الأرشيف

مايو2004

رهائن أم معتقلين :الحكومة والمعارضة في خندق الصراع بقلم عباس ميرزا المرشد سيكون من الصعب جداً القبولُ بالاتهامات التي أدلي بها وكيل النيابة العامة، عبد الرحمن جابر آل خليفة إلى مجموعة من الناشطيين في جمع توقيعات على عريضة تطالب بتحقيق قدر كافي من الديمقراطية، يتوافق ومكتسبات دستور البلاد الصادر عام 1973 وبنود ميثاق العمل الوطني 2001، والتحفظ على الدستور الصادر من قبل الملك عام 2002. لن يكون من السهل تصديقُ انطباق هذه التهم على هذه المجموعة أو غيرها، لسبب بسيطٍ جداً، هو أن هذه التهم مجتمعة، لم توجه إلى أي مجموعة سياسية معارضة، ليس في البحرين فقط، وإنما في أشد بلدان العالم استبداداً وتغطرساً.تأكيد وكيل النيابة ووزير الإعلام نبيل الحمر على أن هذه التهم تصدر من جانب قانوني اختصاصي لا دخل فيه للجانب السياسي، يثير بدوره تساؤلا مهما يتعلق بالحد الفاصل بين القانوني والسياسي في أجواء ما زالت تعتبر بدائية للديمقراطية.في الدول الأكثر ديمقراطية هناك معايير واضحة لمثل هذا الفصل يمكن الوصول إليها وتطبيقها بسهولة وإجراء أي محاسبة أو مراقبة عليها، الوضع في الدول المقابلة أي الأقل ديمقراطية، لا وجدود حقيقي أو واقعي لمثل هذه المعايير.في مقابل الدولة الديمقراطية تقف مجموعة من الأنماط، منها، الدولة الشمولية أو “الكلاّنية”(التوليتارية)حيث لا وجود إلا الوجود الواحد. هذه الدولة عبارة عن عنف ممارس من قبل فئة ادعت لنفسها حق الكلام باسم الشعب بأكمله، وهي تحتكر لمواجهة كل الفئات الاجتماعية، وسائل منعها من التعبير عن مصالحها وافضلياتها.ومن هنا فان كل الإرادات تُسحق وتُصهر في إرادة واحدة هي إرادة الحاكم أو النخبة الحاكمة.فهي التي يحق لها إصدار القانون وتفسيره وتطبيقه، وهي التي تُخطط وتمنع وتسمح، ولها الحق في التفتيش حتى عن رغبة الناس في الحب أو الكره “التهمة الأولى من التهم الأربع”،إذ لا وجود لأي إرادة أخرى. السلطات في مثل هذه الدولة، ليست ثلاثا كما تصورها عملالقة العقد الاجتماعي، هي سلطة واحدة متعددة الأدوار شأنها شأن قبعة أرنب الساحر، فهل يمكن تمرير شبهة مخالفة القانون والابتعاد عن السياسة في ظل هكذا أجواء ؟لا يبدو أن ذلك سهلا. إذن، لا يختلف احدٌ، على أن هذه التهم تنطلق من احتقان سياسي مرير تعيشه البلاد، ولن يكون بمقدور أي احدٍ أن يلغي آثار الماضي من ممارسة دوره، وفق ألف طريقة وطريقة. فإضافة إلى اللجوء لقانون العقوبات الصادر عام 1976 والمليء بالمواد القاتلة والقابلة للتفسير وفق صيغ الحرية والاستبداد معها، هناك التمسك بقانون التجمعات والمادة 178 من القانون الصادر عام 1973 كما أن هناك خطابات أخرى مرتهنة أساسا لخطاب مرحلة الاستبداد. إن ما يشكل خطورة وتطورا غير متوقع ليس عملية الاعتقال أو التذكير بقوانين أمن الدولة فذلك أمر كان متوقعا وواردا، خطورة الموقف تتمثل في بعدين هما: أولا:اعتبار الأشخاص المعتقلين رهائن أو أسرى يُفاوضُ عليهم.فحتى يتم إطلاق سراحهم وإلغاء التهم الموجهة إليهم يجب على التحالف الرباعي المعارض أن يتخلى عن أنشطته الرامية لإتمام العريضة السياسية والاكتفاء بأعضاء ما قبل 21 ابريل أي قبل تدشين العريضة.خطورة هذا البعد واضحة في كونها تخلق مجالات جديدة للصراع وأساليب متفق على قذارتها وعفونتها.فتحت أي مبرر يتحول الإنسان المعتقل إلى ثمن مقايضة ومصلحة سياسية إذا كنا نتكلم عن أجواء من الديمقراطية ورغبة أكيدة في تسيّد لغة الحوار والشفافية؟وهذا لا يعني الحكومة فقط وإنما يشمل الإطراف الأخرى التي قامت بدور البطولة وترطيب الأجواء والقيام بوساطات بين الحكومة والمعارضة، في الوقت الذي يجب فيه أولا إدانة عملية الارتهان والعودة بالقضية إلى قضية اعتقال سياسي وعبر هذا العنوان يكون بالإمكان تحريك الوساطات او غيرها ثانيا: استخدام الأدوات الانقسامية وتفعيل الانشطارت العمودية داخل المجتمع السياسي، وهو بعد لا يقل خطورة عن سابقه، فأمام الخطوات الأولى لإنجاز الوحدة الوطنية عبر التحرك من أفق سياسي موحد وقاعدة جماهيرية واحدة تبرهن على وعي وتماسك المجتمع، تقوم الحكومة بحركة العودة إلى الطائفية والفئوية لإبراز صورة معاكسة للواقع تقوم على توصيف الحركة المعارضة بأسلوب لا يخلو من الخبث الإعلامي على أنها معركة طائفية شيعية يمكن حلها وفق الأطر والقيادات الشيعية.

سيكون من المترقب إطلاق سراح الرهائن قريبا وتحت مسميات عديدة وتخريجات واسعة ولكن سيبقى اثر الفأس ما زال موجودا.

الملك : صانع برابرة القرن 21 “نحن الأجساد المتهمة بالنطق، الموسومة بالدنس…. نرفض شرب سم سقراط، وسوف ننشرُ دمَ الحسين…” بقلم:عباس ميرزا المرشد يفيد مصطلح البرابرة معنيً عميقا جدا عند توصيف المجتمعات التي تسودها الصدامات و الصراعات، فهو يشير إلى الفئة الرافضة للمدنية، والراغبة في استمرار الحياة الاجتماعية والسياسية من دون قواعد وبلا قوانين.تحبذ فئة البرابرة اللجوء إلى القوة والعنف والعنجهية لتحقيق ما تريد، وما تصبو إليه، من أهداف وتطلعات،وترفض رفضاً قاطعا الاعتراف بحق الفئات الأخرى البشرية في الحياة والمشاركة السياسية، فتصادر حق تلك الجماعات والفئات، وتقوم بشن حروب متتالية على المدنية لمحاولة تركيع المدينة، وتسليم نفسها طواعية للبرابرة. ولسبب عداء البربرية للمدنية والقانون، فإنها تعزل نفسها في محيط خاص بها، وتُشّرعن لها ما يتلاءم وهذه الحالة الانعزالية، من قوانين وأعراف، وتحاول إقامة الحواجز المادية والمعنوية، بغية الحفاظ على نفسها من أدناس المدنية وأصحابها. إن خطورة البرابرة، لا تقف عند هذا الحد، حيث اتخاذ المواقف وتبني وجهات نظر بغيضة، بل يمتد خطرهم إلى قيامهم بسلوكيات عدائية واضحة ومنتهكة، ولنا أن نرى كتب الأدب العالمي، وكثير من الأفلام السينمائية، كيف تصور الخراب الناتج من غزو البرابرة للمدنية.ألم يحدث في التاريخ أن شنت إسبرطة العسكرية هجوما مدمرا على أثينا مدينة العقل والعلم، ألم يقوم المغول بحرق كتب بغداد وهز استقرارها…القائمة تطول عند سرد مثالب البرابرة القدماء. إذا كان ذلك قد حدث في الماضي وفق حروب وغزوات بين المدينة وبين من يقبع خارج أسوراها، فلن يُعدم القرن الواحد والعشرين من برابرة جدد يحملون على عاتقهم مهمة تنفيذ حلم البرابرة الأسلاف.هذا الامتداد والارتباط بروح الأسلاف لا يمكن مقاومته بالعلم والمدنية، ولا السلم قادر على تضيع معالم الغزو البربري، فالبربري ضد العلم والمدينة وضد السلم.في القرن الواحد والعشرين، يتحول البربري من مقاتل يرتدي فرو الحيوانات، إلى حاكم تعلوه أوسمة عسكرية يتفاخر بها في كل لحظة، وبدلاً من اعتنائه بسفيه الفولاذي ورمحه السنين، يصنع لنفسه أجهزة الأمن و قوات التدخل السريع ومقاومة الشغب، حقا لقد ملئ عالم القرن الواحد والعشرين بالبرابرة الجدد. البحرين حاضرة من تلك الحواضر التي عانت مرارا من البرابرة القدماء. وهي تعيش حالة مأساوية تحت تحولات البرابرة الجدد. لم يكن ملكها مجبرا في يوم من الأيام على العودة إلى البربرية أبدا، لأنها مدينة، وتعرف أصول المدنية، وتحاول أن ترتقي بنفسها إلى مصاف المدن الحضارية وفق تنظيمات سابقة للوجود العائلة الحاكمة قبل 250 عاما. ثمة من يرى أن مؤسسة العرش الملكي ما زالت بعيدة عن تصرفات البرابرة الجدد وهي بريئة من تصرفات وسلوكيات تستهدف اغتيال المدنية في بلد صغير وحضاري كالبحرين. اغتيال المدنية لن يتمَ على أيدي إبطالها يا جلالة الملك… اغتيال المدينة لن يكون على حساب دم شهدائها يا جلالة الملك…. هذا هو شعار القوى الوطنية. صحيح أن القرار يصدر من جهة أعلى وأقوى من مؤسسة العرش الملكي، لكن ذلك، لن يلغي مسؤولية العرش الملكي عن التصرفات الحمقاء التي يمارسها البرابرة الجدد من ضباط ومن أقلام مأجورة، أبرزها عرّاب السلطة، ومن حوله. لقد كانت اعترافات السيد مجيد العلوي وزير العمل، في محضر الدكتور حسن مدن، كفيلة وواضحة جدا في إلقاء مسؤولية ما حدث من تصعيد أمني مفتعل، على كاهل شخص الملك، فالملك هو الذي يتولى ملف العريضة الشعبية، وهو الذي يصدر ما يقال وما لا يقال .عجبا كيف يكون للقلم والورقة كل هذه القوة، أم أنها قوة المدنية التي لا تقوى عليها سيوف البرابرة؟ إن انزعاج الملك، الكبير، من تدشين العريضة الشعبية، يبدي وجها معاصراً لبربرية قديمة، فهو يعبر عن كراهيته البعيدة المدى، لوجود معارضة مزعجة. الأمر الأكثر خطورة وأهمية هنا، هو خلل فهم مؤسسة العرش الملكي وأجهزتها الأمنية لرسائل المعارضة وقوى المدينة، فحوى تلك الرسائل أن المعارضة مصرة على مواصلة العمل السلمي، ولن تدخل في أي عنف أو صادم مع النظام، وإنها مستعدة للدخول في أي حوار أو تفاوض، ومستعدة لدخول المعتقلات طوعا.إن هذه النصوص الواضحة تماما قد فهمت خطأ من قبل مؤسسة العرش الملكي، وباتت تؤسس اعتقادا واهماً قوامه، أن استخدام العنف والصدام يأتي لصالح النظام، ويشكل خطراً على المعارضة وبالتالي يمكن تركيع المدنية عبر تهديدها بالعنف، وإدخالها في دوامة الصدام! الصحيح في تلك الرسائل أن اللجوء إلى العنف والبربرية، ليس خيار المعارضة، نعم، ولكنها ستُفيد منه في حرق النظام برمته إن حاول اللعب به، فأول من سيحرق بالعنف، هو النظام، ومن يقف حوله. فهل يقوى قصر الصافرية على حصار الجماهير له وإجبار ساكنيه على المغادرة؟ هل سيكون بوسع البربري المعادي للمدينة، مقاومة المدنية؟

التاريخ يخبرنا أن ملح غاندي، المستخرج من رحم المدينة، كان أقوى من أساطيل بريطانيا البربرية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق