الأرشيف

الإصلاح السياسي في البحرين والنموذج المغربي

بقلم: د. منصور الجمري (17 نوفمبر2000) عقد أمير البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، اجتماعا هاما مع مجلس العائلة الحاكمة في 4 نوفمبر، وتلاه اجتماع آخر مع أعضاء مجلس الشورى في 6 نوفمبر ثم اجتماعات أخرى مع اساتذة الجامعة ومجموعات اخرى. عرض الأمير خلال هذين الاجتماعين خطته للتغير الدستوري الذي سيعلن عنه في 16ديسمبر القادم. ولأهمية الموضوع فقد حضر مستشارو الأمير بالإضافة لوزير الإعلام الاجتماع الذي عقد مع أعضاء مجلس الشورى. وطرح الأمير خطوطا عريضة، أهمها ما يلي: 1) سيعلن الأمير عن تشكيل لجنة من مجلس الشورى، ويضاف إليها آخرون من جمعيات أهلية ورجال دين، وتجار ومهنيون، وعسكريون، لوضع ميثاق وطني يتضمن تعديل الدستور. بعد الانتهاء من الميثاق يفتح حوار وطني لسماع وجهات نظر المهتمين بالشأن العام. وبعد الانتهاء من ذلك يسلم الميثاق في حفل رسمي للامير. 2) التعديل الدستوري سيتضمن تشكيل مجلسين للسلطة التشريعية، أحدهما معين والثاني منتخب. وسيشترك المجلسان في جلسات موحدة عندما يكون الأمر متعلقا بقضايا حساسة مثل مناقشة الميزانية أو مناقشة خطط الدولة. 3) أن المرأة سيسمح لها بالمشاركة في المجلس ترشيحا وانتخابا. 4) سيتم فصل السلطة القضائية عن التنفيذية وسيشكل ديوان للمحاسبة. 5) بعد الانتهاء من إعداد الميثاق الوطني ستصدر قوانين حكومية يناقشها مجلس الشورى، ومن ثم يصدر الأمير مرسوما لتعديل الدستور. 6) كما ويتوقع أنه في العام القادم يتم انتخاب المجلس البلدي (ويعطى استقلالية عن وزارة البلدية). 7) المح الأمير إلى ان نظام الحكم سيتم تحويله من الامارة إلى الملكية وتبعا لذلك سيصبح الأمير ملكا. الأطروحة الجديدة للحكم تحاول الخروج من المأزق السياسي-الدستوري، الذي تمر به البحرين حاليا. فالبحرين، ومنذ 1975، تحكم بصورة غير دستورية، والسلطة التنفيذية تسيطر على التشريع والقضاء، ولا توجد محاسبة للتجاوزات التي يعاني منها شعب البحرين منذ تعطيل الحياة البرلمانية وتعليق أهم مواد الدستور. ولا شك أن مستشاري الأمير، قد فكروا في الأمر كثيرا، ولا شك أنهم لا يريدون الخروج من مأزق والدخول في مأزق دستوري آخر. ولكن النيات وحدها لا تكفي، إذ أن العمل السياسي الوطني أمر هام وعام ويشمل جميع أهل البحرين، وإذا لم تحصل الأطروحة السياسية الجديدة على شرعية شعبية فإنها ستكون كسابقتها ولن تساعد في حل الأزمة. وحرصا لتوسيع دائرة النقاش والحوار وللمساهمة الجادة في الإصلاح السياسي، فإن فصائل المعارضة في الداخل والخارج تطالب بفسح المجال لها للتعبير عن رأيها دون قمع من السلطات. إذ أن تجاهل أطراف المعارضة سيفقد الحكم الجديد من إمكانية كسب الثقة والتأييد الشعبي، وسيجد الحكم أنه دخل مأزقا آخر ولم يحل المشكلة. ولذا فإن أطراف المعارضة تأمل أن يتسع صدر الأمير ومستشاريه للاستماع لجميع الأطراف، ثم الحصول على شرعية للتغيير الدستوري. هذه الشرعية تتمثل في الحصول على تأييد الشعب من خلال الوسائل السياسية الحديثة المعترف بها دوليا ودستوريا. السيادة الشعبية: بداية، وقبل التطرق للمقترحات المطروحة، فإن ما هو متفق عليه من خلال ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود الدولية الخاصة بالحقوق السياسية والمدنية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فإن أي حكم ونظام لا يقوم على شرعية نابعة من المجتمع/الشعب، فإنه غير مقبول. فالشعب هو مصدر السلطات، حسب ما يقرر ذلك دستور دولة البحرين والعهود الدولية المعمول بها في العالم المتحضر. ورأي الشعب وموافقته تتم من خلال أما مجلس تأسيسي منتخب أو من خلال عرض الأطروحة على الشعب في استفتاء عام بعد الانتهاء من أعداد تلك الأطروحة. أما الوسائل الأخرى التي تلجأ لها بعض الحكومات لتبرير عدم اللجوء إلى المجلس المنتخب أو الاستفتاء الشعبي العام فإنها غير معترف بها دوليا ولا تستطع أن تخلق نظاما سياسيا مستقرا. بعض الأنظمة تقع في خطأ من نوع آخر. إذ أنها تسمح لبعض أفراد المجتمع، أو لبعض أقسامه أن تتعامل مع عملية الحوار والموافقة على التغيير. وأبشع مثال على هذا النظام ما يسمى ب”الديمقراطية الاسرائيلية”، التي لا تعترف بغير اليهودي وتحتقر ابن فلسطين. هذه الديمقراطية لديها سند شعبي، ولكنه سند خاص وليس شاملا ولا يقوم على مبادئ إنسانية. ولذلك فإنها لم تستطع حل أزمة سياسية قائمة منذ 1948. إن ما تأمله المعارضة -بصدق وجد- هو أن تخرج البحرين من المأزق السياسي الحالي إلى حياة مزدهرة ترتكز على كرامة ابن البحرين، كل البحرين، وليس جزءا منها فقط. ولعل في التجربة المغربية أمثلة حية وناجحة للإصلاح السياسي مع الأخذ بعين الاعتبار الشرعية والسيادة الشعبية واستكمال عملية الحوار بصورة مرضية للأطراف المعنية المؤثرة على الساحة السياسية. النموذج المغربي: المغرب يحكمها نظام ملكي تم تحويله إلى ملكية دستورية في السنوات الأخيرة. وكان العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، المعروف بحنكته السياسية، قد شخص المشاكل التي تواجهها بلاده (وهي إلى درجة ما مماثلة للوضع في البحرين). فمن جانب كان هناك الإشكال السياسي والاضطهاد الذي تعاني منه المعارضة المعتقلة والمنفية واستمرار التوتر السياسي بسبب ذلك. ومن جانب آخر، كان هناك الإشكال الاقتصادي حيث ازدادت الطبقات المحرومة حرمانا، وانتشرت مظاهر الانحسار الاقتصادي في مختلف الجوانب. إضافة لذلك فإن مشكلة الصحراء الغربية والخلافات مع الجزائر تلقي بظلالها باستمرار على الوضع السي
اسي للبلاد. كان الخيار الذي أتبعه الملك ناجحا من الناحية السياسية، إذ باشر بفتح القنوات مع أطراف المعارضة للحوار معها وليس لشرائها. فالحكومات غير الحكيمة تسعى أولا لقمع المعارضة وإن لم تستطع فإنها تسعى لإسقاطها وإفقادها مصداقيتها وإن لم تستطع ذلك فإنها تسعى لشرائها. القمع والإسقاط والشراء لا يحل المشكلة أبدا وإنما يعقدها ويعقد الوصول لحلول طويلة الأمد. الخيار المغربي اتخذ أسلوبا حكيما، وهو الدخول في حوارات مع جميع الأطراف لا سيما المعارضة. وهكذا أصبح عبد الرحمن اليوسفي المحكوم عليه بالإعدام بالأمس طرفا في الحوار لتأسيس نظام دستوري. لم يلجأ العاهل المغربي لشراء اليوسفي وانما فتح الحوار معه واحتفظ الجميع بكرامتهم. والحوارات ومستخلصاتها لم تكن في دائرة مغلقة بل أنها فتحت للمشاركة دون خوف وتمت مناقشتها في الصحافة وفي الندوات العامة بحرية، ثم طرحت للشعب لاستفتاء رأيه. إذ أن الحوارات بين الأطراف ليس لها شرعية ما لم تعرض على الشعب ويؤخذ رأي الشعب بوسيلة معترف بها دوليا، أي أما من خلال مجلس شعبي منتخب، أو من خلال استفتاء تسبقه حوارات مفتوحة تعرض فيها جميع الآراء وتشارك فيها جميع الأطراف دون استثناء.  النموذج المغربي احتوى على مجلسين أيضا، مجلس المستشارين ومجلس النواب. مجلس المستشارين يعين ضمن حصص متفق عليها لتوزيع المقاعد على النقابات والهيئات الاجتماعية والمهنية وغيرها. هؤلاء المعينون أساسا تنتخبهم جمعياتهم ومؤسساتهم، ولذا فانهم منتخبون بصورة غير مباشرة. أما مجلس النواب فإنه ينتخب بصورة حرة، وتنبع الحكومة من المجلس حسب أغلبية الأصوات للحزب الفائز. نعم، قد لا نتوقع أن يؤخذ بكل شيء، فليس هناك تجربة يمكن نقلها حرفيا إلى مكان آخر. ولكن المهم أن تكون عملية الحوار شاملة وأن يؤخذ رأي الشعب في نهاية المطاف – بوسيلة معترف بها دوليا. وما دون ذلك فإن النظام يخرج من أزمة ليدخل أخرى في دوامة عنيفة لا تنتهي. أسئلة مشروعة: هناك أسئلة مشروعة لا بد من التطرق إليها للوصول إلى حل للأزمة السياسية. من تلك الأسئلة ما يلي: 1) قانون أمن الدولة: هذا القانون (وتتبعه محكمة أمن الدولة) يعارض جميع المواثيق الدولية والعهود الخاصة بالحقوق السياسية والمدنية والثقافية والاجتماعية. إن بقاء قانون أمن الدولة مسلطا على رقاب الشعب، يعني أن الرعب هو الذي يحكم العقول. إذا كان الأمير يسعى لنظام دستوري مقبول إنسانيا فإن قانون أمن الدولة لا وجود له في دولة القانون والكرامة الإنسانية. 2) تضمين المواثيق والعهود الدولية: توصل المجتمع الدولي للاتفاق على مواثيق معترف بها لضمان الحقوق الإنسانية. وأي ميثاق وطني لا بد وأن ينظر إلى هذه المواثيق الإنسانية (العهدان الخاصان بالحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية)، وهذه المواثيق تتلاءم مع حقوق الإنسان التي كرمه الله بها في القرآن الكريم. وإذا كان هناك استفسار حول أي بند من البنود من وجهة نظر إسلامية فإنه بالإمكان مناقشتها والخروج بحل مناسب لمجتمعاتنا الإسلامية. ولكن ليس من الصحيح أن يقول بعضهم بأن حرية الإنسان وكرامته ونصوص المواثيق الدولية المتعلقة بهذه الكرامة لا تناسب مجتمعاتنا. هذا كلام غير صحيح ولا يمتلك أي دليل عقلاني. 3) تناقض الأنظمة: الحكومة ستسمح لانتخابات بلدية. ولكن الانتخابات البلدية يواجهها نظام ينقضها من أساسها. ذلك هو نظام المخاتير. ونظام المخاتير المعينين لا وجود له مع مجلس بلدي منتخب. غير أن الحكومة ماضية في نظام المخاتير في الوقت الذي تتحدث عن مجلس بلدي. وكانت الحكومة قد ألغت الانتخابات البلدية في العام 1956، وعوضت عنه باسترجاع نظام المخاتير. ثم مات نظام المخاتير مع الأيام. أما اليوم فإن الحكومة تسعى لتواجد هذين النظامين المتناقضين في ان واحد.

4) حرية الرأي والتعبير: يختلف بني الإنسان عن الحيوانات غير العاقلة بأنهم يستطيعون التفكير والنطق للتعبير عما يفكرون. وأي نظام لا يسمح بحرية التفكير والتعبير عن الآراء فإنه ليس إنسانيا. وما لم تسمح الحكومة بحرية الرأي والتعبير فإنها تتحدث مع نفسها فقط، أو مع مقابر تحتوي على اناس قتلت الحكومة عقولها بالإرهاب والقمع. فمن حق أي إنسان أن يطرح ما لديه دون خوف من سلطة المخابرات. وإذا كان الطرح قذفا ضد مواطن آخر، فإن القضاء المستقل هو الذي يتعامل مع الأمر وليس زوار الفجر الذين يسترزقون من خلال تعذيب أبناء البلاد. الأمل هو أن تدار الأمور في البحرين بوسائل إنسانية تختلف عن الماضي، وأن ينفتح الحكم على الشعب وأن يتواصل معه بصورة إنسانية مقبولة وليس من خلال القمع أو الإسقاط أو الشراء أو غيرها من الوسائل التي لن تنفع الحكم ولن توفر له شرعية بديلة عن الشرعية المستمدة من أبناء الوطن بطرق معترف بها دستوريا ودوليا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق