الأرشيف

دروس في المفاهيم السياسية إعداد: منصور الجمري – فبراير 1998 2) ما هو الدستور؟

* أي مجموعة بشرية تجتمع في مكان ما فإنها سرعان ما تطور مجموعة من المبادئ والقواعد والأحكام لتنظيم شئون حياتهم المشتركة . هذا الأمر ينطبق على الأشخاص سواء كانوا ضمن عائلة واحدة، شركة تجارية، مدرسة، جمعية، وطن، الخ… مثلاً الآباء يخبرون أبناءهم بما يتوقعونه منهم مثل الصدق، الأدب، النظافة، الخ. وفي المدرسة، هناك شروط وقواعد وأحكام لعلاقة المدرس بالطالب، طريقة الجلوس، اللبس، الأساليب التعليمية…الخ. * بالإضافة للقواعد والأحكام، هناك الأعراف، وهي في غاية الأهمية لأنها تحدد طريقة التعامل بين المجموعات، هذه الأعراف هي عبارة عن أحكام ” غير مكتوبة”، وتخضع لتفسيرات الأشخاص المتعاملين بها.  * عندما نتحدث عن الدستور، فإننا نفكر عادة في “الدولة” وأنظمة تلك الدولة. الدولة هي مجموعة من الناس يعيشون ضمن حدود إقليمية واضحة ويشتركون في الاعتقاد بمبادئ مشتركة وتحكمهم حكومة واحدة. * دستور الدولة، حسب المفهوم الحديث، هو تلك الوثيقة التي تحتوي المبادئ والقواعد والأحكام والالتزامات التي يتم من خلالها إدارة دفة الحكم في تلك الدولة. * يوضح الدستور السلطات وصلاحياتها والعلاقة بين مؤسسات الدولة، ويوضح الدستور كيفية اتخاذ القرار وكيفية إصدار القوانين المستمدة في الدستور. * كما يوضح الدستور حقوق وواجبات المواطنين والأدوار والصلاحيات للسلطات الرئيسية في الدولة: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية. * الدول التي تستند على دستورية في الحكم في العادة يكون لها وثيقة دستورية مكتوبة وموقع عليها من قبل جمعية تشريعية. * دول قليلة، مثل بريطانيا، لديها دستور ولكن الدستور غير مكتوب. وهذا يعني أن الدستور موجود ولكن ليس متواجداً ضمن وثيقة واحدة صادرة في وقت واحد. والدستور هنا عبارة عن وثائق عديدة وأفكار موجودة في كتب ومعاهدات متفرقة يعترف بها البرلمان البريطاني الذي يمثل الشعب. * الدستور قد ينص على مركزية الدولة أو على الفدرالية في الحكم. المركزية تعني أن السلطة المركزية هي مصدر الصلاحية للفروع. الفدرالية تعني العكس، الفروع هي التي تعطي جزء من صلاحياتها للمركز. بريطانيا دستورها مركزي، بينما الولايات المتحدة الأمريكية دستورها فدرالي. * الدستور غير المكتوب يكون أكثر مرونة. وبريطانيا هي المثال الواضح لذلك، فقانون إنشاء برلمان في اسكتلندا وويلز في 1997 يعتبر تغييراً دستورياً، والحكومة المركزية استطاعت تغيير دستور البلاد من خلال إصدار قانون يصوت عليه الأغلبية. وأجرت استفتاءا شعبياً لتغيير هذا الوضع الدستوري. * الدستور في أكثر الدولة ليس مرناً مثل الحالة البريطانية. مثلاً أي تغييردستوري في الولايات المتحدة يحتاج لموافقة أغلبية الكونغرس وثم يتطلب موافقة كل ولاية على حدة على التغيير المطروح قبل أن يجري أي تغيير للدستور. * الدساتير الحديثة تحتوي في موادها على ضمانات لحقوق المواطنين الأساسية والمدنية، وسيتم شرح هذه الحقوق في الدروس القادمة. على الرغم من ذلك فأن كثيراً من الدول المحكومة دكتاتورياً تنتهك فيها حقوق الإنسان بصورة منهجية خلافاً لما قد تتضمنه مواد الدستور. * في الدول التي يحترم قادتها دستور البلاد، قد ينص الدستور على وجود محكمة دستورية لتفسير مواد الدستور والتأكد من عدم تجاوزها من قبل الحكومة. وفي دول أخرى مثل بريطانيا، لا توجد محكمة دستورية ولكن بدلاً عن ذلك يعطى البرلمان والمحاكم الاعتيادية صلاحيات أوسع لتحديد دستورية النشاط الحكومي. * “السيادة” المستمدة من الشعب هي إحدى دعائم كثير من الدول الحديثة. الأمم المتحدة تحتوي على دول أعضاء ذات سيادة كاملة يلزم أنها استمدت من شعوب تلك الدول.  * هناك أسئلة تطرح حول حدود هذه السيادة، فهل أن الدول مطلقة السيادة وأن الأنظمة الديمقراطية تعتمد بصورة مطلقة على رأي الشعب؟ في الحقيقة أن تصرف الحكومات والبرلمانات محدود بأمور عديدة منها:- 1- لو عارض مشروع قانون مواثيق ومعاهدات دولية وقعت عليها تلك الدولة، فأن هناك عقبات تمنع ذلك، فالبرلمان البريطاني لا يمكنه مثلاً أن يصوت ضد قرارات صادرة من الاتحاد الأوربي إذا كان ذلك القرار مستمداً من إحدى الاتفاقيات الأوربية. وكذلك، فأن السيادة البرلمانية لا تستطيع أن تلغي مواثيق حقوق الإنسان. 2- وعلى هذا المقياس، لو أن برلماناً بمثل السيادة الشعبية عارض “ديانة” الشعب فأن السيادة هنا تقع في أشكال مشابه. وهذا يوضح أيضاً أن السيادة الوطنية (البرلمانية) تخضع لسيادة مفاهيم عليا متفق عليها بصورة عالمية او اكثر شمولا. · هناك البعد الحضاري لمفهوم السيادة، فالسيادة في الثقافة الإسلامية مستمدة من الله سبحانه وتعالى في الأساس، وفي هذا الموضوع تفصيل في دروس قادمة انشاء الله. · النظام الدستوري يعتمد على وسائل مقبولة دستورياً لإصدار قوانين تفصيلية مستمدة من مواد الدستور، وهذا يسمى “حكم قانون دستوري” وليس حكم قانون عشوائي. فالنظام الدكتاتوري يصدر الكثير من القوانين التي لا تستمد شرعيتها السياسية من مصدر دستوري وتفرض هذه القوانين على المجتمع بصورة تعسفية. · حكم القانون، يعنى أيضاً أن القانون فوق الجميع، حاكماً محكوماً. فحتى الحكومات في ظل الحكم الدستوري يتم معاقبتها قضائياً إذا خالفت حكم القانون، ويحق للمواطن أن يشتكي على وزارة أو رئيس الوزراء إذا خالف أي منها دستور البلاد، كما يحق للحكومة أن تشتكي على المواطن الذي يخالف الدستور والأحكام المستمدة من الدستور،والطرف الذي يشتكى نيابة عن الحكوم
ة يسمى “المدعي العام” أو “النائب العام”. · هذا يعني أن القضاء يجب أن يكون مستقلاً لكي يستطيع الفصل بين المواطنين أنفسهم وبين المواطنين والحكومة، والفصل بين السلطات الثلاث (التشريعيةالقضائية والتنفيذية) أحد شروط العدل في أنظمة الحكم الحديثة. فالبرلمان يشرع والحكومة تنفذ والقضاء يفصل في الخلافات. اما إذا كانت الحكومة هي المشرع وهي التي تسيطر على القضاء، كما هو الحال في بعض الدول الدكتاتورية، فأن الحكم يصبح حكماً استبداديا، وليس دستورياً. · في بريطانيا يوجد هناك تداخل بين السلطات: فمثلاً رئيس القضاء هو عضو في مجلس الوزراء، ويرأس مجلس اللوردات (جزء من السلطة التشريعية)، ويرأس أجهزة المحاكم. مجلس اللوردات أيضاً يأخذ صفة أعلى سلطة قضائية، وجميع أعضاء مجلس الوزراء هم أعضاء في البرلمان. هذا التداخل تتم موازنته بأمور كثيرة لضمان عدم سيطرة سلطة على أخرى، وهناك قضايا يومية كثيرة تثبت أن السلطات تتحرك بصورة مستقلة رغم تداخلها.

· أما في أمريكا فأن النظام الفدرالي نص على وجود ما يسمى ب”Checks & Balances” وهذا الترتيب يعطي الصلاحية لأي سلطة الوقوف أمام السلطة الأخرى وموازنة ما يصدر منها بعمل آخر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق