الأرشيف

يوم الاعتذار الخليجي: المصالحة بين الحكومات والشعوب – حركة أحرار البحرين

19/09/2010م – 7:21 ص | عدد القراء: 1224

وليد سليس – 19 / 9 / 2010م – 9:13 ص ما يجري في دول الخليج من توترات وانتهاكات بحق النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والتي تزداد حدة يوما بعد آخر،و تتمثل في ممارسات بشعة تخلو من الكرامة الإنسانية وبعيدة كل البعد عن الدين، فالنشطاء والمدافعين يتم سجنهم وتعذيبهم والتحرش بهم جنسيا والتشهير بهم واتهامهم بالإرهاب وهو خلاف القوانين الدولية وأبسط القواعد القانونية من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته.

الاستقرار السياسي هو نتيجة لاحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون والحريات المدنية والسياسية، وبذلك يصبح مفهوم الأمن الجماعي الذي تسعى إليه جميع دول العالم والذي أكد عليه ميثاق الأمم المتحدة لا يمكن أن يتحول إلى واقع دون ممارسة العدالة والحكم الرشيد من قبل الحكومات، فالشيء الأساس كما يرى المفكر محمد أيوب ” هو وجود ثقافة سياسية حيث تكون قيم الديمقراطية متغلغلة في ثنايا المجتمع بحيث لا تجرؤ حكومة أو أغلبية على تشويه العملية الجارية لسيادة القانون ومزاولة الحقوق الاساسية وتكافؤ الفرص أمام الأقليات الدينية والعرقية ” وضمن تحليله للأزمة في العالم الثالث يرى ” أن النخبة الحاكمة عندما تشعر أن هناك احتمال لظهور صراع يهدد وجودها فإنها ستقمع المعارضين وستمنع نشوء ثقافة سياسية ديمقراطية وأنه سيتم انتهاك حقوق الإنسان جماعات وأفراد بدرجات متفاوتة ” وفيما يتصل بالأقليات تقوم ” الجماعات المهيمنة بتحديد الهوية القومية في صورتها الخاصة بها وتفرضها على كل السكان والذي يعني استبعاد الأقليات ” وفي الموضوع المتصل ببناء الدولة يقول ” المراحل الأولى لبناء الدولة والأمة تتطلب صراعاً وعنفاً فإنها تقضي إلى ظهور الأنظمة الاستبدادية لأن هذه الأخيرة قادرة بشكل أفضل على رسم صورة غالباً كاذبة عن الحكم المركزي والقرار الفعال، وخلال عملها تقوم بامتلاك مصالح واسعة لإطالة وجودها في الحكم وإعادة انتاج نفسها وتفعل ذلك عبر خلق هياكل سلطوية داخل إطار المجتمع الأوسع وأن هذه الأنظمة تتقن عملية تأسيس العلاقات مع القوى الرئيسية التي يعد دعمها الاقتصادي والسياسي مكونا حيويا لاستراتيجية البقاء لها “.

حينما يتحول العمل المدني إلى إرهاب «السعودية والبحرين مثالاً»:

التحليل السابق يتجلى عند النظر فيما يجري في الدول العربية من ممارسات قمعية وتصرفات تغيب عنها الحكمة، فمملكة البحرين منذ بدء الحملة الأمنية الأخيرة في 13/8/2010 التي انطلقت باعتقالات تعسفية لمجموعة من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان ويبلغ عددهم 26 [1]  يتهمهم جهاز الأمن الوطني بالعضوية في مخطط إرهابي يسعى لقلب نظام الحكم، ويبلغ عدد الموقوفين حاليا 24 لدى جهاز الأمن الوطني، بالاضافة إلى اثنين من المواطنين موجودان حالياً في لندن ويأتي في مقدمة المعتقلين الدكتور عبد الجليل السنكيس وهو رئيس لجنة حقوق الإنسان التابع لحركة حق من أجل الحريات المدنية والديمقراطية والأستاذ عبد الغني خنجر الناطق باسم اللجنة الوطنية للشهداء وضحايا التعذيب، والطبيب الدكتور محمد سعيد السهلاوي عضو مركز البحرين لحقوق الإنسان، والمدون المعروف علي عبد الامام وهو المشرف العام على أكبر موقع الكتروني في البحرين «bahrainonline.org». العدد السابق هو مختص بالشبكة “الارهابية” المزعومة، أما الاعتقالات في صفوف المواطنين منذ الحملة الأمنية فقد بلغت أكثر من 500 معتقل البعض تم اطلاق سراح البعض بعد أن تم تعذيبهم أو ممارسة شكل من أشكال العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة كما أشار إلى ذلك نبيل رجب رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان.

استخدام تهمة الارهاب[2]  ومحاولة قلب أنظمة الحكم ضد النشطاء ليست بجديدة، ففي السعودية تم استثمار مكافحة الارهاب في اعتقال مجموعة من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، ففي 16/3/2004 تم اعتقال الدكتور متروك الفالح والدكتور عبدالله الحامد والسيد علي الدميني بسبب ” عقدهم عدد من الاجتماعات المشبوهة والقيام بأعمال من شأنها تبرر الارهاب وتشجع على العنف وتثير الاضظرابات الاهلية ” بالرغم أن الجميع يعلم أن هؤلاء الثلاثة من دعاة الاصلاح والملكية الدستورية وان اعتقالهم كان بسبب عملهم المدني وهذا ما أشار إليه الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي بالأمم المتحدة بالقول ” أن الحكومة لم تقدم حججا مقنعة بان اعتقال الاشخاص الثلاثة المذكورين كان ضروريا لحماية النظام العام، ومن ثم فإن القيود على جريتهم في إبداء الرأي وحرية التعبير والاجتماع وحقهم في المشاركة في تناول الأمور العامة في البلد لا تتفق مع القانون الدولي “[3] . وقد تم الافراج عنهم بموجب ” عفو” ملكي أصدره الملك عبدالله بن عبد العزيز بعد تسلمه الحكم بعد وفاة الملك فهد بن عبد العزيز، وكان الافراج عنهم في 8/8/2005 م.

في 3/2/2007 قامت السلطات السعودية وذلك ” في إطار جهود مكافحة الإرهاب وتمويله من متابعة مجموعة أشخاص يقومون بأنشطة ممنوعة تضمنت جمع التبرعات بطرق غير نظامية وتهريب الأموال وإيصالِها إلى جهات مشبوهة توظفها في التغرير بأبناء الوطن وجرهم إلى الأماكن المضطربة” كما أورد البيان الصادر من وزارة الداخلية السعودية. وهذا الأمر استدعى إلى أن يقوم عدد من المقررين الخاصين في الأمم المتحدة [4]  بارسال رسالة تحت بند الإجراء العاجل في يوم 8/2/2007 إلى الحكومة السعودية بخصوص المعتقلين التسعة[5]  أشارت إلى قلقها بأن الحكومة تستخدم تهمة “الإرهاب” تجاه المعتقلين التسعة وذلك نتيجة عملهم الحقوقي وأنشطتهم السياسية. وأكد ذلك الفريق المعني بالاعتقال التعسفي بالأمم المتحدة [6]  إذ أشار إلى أن ما جرى للمعتقلين التسعة هو اجراء تعسفي ويخالف النصوص القانونية. وأيضا أصبح نظام مكافحة جرائم المعلوماتية السعودي «2008» في بعض مواده أداة يمكن أن تكرس حالة القمع الفكري تجاه حرية الرأي والتعبير فمثلاً المادة السادسة تنص على “يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل شخص يرتكب أيا من الجرائم المعلوماتية الآتية:ـ إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي. “[7] .

و في البحرين ايضا تهمة الإرهاب ليس وليدة اللحظة فقد سبق لجهاز الأمن الوطني البحريني في يوم 17 ديسمبر 2008 أنه أعلن القبض على خلية كانت تخطط لأعمال إرهابية خلال العيد الوطني وهو ما عرف لاحقا بـ ” خلية الحجيرة “، وفي 10 يناير 2009 يتم توجيه تهم للمناضل الحقوقي عبد الهادي خواجة تتضمن الترويج لقلب نظام الحكم والتحريض على كراهيته وبث شائعات تضر بالمصلحة العامة على أثر خطاب جماهيري ألقاه في ليلة العاشر من محرم، وفي 26 يناير 2009 اعتقلت قوات الأمن الأمين العام لحركة حق حسن مشيمع والدكتور عبد الجليل السنكيس، والشيخ محمد حبيب المقداد بتهمة التمويل والتحريض على أعمال عنف بهدف الاطاحة بالحكومة، وتم اطلاق سراحهم بموجب “عفو ” ملكي في ابريل 2009.

بالرغم أن أحداث 9/11 كانت نقطة تحول ولو جزئية بوجود بعض الاصلاحات على الأقل في الناحية الشكلية وذلك يرجع إلى الضغط الدولي الذي مارسته الدول الغربية، في نفس الوقت كان هذا الشيء مثار قلق عند المنظمات الحقوقية والحقوقيين وذلك بسبب الانتهاكات التي حصلت تحت غطاء مكافحة الإرهاب. في البحرين وصل الأمر إلى تشريع بعض البنود القانونية لمكافحة الإرهاب «2006» فأصبحت هذه المواد القانونية سيفاً مسلطا على رقاب الحقوقيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، بحيث جعل من الانتهاكات التي تقوم بها السلطات تأخذ شكلاً قانونيا بالرغم أن هذا القانون تم إدانته من قبل الأمم المتحدة[8]  لكونه لا يتوافق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان ومن قبل منظمة العفو الدولية[9]  ومنظمة فرونت لاين [10] ، ومن التعليقات الجميلة على هذه المواد كتب الأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي الأستاذ إبراهيم شريف السيد مقالا بجريدة الوقت البحرينية في 9/11/2008 منتقداً بشكل ساخر بأنه” لو طبق نص المادة «134» والمادة «134 مكرر» لتم إلقاء القبض على مئات النقابيين وأعضاء مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات السياسية والأفراد. ولن يكون مبالغا القول إن الزنزانات المتوافرة اليوم في أجهزة التحقيقات ومراكز الشرطة لن تسع كل هذا العدد من المعتقلين المخالفين لهذه المادة. اليوم هناك العشرات من النقابيين الذين يتوجهون سنويا للمؤتمرات العالمية التي تناقش أوضاع كل الدول بما فيها البحرين، وعدد أكبر من الحقوقيين الذين يحضرون مؤتمرات حقوقية تتناول أوضاع البحرين أو البلدان الصديقة، وعشرات السياسيين الذين يناقشون في مؤتمرات سياسية وحزبية السياسات العربية والدولية، وكذلك الباحثين الذين يساهمون بأوراق في مؤتمرات عالمية ويتحدثون مثلا عن قصور التجربة الديمقراطية أو قضايا الفساد في البحرين في قطاع الأراضي.”[11] 

مكافحة الإرهاب كان طريقا سهلا للحكومات في التعدي على النشطاء والسياسين لأن جميع شعوب ودول العالم تسعى إلى الأمن والطمأنينة، لكن للأسف كان عنواناً مخادعاً، فالمعتقلون ليس إلا مجموعة من المناضلين لأجل حقوق كرستها المواثيق والعهود الدولية. فأصبح ” مكافحة الإرهاب ” قميص يتم الباسه أي شخص للتغطية عن الفعلة الشنيعة. حتى الذين يقبض عليهم تحت عنوان مكافحة الإرهاب والذين ينتموا إلى تنظيم القاعدة لا تطبق عليهم القوانين من محاكمات عادلة!!

هذا الامر استدعى من المنظمات الدولية أن ترصد هذه الظاهرة فقامت منظمة هيومان رايتس ووتش بإصدار تقرير في اغسطس 2009 بعنوان ” حقوق الإنسان وسياسات مكافحة الإرھاب السعودية: المناصحة الدينية والاحتجاز لأجل غير مسمى والمحاكمات الجائرة ” والتقرير يتضمن نقد لسياسة المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب. وأورد تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2010 أن السعودية ” استخدمت قوانين لمكافحة الإرهاب ذات صبغة غامضة فضفاضة لقمع حرية التعبير وغيرها من الأنشطة المشروعة “.

يوم الاعتذار الخليجي:

سنوات من التعسف في استخدام السلطة، وهذا أدى إلى الإضرار بمختلف الطبقات الاجتماعية والايدلوجيات الفكرية الذين طالبوا بإصلاحات في أوطانهم، والكثير من الضير أصاب الاقلية الشيعية في السعودية والأكثرية الشيعية في البحرين سواء باستبعادهم من المناصب التنفيذية في الدولة أو اتهامهم بأن ولائهم لايران[12] ، أمام هذا الوضع المتردي والذي لا يمكن أن يحقق استقرارا ولا يمكن أن يبني دول قوية في ظل التحديات التي تواجهها أوطاننا، من هنا المطالبة بمصالحة بين الحكام والشعوب أصبح من الضروريات التي يمكن أن تشكل نقطة لسد الفجوة الحاصلة في العلاقة بين الحاكم والمجتمع وبين أبناء المجتمع أنفسهم.

فكما كانت القمة العربية الاقتصادية في الكويت عام 2009 عام المصالحة بين القادة العرب، نحتاج إلى خطوة أخرى لمصالحة الحكام مع الشعوب.

مصالحة الحكومات مع الشعوب ليس أمر مستهجن بل يدل على الوعي الكامن عند القيادات الحاكمة في أن الشعوب هي الأساس، وتتمثل أمامنا الخطوة التي خطتها الحكومة الاسترالية في 12 فبراير 2008 عندما تحدث رئيس الوزراء الاسترالي كيفن رود[13]  مخاطباً الشعب وخصوصا الشعوب الاصلية مبدياً اعتذاره واسفه على سنوات الاضطهاد التي كانت تمارسها الحكومة الاسترالية تجاه الشعوب الأصلية. خطاب الاعتذار مثل صفحة جديدة لملايين من الشعوب الأصلية الذين مورس ضدهم أبشع أشكال سحق الكرامة الإنسانية خلال أكثر من مئة عام.

الخطاب حضي بمتابعة وارتياح من الشعوب الاسترالية الأصلية، فرأينا دموع الأمهات والأباء الذين عاشوا جزء من هذه الحقبة المظلمة دموعهم تنهمر لأن الذكريات المؤلمة من قتل وتهجير وتعذيب وتمييز وسرقة الأطفال الذين لا يعرفوا هويتهم ولا ثقافتهم الآن لا يمكن إلا أن تبقى في الذاكرة الجماعية للأجيال المتعاقبة، ولكن رغم ذلك الشعوب تسامح وترغب في فتح صفحة جديدة يسودها العدل والأمن.

كلمات رئيس الوزراء الاسترالي تم اختيارها بدقة وعناية، فاعترف أن الاعتذار لا يمكن أن يمسح الألم ووعد بخطوات لتحسين الأوضاع الخاصة بالشعوب الأصلية تأخذ شكلا دستوريا وقانونيا.

اعتذار الحكومة الاسترالية يجب أن يكون ملهم لكي نخطو هذه الخطوة والتي ستسد شيئا كبيرا من الفجوة في العلاقة بين الشعوب وحكامها والتي تزداد عمقاً يوما بعد يوم. خطوة مثل هذه ستنتقل بالعلاقة من الشكل المضطرب والمتأزم إلى علاقة تعاقدية صحية تقوم على مبدأ قانوني يكون فيه المساواة والعدالة هو الحاكم على جميع التصرفات، وهو ما يريده كل واعي في خليجنا وعالمنا العربي.

فهل نرى يوم اعتذار خليجي خلال قمة دول مجلس التعاون الخليجي التي ستعقد في الامارات العربية المتحدة.. هو حلم أحلم به كما حلم مارتن لوثر كنج فالوقت مناسب والشعوب متعطشة ليكون يوم تأريخي يسجله التأريخ بحروف من ذهب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق