Archive

Bahrain Freedom Movement

ويحل موسم العاشوراء مجددا، ومعه الآهات والآلام، فما أصدق القول السائد: كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء. وهل دنيا المؤمن الا جهاد متواصل ضد الظلم والطغيان؟ فما دام النظام اليزيدي يحكم في عباد الله بالظلم والعدوان، فلا مجال لمسايرته. لقد وقف الحسين صارخا ضد صمت الأغلبية عندما استشرى الظلم والانحراف، وقال كلمته الخالدة: “الا ترون الى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه”.

ويستمر الموقف الحسيني  في صموده وشموخه، برغم قلة العدد والعدة والناصر، متحديا الحكم الاموي التوارثي البغيض، رافعا شعار الحق والعدل والحرية، ورافضا اساليب الاستبداد والقمع وشراء المواقف والذمم. لم يكن أمام الحسين عليه السلام خيار غير اعلان موقف المفاصلة مع النظام الظالم، خصوصا بعد ان رأى البلاط الأموي يستهوي علماء البلاط، ويجتذب كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ويسجل التاريخ ان قصر يزيد شهد حضور عدد من اولئك، وفي مقدمتهم أنس بن مالك الذي لاذ بالصمت، ولم يتحدث الا عندما رأى سوط يزيد يقرع رأس الحسين عليه السلام، فقال ليزيد: أرفع سوطك عن هاتين الشفتين، فوالله الذي لا إله غيره، لقد رأيت شفتي رسول الله ما لا أحصيه مرة تقبلهما.. يسجل لأنس ذلك الموقف ولكن يؤخذ عليه أمران: صمته عن جريمة قتل آل رسول الله، وحضوره مجلس يزيد الذي كان يغص بالفجور والانحراف والعداء لآل بيت الرسول. نحن امام تاريخ يحوي التناقضات، فهو من جهة ينضح بالرياء والمسايرة والمحاباة، على حساب الدين والمبدأ، ومن جهة أخرى ينطق بلغة الشهادة التي تطلقها ألسنة من امتحن الله قلوبهم للتقوى والايمان.

لم يكن امام الحسين، وهو يرى انتشار الظلم والفساد في جسد الامة، الا ان يقف تلك الوقفة التاريخية التي صنعت للامة تاريخا جديدا، وأعادت الى الدين نقاءه. لقد اعتبر حفيد رسول الله ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر يجاوز النصح والارشاد على المستوى الشخصي، وانهما يتصلان بالواقع السياسي للامة، فعندما يفسد النظام فان ذلك هو عين المنكر الذي لا بد ان يواجهه المسلمون. انه لم يحصر مسؤولية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمن الأطر الضيقة التي يسعى البعض لترويجها، بل اعتبرها فضاء واسعا يتحرك المؤمن فيه على اوسع نطاق، ويبذل فيه أغلى التضحيات. فهل تضحية أكبر من أرواح آل بيت رسول الله يتقدمهم حفيده الذي قال قولته الشهيرة: “ان كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي، يا سيوف خذيني”. ان قضية كربلاء تجسد المشروع الاسلامي الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو مشروع سياسي اجتماعي اخلاقي، طرحه العلماء الواعون ذوو البصيرة على مر التاريخ، ولم يتخلوا عنه الا في مراحل التخلف. انه مشروع لا يستطيع التعايش مع الظلم والفساد، ولا يقر الحكم التوارثي البغيض، ولا يقبل من أهل الدين بمسايرة الظالمين، ويمنعهم من ارتياد مجالسهم، فهي مجالس فجور وانحراف وعهر لا تستقيم مع قيم الدين ومقاييسه، ولا يقبل الاستسلام للمشروع السياسي المنحرف للحكام الفاسدين. المشروع الحسيني صرخة ضد الظلم والاستبداد والانحراف، هكذا علمتنا سيرة أهل البيت عليهم السلام، وهكذا عرفناه من خلال المجالس الحسينية التي لم تنقطع منذ ثورة كربلاء. البعض يسعى للتقليل من مفهوم الثورة في المشروع الحسيني، ويسعى للترويج لمقولة مفادها ان الامام الحسين كان هدفه محصورا بعدم مبايعة يزيد، ولم يكن راغبا في المواجهة او مصمما على الاستشهاد، وهي مقولة الذين يفصلون بين الدين والسياسة.

ايها الاخوة المؤمنون: لقد بدأت الاصوات الهادفة للتقليل من شأن المشروع الحسيني ومعه المشروع الاسلامي العام، في التصاعد في الفترة الاخيرة، ومعها الدعوات التي تطالب بعدم رفع الشعارات السياسية في مواكب العاشوراء. أليس ذلك فصلا عمليا بين الدين والسياسة؟ أليس ذلك افراغا لتلك المواكب من محتواها؟ وهل الثورة الحسينية الا سياسية في اطارها التاريخي مؤطرة بالعقيدة والاخلاق والقيم؟ هل هناك من يشك في ان نهضة الامام الحسين عليه السلام سياسية بالدرجة الاولى؟ أوليس الاولى بنا ونحن نحيي هذه الثورة الخالدة التشبث بجوهرها الاساس وهو الثورة ضد الظلم وضد الحكم التوارثي البغيض الذي أسسه بنو أمية وأصبح تراثا للانظمة التوارثية التي ما تزال تثقل كاهل الامة اليوم؟ هل نقبل بالدعوات التي تسعى لافراغ المشروع الحسيني من جوهره وتصر على ابقائه تراثا تراجيديا يبعث على الحزن والاسى فقط بدون ان ينعكس على حياة الامة بالشكل الذي يحركها للنهوض ويقوي فيها العلاقة المتينة مع الله؟ رحم الله الامام الخميني الذي قال: كل ما لدينا من عاشوراء. لقد استطاع ذلك القائد المظفر اسقاط عرش الطاووس وذلك بسبب ايمانه الراسخ بالله العظيم واستخفافه بآلهة البشر، وعدم خشيته الا من الله المقتدر الجبار، وعمق ايمانه بالحسين ومشروعه الثوري الذي كان ثورة ضد الظلم والمنكر. لقد عانى الامام الخميني، كما كان الامام الحسين عليه السلام يعاني ايضا، من سياسات الحكم التي تسعى لتأميم الدين، فتفتح مجالسها لوعاظ السلاطين الذين يوفرون للطاغية ما يريد من فتاوى ومواقف تبرر ظلمه واجرامه. واليوم تعيش الامة على انغام الابتعاد التدريجي عن جوهر المشروع الاسلامي الذي انطلق قبل ثلاثة عقود على ايدي العلماء العظام وفي مقدمتهم الشهيد الصدر والامام الخميني وبقية علماء الامة المجاهدين الذين اثروا المكتبة الاسلامية بعطائهم الفكري، وأسسوا للنهضة الفكرية والنفسية لهذا الجيل.

نقف اليوم في محراب كربلاء، لنستنهض الهمم مجددا، ونحرك كوامن الآلام بهدف الاصلاح، على النهج الحسيني الذي لا يجامل الظلم ولا يسايره او يهادنه او يقره: “مثلي لا يبايع مثله”. ننهل من معين الحسين وشهداء كربلاء معاني الاباء والصمود، ونتجاوب مع صرخة الحسين يوم عاشوراء: “ان لم يكن دين، فكونوا أحرارا في دنياكم”. نشد على ايدي المجاهدين الصامدين بوجه الطغيان الذي يمارسه الحكم التوارثي البغيض، ونناشد الاخوة المؤمنين جميعا العودة الى روح الثورة الحسينية والرشف من معينها، والتقرب بكل ذلك الى الله تعالى، واعادة الروح الى المواكب الحسينية برفع الشعارات المدوية ضد الظلم والاستبداد ومصادرة الحقوق وتغيير التركيبة السكانية والتمييز والقمع. لنفعل ذلك، مستلهمين من روح كربلاء ما يعيننا على ذلك.

اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين.

حركة احرار البحرين الاسلامية
12 يناير 2007

Show More

Related Articles

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

Close