الأرشيف

الصراع بين الخواجة والخاقان الأكبر أنا لا أرغب في المثول للمحكمة تحت هذه القوانين، ثم كيف تأمر المحكمة بجلبي للمثول أمامها بالقوة، وإذا كانت تهمتي هي قذف رئيس الحكومة فلماذا لا توجد شكوى شخصية ضدي”. عبد الهادي الخواجة بقلم: عباس ميرزا المرشد الأوضاع التي آلت إليها قضية الناشط الحقوقي عبد الهادي الخواجة، وإجباره على الحضور عنوة إلى قاعة المحكمة وحضور جلساتها، بعد تعرضه لكمية غير معلومة من التعذيب، تؤكد أن الحديث بالسوء عن شخصية رئيس الوزراء خليفة بن سلمان، هو حديث مزعج ومثير للقلق عند النظام ومؤسساته التابعة له ،ومن شأن الاستمرار في فضح أوجه الفساد أن يحرك نزعات انتقامية يشوبها العنف والإرهاب، وتُصب كافة أوجه القمع على أولئك النفر المتحدثين عن شخصية يمكن اعتبارها بمثابة الخاقان الأكبر بالنسبة للنظام. قد يبدو هذا الربط صحيحا تماما للوهلة الأولى ،لكنه صحيح من جهة وناقص من جهة أخرى، أو هو غير مقنع تماما( في حالة البحث عن أسس فهم غير سياسية) عندما يتأكد هذا الربط بين إثارة الخواجة وكمية الإرهاب التي تعرض له المجتمع المدني، بعد تلك الإثارة، استخدمت فيه كافة وسائل الإعلام التابعة لمؤسسة الحكم، فذلك يوحي أن إرهاب وعنف الخاقان مشروط بإثارته، وأن ذلك ليس طبعاً أو خاصية من خصائص الشخصية المتعمقة في الاستبداد والقائمة أساساً على تثوير بؤر الصراع حقيقة كان ذلك الصراع أو وهماً. معنى ذلك أن سلطة الخاقان هنا لا يمكنها الاستمرار في ممارسة عملها والبقاء في منصبها إلا بوجود حالة صراع تؤججها السلطة بين فترة وأخرى، وتوظيف ذلك في سحب الولاء للدولة إلى حيز الولاء الشخصي والقبلي والقطاعات الصغيرة الأخرى.وهذا يعني ضرورة أن تفهم القوى السياسية، أنها تتعامل مع خصم لدود يُمعن في إثارة الصراع بأساليب قديمة وحديثة معاً الصراع و طبيعة النظام التأكيد على وجود سمة العداء للأمن والاستقرار عند مؤسسة الحكم، من شأنه أن يعيد صورة تمثّل تلك المؤسسة في خضم الفعل السياسي اليومي لمحاولة إنتاج فهم أوسع لقضية بقاء مؤسسة الحكم في موقعها لمدة غير قصيرة وممانعتها لصيغ الأمن والاستقرار ،وبالتالي إبطال مفعول دعوى أن الخواجة أو غيره من الناشطين أو اللجنة المتضامنة معه تسببوا في إثارة بؤر الصراع مع مؤسسة الحكم أو مؤسسة العرش الملكي، وهذا الحكم سوف ينجر على قطاعات المجتمع المدني الأخرى الرافعة لشعار الأمن والاستقرار من خلال آليات العمل السلمي. إذن هناك مفارقة مهمة جداً، ومن الضروري لفت الانتباه إليها، وهي الاختلاف الجوهري والقوي والشاسع في البنية المستحكمة والمسؤولة، عن إنتاج الفعل السياسي عند كلاٍ من مؤسسة الحكم ومؤسسات المجتمع المدني.مؤسسات المجتمع المدني المتشكلة بإرادة حرة ومستقلة عن إرادة مؤسسة الحكم لا يمكنها الاستمرار في فعلها إلا في ظل أجواء الأمن والاستقرار، فهي عدوة جداً لأجواء الصراع والإرهاب ،وهذا يعود إلى طبيعتها المدنية أساسا ورغبتها الأكيدة لإنجاز الدولة وخلق الصالح العام وفصله عن الولاءات الشخصية والفئوية،في حين أن مؤسسة الحكم لا يمكنها تحمّل أجواء الأمن والاستقرار، لما يشكله الأمن والاستقرار من تهديد حقيقي لبقائها واستمرارها في تكريس المصلحة الخاصة ونظام الامتيازات على حساب المصلحة العامة والمساواة. وهذا يعود بدوره إلى بنيتها القبلية الموغلة في كافة أوجه الفعل لديها. فاللعبة السياسية القبلية على سبيل المثال لا تقوم على الالتزام والقبول بنتائج اللعبة السياسية المتفق عليها، و إنما تسعي جاهدة إلى تغير قوانين اللعبة وإخضاعها أولا و أخيرا لآليات الغزو والاستيلاء والتقلب في الولاء، وكل هذا يمثل سمات جوهرية لبيئة الصراع، وتفضيل ذلك التوتر على بيئة الأمن والاستقرار. من هذه المفارقة يصبح من الواضح جداً أن صراع القبيلة ضد الدولة هو الوجه الأبرز في الحقل السياسي، و هو صراع ضارب بعمقه في التراث السياسي البحراني وتسبب في إعاقة بناء الدولة في فترة كانت البلاد محتاجة لمثل هذا البناء. من جهتها كانت القبيلة تحمي نفسها من أمن واستقرار الدولة، وتؤسس لها أنظمة دفاعية عالية الجودة كي يكون بمقدورها أن ترغم بيروقراطية الإدارة على الخضوع للفهم القبلي ولما كانت آليات الدولة غير مفهومة لدى القبيلة فقد توجب على النظام القبلي أن يبادر إلى إثبات جدارته عبر توسيعه لمفاهيمها الخاصة ودمجها في الحقل السياسي. الاستجداء وتفعيل الصراع في حالات عديدة تتحرك أدوات الصراع القبلية من أجل تحطيم وتدمير شخصية الآخر لإخضاعه وإجباره على تقديم فروض الطاعة وطقوس الولاء والدخول إلى عالم الانتماء والوفاء لروح الأجداد . آلية الاستجداء هذه من ضمن أكثر أدوات الصراع والعسف ممارسة ,وأكثرها خفاء أيضا .مفهوم الاستجداء صاغته البيئة الصحراوية بقساوتها وعنفها، وعملت الأعراف القبلية على إنضاجه وتقويته بما يخدم فكرة الصراع وتوظيفه كآلية لحل الأزمات .ففي مواجهة البيئة الصحراوية وقحطها وغضب الطبيعة غير المأمونة، يلجأ الفرد القلبي بجهازه العقلي ومخياله الاجتماعي، إلى ممارسة الاستجداء من الأطراف القوية وطلب حمايتها والتماس العون منها لسد الحاجة والعوز لتسير أمره .وعندما تختل موازين القوى وتتقلب الأوضاع يتحول الطرف القوي إلى طرف ضعيف مستجدي .تبادل الدوار هذا من شأنه أن يؤسس بناء مصمتا للشخصية قوامها الجشع ويُنمّي الرغبة في الحرص والخوف من فقدان موقع القوة ويتجنب المشاركة .وفي مواج
هة هذا العالم المتقلب لا يستطيع الفرد القبلي أن يعول على إنجاز أي عمل بمجهوده ومشروعه الخاص إلا في حدوده الدنيا والضيقة جداً. ينعكس هذا الوضع في عقلية النظام القبلي عند اشتغاله في الحقل السياسي، وعندما تحدث مواجهة معلنة أو غير معلنة، بين بنية القبلية التصارعية وبين بينة المجتمع المدني السلمية ،فيلجأ إلى صلب آلية الاستجداء والاستعانة بها وتفعليها بما يخدم مصلحة النظام القبلي ،إذ لا يمكن مساءلة الطبيعة ومقاومة قوتها ،أو مشاركتها في فعلها ،فإن السلطة السياسية أيضا تصبح هي الأخرى بعيد عن المساءلة و المعاطاة.هذا الانحياز المسبق لدعم النظم السلطوية يؤدي إلى تقوية ودعم نظماً للتنظيم الاجتماعي تكبح النمو الاقتصادي وتصارع الديمقراطية .مع استمرار فعل الاستجداء تصبح أوليات التثقيف هي تعميم هذا السلوك لدى الاتباع ومحاصرة المواطنين، ومعاملتهم كرعايا لا يحق لهم الاستقلال أو الممانعة .ويكتمل مشهد الاستجداء كآلية صراع عندما يبادر النظام القبلي إلى طرح مجموعة من المشاريع لإخضاع قوى المجتمع المدني على الدخول في صراع قد يصل إلى حالة دموية عنيفة من أجل قيام مؤسسات المجتمع المدني باستجداء عطف ورأفة النظام . يستمر النظام في ممارسة هذه اللعبة من أجل تحقيق أهداف خارجية وداخلية عديدة ،لكنه يركز على ضرورة إنجاز هدفين هما: 1- إشاعة الإرهاب والسلطوية كأدوات لحل الأزمات والخلافات بين مؤسسة الحكم ومؤسسات المجتمع المدني. 2-تأكيد فوقية وقوة النظام ومؤسسة الحكم ورمزيته. صورتان تخدمان الخاقان

تطبيقا لفكرة الاستجداء أستعرض هنا نموذجين بشكل مختصر لتوضيح الفكرة أكثر،الصورة الأولى عندما تمارس مؤسسة العرش الملكي أسلوب التقسيم المناطقي في توزيع الغنائم، وتعطل مهام الدولة و واجباتها ليكون إنجاز الفعل الاجتماعي والسياسي مرهون دائما بقيام الفرق المناطقية بزيارته في قصر الصافرية لقضاء حوائجهم التي لم تلبيها الدولة.فهناك وفد من منطقة البلاد وأخر من منطقة كرزكان وآخر من منطقة السنابس وهكذا يتوزع الاستجداء على الجميع .الصورة الثانية، فرض قوانين مجحفة ومخالفة لروح المدنية والديمقراطية ورفع سقفها العالي في الانتهاك إلى أقصى الحدود ، ومن ثم تخفيف بعضاً من تلك الحدة والعنف بعد توسل مؤسسات المجتمع المدني لوقف العمل بها أو تعديلها،لذا فإن الحديث عن قانون التجمعات أو قانون الجمعيات أو غيرها من حزم القوانين المطروحة من قبل مؤسسة الحكم يمكن إدراجها في هذا النوع من التعاملات القائمة بين الدولة والقبيلة.فإضافة إلى ما يسببه تطبيق هذه القوانين من تعسف وإرهاب فإن على المجتمع أن يلتمس أو يبادر إلى تقديم الولاء الشخصي والاستجداء من قبل مؤسسة العرش أن تتدخل لتخفيف حالة العوز والحاجة،وتتحوّل قوى المجتمع بهذا إلى أدوات طيعة بيد النظام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق