الأرشيف
Bahrain Freedom Movement
فرق بين أن يبتدأ المؤمنون التحرُّك في وجه الظالمين والقيام في وجههم وبين أن يكون المؤمنون في حالة هي أشبه بحالة الدفاع عن النفس. لا نقول دفاعاً عن النفس تماماً وإنما نقول هي شبيهة بها. فتارة تكون أوضاع المؤمنين مستقرة ومقبولة نسبياً، وتارة يحفر الظالمون الأرض تحت أقدام المؤمنين ويستهدفونهم ويحيكون ضدّهم المؤامرات ويقومون بالتخطيط من أجل تهميشهم ومن أجل القضاء عليهم. ولا بد من التفرقة بين هاتين الحالتين وأن يُلاحظ المجتمع الإيماني أن وضعه يصنّف على أي من هاتين الحالتين. كلمة سماحة العلامة الشيخ عبد الجليل المقداد (حفظه الله)بمسجد الرفيع (جمّالة)البلاد القديم في يوم السبت بعد صلاة الظهرين
بتاريخ 22/جمادى الثانية/1428هـ الموافق لـ 7/7/2007م
في الشرعية والغطاء الشرعي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
دواعي طرح الموضوع:كان بودي أن أواصل ما طرحته قبل أسبوعين من كلام أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام) حول الأنبياء وعظمتهم وكان هذا العزم إلى قبل ساعة تقريباً، ثم بدا لي- وبعد الإستخارة- أن أسلِّط الضوء أكثر على ما يرتبط بمسألة الشرعية لأن هذا الموضوع من المواضيع التي أصبحت تشغل الساحة، ولا يستطيع أحد أن يتجاوزها أو يستغرب طرحها فإن الحديث عن الغطاء الشرعي والشرعية أصبحت من الأمور التي يتحدث فيها الصغير والكبير، والكلام فيها ليس كشفاً لمستور أو إبرازٍ لمغيَّب فالكلام في هذا الأمر كلام عن أمر بات يشغل المجتمع، ولا بأس بإثارة بعض النقاط التي يمكن أن تُساهم في كشف بعض الغموض فيما يرتبط بهذا الموضوع.من النقاط التي ينبغي أن تُثار هنا هي ما يلي:
أولا: الحركة الابتدائية والدفاعية أو ما يشبه الدفاعية:
فرق بين أن يبتدأ المؤمنون التحرُّك في وجه الظالمين والقيام في وجههم وبين أن يكون المؤمنون في حالة هي أشبه بحالة الدفاع عن النفس. لا نقول دفاعاً عن النفس تماماً وإنما نقول هي شبيهة بها.فتارة تكون أوضاع المؤمنين مستقرة ومقبولة نسبياً، وتارة يحفر الظالمون الأرض تحت أقدام المؤمنين ويستهدفونهم ويحيكون ضدّهم المؤامرات ويقومون بالتخطيط من أجل تهميشهم ومن أجل القضاء عليهم. ولا بد من التفرقة بين هاتين الحالتين وأن يُلاحظ المجتمع الإيماني أن وضعه يصنّف على أي من هاتين الحالتين.
ثانياً: الحركة بين الأسلوب السلمي وأسلوب العنف:
إننا تارة نتكلم عن أساليب سلمية وأساليب متحضرة وعقلائية في المطالبة بالحقوق وفي الوقوف في وجه الظلم، وتارة يستعمل السلاح في وجه الظالمين، والحال في المسألتين يختلف.فنحن هنا لا نتحدث عن كفاحٍ مسلّح وقيام مسلّح في وجه الظالمين، وإنما نتكلم عن مطالبةٍ بحقوقٍ مغتصبة ووقوفٍ في وجه مؤامرات يُحيكها الظالمون وبأساليب متحضرة وعقلائية ويختلف الحال- قطعاً- بين هاتين القضيتين.وذلك لأنه تارة تقول بأني أطالب بحقي باستعمال العنف والسلاح في الوقوف في وجه الظالمين، وتارة تقول بأني إنسان أعزل وأنا إنسان لا أمتلك عصى ولا أمتلك سلاحاً، وإنما أمارس أساليب متحضرة وعقلائية في المطالبة بحقي، أساليب يتبعها كل العقلاء من مسيرة سلمية أو اعتصام أو عريضة أو احتجاج أو من خلال منابر يتكلم من فوقها الإنسان عن المؤامرات التي تُحاك ضده.ونحن إنما نتكلم – فعلا- عن هذا المستوى من المطالبة المشروعة.
ثالثاً: الوضع الحالي نتاج التأخّر عن التصدِّي للعلاج:
من القضايا المهمة أننا بنحوٍ أو بآخر مسؤولون عن ما وصلت إليه الأوضاع في هذا البلد إلى هذا المستوى. فقد كنا في وقت نستطيع أن نفرض كلمتنا ونستطيع أن نطالب بحقنا وكان من المأمول والمظنون – قويا- أننا سنحصل على الكثير من حقوقنا، وندفع عنا الكثير من الأضرار الموجهة لنا وهذا أمر لا يُنكر، فليس حالنا قبل خمس أو ست سنوات كحالنا في هذا اليوم.الآن مسألة التجنيس والتي هي من أخطر المسائل وأخطر المؤامرات التي تُراد بأبناء هذا البلد لو كان لنا منها موقف قبل خمس سنوات ووقفت منها الطائفة موقفاً حازماً لكان من المظنون قوياً أن أمر التجنيس ما كان ليصل غلى ما وصل إليه اليوم. وهكذا حال الكثير من القضايا، ولكن الحق والإنصاف أننا تخلّفنا ولم نقم بما ينبغي أن نقوم به في وجه هذه القضايا وهذه المؤامرات، ومن الطبيعي أن تضيق الدائرة بسبب ذلك التخلف عما كان ينبغي أن يكون من دور.وربَّ مطلبٍ كنتَ تستطيع أن تحصل عليه بعريضة ولكن ونتيجة للتقصير أصبحت العريضة غير كافية لحل الأمر. فلا ينبغي لنا أن نأتي للأمور من أواخرها ونتائجها ومعلولاتها، بل لا بد أن ننظر إلى الأمور ومن خلال أسبابها وبدايتها فقد كان يمكن أن نفرض كلمة، وكان يمكن أن نفرض موقفاً، ولكننا في هذا الأمر ما قمنا بما ينبغي أن نقوم به وهذا أمر يستطيع أن يحكم به كل إنسان له قراءة واعية بواقعنا في هذا البلد.
رابعاً: مرجعية الحاكم الشرعي وضرورة التوصيف الموضوعي:
لا إشكال في أن الحاكم الشرعي هو الذي له المرجعية في هذه القضايا. ولكنه من القريب جدا – وبحكم ما فرضته الساحة والسياسة- انه لا يتدخّل ويعطي رأياً فإن أي كلمة يتفوّه بها الحاكم الشرعي تحسب رأساً بأنها تدخّل في شؤون البلد، ويقال عن الناس بأن ولاءهم لقم أو النجف ( ) فمن القريب جداً أن لا يتدخل الحاكم الشرعي وهذا بسبب أمرين:الأول: أن أهل الدار أدرى بما فيها ولذلك- وفي كثير من القضايا- إذا سألت الحاكم الشرعي فإنه سيُحيلك على رجالات البلد وعلماء البلد لأنهم أخبر ولأنهم أعرف.سيحيلك على العلماء، الثقات، المتدينيين، فهم أقدر على تشخيص واقع البلد في كثير من الأحيان من الحاكم الشرعي. وهذا ناتج عن تورّع فقهائنا وشدّة احتياطهم في أمر الدماء، وكل إنسان متديِّن لابد أن يفعل كما يفعلون.فسَلْ نفسَك بأنك لو كنتَ في مقامهم: هل ستعطي لكل أحدٍ الإذن والتغطية الشرعية في ممارساته والحال هذه؟هذا لا يحصل- قطعاً – حتى وإن وثقتَ به؛ باعتبار أنك لا تعرف ملابسات ذلك المجتمع وخصوصياته والآراء السياسية المطروحة فيه.والنتيجة أنه من القريب جداً أن يتعذّر الوصول إلى الحاكم الشرعي في مثل هذه الحالات، فليس لهذا البلد إلا رجالاته. وحتى لو رجعت إلى الحاكم الشرعي فسوف يُرجعك إلى رجالات البلد ورجالات البلد بتدينهم وورعهم وتقواهم هم من ينبغي أن يشخّص الوضع.
كيف ينبغي أن يدرس رجالات البلد الموضوع:
إن رجالات البلد هم من ينبغي أن يدقِّق في الوضع، وأن يتأملوا فيما سوف تؤول إليه أمور هذا البلد وهم الذين لهم كلمة الفصل فيما يرتبط بتصوير الموضوع كما ينبغي من جميع جهاته وبجميع خصوصياته فالمعوّل كل المعوّل على رجالات البلد، على علماء البلد، على الصلحاء من هذا البلد، وينبغي عليهم أن يلتقوا وأن يُنقذوا الطائفة لأن الطائفة في خطرٍ عظيم.والله إنَّ الطائفة في خطيرٍ عظيم – ومع ذلك كله- فإن حالنا اليوم أفضل من حالنا في الغد، لأن الدائرة باتت تُضيّق علينا يوما بعد يوم.فقبل أن نعضَّ على الأضراس ندماً وقبل أن تفوت الفرصة ينبغي أن يلتقى علماؤنا ومشايخنا ورجالاتنا من أجل أن يوجدوا حلاً لهذا الأمر الخطير الذي يُراد بنا- من خلال هؤلاء القوم الذين يتربصون بنا الدوائر-.
حرمة الدماء عظيمة ولكنها لا تمنع من المطالبة بالحق:
ومن باب الشواهد ليس إلا- وإلا فقد قلت بأن المرجع النهائي في الحكم في هذه القضية هو الحاكم الشرعي-:
أ- خذ العراق مثلاً فهو إنما يدفع هذه الدماء الزكية نتيجة إصراره على حقه ومطالبته بحقوقه ولو أن السيد السيستاني (حفظه الله وأدام الله ظله) ترك الأمريكان وشأنهم، يضعون دستور البلد، ويفصّلون لهذا البلد كما يشاؤون ويضعون حكومة كما يريدون، ولو أن الشيعة في العراق سكتوا عن حقهم وقبلوا بالمعادلة السابقة بأن يُهَمَّشوا وأن لا يكون لهم رأي ولا تكون لهم مشاركة في الحكومة؛ فإنه من المطمئن به أنه ما كان لينزل بهم ما نزل.
وهذه الدماء الزاكية والنفوس التي تقتل ظلماً وعدواناً إنما هي ضريبة يدفعونها نتيجة إصرارهم على حقهم. ولو جلسوا في بيوتهم وجعلوا الآخرين يتحكّمون في العراق ما كانوا ليدفعوا هذه الضريبة.وهنا تطرح مسألة الدم وحرمة الدم. فهل منع ذلك احد عن المطالبة بحقه؟.
ب- لو نظرنا إلى رجالات حزب الله والحرب الأخيرة (حرب تموز) والتي قدّم فيها لبنان ضحايا كثيرة فاقت الألف، وهُجِّر من هُجِّر وهُدِّمت البيوت على أهلها ورأيتم ما رأيتم من مشاهد وصور مأساوية ومروعة، فإن ذلك كله نتيجة إصرارٍ على حق ونتيجة استماتةٍ في الدفاع عن الدين والوطن وعن القضايا العادلة. وهنا أيضاً تُطرح مسألة الدماء وحرمة الدماء. فهل منع ذلك حزب الله عن حقه ومطالبه المشروعة؟.
خطوات من أجل معالجة وضع البلد:
1- التلاقي للتحاور المبني على النظر في الآراء بموضوعية :أقول: وضعنا في البلد لابد من النظر إليه بكل جدّية وكفانا تشرذماً وكفانا اختلافاً فإن الفائز والظافر في هذه الحالة هو هذا النظام. فلنجلس ولنتحاور ولنتأمّل والمسألة -كما سبق- لا يمكن أن يُنظر إليها من جانب واحد.2- العلاج لا يكون بالتشكيك في الحركة ولا بالكلام وحده:ولا يصح أن يطالب بعدم الحركة بحجة: أننا في تحرّكنا نحتاج إلى شرعية وغطاء شرعي، فإن محاذير عدم التحرّك ومحاذير السكوت أمام كل هذه المؤامرات لا تقل خطورة عن محاذير التحرّك.وكما قلت بأنه: لا يراد من طرح التحرّك هو التحرك من خلال ممارسة أساليب العنف. التحرُّك من خلال عريضة – خصوصاً قبل سنوات- هل هذا يحتاج أيضاً إلى غطاء شرعي؟؟!!. ثقوا بالله – أيها الاخوة- بأن الكلام من على المنابر وفي المآتم والحسينيات وفي المساجد لن يجدي نفعاً في إيقاف هذا النظام والوقوف في وجهه، وردّ عدوانه ؛ لأن كل هذا يجعله النظام تحت مقولة: ” قولوا ما شئتم ونفعل ما نريد”.3- إعادة النظر في طريقة العلاج والاستفادة من التجارب السابقة:إنّ العاقل ليستفيد من التجارب. وقد جرّبنا وجرّبنا الكلام ومنذ سنين ونحن نتكلم، إلا أن هذا لم يوقف النظام. وإنما أوقف هذا النظام وجعله يعيد حساباته هو العمل والتصدِّي.ولكنه- مع أن النظام قد أعاد حساباته- إلا أننا ومع الأسف الشديد وفي الوقت الضائع انسحبنا من اللعبة. لقد أعاد النظام حساباته وكان مرغماً أن يُعطينا بعضاً من حقوقنا ولكنه عندما وجدنا- وفي الوقت الضائع- قد تعبنا واختلفنا واتخذ كلٌ منا مساراً غير مسار صاحبه وأخيه تراجع النظام.عقيدتي أن هذا النظام ما كان يتصوّر – وهو يمارس هذه الخطط الجهنمية والمؤامرات- أن وضع الطائفة سيكون بهذا المستوى من الضعف؛ لأنه جرّب الطائفة في التسعينيات فوجدها صُلبةً قويةً ووجدها قد قدّمت الغالي والرخيص .ولكنه ومع الأسف الشديد وبعد أن أراد البخيل الحريص أن يعطي شيئاً أمسك عن إعطائه لأن المطالِب قد تخلى عن دعوته!فإننا نحن المدّعي وهو منكر ومعاند، والمدعي إذا رفع اليد عن حقه فإن المدعى عليه لن يعطي من نفسه شيئاً .كيف لو تحركت الطائفة بأجمعها؟!!أقول: الكلام، الخطب، المواعظ في المساجد وفي أي مكان لن تجدي نفعاً. وإنما الذي سيجدي نفعاً هي الخطوات العملية السلمية.إن ثُلةً صغيرة من الصبية – ومن خلال إصرارٍ في خمسة أيام أو أربعة أيام – عُقدت من أجلهم اللقاءات، حتى أدى الأمر لأن يتحرّك وزير الداخلية هنا وهناك ويفكر في كيفية أن يوجد حلاً والعالم سلّط الضوء على ما يجري في البحرين نتيجة وقوف صبية صغار!!!فما بالك لو وقفت الطائفة؟؟ وما بالك لو قفت رجالات الطائفة؟؟أنا لا أريد أن أُملي شيئاً وأكره الإملاء. أكره الإملاء، لأني لا أريد أن يملى عليَّ ولا أريد أن أملي على أحد.ولكني أقول: الوضع يستدعي منا أن نفكر ملياً وبكل جدٍ وبكل صلابة وإن الله سبحانه وتعالى يسدد والله سبحانه وتعالى يفتح على المؤمنين آفاقاً ويهيِّأ لهم أموراً ما كانوا ليحتسبوها وما كانوا ليفكروا فيها، فتعالوا قبل عضّ الأضراس ندماً، وتعالوا قبل أن تفوت الفرصة. ويشهد الله أني لا أقول هذا الكلام تهميشاً لأحد أو من أجل النيل أو الحط من مكانة أحد وإنما هي حرقة القلب على ما وصل إليه وضعنا.هؤلاء القوم ما فتئوا يخططون ليل نهار ونحن في تشرذُمٍ واختلاف، وتفرّق.
القضايا لا تُحلُّ بالإنفراد:
والقضايا لا تُحلُّ بآراء شخصية ينفرد بها هذا المحترم أو هذا المحترم أو يراها هذا الإنسان أو ذاك الإنسان وإنما تُحلُّ القضايا من خلال مشورةٍ ومن خلال أخذٍ وعطاء ، وإذا وجد الله (سبحانه وتعالى) منا حسن النية والإخلاص وأبدى بعضنا لأخيه الآخر وصاحبه المرونة وكانت المرونة والشفافية وكان رضا الله (سبحانه وتعالى) نصب العين فلا أشك في أننا سوف نجد حلاً لهذا المأزق الذي نحن فيه.
والحمدلله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وأله الطيبين الطاهرين.