الأرشيف

Bahrain Freedom Movement

دخل شهر فبراير تاريخ النضال البحريني كمحطة في الصراع التاريخي بين شعب البحرين والعائلة الخليفية الظالمة، فاعتبره المواطنون شهرا مشؤوما، لانه تزامن مع حدثين رئيسيين: اولهما فرض الميثاق الخليفي على الشعب بوسائل غير شريفة، وثانيهما: الغاء الدستور الشرعي وهو الوثيقة الوحيدة التي وفرت للحكم الخليفي شرعية شعبية ودستورية. ولكن الغاء هذه الوثيقة من طرف واحد على يدي الحاكم الحالي، الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة في فبراير 2002، أسقط هذه الشرعية، وأصبح الحكم الخليفي نظاما استبداديا يفرض سيطرته بالقوة وليس بالقانون الدستوري المقبول شعبيا. فما شهده الشهر الماضي كان تطورا خطيرا على النظام الخليفي الاستبدادي. فقد اراد ان يثبت هيمنته وسلطته باعتقال الرموز الوطنية المعارضة التي رفضت العمل من تحت المظلة الخليفية، فانقلب الامر عليه، وانفجرت انتفاضة شعبية لم يحدث مثلها منذ مننتصف التسعينات.

جاء اعتقال الاستاذ حسن مشيمع، الامين العام لحركة حق، والاستاذ عبد الهادي الخواجة، رئيس مركز البحرين لحقوق الانسان، يوم الجمعة 9 فبراير، على خلفية خطاباتهما السياسية التي تضع النقاط على الحروف وترفض مسايرة الاستبداد الخليفي. جاء الاعتقال بأسلوب وحشي، اذ شنت القوات الخليفية عدوانا على منزليهما في الساعات الباكرة واقتادتهما الى غرف التعذيب، واعتقدت العائلة الحاكمة انها قادرة على العودة الى ممارسات الماضي بدون حدوث ضجة شعبية. وخلال ساعات الاعتقال اصدرت ابواقها الاعلامية الفاشلة تصريحات نارية ضد اهل البحرين، واتهتمتهم بالاجرام والتحريض، وطالبت بانزال اقصى العقوبات بحق ابطال البلاد. وما انتهى نهار ذلك اليوم حتى ادركت العائلة الخليفية ومن يخطط معها، انهم أشعلوا ثورة شعبية عارمة امتدت كالنار في الهشيم، من الديه والسنابس مرورا بمناطق عديدة على شارع البديع، ومنها الى كرزكان وسترة. كانت حقا انتفاضة انعشت روح الحركة الوطنية وأعادت اليها الثقة بحيوية الشارع البحريني، وان سياسات حمد بن عيسى آل خليفة فشلت تماما في اخماد جذوة الغضب الشعبي. النظام أطلع المحامين على التهم الموجهة للبطلين، وان عقوبتها تصل الى السجن اكثر من عشرة اعوام، وربما وصل عقوبة بعضها، حسب القانون الخليفي، الى الاعدام، وفقا لقانون الارهاب الذي فرض على اهل البحرين. غير ان تلك الثورة الشعبية أفشلت الخطة كاملة، وأرغمت رموز النظام الاستبدادي على التراجع المذل، وقبل انتهاء ذلك اليوم، خرج البطلان من زنزانات التعذيب مرفوعي الهامة، وأعلنا انتضار شعب البحرين على العائلة الظالمة. لقد لقن البطلان، ومعهما شباب البلاد، هذا الحكم الرجعي المتخلف، درسا مريرا، وانه لن يستطيع بعد ذلك اليوم ممارسة الارهاب الذي فرضه على البلاد منذ احتلاله الارض قبل اكثر من مائتي عام.

واستمرت تراجعت النظام خلال الشهر، لسبب بسيط، وهو ان الصمود الشعبي فاق تصوراته، اذ كان يعتقد ان مشروعه السياسي وانتخاباته ا لصورة قد نزعت فتيل الثورة من النفوس، وفرضت جوا من البلادة والاسترخاء بين الناس. ولكن حوادث الجمعة التاسع من فبراير، أكدت خطأ تلك الافتراضات. فقد تواصلت الاحتجاجات اليومية ضد استمرار اعتقال بطلين آخرين من ابناء البحرين، هما الدكتور محمد سعيد السهلاوي وحسين عبد العزيز الحبشي. اعتقل البطلان في 16 نوفمبر الماضي لقيامها بطباعة كتيب يدعو لمقاطعة الانتخابات الصورية لنصف اعضاء مجلس الشورى الخليفي. وحكما بالسجن لمدة سنة (الدكتور محمد سعيد) وستة شهور لصاحبه. واعتقدت العائلة الخليفية ان بامكانها تمرير تلك المسرحية،ولكن حركة الشعب في داخل البلاد وخارجها، كشف لها مرة اخرى انها اضعف من ان تستمر في اعتقال شباب البلاد بهذه التهم الواهية. وبدلا من ان يؤدي اعتقال البطلين لردع الآخرين، اصبح بؤرة استقطاب للقوى الشابة الراغبة في التصدي للاحتلال الخليفي الغاشم، فانطلقت التظاهرات والاحتجاجات بدون توفق، وتحولت الجدران الى منابر للحركة الشعبية تسطر شعاراتها عليها، وتتحدى الاستبداد السلطوي بدون خشة او خوف. تواصلت الاحتجاجات السلمية بأساليب متطورة من العصيان المدني، وانتشرت الحرائق في الاطارات واسطوانات الغاز، وحدثت معارك ضارية بين اهل البحرين وقوات الشغب الخليفية، بدون توقف، حتى وصفها بعض الصحافيين بانها شبيهة  بحالات الكر والفر اليومية بين الفلسطيين وقوات الاحتلال الصهيونية في فلسطين. لقد كانت انتفاضة مرشحة للتصاعد، ولاحداث تغيير جوهري في الوضع السياسي لصالح اهل البحرين، لولا التراجع السريع من جانب آل خليفة. فقد بادروا لاطلاق سراحي البطلين، الدكتور محمد سعيد السهلاوي وحسين عبد العزيز، بدون قيد او شرط، واثبتوا خواء صيحات أبواقهم التي تطالب بتصعيد القمع والارهاب الخليفي ضد اهل البحرين. جاء اطلاق سراح البطلين بعد صدور تصريحات وتقارير عديدة من جهات حقوقية دولية، في مقدمتها منظمة هيومن رايتس ووج، وبعد ان لاحت في الافق احتمالات طرد الحكومة الخليفية من عضوية مجلس حقوق الانسان بسبب سجلها المخزي في هذا المجال.

الأمر المؤكد ان اوضاع البحرين اليوم تختلف كثيرا عما كانت عليه قبل خمسة اعوام، وانها تتجه نحو المزيد من التوتر والاحتقاان بسبب سياسات الشيخ حمد وعصابته. لقد كانت لديه فرصة الاصلاح الحقيقي ابتداء بكتابة دستور توافقي ينظم العلاقة بين عائتله واهل البحرين، مرورا بتوزيع عادل للثروة النفطية بدلا من نهب ثلاثة ارباعها والتحكم في توزيع الربع الباقي، وصولا الى انتهاج سياسات تعمق الثقة بين الطرفين بدون الحاجة للعنصر الاجنبي في المعادلة المحلية. الشيخ حمد، مع الاسف، انتهج سياسات مغايرة تماما. فبدلا من الدستور التعاقدي، فرض دستوره الخاص الذي أمر بصياغته ليلائم مصالحه ومصالح عائلته ويلغي دور الشعب تماما. وبدلا من توزيع الثروة بشكل عادل على المواطنين المحرومين من السكن وفرص العمل والعيش الكريم، اصبح اليوم يصادر حوالي اربعة مليارات من العائدات النفطية له ولعائلته، ولا يدخل ميزانية الدولة سوى مليارين دولار. الحكم ارتكب جريمة اكبر تتمثل بمشروع التجنيس السياسي الهادف للتغيير الديمغرافي في البلاد، وهي أكبر جريمة ترتكب بحق البحرين وشعبها. هذه الاجراءات القمعية جميعها قضت على ما تبقى من ثقة بين الطرفين، وجعلت كلا منهما يسير نحو طلاق دائم مع الطرف الآخر. ويمكن القول ان الطرفين يقفان اليوم على طريق المفاصلة الدائمة. فشعب البحرين لا يعترف بالحكم الخليفي الذي يصر على ان يمارس سياسات احتلالية ويحكم البلاد بعقلية المحتل وليس الشريك السياسي، وآل خليفة فقدوا ثقتهم في الحصول على اي احترام او حب من اهل البحرين، فقرروا استبدالهم بشعب آخر مستورد من أقاصي الدنيا واصقاع الارض البعيدة. تعيش البلاد في ظل هذا الاحتقان الخطير مرحلة هي الأسوأ منذ الاحتلال الخليفي للجزر في 1783، وتنتظر ما تتمخض عنه المواجهات اليومية بين الطرفين. لقد راهن الحكم على الدعم الانجلو – أمريكي لدعم المشروع السياسي الخطير الذي كشف عنه تقريرا الدكتور صلاح البندر، بينما تراهن المعارضة المتصاعدة على صمود المواطنين من جهة ودعم المجموعة الدولية لنضاله في معركة تقرير المصير.

في 1971 قرر الشعب مصيره بالدخول في شراكة سياسية مع العائلة الخليفية، وبقيت هذه الشراكة قائمة، حتى خلال الحقبة السوداء. فخلال تلك الحقبة اكتفى رئيس الوزراء، زعيم تلك الحقبة بـ “تعليق العمل ببعض مواد الدستور” وهي المواد التي تنظم الممارسة الديمقراطية في البلاد، ولكن الشيخ خليفة لم يجرؤ على الغاء دستور 73 لعلمه انه الوثيقة الوحيدة  التي توفر الشرعية لحكم عائلته. أما الشيخ حمد فقد ألغى مبدأ الشراكة السياسية بالغائه ذلك الدستور ورفضه اشراك المواطنين في صياغة دستور بديل، وفرضه دستوره الخاص على البلاد. من هنا جاء قرار المعارضة برفض ذلك الدستور جملة وتفصيلا، ومواصلة النضال لتحقيق امرين اساسيين: اولهما الغاء مشروع تغيير التركيبة السكانية، وثانيهما كتابة دستور تعاقدي مع العائلة الحاكمة. واذا لم يتحقق هذان الهدفان، فلا مجال سوى المطالبة باسقاط النظام الذي لا يعترف بالشراكة السياسية ويستمر في محاربة شعب البحرين بمشروع  التجنيس السياسي. هذا هو أفق التحرك السياسي في البحرين، ولا أفق آخر سواه.

حركة أحرار البحرين الإسلامية
2 مارس 2007

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق