الأرشيف

Bahrain Freedom Movement

من يوقف “سباق الرعب” النووي في الشرق الاوسط

23/02/2007c – 17:14 | مرات القراءة: 594

  

بدلا من تحقيق السلام والامن في منطقة الشرق الاوسط يبدو انها تسير نحو مستقبل محكوم بمعادلة خطيرة هي “توازن الرعب”، ليس بقرارات ذاتية من زعمائها او شعوبها، بل نتيجة التدخلات الاجنبية التي تدفع الى سباق التسلح وغياب التفاهم والتعاون. ففي الاوضاع المثالية يفترض ان تقوم العلاقات بين الدول على  اساس توازن المصالح وتمتين العلاقات وتعميق أسس الحوار وقنواته. ولكن عندما تنعدم الثقة تتغير مكونات معادلات التوازن لتصبح اكثر سلبا وخطرا. في الاسبوع الماضي أطلق  السيد خافيير سولانا، مسؤول العلاقات الخارجية والامن للاتحاد الاوروبي،  تصريحا مهما في خطاب القاه على وليمة عشاء تذكاري لآرثر بيرنز في نيويورك قال فيه: “ان ما يفتقده النظام الحالي هو غياب الثقة في ما بين اللاعبين المعنيين” ومضى مؤكدا “ان الثقة هي اساس كل شيء”، مشيرا الى “ان غيابها يعرقل المجتمع الدولي وقد يؤدي الى سوء تفاهم خطير وقد يكون مأساويا”. وذكر من معالم فقدان الثقة على المستوى الدولي “انني ارى غيابا للثقة في جوانب عديدة: بين الغرب والعالم الاسلامي، كما جسدته ازمة الكاريكاتيرات وقضية فلسطين”. ونضيف الى ان انعدام الثقة بين الغرب والعالم الاسلامي يوازيه غياب للثقة بين دول المنطقة، وهي ظاهرة تزداد تعقيدا مع تعمق التدخلات الاجنبية في شؤون المنطقة وعسكرتها وتفتيتها على اسس سياسية وعرقية ومذهبية. واذا كان المسؤول الاوروبي قد دق أجراس التنبية الى الخطر الذي يمثله تلاشي الثقة بين دول العالم على الامن والاستقرار الدوليين، فمن الضروري قرع الاجراس عاليا لتنبيه اهل المنطقة، شعوبا وحكاما، بالانعكاسات السلبية لتلاشي الثقة على مستويات عديدة: الحكام في ما بينهم، وبين الحكام والشعوب، وفي داخل الشعوب نفسها. انها ظاهرة تغذى يوميا بالدعاوى الباطلة والادلة الوهمية والوشايات التي تهدف لكسر المعنويات وتعميق مشاعر اليأس والاحباط واستبدال حالة الوئام والمودة والاحترام بحالة الشك والتمرد والتحدي.
غياب الثقة على المستوى الدولي له اسبابه ودوافعه، وهو يمثل جوهر الازمة المتصاعدة التي اختلقتها الولايات المتحدة في تعاملها مع المشروع النووي الايراني. فالايرانيون يؤكدون الطبيعة السلمية لمشروعهم، ويكررون عدم توجههم لانتاج سلاح نووي. وهذا ما كرره الزعماء الايرانيون بشكل متواتر، وآخرهم السفير الايراني لدى الامم المتحدة، محمد جواد ظريف الذي قال في مقابلة له مع تشارلي روز،  بالقناة 13 التلفزيونية الامريكية الاسبوع الماضي: “لقد طرحت ايران عددا من المقترحات التي تزيل اي احتمال لتحويل المشروع الايراني يوما الى استعمال غير سلمي”. واضاف ان الولايات المتحدة، مع الاسف، لا تبحث عن حل وغير مستعدة للنظر في الوجوه الاخرى للمشروع. وهناك من الادلة الموضوعية ما يوضح حاجة ايران للطاقة النووية. فصادراتها النفطية تضاءلت بعد الثورة الى النصف (من ستة الى ثلاثة ملايين برميل يوميا)، بينما تضاعف عدد سكانها الى ضعفين ونصف، ومعه حاجاتها من المستقات النفطية. وتقول الاحصاءات انه برغم تصاعد اسعار النفط في السنوات الاربع الماضية فان مدخولاتها النفطية اصبح  شطر كبير منها ينفق على الكميات المتصاعدة من المشتقات النفطية المستوردة. ويقول بعض المحللين انه اذا استمر انعدام التوازن بين انتاجها الثابت وحاجاتها المحلية المتصاعدة فقد تتلاشى صادراتها النفطية تماما في اقل من عشرة اعوام. يقول روبرت ميرفي، المحلل بشركة بي اف سي للطاقة بواشنطن ان ايران لن تستطيع تصدير اي نفط بحلول العام 2015 ما لم تضغط على استهلاكها وتمنع تلاشي انتاجها على المدى الطويل. ويتوقع ان تبدأ الحكومة الايرانية الشهر المقبل باخضاع توزيع مادة الكيروسين للرقابة والتحصيص، وهو اجراء قد تكون له انعكاسات سلبية على المستوى الشعبي. فهي تنفق 20 مليار دولار سنويا، او ما يعادل 15 بالمائة من اجمالي انتاجها الاقتصادي لدعم المعدلات الحالية لاسعار الجازولين والغاز الطبيعي والكهرباء، وبقية مشتقات الطاقة، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي. وقد ادى ذلك الى ازدياد مضطرد في الاستهلاك المحلي من هذه المواد.
الايرانيون أكدوا مرارا حاجتهم لمصادر طاقة بديلة للنفط بعد ان اتضحت صعوبة الاعتماد عليها خصوصا خلال الحرب العراقية – الايرانية. وبادروا في منتصف الثمانينات لمواصلة العمل في مشروعهم النووي الذي بدأ في عهد الشاه بدعم امريكي اوروبي. هذه الحاجة للنفط لم تحظ باهتمام الولايات المتحدة والدول الغربية المتصدية للمشروع النووي الايراني، بل كثيرا ما تم التشكيك في دوافع ايران للاصرار على ذلك المشروع. ومرة اخرى تبقى قضية الثقة سببا مباشرا في استمرار الازمة. والسؤال هنا هو: من المسؤول عن تراجع هذه الثقة؟ وهنا تجدر العودة الى الاوضاع الدولية قبل عقدين من الزمن، عندما كان الاتحاد السوفياتي على وشك السقوط. يومها كان التوازن الدولي قائما، ليس على اسس من الوئام والائتلاف، بل على مبدأ “توازن الرعب”. هذا المبدأ تأسس بعد الحرب العالمية الثانية التي خرج الحلفاء منها منتصرين على المانيا الهتلرية. لكن الحلفاء لم يكونوا من هوية واحدة، بل كان الخلاف الايديولوجي محوريا في علاقات دول ذلك التحالف. وما ان انتهت تلك الحرب حتى اندلعت الحرب الباردة بين المعسكرين: الاشتراكي والرأسمالي. ولم يؤد تحالف تلك الدول ضد المانيا الى ازالة الشكوك واستبدالها بصداقات دائمة، وذلك نظرا للتباين الفكري والايديولوجي خصوصا بين الفريقين اللذين شكلا فريقا واحدا خلال الحرب. والمعروف ان الحرب لم تنته تماما الا بعد ان استخدمت الولايات المتحدة القنبلة الذرية ضد هيروشيما وناغاساكي اليابانيتين، مدشنة بذلك عهد الرعب النووي. ومنذ ذلك الوقت أمكن السيطرة على الوضع الدولي من خلال مبدأ “توازن الرعب” اذ عمد الاتحاد السوفياتي لامتلاك السلاح النووي، وتأسس مجلس الامن الذي حصر السلاح النووي بالدول الخمس الدائمة العضويه فيه. الامن والاستقرار الدوليان اذن قاما على اساس توازن الرعب، وليس التفاهم والتعاون فحسب. الحروب بالوكالة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي تواصلت بعد 1945، فكانت الحرب الكورية في مطلع الخمسينات، وحرب فيتنام التي انتهت في 1975. ويمكن افتراض ان امتلاك المعسكرين السلاح النووي كان رادعا لكل منهما، فتم احتواء تلك الحروب ضمن اطرها الاقليمية. وجاءت ازمة الصواريخ الكوبية في 1961 لتضع العالم على كف عفريت، حيث تكشف الوثائق ان الولايات المتحدة وضعت اسلحتها النووية في حالة تأهب قصوى، ولولا تراجع الاتحاد السوفياتي عن خطته بنشر الصواريخ في كوبا لربما حدثت حرب نووية مدمرة.
توازن الرعب هذا له فوائده ومشاكله. فالفرقاء يصرون على ان السلاح النووي “أداة ردع” وليس سلاحا فعليا، على اساس ان الفرقاء يعلمون ان استعماله سوف يؤدي الى فناء البشرية، وبالتالي فلن تكون لدى اي من الاطراف الشجاعة على استعماله لعلمه بان الطرف الآخر متأهب لذلك ايضا. انه توازن خطير بقي على مدى نصف القرن الماضي مصدر اضطراب وقلق لدى نشطاء السلام ومعارضي الحرب الذين دعوا الى القضاء على السلاح النووي. وهناك الآن دعوات متواصلة للدول النووية بالتخلي عن ذلك السلاح لان استمرار امتلاكه يشجع الدول الاخرى على السعي للحصول عليه ايضا الامر الذي يؤدي الى انتشار الاسلحة النووية على نطاق اوسع. وهذا ما اثبتته العقود الاخيرة. فلم يعد السلاح النووي اليوم محصورا بالدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الامن الدولي، بل هناك دول نووية اخرى من بينها “اسرائيل” التي ترفض التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية والهند وباكستان وكوريا الشمالية. وهذا يعني ان السلاح النووي اصبح منتشرا على نطاق واسع. ولذلك فهناك مطالبات تزداد اتساعا للدول النووية بالتخلي جميعها عن هذا السلاح الذي يهدد انتشاره بكوارث عملاقة للكوكب الارضي. غير ان ان الآذان الصاغية لتلك الدعوات محدودة. فبريطانيا مثلا تعتزم تحديث صواريخها النووية من نوع “ترايدنت” بتكلفة تبلغ حوالي 50 مليار دولار على مدى العشرين عاما المقبلة، وفق ما اعلنه وزير الخزينة، جوردون براون العام الماضي. وكان الرئيس الامريكي، جورج بوش، قد اعلن قبل عامين عزمه على تحديث كافة جوانب السلاح النووي الامريكي، واعادة تفعيل مواقع التجريب النووي في صحراء نيفادا. اما فرنسا فقد دخلت النادي النووي في 1960، وفي 1968 قال رئيسها السابق، تشارلز ديجول قولته  الشهيرة: “لا تستطيع دولة بدون سلاح نووي ان تعتبر نفسها مستقلة”.
توازن الرعب هذا ينعكس اليوم على دول منطقة الشرق الاوسط. فبعد اندلاع ازمة المشروع النووي الايراني، بادر العديد من الدول العربية للبحث في امكان بناء مشاريع نووية خاصة بها. فمصر اعلنت اعادة تنشيط مشروعها النووي بعد عشرين عاما من التجميد، على اساس تصاعد احتياجاتها لمصادر بديلة للطاقة. واعلنت واشنطن دعمها لمشروع نووي مصري سلمي تحت اشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومن المؤكد ان من بين دوافع مصر لتفعيل مشروعها امران: امتلاك “اسرائيل” اسلحة نووية ورفض المجتمع الدولي التدخل لنزع ذلك السلاح، وامتلاك ايران مشروعا نوويا يعتقد الغربيون انه قد يتحول مستقبلا الى مشروع عسكري. وقد فوجيء السياسيون والمراقبون باعلان دول مجلس التعاون الخليجي عن عزمهم اللحاق بالركب النووي. جاء ذلك خلال قمة المجلس في ديسمبر الماضي بالعاصمة السعودية، حيث اقر المجتمعون خطوات لبحث امكانية اقامة مشاريع نووية بدول المجلس. ويسود الاعتقاد بان السعودية هي التي ستحتضن المشروع في بداياته، وكان الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود قد ناقش مؤخرا الموضوع النووي مع الرئيس الروسي الذي قام بزيارة متميزة للسعودية وقطر والاردن. وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف  ان بلاده تحترم سعي دول الخليج للحصول على مصادر الطاقة النووية وانها تثق بان هذه الدول ستتصرف تحت اشراف وكالة الطاقة الذرية ووفقا لمعاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية. ومهما قيل عن دوافع التوجه النووي لدى دول مجلس التعاون، فمن الصعب تبريره بالحاجة لمصدر بديل للطاقة، فهي دول تمتلك كميات كبيرة من المخزون النفطي والغاز، وحاجاتها المحلية محدودة نظرا لقلة سكانها نسبيا. البعض يعتقد ان طرح التوجه النووي لدول الخليج في هذا الوقت خطوة اضافية لتصعيد الضغوط الامريكية على ايران، فهو ايحاء قوي بان دول الخليج لن تقف مكتوفة الايدي امام الاصرار الايراني على الاستمرار في المشروع النووي، وانها لن تتردد في الدخول في سباق الرعب مع جارتها. انه تصاعد خطير لا يعكس رغبة في تقوية الذات بقدر ما هو رسالة سياسية وامنية للقيادة الايرانية. يأتي ذلك في خضم التوتر الطائفي الذي يعصف بالمنطقة، ويهدد تماسكها الداخلي بشكل خطير غير مسبوق.
في ظل هذه السياقات المؤسفة، اصبح واضحا وجود سباق محموم لتثبيت المواقع والاستعداد للمنازلات العسكرية اذا اقتضى الامر. يشجع ذلك غياب العقول المفكرة القادرة على طرح منظور آخر للتوازن الاكثر فاعلية والأقل خطرا بين القوى الرئيسية في المنطقة. يأتي ذلك كله في اجواء تفرضها الولايات المتحدة على الشرق الاوسط تهدف لانهاء الصراع العربي – الاسرائيلي مع اذكاء اسباب الفرقة والشتات بين المكونات العرقية والمذهبية لابنائها. ومن الصعب طرح مبررات للتوجه الخليجي لاقامة مشاريع نووية بدون ربط ذلك بالازمة المفتعلة بين امريكا وايران على خلفية المشروع النووي الايراني. انها حلقة في مسلسل اعادة تركيب الشرق الاوسط وفق منظور امريكي – صهيوني يصادر حقوق الشعب الفلسطيني ويركز الكيان الاسرائيلي كحتمية سياسية وتاريخية لا تستطيع شعوب المنطقة تجاوزها. ان من الخطر بمكان هذا السباق الخطير في التسلح خصوصا في شقه النووي، في الوقت الذي تستدعي مصلحة المنطقة ابقاءها خالية من أسلحة الدمار الشامل، وعدم هدر ما توفر من  اموال نفطية على مشاريع مكلفة بمردودات متواضعة ومخاطر واسعة. انه سباق الموت الذي لا يوفر أحدا. فهل يعقل ان تبقى هذه الامة رهينة لسباق الموت الذي يبدأ بالصراع الطائفي ويصل الى توازن الرعب النووي؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق