من اسس الديمقراطية السماح بالرأي الآخر. وكان الانفراج الامني الذي حدث في 2001 في البحرين قد وفر لواشنطن مادة اعلامية ودعائية، دفعت الرئيس جورج بوش للاشادة بها مرارا، علي خلفية ما قيل عن وجود رغبة امريكية في دعم الديمقراطية بالمنطقة بعد حوادث 11 ايلول (سبتمبر). وبالتالي فما حدث في الاسابيع الاخيرة لا يخدم السياسة الامريكية التي تتشبث بالمقولة الديمقراطية لتبرير تواجدها العسكري في المنطقة، خصوصا في العراق والخليج، ومشروعها للاستمرار في الحرب ضد الارهاب. يتفق نشطاء حقوق الانسان علي ان اعتقال الناشط الحقوقي، عبد الهادي الخواجة، وحل مركز البحرين لحقوق الانسان، وغلق نادي العروبة، خطوات لا يمكن تبريرها باي شكل. فما حدث من تطورات علي الساحة الداخلية البحرينية لا يمكن اعتباره مؤامرة ضد النظام، ولا عملا تخريبيا، ولا اجراء يهدف لزعزعة الامن والاستقرار او الاساءة الي العائلة الحاكمة. وملخص القضية ان مركز البحرين لحقوق الانسان عمد في العامين الاخيرين لمناقشة ما يعتبره قضايا اساسية تهم المواطن البحريني ولا يمكن التغاضي عنها، بينما كانت الحكومة تفضل عدم اثارتها لما لها من انعكاسات سلبية في الداخل والخارج. بدأ المركز بتسليط الاضواء علي مشكلة التجنيس السياسي بشكل موثق، وذلك في ندوة جماهيرية في شهر تموز (يوليو) من العام الماضي. اثارت تلك الندوة سخط المواطنين لانهم اكتشفوا عمق مشروع التغيير السكاني الذي تمارسه العائلة الحاكمة، وسلط الاضواء علي آثاره السلبية المحتملة. ومع ان تجنيس الاجانب كان سياسة متبعة من قبل العائلة الحاكمة منذ سنوات، الا انه بلغ ذروته بعد صعود الشيخ حمد الي الحكم في اثر وفاة والده الشيخ عيسي في آذار (مارس) 1999، بدأ مشروع التجنيس بمنح الجنسية البحرينية لاعداد كبيرة من العاملين الاجانب بوزارتي الداخلية والدفاع، ثم تواصل الي قبائل عربية في الجزيرة العربية واليمن، وسورية والاردن وباكستان. وهذه المناطق معروفة بانتشار الاتجاهات الدينية المتطرفة التي لا تتناغم مع الاتجاهات الدينية (السنية والشيعية) المعتدلة في البحرين. وبعد ان فرض الشيخ حمد دستوره في شباط (فبراير) 2002، وهو الدستور الذي منحه سلطات مطلقة لا شبيه لها في اية دولة ديمقراطية في العالم، أصدر قرارا ملكيا بمنح الجنسية البحرينية لكل من يتقدم لطلبها من دول الخليج الاخري، الامر الذي أثار غضب المواطنين. فالبحرين لا يتجاوز سكانها نصف مليون انسان، فكيف تستطيع استيعاب تجنيس ما يصل الي20 مليونا؟ بالاضافة الي ذلك، تعاني البحرين من اضطراب سياسي، واوضاع اقتصادية ضعيفة مقارنة بدول الخليج الاخري. وبالتالي فليس هناك معني لمشروع التجنيس، سياسي، او اقتصادي او انساني. والتفسير الوحيد لمشروع التجنيس يرتبط بطبيعة نظام الحكم في البحرين. فالعائلة الحاكمة تختلف عن بقية العائلات الحاكمة في دول الخليج الاخري بمسألتين اساسيتين: فهي لا تنتمي تاريخيا الي الارض، ولا تمثل الاغلبية. وتعتقد ان مشروع التجنيس سوف يسد هذا الخلل. وبمكن القول ان مشروع التجنيس هو اهم بنود مشروع الشيخ حمد، وبالتالي فاية محاولة لعرقلته تعتبر تصعيدا غير مقبول يعاقب من يقوم به لعقوبات قاسية. هذا المشروع يعتبر اصلاحا لخلل بنيوي في الكيان السياسي القائم حاليا، يهدف لاحلال استقرار سياسي لم يتحقق علي مدي الـ 200 سنة الماضية.بعد ذلك أقام مركز البحرين لحقوق الانسان ندوة حول التمييز الذي تمارسه العائلة الحاكمة في البلاد، سواء في التوظيف بادارات الدولة، ام في توزيع الثروة ام في البنية التحتية في مناطق البلاد، ومن يزور هذه الجزيرة الخليجية الصغيرة يلاحظ بوضوح الحالة المزرية التي تعاني منها القري البعيدة عن مناطق اقامة العائلة الحاكمة، من حيث غياب الاهتمام ببناء الشوارع وغياب الحدائق العامة، وعدم وجود نظام حديث للمجاري، مع تفاقم مشكلة الاسكان، وضعف الرواتب. كما يلاحظ بوضوح حالة التمييز في المناصب العليا للدولة خصوصا علي مستوي الوزراء ووكلاء الوزارات ومدراء الدوائر والسفراء. هذه الحقائق كشفتها ندوة التمييز المذكورة في بداية العام، ودفعت العائلة الحاكمة لتوجيه انذار للمركز بحجة انه يتدخل في القضايا السياسية. بينما يصر المركز علي ان التعاطي مع هذه القضايا من ضمن الاهتمام بحقوق الانسان، ولا يمكن ان يتنازل عن ذلك الدور. واخيرا جاءت ندوة الفقر التي عقدها المركز قبل اسبوعين، وهي الشعرة التي قصمت ظهر البعير. ففي هذه الندوة التي عقدت في 24 ايلول (سبتمبر) طرح الاستاذ الخواجة ارقاما مخيفة حول ظاهرة الفقر في البلاد، واشار باصبع الاتهام الي الحكومة وعلي رأسها رئيس الوزراء شخصيا، بانه المسؤول عن تنامي هذه الظاهرة من خلال السياسات الاقتصادية التي انتهجها في الثلاثين عاما الماضية في غياب الدستور والرقابة الاجتماعية. وخلال هذه الفترة أقام رئيس الوزراء امبراطورية مالية عملاقة، فاصبح يمتلك الفنادق الضخمة، والمصانع الرئيسية، ووكالات الشركات الاجنبية، ودخل السوق منافسا للتجار، واستغل منصبه لمنح العقود الانشائية الكبيرة للشركات التي توافق علي دفع عمولات كبيرة له. كما وضع رئيس الوزراء يديه علي مساحات واسعة من الاراضي في كافة المناطق، في الوقت الذي يعاني منه المواطنون من ازمة المساكن والوظائف. وعرض في الندوة فيلم يكشف حالة ال
فقر التي يعاني منها المواطنون، الامر الذي اثار مشاعر الحاضرين. وقبل نهاية الندوة دعا الاستاذ الخواجة الي استقالة رئيس الوزراء كواحد من الحلول للازمة. ردة فعل الحكومة كان قاسيا جدا. فقد استدعي الاستاذ الخواجة للتحقيق واعتقل حالا، واصدرت العائلة الحاكمة قرارا بحل مركز البحرين لحقوق الانسان واغلاق نادي العروبة الذي أقيمت الندوة في احدي قاعاته. كانت ردة الفعل الشعبية عاصفة ايضا، وكذلك ردور فعل المؤسسات الحقوقية الدولية مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووج، ولجنة حقوق الانسان التابعة لجمعية المحامين البريطانية، ومنظمات الدفاع عن نشطاء حقوق ا لانسان. وثمة مبدأ واحد أشارت اليه بيانات تلك المنظمات، وهو ان الديمقراطية تعني ان تسمح بالرأي الآخر، وليست الديمقراطية ان تسمح بالرأي الذي يصفق للحاكم، وتمنع الرأي الذي ينتقده، فذلك عين الاستبداد. وبالتالي فمطالبة الاستاذ الخواجة بازاحة رئيس الوزراء عن الحكم حق مشروع، اذا كانت هناك ادني مقومات للديمقراطية. أما منعه من التعبير الحر عن رأيه فيعني الاستبداد في أجلي صوره، والقضاء علي أبسط مقومات الديمقراطية. البيانات الدولية التي صدرت في الاسبوع الماضي أحرجت حكومة البحرين بشكل كبير، خصوصا ان اعلامها كان يركز علي عدم وجود اي معتقل سياسي في البحرين، معتبرا ان ذلك احد انجازات عهد الشيخ حمد. وتجاهل ذلك الاعلام حقيقة اخري وهي ان المواطنين غيروا موقفهم تجاه الحكم لاعطائه فرصة لاثبات حسن النوايا، وخفف معارضته، وغير اساليبه، وقرر مسايرة مشروع الشيخ حمد حتي وصل نهايته. وخلال الاعوام الثلاثة الماضية كان الشعب ينتظر خطوات حقيقية علي طريق الاصلاح السياسي والاقتصادي، ولكن ذلك لم يحدث. فقد توقف المشروع باجراء انتخابات مزورة لم يشارك فيها سوي اقل من 40 بالمئة من المواطنين، لتشكيل مجلس نيابي مسلوب الارادة، ومطلوب منه ان يكون اداة دعائية وسياسية للعائلة الحاكمة ضد معارضيها. ولذلك فما ان اعتقل الاستاذ الخواجة حتي بادرت المؤسسات التي انشأها الشيخ حمد لمهاجمته والتنديد بممارسته ما هو حق طبيعي له. المعارضة تقول ان الخواجة تكلم بلغة الجماهير الصامتة المغلوبة علي امرها، ضد المشروع الذي بدت معالمه في الظهور تدريجيا، وتتخذ أبعادا خطيرة، ومنها التجنيس السياسي الذي يعتبره المواطنون ابادة ثقافية ، والتمييز علي اسس اللون والمذهب والولاء، والتشريع المحصور بالعائلة الحاكمة ممثلة بشخص الحاكم (كما حدث مع وثيقة 2002، وقانون الصحافة وقانون الامن الوطني وقانون التجنيس)، وتكريس نظام المكرمات بدلا من حكم القانون. هذه المعالم يسعي الحكم للتعتيم عليها ويعاقب من يعارضها. الواضح من خلال التطورات ان الحكم لم يتغير في تفكيره وتوجهاته، بل ان المواطنين هم الذين سعوا لاعطاء الحكم فرصة لتطوير الاوضاع وتحسينها. ويري بعض اطراف المعارضة ان الحكم اصبح اليوم اكثر قمعا من قبل. فمثلا عندما شارك بعض الشباب في جمع توقيعات المواطنين لعريضة شعبية تطالب العائلة الحاكمة باعادة العمل بالدستور تعرضوا للاعتقال لاسابيع، بينما لم يعتقل اي مواطن عندما وقعت عرائض مماثلة في 1992 و 1994 و 1995. وقام النظام بضرب الرموز الدينية للمواطنين بقسوة، كما حدث عندما خرجوا في مسيرة تشجب السياسة الامريكية لاستهدافها العتبات المقدسة في العراق، واطلقت الغازات المسيلة للدموع والخانقة علي اكبر علماء الدين. بينما كانت معاملة العائلة الحاكمة للمجموعة التي اعتقلت قبل ثلاثة شهور بدعوي تخطيطها لاعمال ارهابية تختلف كثيرا، اذ اطلق سراحها في غضون 48 ساعة فقط. لكن الامريكيين انزعجوا فاصدروا امرا لمواطنيهم بمغادرة البحرين لانها لم تعد آمنة، وقرر المعهد الوطني للديمقراطية الامريكي غلق مكتبه في البحرين لاظهار عدم ديمقراطية الوضع. فما كان من العائلة الحاكمة الا ان اعادت اعتقال المجموعة، فأصدرت السفارة الامريكية في البحرين بيانا لاحقا بان البحرين أصبحت آمنة، وتراجع المعهد المذكور عن قراره. هذه الاجراءات تعكس مدي اخضاع العائلة الحاكمة المواطنين لخدمة مصالحها وسمعتها.
الوضع البحريني يختصر الوضع العربي العام في صراعه مع الاستبداد، وصعوبة تحويل الحكام المستبدين الي حكام ديمقراطيين. فالتغير من الاستبداد الي الديمقراطية، من خلال تجربة البلدان الاخري في أفريقيا ووسط آسيا، انما تحقق بالتخلص من الحكام المستبدين، ولم يعرف، الا في حالات نادرة، ان استطاع حاكم اعادة صياغة ذهنيته بشكل جذري، فيكره الاستبداد ويحب الديمقراطية ويعلن استعداده لاعطاء شعبه حق ابقائه في الحكم او ازالته. وحتي في البحرين يؤكد التاريخ ان اي اصلاح في الماضي لم يحدث الا بعد التخلص من عناصر الحقبة الفاسدة. ففي 1923، عندما قرر المعتمد السياسي البريطاني آنذاك، الميجور ديلي، تنفيذ مشروع الاصلاحات الادارية التي كان المواطنون يصرون عليها، لم يجد بدا من الاطاحة بالشيخ عيسي بن علي آل خليفة، وتنصيب ابنه حاكما. وقد رفض الحاكم الطاعن في السن ذلك القرار، ولكنه لم يستطع ان يعمل شيئا. فرجال الديمقراطية غير رجال الاستبداد، والاصلاح لا يتم بقرار من اتجاه واحد فقط، بل هو عملية تتفاعل فيها كافة القطاعات المجتمعية مع النخبة الحاكمة، وتنتهي الي اقامة نظام جديد يختلف عن سابقه، جملة وتفصيلا. المواطنون البحرينيون لم يطالبوا باصلاح شامل، بل بتطوير نسبي للاوضاع، ولكن العائلة الحاكمة فضلت التعاطي مع مطالبهم بالاصرار علي اعادة توزيع المناصب الحساسة في الدولة علي عناصر الحقبة السابقة، الامر الذي كرس الاستبداد بدلا من القضاء عليه. وما اعتقال الناشط الحقوقي الا تأكيد للرغبة في التخلص من مناوئي مشروع العائلة الحاكمة. ولكن الحكم ربما خلق لنفسه بهذه الخطوة مشكلة اكبر. فمن غير الممكن علي الاطلاق توجيه تهمة جنائية للاستاذ الخواجة، في الوقت الذي تعمق القلق من ان يؤدي استمرار اعتقال الناشط الحقوقي الي المزيد من التوتر السياسي والامني خصوصا مع اصرار المواطنين علي التضامن غير المحدود معه. كما ان التنازل عن التهم الكبيرة التي وجهت اليه سوف يضعف الخطاب الرسمي، والموقف السياسي للعائلة الحاكمة. والارجح، وفق المعطيات المتوفرة حاليا ان يتم اطلاق هذا الناشط الحقوقي بدون قيد او شرط برغم ما يعكسه ذلك من كسر لعنفوان الجناح المتشدد في الحكم الذي يمثله رئيس الوزراء. فأية محاكمة ستتحول فورا الي محاكمة للنظام، وهو ما يتمناه الخواجة نفسه، وما لا يريده الحكم.