الأرشيف

شعر لنزار قباني عن عنتره، واقع الحكومات العربية والبحرين نموذج – حركة أحرار البحرين

16/03/2009م – 3:08 م | عدد القراء: 13060

بلادى شقة مؤجرة نزار قبانى

هـذي البـلاد شـقـةٌ مفـروشـةٌ ، يملكها شخصٌ يسمى عنتره …  
يسـكر طوال الليل عنـد بابهـا ، و يجمع الإيجـار من سكـانهـا ..  
 
و يطلب الزواج من نسـوانهـا ، و يطلق النـار على الأشجـار …  
 
و الأطفـال … و العيـون … و الأثـداء …والضفـائر المعطـرههـذي البـلاد كلهـا مزرعـةٌ شخصيـةٌ لعنـتره …  
 
سـماؤهـا .. هواؤهـا … نسـاؤها … حقولهـا المخضوضره …  
 
كل البنايـات – هنـا – يسـكن فيها عـنتره …  
 
كل الشـبابيك عليـها صـورةٌ لعـنتره …  
 
كل الميـادين هنـا ، تحمـل اسـم عــنتره …  
 
عــنترةٌ يقـيم فـي ثيـابنـا فـي ربطـة الخـبز …  
 
و فـي زجـاجـة الكولا ، و فـي أحـلامنـا المحتضـره …  
 
مـدينـةٌ مهـجورةٌ مهجـره …  
 
لم يبق – فيها – فأرةٌ ، أو نملـةٌ ، أو جدولٌ ، أو شـجره …  
 
لاشـيء – فيها – يدهش السـياح إلا الصـورة الرسميـة المقرره ..  
 
للجـنرال عــنترهفـي عربـات الخـس ، و البـطيخ …  
 
فــي البـاصـات ، فـي محطـة القطـار ، فـي جمارك المطـار..  
 
فـي طوابـع البريـد ، في ملاعب الفوتبول ، فـي مطاعم البيتزا …  
 
و فـي كل فئـات العمـلة المزوره …  
  ;
فـي غرفـة الجلوس … فـي الحمـام .. فـي المرحاض ..  
 
فـي ميـلاده السـعيد ، فـي ختـانه المجيـد ..  
 
فـي قصـوره الشـامخـة ، البـاذخـة ، المسـوره …  
 
مـا من جـديدٍ في حيـاة هـذي المـدينـة المسـتعمره …  
 
فحزننـا مكررٌ ، وموتنـا مكررٌ ،ونكهة القهوة في شفاهنـا مكرره …  
 
فمنذ أن ولدنـا ،و نحن محبوسون فـي زجـاجة الثقافة المـدوره …  
 
ومـذ دخلـنا المدرسـة ،و نحن لا ندرس إلا سيرةً ذاتيـةً واحـدهً …  
 
تـخبرنـا عـن عضـلات عـنتره …  
 
و مكـرمات عــنتره … و معجزات عــنترهولا نرى في كل دور السينما إلا شريطاً عربياً مضجراً يلعب فيه عنتره …   
لا شـيء – في إذاعـة الصـباح – نهتـم به …  
 
فـالخـبر الأول – فيهـا – خبرٌ عن عــنتره …  
 
و الخـبر الأخـير – فيهـا – خبرٌ عن عــنتره …  
 
لا شـيء – في البرنامج الثـاني سـوى :  
 
عـزفٌ – عـلى القـانون – من مؤلفـات عــنتره …  
 
و لـوحـةٌ زيتيـةٌ من خـربشــات عــنتره …  
 
و بـاقـةٌ من أردئ الشـعر بصـوت عـنتره …  
 
هذي بلادٌ يمنح المثقفون – فيها – صوتهم ،لسـيد المثقفين عنتره …  
 
يجملون قـبحه ، يؤرخون عصره ، و ينشرون فكره …  
 
و يقـرعون الطبـل فـي حـروبـه المظـفره …  
 
لا نجـم – في شـاشـة التلفـاز إلا عنتره …  
 
بقـده الميـاس ، أو ضحكـته المعبـره …  
 
يـوماً بزي الدوق و الأمير … يـوماً بزي الكادحٍ الفـقير …  
 
يـوماً عـلى طـائرةٍ سـمتيـةٍ .. يوماً على دبابة روسيـةٍ …  
 
يـوماً عـلى مجـنزرة …   
يـوماً عـلى أضـلاعنـا المكسـرةلا أحـدٌ يجـرؤ أن يقـول : “ لا ” ، للجـنرال عــنتره …  
 
لا أحـدٌ يجرؤ أن يسـأل أهل العلم – في المدينة – عن حكم عنتره …  
 
إن الخيارات هنا ، محدودةٌ ،بين دخول السجن ،أو دخول المقبره ..  
 
لا شـيء فـي مدينة المائة و خمسين مليون تابوت سوى …  
 
تلاوة القرآن ، و السرادق الكبير ، و الجنائز المنتظره …  
 
لا شيء ،إلا رجلٌ يبيع – في حقيبةٍ – تذاكر الدخول للقبر ، يدعى عنتره …  
 
عــنترة العبسـي … لا يتركنـا دقيقةً واحدةً …  
 
فـمرة ، يـأكل من طعامنـا … و مـرةً يشرب من شـرابنـا …  
 
و مرةً يندس فـي فراشـنا … و مـرةً يزورنا مسـلحاً …  
 
ليقبض الإيجـار عن بلادنـا المسـتأجرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق