Archive

Bahrain Freedom Movement

خمسون عاما من النضال، قبل الرحلة الاخيرة لملم متاعه ومضى على عجل، كما يفعل غيره، عندما يحين الحين، لكنه ترك فراغا لا يسده الا مناضل مثله، رفض العيش العبثي، وأصر على الدفاع عن حقوق الناس.

الشرفاء لا يستطيعون الصمت على افعال الطغاة والمستبدين، وهشام واحد ممن خبر الحياة وعرف ان قيمة المرء ليست الا بقدر موقفه ومدى التزامه بمبدئه. فأكسبته تجربته بصيرة قلما تتوفر الا للمناضلين مثله، فلم تخدعه الشعارات الجوفاء التي رفعتها جوقة الحكم، ولم يتاثر بدعوات التشطير السياسي او المذهبي في اوساط المعارضة، وتعالى على محاولات الاحتواء وشراء المواقف. بدأ حياته متأثرا بالفكر القومي الذي كان آنذاك رافعا راية التحرر من الاستعمار، فأذناه لا تطربان الا للنغمات التي  تعزفها سيمفونية النضال والحرية. ثم تحرك نقابيا، مدافعا عن الطبقة المسحوقة من أبناء البحرين، الذين تطحنهم آلة الاستعباد السلطوية، ولا يتمتعون بشيء من حقوق الآدميين. وبعد  الانسحاب البريطاني لاذ بالحذر ازاء المشاريع الرسمية، واستمر على نهجه في العمل الوطني في كافة مراحله. ولم يقبل بأي موقع سوى ذلك الذي يوفر له فرصة معارضة الاستبداد السلطوي والدفاع عن حقوق المواطنين. ولذلك تصدى مع بقية الاحرار للعريضة النخبوية الاولى والعريضة الشعبية اللاحقة، ولم يتوان عن أداء واجبه يوما، ولم يخالجه الشك في ظلم هذا النظام وتعاسته وبؤسه واستبداده وخداعه. لا يعرفه الا من يخالطه، لان الهدوء طابعه، والتواضع من أبرز سماته، والصدق مع النفس من أروع ما فيه.

أتذكره وقد استقبلني بجمعية المهندسين في 1977، عندم تقدمت بطلب منحة دراسية دأبت الجمعية على توفيرها لأبناء البحرين. وكان دمث الخلق، متواضعا، نافذ البصيرة. وأتذكره عندما جاء لزيارتي بعد عودتي الى البلاد في 2001، في ذروة البهرجة الاعلامية التي فرضها الحاكم لخداع المواطنين، من اجل تمرير مشروعه المدمر. كان الحذر يملأ كيانه، فهو الذي خبر النظام منذ نعومة أظفاره، ورفض ان يستهبل من قبله. وقبل عامين تبادلت معه بعض الأفكار، عندما زارني في مكتبي في لندن، وكان في زيارة عاجلة لبعض الأعمال. كان همنا واحدا: فكيف ننتشل هذا الوطن من براثن هذا الوحش الكاسر والكابوس الجاثم على صدور البشر، وكيف ندفع  العمل الوطني الى الامام، لنفشل مشاريع النظام المقيتة. ولا أنسى تواضع الرجل وهو يكرر اتصالاته في كل مرة تحط قدماه عاصمة الضباب، للحفاظ على التواصل وتقوية العزائم والشد على ايدي في الطريق الطويل نحو الحرية. قليلون أمثاله في زمن عز فيه الرجال.

كان خبر رحيله مفاجئا، ولكن ما المفاجأة في الموت؟ فثمة مقولة رائعة حول هذا المصير المحتوم لكل البشر “ان من أروع سمات الرحلة الاخيرة انك لا تحتاج لحزم الحقائب”.

لم يحزم حقائبه، بل رحل أبو عمر عن الدنيا شامخ الهامة، حرا، صادقا مع نفسه ومع شعبه، ومات واقفا، فرحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

سعيد الشهابي

لندن

26 سبتمبر 2008

Show More

Related Articles

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

Close