Archive
Bahrain Freedom Movement
وسقط الصنم للمرة الأخيرة. وراح صدام يترنح بجسده على المشنقة، مخلفا وراءه بلدا مدمرا وشعبا ممزقا، وجيرانا موجوعين. المؤمنون بربهم وحتمية جريان قوانينه لم يفاجأوا بما حدث لصدام حسين، فلكل طاغية نهاية على ايدي ضحاياه.
قليل من الطغاة يعتقد بان الدنيا ستدور عليه وان سنن الله ستعمل عملها فيه، ذلك ان الشيطان يوهم النفوس والعقول بعدم امكان ذلك، فالحاكم هو صاحب الصولجان، ومالك الانس والجان، وهو الآمر والناهي، ولا أحد سواه قادر على ان يفعل شيئا. الشعوب تختصر بأفراد يعملون قتلة ومعذبين لدى الطاغية، والدنيا كلها تبدو طيعة في يديه، والعمر يبدو ممتدا الى ما لانهاية، والله غافل عنه بالآخرين. هؤلاء الطغاة ينسون، او يتناسون، يجهلون او يتجاهلون عددا من الحقائق المحتومة التي لا راد لها الا الله. أولها ان لكل طاغية نهاية، وثانيها: ان الله يمهل ولا يمهل، وثالثها ان دعوة المظلوم لا تحجب، ورابعها ان يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم، وخامسها : لو دامت لغيرك لما وصلت اليك، وسادسها، ان الشعوب أقوى من الطغاة مهما تفرعن الطغاة (كما قال الشهيد العظيم السيد محمد باقر الصدر)، وسابعها: ان ثبات الشعوب على مواقفها ضد الطغاة الذين يحكمونها لا بد ان يحسم المعركة لصالحها، ويقضي على اولئك الطغاة طال الزمن ام قصر. وثامنها ان الطاغية يموت بروحه، ويبقى جسده شاهدا ضده: فاليوم ننجيك بجسدك، لتكون لخلفك آية. هذه الحقائق تغيب عن الحكام المستبدين الذين يخاطب كل منهم شعبه باللغة الفرعونية: لا أريكم الا ما أرى وما اهديكم الا سبيل الرشاد. اولئك الطغاة ينظرون الى القصور التي تبنى على أجساد الابرياء وجماجم الشهداء، فيخاطب الواحد منهم قومه: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي، ويعتقد انه مخلد الى الأبد: ودخل جنته وهو ظالم لنفسه، قال ما أظن ان تبيد هذه أبدا، وما أظن الساعة قائمة، ولئن رجعت الى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا”.
انتظرنا الفرج طويلا في العراق حتى كاد اليأس يدب في النفوس. لقد أعدم الطاغية كبار العلماء والفقهاء، وهتك الأعراض وعاث في البلاد فسادا، ودمر الحرث والنسل، وشن الحروب على جيرانه، واستخف قومه فأطاعه بعضهم، واعتدى على اهل العلم والدين، وسعى لتغيير تركيبة العراق السكانية، واشترى الضمائر والاقلام، وبدا وكأنه أقوى حاكم شهدته المنطقة، وبلغ الامر بالمؤمنين شدة لم يعرفوها من قبل حتى اصبحوا مصداقا للآية الكريمة: “حتى اذا استيأس الرسل، وظنوا أنهم كذبوا، أتاهم نصرنا، فنجي من نشاء، ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين”. وقد تشعر الشعوب بضعفها عن مقارعة الطغيان، فاذا أصرت على مواقفها سخر الله لها من يسهل الامر لها، في اطار قانون التدافع “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، ولينصرن الله من ينصره”. لقد طغى صدام حسين وتجبر، واعتقد ان أحدا لا يقدر على مواجهته، فكان الله له بالمرصاد. دعمه الحكام الآخرون، وهم طغاة مثله، واعتقدوا انه وفر لهم المظلة التي تغطي سوءاتهم، وتشجعهم على القمع أكثر. أمدوه بالمال والسلاح والموقف في الحرب العراقية الايرانية، وشجعوه على قتل الابرياء، ووقفوا بوجه معارضيه، فلم يجد اولئك المعارضون من ملجأ الا لدى الاجانب. اعتبره بعضهم مثله الأعلى في الحكم، وساروا جميعا على هدي ما اقترحه ميكافيللي للأمير: انك لن تستطيع ان تخضع شعبك الا بحبهم اياك او خوفهم منك, حيث يستحيل ان يحبوك، فلتجعلهم يخافونك. فأدخل هؤلاء الخوف في قلوب الناس، وتمادوا في غيهم وضلالهم وقمعهم، معتقدين ان الله لا يسمع سرهم ونجواهم. فاذا بذلك الطاغية ينقلب عليهم عندما لاحت اول فرصة. فما ان انتهى من حربه ضد ايران، حتى ضرب الكويت وأسقط حكومتها في يوم واحد، وجعل حكام السعودية يرتعدون، ويهرعون للامريكيين مطالبين بالتدخل الفوري. هذا التدخل اصبح وبالا عليهم جميعا. فقد أسقط نظام صدام حسين، وورط الامريكيين في وحل العراق حتى بلغ عدد ضحاياهم اكثر من 3000 آلاف، وأدخل دول الخليج في مرحلة جديدة من الاضطراب الامني والسياسي في ما بينها.
صدام حسين طان طاغية من الطراز الاول. فقد اصبح فتنة للناس في حياته وبعد موته. فخلال الحرب التي فرضها على ايران، تمكن من اللعب على الوتر الطائفي، مستفيدا من المال السعودي الذي انفق لزرع بذورها منذ منتصف السبعينات، وأظهر نفسه تارة مدافعا عن السنة ضد الشيعة، واخرى عن العرب بوجه الفرس، وثالثة عن المصالح الغربية في مواجهة الاصولية الاسلامية. وسقط الكثيرون في ذلك المستنقع. وبعد ان غزا الكويت، سارعت السعودية لاستدعاء القوات الاجنبية، فاذا به يظهر عدوا لأمريكا، وقائدا عربيا مقداما ضد العدوان الانجلو – أمريكي. وعلى مدى عشرة اعوام من الحصار الاقتصادي عانى شعب العراق قسوة وحشية جراء ذلك الحصار، فيما استطاع النظام التلاعب باموال النفط مقابل الغذاء لدعم اصدقائه والاستمرار في ممارسة نفوذه الخارجي. وها هو اليوم بعد موته، أصبح عنوانا لشتات الامة واختلافه، وظهر وكأنه المظلوم في معركة بدأها هو، ومارس فيها وحشية بدون حدود ضد شعب العراق، خصوصا شيعته وأكراده. المقابر الجماعية تحكي بلغة الارقام ما حدث لأهل العراق من مآس لا مثيل لها في اي بلد عربي آخر.
كنا نأمل ان يكون اعدام طاغية العراق سببا لنشوة المناضلين وأملهم، فهي المرة الاولى منذ زمن طويل، التي يحاكم شعب عربي فيها جلاده في محاكمة علنية اطلعت عليها شعوب العالم من الشرق الى الغرب. ولكن يبدو ان حركات النضال الوطني أصبحت، هي الأخرى، ضحية للتضليل الاعلامي و السياسي الذي تمارسه الانظمة لمنع تفاقهم النقمة الشعبية ضدها. فبدلا من الاستبشار بعهد جديد يشهد مطاردة الطغاة والمستبدين من قبل ضحاياهم، اصبح صدام حسين، في نظر البعض، رمزا للصمود او الوطنية. كنا نتمنى ان تنتفض الشعوب العربية ضد انظمة القمع والاستبداد مستفيدة مما يجري في العراق، لتعكسه في أطر نضالية متميزة، تستهدف انظمة الاستبداد التي ساءها ان يكون أحد افرادها قد سقط بأيدي ضحاياه. استطاعت الانظمة قطف الثمار، فيما يستمر المعارضون في البحث عن توصيف ايديولوجي بعيد عن الواقع لنظام يعتبر رمزا لكل ما هو استبداد وديكتاتورية وفردية ووحشية. فما الفرق بين صدام حسين وتشاوشيسكو؟ وهل كان الرئيس الباكستاني السابق، ذو الفقار علي بوتو، أسوأ منه من حيث استهداف المواطنين وممارسة القمع والاضطهاد على اوسع نطاق؟ هل اتهم بوتو بالمقابر الجماعية؟ وهل استعمل يديه لقتل معارضيه، كما فعل صدام حسين مع الشهيد السعيد آية الله محمد مبارك الصدر رحمه الله؟ هل ورط بوتو بلده في حروب طاحنة بدون معنى او مغزى؟
وهنا يبدو شعب البحرين متميزا بشكل نسبي. فقد كان المأمول منه ان يتفاعل مع مسألة اعدام صدام بايجابية اكبر لانه انتصار للقيم التي كان هذا الشعب يعيشها منذ اكثر من ربع قرن. كان يفترض منه ان ينظر الى ما حصل لطاغية العراق انه أمر محتوم بعد ان ولغت يدا صدام في دماء الابرياء على مدى اكثر من ثلاثين عاما. وكان الاجدر بشعب البحرين ان ينظر الى التوازي التاريخي والمعاصر بين ما يجري في العراق وما يحدث في البحرين، على ايدي النظام الخليفي المقيت. لم يكن هناك مجال لتجاهل هذه الحقيقة ونحن نشاهد يوميا آثار السياسات الخليفية الظالمة امام اعيننا، بجلاء. فالنظام الخليفي ليس أفضل من النظام البعثي الشرير، بل كان يوازيه عمليا، ويمارس سياسات مماثلة له، ويغير التركيبة السكانية كما كان صدام يفعل، ويحرك الفتن الطائفية لتمرير سياساته الشريرة متظاهرا بالدفاع عن مصالح السنة وحاميهم. كل ذلك بهدف التضليل والتشويش. وكاد يحقق ذلك لولا صمود شعب العراق واصراره على رفض التعاطي مع نظام صدام حسين او مسايرته او التصالح معه. فكانت النتيجة تفعيل السنن الالهية، والقضاء على الطاغية وتخليص العباد والبلاد منه. انه درس بليغ في صبر الشعوب وصمودها، وحتمية ظهور الارادة الالهية وفاعلية قانون التدافع. فلنؤمن بالله العظيم، ولنثق بانه قاصم الجبارين، مبير الظالمين، مدرك الهاربين، صريخ المستصرخين. لقد سقط الصنم ذليلا خانعا، ولقي نهايته المحتومة، فلله الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.