الأرشيف

دروس حول المفاهيم السياسية إعداد: منصور الجمري – مايو 1998م (16) ما هي الثورة؟

الثورة السياسية هي تغيير مفاجيء (يصاحبة عادة العنف) في تركيبة الحكم السياسي. فالثورة السياسية هي مجموعة الأنشطة التي تؤدي بالنتيجة لتغيير حكومة ما.  الثورة الاجتماعية: هي التغيير الذي يحدث في النسيج الاجتماعي، والذي قد يتخلله أعمال عنف، وينتج عن هذا التغيير فهم أيديولوجي معين يقلب المفاهيم رأسا على عقب. وفي هذه الحالة فإن التغيير يشمل قطاعات واسعة، أوسع من النخبة السياسية، ويولد حالة اجتماعية-سياسية جديدة. الثورة الاقتصادية هي التغيير الاساسي الذي ينتج بسبب استحداث واستخدام تكنولوجيا جديدة. والثورة الاقتصادية تسبقها ثورة علمية تكتشف او تخترع معطيات جديدة للنظريات والممارساتز  التغيير الاجتماعي لا يمكن أن يكون بمعزل عن العملية السياسية المسيطرة على المجتمع. ولذلك فإن الثورة الاجتماعية تتبعها ثورة سياسية، أي أنها تؤثر على العملية السياسية المسيطرة على المجتمع. ارتبطت الثورة بمفاهيم العنف والتمرد، وتطلق في العصر الحديث على أنشطة كثيرة مثل انقلاب في القصر، انقلاب عسكري، ثورة جماهيرية، حرب أهلية ينتج عنها تغيير، إلخ. إلا أن الشرح هنا يختص بالثورات الشعبية/ الجماهيرية/ المجتمعية. يسبق الثورات عادة، انتقادات شديدة وشكوك حول الوضع القائم، واضطرابات وشعور عام بأن الوضع لا يمكن أن تتحمله الجماهير. الثورة كما ذكرنا، قد تكون سياسية – اجتماعية، أو ثورة اقتصادية. مثلا، بريطانيا في 1760، شهدت ثورة اقتصادية من خلال إدخال الآلة البخارية في الزراعة والصناعة. هذه الثورة الاقتصادية (أو الثورة الصناعية) أحدثت تغييرات كبيرة في حياة الناس وأثرت على النظام السياسي وعلى العالم المتأثر ببريطانيا حينها. فقد ظهر أصحاب رؤوس الأموال الذين يستثمرون أموالهم لإدارة المصانع وهذه الطبقة أطلق عليها “البرجوازية”. وكلمة البرجوازية مشتقة من الفرنسية وتعني “رجال المدينة”. ذلك لأن أصحاب رؤوس الأموال كانوا يسكنون في المدن وليس في الريف. وقد أدى ظهور ه ذه الطبقة لزيادة المصانع التي تحتاج للأيدي العاملة (الطبقة البروليتارية) التي سعت للحصول على حقوقها ضمن عملية التغيير الاجتماعي الناتجة عن الثورة الاقتصادية. هناك ثورة الاقتصادية – في العصر الحالي – وهي ثورة المعلومات وأثرها مستمر بصورة عالمية. الثورة السياسية لها عدة جوانب، منها: 1. تغيير دائم، وعادة من خلال عنف، للتركيبة الحاكمة والإطار الدستوري السابق وأساليب الممارسة السياسية التي كان يحكم بها المجتمع.  2. تغيير واضح في طبيعة العلاقات بين فئات وطبقات المجتمع، وانقلاب التأثير وانتقاله من فئة أو طبقة إلى فئة أو طبقة أخرى. 3. وهذه التغييرات الثورية ناتجة، في العادة، عن نهج وفكر معين طرح الأسئلة الحرجة على أسلوب الحكم القديم.  4. النخبة التي تصدرت الانتقاد للحكم القديم تحصل على الدعم الجماهيري الكافي لقلب الموازين.  5. الحالة الناتجة الجديدة هي “الثورة” التي تعبر عن نفسها من خلال مفاهيم تختلف عن مفاهيم المرحلة التي سبقتها.  6. النخبة الجديدة تتوعد الجماهير بمستقبل زاهر مختلف وتطلب من الجماهير الولاء والاستعداد للتضحية للدفاع عن الثورة من أجل تحقيق المستقبل الأفضل.  7. ثم تأتي مرحلة تحويل المفاهيم والأفكار والممارسات إلى مؤسسات حاكمة جديدة تتبع نهج قادة الثورة ومؤسسو النظام الجديد.  أهم الثورات السياسية هي الثورة الأمريكية (ثورة الاستقلال عن التاج البريطاني) للعام 1776، والثورة الفرنسية 1789، والثورات الأوروبية في فرنسا وبروسيا والدول الألمانية والدول الإيطالية ومقاطعات الإمبراطورية النمساوية في أوروبا العام 1848، والثورة الروسية في 1917، والثورة الصينية 1949، والثورة الكوبية 1959، والثورات المضادة للاستعمار بعد الحرب العالمية لتحرير ما سمي لاحقا بالعالم الثالث من الاستعمار الأوروبي، والثورة الفيتنامية 1965-1975، والثورة الإسلامية في إيران 1979، والثورات المناصرة للديمقراط ي ة في أوروبا الشرقية وعدد آخر من دول العالم في مطلع التسعينات. الثورات تأتي بعد انتشار شعور عميق باليأس من النظام السابق ووصول الجماهير لحالة الاستعداد للتضحية من أجل إزالة النظام القديم. وقد قيل أن الثورة تحدث بصورة تلقائية عندما تشعر الجماهير بأن ليس لديها شيء تخسره أكثر مما خسرته. ولكن الثورة لا تستمر إلا إذا كان هناك أمل في النجاح من خلال صورة معينة حول البديل بالإضافة لوجود “عامل حاسم” أثار الأوضاع وأوصلها لدرجة الانفجار. ولهذا فإن الثورات لا تحدث إلا إذا وجدت المعادلة البديلة لإعادة تنظيم المجتمع حسب النظرة المطروحة للتغيير ويلزم ذلك وجود حماس منقطع النظير من قبل المناصرين لخلق ذلك البديل. ولا يمكن للثورة أن تحدث ما لم تتمحور الجماهير حول النخبة أو القائد الذي يبشر بالبديل وفي النهاية يكون الحاكم (المطلوب تغييره) قد فقد سيطرته على أقسام مهمة من المجتمع وفقد الولاء الذي كان يملكه من القطاعات القوية في المجتمع. هناك عقبات هامة أمام حدوث أي ثورة. فليس دائما تتحقق الثورة إذا وجد فقر واضطهاد وانعدام لحقوق الإنسان. فهناك الأنظمة الاستبدادية التي تستطيع بسبب ظروف معينة أن تقمع -بصورة شرسة- وتمنع حدوث ثورات. وأهم وسائل القمع في هذه الحالة هي التجهيل (من خلال منع حرية التعبير عن الرأي ومنع انتشار الكلمة المعارضة)، وإثارة الرعب والإرهاب من خلال الشرطة السرية والاعتقال والإعدام والنفي. وهذه الحالات قد تنتج شيء غير الثورة وهو ظهور حركات محترفة تمارس “العنف الثوري” و
الاغتيالات وما شابه والتي لا تستهدف قلب النظام وإنما تستهدف بالأساس إنزال أكبر الضرر بمؤسسة الحكم وإيجاعها. كما أن الحاكم الاستبدادي قد يستعين بالإضافة للتجهيل والترهيب، باستخدام أسلوب الطوارئ، والحروب مع دولة جارة لإبعاد الأنظار عن المساوئ وإلقاء اللوم على العوامل الخارجية “الطارئة”.

على أن التاريخ يشهد أن الحاكم المستبد لا يستطيع الاستمرار إلى الأبد في ممارسة قمعه، وأي تغيير في الظروف الخارجية أو الداخلية قد تتزامن وتتضافر وتؤدي لانهياره خصوصا إذا توفرت الكفاءات المتنورة في المجتمع التي تستطيع إيضاح أخطاء النظام وسبل الخلاص وطريقة التعامل مع الظروف ومستجداتها لمنع حدوث القمع والاستبداد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق