الأرشيف

سياسات اللجوء السياسي لا تحددها رغبات مجلس التعاون – حركة أحرار البحرين

ربما لم يفاجأ الكثيرون بالبيان الذي اصدره وزراء خارجية مجلس التعاون الذي اصدروه بعد اجتماعهم الاسبوع الماضي في جدة والذي عبروا فيه عن دعمهم لحكومة البحرين في مواجهتها للمعارضة. ولكن ما كان مفاجئا في البيان اصرار تلك الدول على طلب لا يمكن تحقيقه بأي شكل في عالم اليوم. فالوزراء يعرفون قبل غيرهم ان مطالبتهم بريطانيا بعدم منح اللجوء السياسي للمعارضين البحرانيين، يوفر واحدا من اقوى الاسس القانونية والانسانية لمنح اللجوء، وليس العكس، خصوصا اذا كان طالبو اللجوء مطلوبين لدى حكومة بلدهم التي تهدد باعدامهم، كما هو الحال في هذه الحالة.

 فمهما فعل مجلس التعاون الخليجي فلن يستطيع ان يضغط على اية دولة تلتزم بالحد الادنى من القوانين والمواثيق الدولية، لان منح اللجوء حق سيادي للدول، ومسؤولية يفرضها عليها التزامها بالاعلان العالمي لحقوق الانسان.

وتنص المادة 14 على ان ‘لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصا من الاضطهاد’، لان البديل منع الشخص من ذلك الحق وارجاعه لنظام الحكم الذي يضطهد مواطنيه، وينتهك حقوقهم. ووفقا لاحد تعريفات من يستحق ان يمنح اللجوء السياسي فان اللاجىء هو ‘الشخص الذي ابتعد عن وطنه الذي ينتمي إليه خشية أو هربا من الاضطهاد لأسباب تتعلق بالعرق أو الدين أو الجنسية أو الرأي السياسي أو الانتماء إلى فئة اجتماعية خاصة ولا يريد إن يضع نفسه تحت حماية بلده الأصلي’. كان الاحرى بمجلس التعاون الخليجي ان يتخذ مبادرات وخطوات عملية لحل الازمة المستعصية في احدى الدول الاعضاء، وهي ازمة ليست وليدة اليوم، بل يمكن اعتبارها الاطول في تاريخ الدول العربية بلا منازع. فقد بدأت الاحتجاجات المطالبة بدستور دائم ومجلس تشريعي في البحرين في 1922 وتواصلت عبر العقود حتى الآن. هذا الحراك السياسي المتواصل لم يقتصر على فئة مجتمعية او ايديولوجية او مذهبية دون غيرها، بل شملت قطاعات واسعة مع تبدلات ايديولوجية وفقا للظروف الدولية. فكانت تحت قيادات قومية ذات نزعات قومية (في الثلاثينات) ووطنية (في الخمسينات) ويسارية (في الستينات والسبعينات) ووطنية اسلامية (منذ الثمانينات). ومن الخطأ اعتبار الازمة في البحرين خاصة بفئة مذهبية دون غيرها، لان مطالبها بقيت محددة طوال تاريخها الطويل، واذا ما طرحت مطالب ذات صبغة دينية او مذهبية فانما هي جانبية، ولم تمثل يوما جوهر المشكلة التي كانت في اساسها، منذ تسعين عاما، دستورية، اي تتعلق بنظام الحكم وليس باداء الاجهزة التنفيذية. هذه حقيقة برغم سعي الاعلام الرسمي تجاوزها او التعتيم عليها. وحتى هذه اللحظة فليس هناك في البحرين من يسعى للاطاحة بنظام الحكم، الا وفق تعريف الماسكين بزمام الامور. هؤلاء يعتبرون انهم هم نظام الحكم، بمعنى انهم هم ‘الدستور’ وهم ‘القانون’ والمطالبة بدستور آخر يكتبه المواطنون ويتم الاستفتاء عليه وفق ما هو متعارف لدى الدول الاخرى، يعتبر ‘مؤامرة لاسقاط نظام الحكم’. وقد سعت المعارضة للفصل بين العائلة الحاكمة ونظام الحكم، بمعنى ان الدستور هو نظام الحكم، وان موقع العائلة الحاكمة يحدده الدستور الذي يكتب بالتراضي والتوافق. هذا المطلب هو الذي حرك ذوي النزعة القومية الوطنية في انتفاضة 1954-56، وهو الذي دفع اليساريين للاحتجاج طوال العقدين اللاحقين، وهو الذي حرك الاسلاميين والوطنيين معا للتحرك وطرح العرائض الدستورية في التسعينات، وهو الذي يطرحه حاليا من تتهمهم السلطة بـ ‘التآمر’ و’التخطيط’ لاسقاط نظام الحكم. ان رفض التمييز بين موقع العائلة الحاكمة ونظام الحكم سيظل احد اساليب التشويش والاتهامات الموجهة لمن يسعى لاصلاح الاوضاع في هذا البلد الذي كان بؤرة للتوتر طوال القرن الماضي.

من هنا كان الاحرى بدول مجلس التعاون ان تتخذ مبادرات ايجابية لحل المشكلة السياسية في البحرين، فالمجموعات التي تتهم بالارهاب والتآمر للاطاحة بنظام الحكم، انما هي نسخ اخرى للحركات والتجمعات التي تصدت للعمل السياسي في العقود السابقة، وليسوا اجانب، او مرتبطين بجهات اخرى، وقد اتضحت الصورة هذه المرة بشكل اجلى، عندما اصدر جهاز الامن الوطني بيانا أكد فيه عدم ارتباط المجموعات الحالية بايران او بما يسمى ‘الخلايا النائمة’ التي يزعم انها موجودة للرد على اية ضربة اسرائيلية ضد ايران. وكرر وزير الداخلية غياب ‘البعد الايراني’ عندما التقى قبل بضعة ايام السفير الايراني الجديد في المنامة. بعد هذا التوضيح فلماذا التعامل بهذه القسوة مع مواطنين يطالبون بحقوق مشروعة؟ وهنا تجدر الاشارة الى ان حكومة البحرين لن تستطيع اثبات وجود مخطط لاسقاط الحكومة، مهما فعلت، لسبب بسيط وهو عدم وجود هذا المخطط من قريب او بعيد. ولذلك فبرغم التعذيب الذي مورس بحق المعتقلين (وهذا ما أكدته المنظمات الحقوقية الدولية)، فقد انكر كل المتهمين التهم الموجهة لهم عندما قدموا، واحدا واحدا، امام النيابة العامة. الامر المؤسف ان انكارهم تبعه قرار اعادة كل منهم لمدة ستين يوما اضافية الى جهاز الامن الوطني المتهم بممارسة التعذيب. ولذلك فلم يكن من مصلحة مجلس التعاون ان يغمض عينيه امام التهم الكبيرة التي لم يسبق لها مثيل في السابق. هذه المرة هناك ادعاءات خطيرة ضد عناصر الحكم، من شأنها ان تصل الى القضاء الدولي، فيما لو واصلت المنظمات الحقوقية اتصالاتها مع المحكمة الجنائية الدولية ومجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة. بل ان يعضها ادعى انه يسعى لتقديم قضايا جنائية امام الدول التي تسمح اجهزة قضائها بقبول الشكاوى ضد المسؤولين الاجانب اذا كانت مرتبطة بحقوق الانسان. هذا برغم اصرار المعارضة البحرانية على ابقاء الازمة محلية وابعادها عن التدخلات الخارجية. وحتى المفوضة السامية لحقوق الانسان، نافي بيلاي، ألمحت في خطابها الذي افتتحت به الدورة الحالية لمجلس حقوق الانسان، الى اضطهاد نشطاء حقوق الانسان في عدد من الدول من بينها البحرين. وقد احتجت ‘المجموعة العربية’ بالمجلس على اشارة المفوضة لبعض الدول كالبحرين ومصر. ما هي فرص مجلس التعاون في التأثير على قرارات الدول التي تفرض قوانينها عليها منح اللجوء السياسي لمن يستحقه؟ هناك حقائق عديدة يمكن اعتبارها مؤشرا لتلك الفرص.

‘ أولا: ان منح اللجوء السياسي حق سيادي للدول، ولا يحق للدول الاخرى التدخل فيه، وبالتالي فالضغوط على تلك الدول ومنها بريطانيا للمساومة على تلك السيادة من شأنه ان يزيد الوضع تعقيدا خصوصا مع تدفق التقارير التي تؤكد وجود انتهاكات واسعة لحقوق الانسان.

‘ ثانيا: ان الضغوط السابقة على بريطانيا خصوصا في التسعينات لاجبارها على رفض طلبات اللجوء للبحرانيين باءت بالفشل. وسوف تفشل هذه المرة ايضا لان التهم الموجهة للمعارضين تحمل عقوبة الاعدام، وفقا لقانون الارهاب الذي اصدرته العائلة الحاكمة في 2006، وصدق عليه مجلس الشورى الذي ينتخب نصف اعضائه. والمعروف ان الحكومات في الدول الديمقراطية لا يحق لها التدخل في اجهزة القضاء والاجهزة المدنية الاخرى، الا ضمن ما يسمح به القانون. ويكفي الاشارة الى ما جرى لاحد اكبر رموز حزب العمال، بيتر ماندلسون، الذي يعتبر مهندس عودة حزب العمال الى الحكم في 1997. فقد خسر منصبه كوزير لشؤون ايرلندا الشمالية لسبب بسيط: انه اتصل باحد المسؤولين بدائرة الجوازات للاستفسار عن موعد منح اثنين من كبار رجال الاعمال الهنود الذين تقدموا بطلب الجنسية البريطانية بعد ان استوفوا شروطها. كان الاستفسار عن ذلك كافيا لفقد وظيفته لانه تدخل في قضية لا تخص دائرته، برغم ان الشخصين من كبار داعمي حزب العمال ماليا.

‘ ثالثا: ان السعودية، برغم ثقلها المالي والسياسي، فشلت في اجبار بريطانيا على ترحيل معارضيها من الاراضي البريطانية، بل ان احدهم، الدكتور سعد الفقيه، يدير قناة فضائية موجهة ضد الحكم السعودي، ولم تستطع الاموال النفطية الهائلة في فرض الارادة السعودية. وفشلت السعودية كذلك في طلب ترحيل الدكتور محمد المسعري من البلاد، في العام 1996 وفي 2005. هذا الفشل جاء برغم صفقات الاسلحة العملاقة التي وقعتها السعودية مع بريطانيا، ابتداء بصفقة اليمامة التي بلغت قيمتها النهائية 85 مليار دولار، ثم صفقة التايفون التي يتوقع ان تزيد قيمتها على 70 مليار دولار. وفشلت السعودية في ضغطها على الولايات المتحدة لعدم منح اللجوء السياسي للسيد علي الاحمد، الذي منح حق اللجوء السياسي والذي يدير من واشنطن ‘المعهد السعودي’.

‘رابعا: ان مجلس التعاون ارتكب خطأ كبيرا بطلب طرد اللاجئين البحرانيين من بريطانيا لان ذلك يتنافى مع ابسط قواعد الاسلام في التعامل مع الآخر، فالقرآن الكريم يتعامل مع المشركين بروح الرأفة والرحمة ويطالب الرسول عليه افضل الصلاة والسلام بحماية من يلجأ اليه من المشركين: ‘وان أحد من المشركين استجارك، فأجره حتى يسمع كلام الله، ثم أبلغه مأمنه’. وتجدر الاشارة الى ان كافة طلبات اللجوء التي تقدم بها البحرانيون قد تم اقرارها ولا يمكن الغاؤها خصوصا مع التهديدات المتواصلة بالسجن والاعدام، ومع انتشار تقارير التعذيب.

‘ خامسا: ان حكومة البحرين فشلت في تقديم اية ادلة ملموسة لبريطانيا حول وجود ما تسميه ‘مخطط ارهابي لاسقاط الحكومة’، وقال السفير البريطاني، ان هناك طلبا من العائلة الحاكمة بالتحقيق في مزاعم الارهاب، ولكنها لم تقدم أية أدلة.

‘ سادسا: ان هناك ازمة صامتة بين مجلس التعاون والاتحاد الاوروبي منعت التوصل لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة لسبب واحد، رفض مجلس التعاون توقيع البند المتعلق بحقوق الانسان في تلك الاتفاقية.

التفسير الوحيد للبيان الذي صدر عن المجلس الوزاري لمجلس التعاون انه محاولة لتقديم دعم نفسي لحكومة دولة عضو بمجلس التعاون تواجه وضعا داخليا متوترا وتحاصرها الاتهامات بانتهاك حقوق الانسان، ومطالبات من المنظمات الدولية الحقوقية وفي طليعتها هيومن رايتس ووج والعفو الدولية، بالتحقيق الفوري في مزاعم التعذيب التي تكررت على نسق متماثل طوال الاسبوعين الماضيين. وقد وردت الاتهامات بالتعذيب بعد ان التقى المحامون بعدد من المعتقلين، واستمعوا، في حضور مسؤولي جهاز الامن، لافادات السجناء. وبدلا من اصدار قرار حاسم بوقف التعذيب، عمدت السلطات لمنع حضور المحامين جلسات التحقيق امام النيابة العامة لباقي المعتقلين. وقد وجهت التهم لعشرة سجناء على الاقل في غياب محاميهم، بدعوى انهم ‘يعانون من اصابات وقعت بهم بسبب محاولتهم الهروب من الشرطة’، الامر الذي اعتبر اقرارا بتعذيب فاق في قسوته ما تعرض له المتهمون الآخرون. كان الاجدر بمجلس التعاون ان يتصدى لظواهر القمع والاعتقال التعسفي والاثارات الطائفية والمذهبية، بدلا من تعميق كل ذلك. ان دول مجلس التعاون الخليجي مطالبة باصلاح اوضاعها الداخلية وعلاقاتها البينية كشروط للتقدم والتنمية والاستقرار وحماية امن منطقة الخليج المهددة من الخارج وليس من ابنائها الذين يفتدونها بارواحهم. ان أمن الدول واستقرارها لا يتحقق بالقمع والتعذيب والتشويش الاعلامي واساليب التنميط لطائفة او جماعة، ولا بصفقات الاسلحة العملاقة وآخرها صفقة الاسلحة الامريكية للسعودية تبلغ قيمتها اكثر من 60 مليار دولار. الامن والاستقرار لا يتحقق الا بتحقيق توافقات داخلية مع المواطنين، وهو امر غائب بشكل واضح في حالة البحرين التي لم تتوقف اضطراباتها الداخلية طوال القرن المنصرم، وتواصلت خلال السنوات العشر من القرن الحالي. لا شك ان هناك فشلا في ادارة الازمة، وهو فشل لا يمكن تغطيته بالاعلام المحلي الهش، خصوصا في عصر الانفتاح الاعلامي وانتشار الانترنت. كما ان الاعلام الدولي الحر ساهم في كشف تسليط الاضواء على ما يجري، ويكفي الاطلاع على ما نشرته صحف مثل ‘الغارديان’ البريطانية و’واشنطن بوست’ و’نيويورك تايمز’ و’الفايننشال تايمز’ والاخبار اللبنانية و’القدس العربي’ لتقييم الوضع. مطلوب من مجلس التعاون الخليجي ان يرتقي الى موقع المسؤولية ويتخلى عن بيانات الدعم الاعمى لسياسات خاطئة، او ممارسة الضغط غير المنطقي باستغلال المال النفطي، فتلك اساليب ليس لها نصيب من النجاح. مطلوب وقفة مع النفس والذات و الضمير، لنصرة المظلوم ومنع الظالم من التمادي في الظلم، اذ لا يمكن اقامة الدول الحضارات على اسس الظلم والقمع والاضطهاد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق