Archive
Bahrain Freedom Movement
عبدالهادي خلف – 12/08/2008 – 19:36 | مرات القراءة: 553 |
يشهد هذا الأسبوع ذكرى إعلان استقلال البحرين وتحررها من عبودية معاهدات ‘’الحماية’’ البريطانية التي دامت قرناً ونصف القرن. وعلى ما يبدو ستمر هذه الذكرى العزيزة هذا العام أيضاً في ظل انقسام سياسي يرمز إليه غياب الاحتفالات العامة والرسمية التي تعرفها بلدان أخرى في مناسبات كهذه. في يوم الاستقلال قبل سبع وثلاثين سنة كانت الآمال كبيرة. وكانت الوعود المعلنة وغير المعلنة ترفع سقف تلك الآمال. فلم يكن إعلان الاستقلال حدثاً عادياً. بل كان يبشر بعهد جديد بعد أن تحررت البلاد من همَّيْن متلازميْن. تمثل أولهما في جملة الشروط التي فرضتها اتفاقيات ‘’الحماية’’ البريطانية. وتمثل ثانيهما في الضغوط التي فرضتها تهديدات الشاه الإيراني المتوعدة بـ’’استعادة’’ البحرين وانتزاعها من انتمائها العربي. كانت الأحلام كبيرة حقاً إلا أن مسار التاريخ لم يجر كما تمنت الناس. بل رأينا أيضاً كيف تحولت بعض تلك الأحلام إلى كوابيس.يستطيع المتتبع لتاريخنا منذ إعلان الاستقلال ملاحظة اعتماد الحكومة على نهج لم يتغير جوهرياً طوال ما يقارب أربعة عقود في التعاطي مع الناس على اختلاف فئاتهم. وهو نهج يعتبره أنصار الحكومة مصدر إنجازاتها بينما يعتبره معارضوها سبب إخفاقاتها. يشمل هذا النهج حزمة الإجراءات المعتمدة لمواجهة احتجاجات الناس على أيٍ من قراراتها. فهي تبدأ بإعلان أنها وحدها التي تهتم بمصلحة البلاد وأمانها واستقرارها. بل ولقد رأينا أن الحكومة لا تتوانى عن التلميح أحياناً والتصريح في أغلب الأحيان بأن لهذا النفر أو ذاك من المحتجين أجندات خارجية تغوص بعيداً في التاريخ والجغرافيا.وتشمل حزمة الإجراءات المعتادة استخدام الحكومة ما بيدها من إعلام لاستصغار أسباب المشكلة المطروحة ولتهميش الداعين لحلها ولعزلهم عن المتعاطفين معهم في المجتمع. وحين تفشل الخطوة الأولى أو حين لا يرْعوي المحتجون تتحرك بقية الحزمة وصولاً إلى تحريك أجهزة الأمن بمختلف مستوياتها بدءا من منع التجمع والتظاهر والاعتصام إلى إطلاق يد قوات الشغب بهراواتها وقنابلها الغازية ورصاصها المطاطي. وفي حالات تقوم أجهزة الأمن بمداهمة منازل وتحتجز معتقلين لأيام أو لأشهر رهن التحقيق. وفي الأغلب هناك حديث عن انتهاكات لحقوق المعتقلين بما في ذلك العزل الانفرادي لفترات طويلة وممارسة مختلف أنواع التعذيب البدني والنفسي.منذ انتفاضة مارس/ آذار 1972 وحتى حادثة المالكية الأخيرة يمكن لمتابعي السلوك الحكومي ملاحظة إنها تعالج كل مواجهة مع الناس بحزمة الإجراءات نفسها. نعم قد تزيد من شدتها في هذا الجانب أو ذاك. فقد تركز أحياناً على الجانب الإعلامي الترويجي محلياً وخارجياً بهدف تحسين صورتها أو تشويه صور معارضيها. وأحياناً أخرى لا تهتم البتة بالجانب الإعلامي. ويستطيع المتتبع لتاريخ البلاد منذ الاستقلال ملاحظة أن الحكومة تتمكن في كل مواجهة من التغلب على معارضيها وإسكات المحتجين على سياساتها وإعادة الهدوء إلى البلاد. لكنه هدوء خادع سرعان ما يختفي حين يخيم على البلاد كابوس جديد جراء مواجهة جديدة بين الحكومة والمحتجين على سياساتها.لقد نجحت الحكومة منذ إعلان الاستقلال وحتى الآن في مساعيها لـ’’إدارة’’ الأزمة. ولهذا لم تجد الحكومة سبباً يدفعها لتضييع جهودها في سبيل ‘’معالجة’’ الأزمة. وفي هذا يكمن أحد أهم إخفاقات الحكومة. فلقد اكتفت بالتعاطي مع أعراض المرض وليس مع أسبابه. ولهذا زاد تفاقم المشاكل التي تعاني منها البلاد رغم الهدوء الخادع البادي على السطح.لقد تمكنت الحكومة في الماضي عبر الاكتفاء بأساليب ‘’إدارة’’ الأزمة من المحافظة على درجة من الاستقرار. كما حافظت على التوازن بين وجهاء التعاضديات الطائفية والقبلية والمناطقية ومنعت تعدي امتيازات وجهاء تعاضدية بذاتها على امتيازات وجهاء تعاضديات أخرى. وبهذا أصبحت الحكومة كما يقول أخونا علي ربيعة ‘’هي المحرك الوحيد لأطراف اللعبة السياسية[1]’’. إلا أن قدرات الحكومة في هذا المجال لم تعد كما كانت. نعم لقد حققت نجاحاً ملحوظاً في السنوات السبع الأخيرة باستزلامها لبعض قادة المعارضة واحتوائهم في مخزونها من الوجهاء. لكن هذا النجاح يبقى محدوداً ولا يلغي آثار أحداث التسعينيات التي أعادت تشكيل الساحة السياسية وسرعت في تآكل قدرة الحكومة على استزلام معارضيها. ويزداد تسارع هذا التآكل مع بروز لاعبين جُدُد يؤثرون في حركة المجتمع وفي الشأن العام تأثيراً يوازي أو يزيد على تأثير الوجهاء التقليديين ووجهاء المعارضة الذين تفضل الحكومة التعاطي معهم[2].قبل أسبوع كتب أخونا أحمد الديين[3] مقالاً تناول فيه إخفاقات الحكومات الكويتية المتعاقبة. ويستحق ذلك المقال أن يعاد نشره ليقرأه الناس في البحرين. فما ينتقده أخونا ‘’أبوريم’’ في نهج حكومة بلاده يتكرر في البحرين رغم أن القاموس السياسي البحريني لا يحتوي تعبير ‘’حكومات متعاقبة’’. (نعم لقد تغير وزراء عندنا ونعم استقالت الحكومة وأعيد تشكيلها عدة مرات، إلا أن الحكومة بقيت كما هي دون تغيير جدي منذ الإستقلال وحتى الآن. وعلى أية حال ليس هذا هو الموضوع).لا تنشأ إخفاقات الحكومة من العدم. ولا تتراكم الأخطاء من تلقاء ذاتها. بل هي تنشأ وتتراكم وتتفاقم في رعاية ما يسميه أبو ريم بـ’’تواطؤ اجتماعي’’ على القبول بقصورها وعجزها. وهو تواطؤ يشارك فيه كلُ من يكتفي بانتقاد القشور والتركيز على الجزئيات. وهو تواطؤ تشارك فيه ‘’المعارضة’’، التي
تخلت عن دورها في البلديْن حين ‘’تعامَت تماماً عن مركز القرار السياسي في البلاد، وفي أفضل الحالات اكتفت بالتلميح عن مسؤوليته دون التصريح بمساءلته’’.ينطبق على حكومتنا انتقاد الديين لحكومة بلاده. فالدول كما يقول بحق لا تُدار ‘’بالتصريحات، وردود الأفعال، وسياسة (الباب اللي يجي منه الريح سدّه واستريح)، والتطبيق الانتقائي للقانون، وإنما تُدار الدول بالعمل المنهجي، وبتحديد الأهداف ووضع الخطط، ورسم السياسات، ومعالجة المشكلات، واتخاذ القرارات وتنفيذها، وتطبيق القانون’’. كذلك ينطبق على وضعنا إشارة الديين إلى أن الوفرة المالية قد مكنت الحكومة من تخفيف عواقب قصورها وعجزها عن إدارة شؤون البلاد.لا يختلف حالنا في البحرين إلا في التفاصيل عن حال أهلنا في الكويت. ومثلهم نحتاج إلى التغيير المسكوت عنه حسب تعبير الديين أي استبدال هذه الحكومة بحكومة لا تُعيد إنتاج نفسها ولا تكرر إخفاقاتها. هذه هي الخطوة التي تستحق ان تسمى ‘’أم المكرمات’’.[1] علي ربيعة ‘’الوحدة الوطنية هي قارب النجاة’’، الوقت 10 اغسطس/آب .2008[2] انظر: ناصر زين ‘’اجتماع سري بالسلمانية للتصعيد ضد إدارة جمعية التمريض’’، الوقت 9 اغسطس/آب .2008[3] احمد الديين ‘’إدارة فاشلة وتغيير مسكوت عنه’’، عالم اليوم 5 اغسطس/آب .2008- كاتب بحريني، أستاذ علم الاجتماع في جامعة (لوند) – السويد