الأرشيف

د.سعيد الشهابي – لكي لا ننتحر مرّتين

 المقدمة ما العمل؟ هذا هو السؤال الذي يدور على ألسنة الكثيرين هذه الايام، وفي أذهان الجميع. قبل ان يكون هناك جواب واضح لا بد من اعادة قراءة الوضع بمسؤولية ووعي وتجرد. فالاستعجال في الامر قد يؤدي الى الاجابة الخاطئة والقرار غير الصائب. وقبل الخوض في ذلك هناك سؤال يختلج في النفوس: بعد عام ونصف على »المشروع الاصلاحي« ما الذي تغيّر؟ حقّا ما الذي تغيّر؟ لقد أعطينا القياد للحاكم بشكل مطلق، وصوّتنا لميثاقه الذي زيّن لنا اقراره بكل ما لدى الحكم من قوة، وعندما أقررناه خالفه قبل غيره، بعد أن أخذ منه ما يناسبه، فأعطى نفسه منصب الملوكية، وسحب من الناس حق التشريع. وهلّلنا لمشروعه الاصلاحي فوجدناه اليوم يقوم على المباديء التي ناضل شعبنا ضدها عقودا. لقد ألغى الحاكم الدستور التعاقدي الذي كان مفصّلا بما يناسب الطرفين، وهيّأ دستورا يناسبه شكلا وحجما وطلب منا ان نلبسه. وفرض طائفية سياسية تفوق ما فعله اسلافه، وفرض توزيعا يكرس هذه الطائفية في الدوائر الانتخابية. وبادر لتغيير تركيبة البلاد السكانية بقرارات اصدرها بعد ان ضمن استحالة الغائها من جانب نظامه البرلماني، ووزع الجنسية البحرينية على غير البحرينيين، بينما حرم عددا كبيرا من ابناء البحرين منها. لقد أبقى على جهاز القمع والتعذيب الرهيب ولم يدخل اي اصلاح عليه. وعلى العكس، فقد قام بترقية هذا الجهاز ليصبح وزارة مستقلة، يرأسها رئيس لجنة التعذيب المتهمة بارتكاب جرائم ضد الانسانية. أصر على حماية عناصر التعذيب، وسمح لهم بممارسته بأشكال جديدة لارهاب المواطنين، فتم تعذيب المواطن جاسم احمد سلمان، وقبله الناشط الحقوقي عبد الهادي الخواجة. واستت سياسة القتل خارج القانون كما حدث للشهيد محمد جمعة الشاخوري. ولم يتخد اية خطوة عملية لتخفيف متاعب العاطلين عن العمل، فبقي ابناؤنا يتسكعون في الشوارع وامام بوابات الشركات التي لا تستطيع احتواءهم، فيما استمر في استقدام الاجانب. وفرض على البلاد نظام المكرمات كممارسة يومية، متجاوزا بذلك مبدأ اقامة حكم القانون، فليس لأي مواطن اي حق بل عليه ان ينتظر المكرمات من الملك. ومارس قمع حرية التعبير على اوسع نطاق، فحوّل وسائل الاعلام الى ابواق للنظام ومنع حرية التعبير فيها. وعندما لجأ بعض المواطنين للتعبير عن آرائهم على الصفحات الاليكترونية بادر لغلقها بقرار رسمي، وما تزال كذلك حتى اليوم. وقال لنا ان بحريننا الحبيبة اصبحت في مصاف اعرق الممالك الدستورية، وهو يعلم قبل غيره ان نظامه فريد من نوعه وليس هناك مملكة او جمهورية تشبه نظام الحكم في البحرين التي تحكمها عائلة واحدة على رأسها ملك، ويشغل افرادها نصف المقاعد الوزارية، فأية مملكة دستورية في الدنيا تفعل ذلك؟ والآن: مطلوب منا ان نقرّ ذلك، ونصفق له ونسايره. هذه الحقائق وغيرها اصبحت معروفة لدى المواطنين، وفي هذه الصفحات تقرأون المزيد منها لتتعرفوا على الوضع الخطير الذي تعيشه البلاد. ويروّج النظام مقولة خادعة بامكان التغيير من الداخل، وهو يعلم استحالة ذلك بعد ان حصّن دستوره بمنع تغيير المواد الاساسية التي هي موضع الاختلاف، ويعلم ان الخط الفاصل بين نجاح مشروعه او فشله هو انسياق المواطنين مع مشروعه الانتخابي الصوري او مقاطعتهم له. ان من يشارك في انتخابات اكتوبر وفقا للدستور المفروض على البلاد عليه ان يقبل بجريمة تغيير التركيبة السكانية للبلاد، فكلاهما صادر عن المصدر نفسه، اذ طرح مشروعه متكاملا، فاما نقبله او نرفضه، ولا يجوز لنا ان نأخذ بعضه ونرفض البعض الآخر. نحن اذن امام خيارين: رفض جريمة تغيير التركيبة السكانية الذي يقتضي رفض المشروع كله او اقرار تلك الجريمة بمسايرة النظام في مشاريعه واهمها انتخابات اكتوبر الصورية. انه موقف تاريخي يتطلب شجاعة في الموقف ووضوحا في الرؤية واستعدادا لبذل كل الجهود للحفاظ على البحرين كشعب وهوية وتاريخ وانتماء. هذه الكلمات نطرحها على ابناء شعبنا، لا نرجو منها الا شحذ الهمم نحو الاصلاح، ولا نبتغي بها الا وجه الله.

اليوم أدركنا الخطأ التاريخي الذي ارتكبناه بإقرارنا الميثاق المشؤوم، فهل ننتحر مرة اخرى بالموافقة على الغاء دستورنا الشرعي واقرار دستور يقنن الاستبداد؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق