الأرشيف
التمييز في منح الجنسية في البحرين
التمييز في منح الجنسية في البحرين: الدوافع.. والآثار الخطيرة
على حقوق الإنسان والأمن الاجتماعي
21 مارس 2004
بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري 21-3-2004
مركز البحرين لحقوق الإنسان
تكشف ممارسات السلطة في البحرين المتعلقة بالتجنيس العديد من مظاهر التمييز، وسوء استخدام السلطة، والخلل في سيادة القانون، وانعدام الشفافية، والتلاعب بالعملية الديمقراطية، والخلل في الرقابة على ممارسات السلطة التنفيذية.
وبسبب تدهور الوضع المعيشي والاقتصادي في البحرين، فقد ترتب على الزيادة الكبيرة في اعداد المجنسين اثار اقتصادية تمثلت في تفاقم البطالة والفقر ومشكلة السكن، وتأثير ذلك على حقوق المرأة والطفل والفئات الضعيفة [1]، كما ان لعملية التجنيس الاستثنائي واستخدام المجنسين في اجهزة الأمن وحصولهم على الامتيازات، آثار نفسية واجتماعية متمثلة في ضرب النسيج الاجتماعي واثارة التنازع العرقي والطائفي وكراهية الاجانب [2] فبالرغم من ان الدوافع وراء التمييز سياسية الا انها تأخذ شكلا طائفيا وعرقيا.
ويخشى المركز ان تساهم هذه القضية وآثارها الاقتصادية والاجتماعية، في المزيد من الاضرار بالثقة بين السلطة والمواطنين، وتزايد حالة الاستياء العام، مما ينذر بعودة التأزم السياسي والأمني.
ويتطرق هذا التقرير الى تفاصيل القضية، وتحليل للدوافع، والتوصيات المقترحة للمعالجة.
التفاصيل:
يسمح القانون في البحرين بمنح الجنسية بشروط منها الإقامة لمدة 15 عام للعربي و25 عام لغير العربي [3]. إلا ان السلطة وفي الواقع العملي اتبعت سياسة تقوم على الاستثناء والتمييز. حيث منحت
الجنسية خلال السنوات العشر الأخيرة وبشكل استثنائي وغير معلن للآلاف من الأفراد والأسر من اصول قبلية سنية رغم انهم يتمتعون بجنسيات دول أخرى ولا تنطبق عليهم شروط الإقامة. وفي المقابل تم حرمان الآلاف من المستحقين للجنسية رغم ان معظمهم لم يكونوا يتمتعون بأية جنسية [4] ولم يعرفوا بلدا غير البحرين، مما تسبب لهم في مشاكل نفسية واجتماعية، ومصاعب كبيرة في التملك والحصول على العمل والسفر [5].
ونتيجة لحركة الاحتجاج في التسعينات، ونشاط منظمات حقوق الانسان في الخارج، والتغير في توجهات السلطة مع تولي الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة للحكم، ونتيجة للاعتصامات التي تلت ذلك، فقد تم منح الجنسية للمئات من مستحقيها خلال العامين المنصرمين – وهو ما ايدته منظمات حقوق الانسان ولاقى ارتياح شعبي كبير [6] – الا ان منح الجنسية بشكل استثنائي وغير علني للآلاف ممن لا تنطبق
عليهم الشروط لا زالت قضية موضع قلق وخلاف. حيث تتكتم السلطة على المعلومات، فيما يتزايد الاستياء لشعبي والمطالبة بكشف الحقيقة ومعالجتها.
وقد شكل مجلس النواب لجنة للتحقيق في القضية. الا ان “قانون مجلسي الشورى والنواب” الذي اصدرته السلطة قبل انتخاب مجلس النواب يمنع هذا المجلس من مساءلة الحكومة عن امور سبقت انعقاده في ديسمبر 2002. كما ان قرار تشكيل لجنة التحقيق يمنعها النظر في التجنيس الذي تم وفقا للسلطات الاستثنائية للامير (الملك حاليا) [7]. ورغم تلك القيود الاساسية والمعلومات المحدودة التي حصلت عليها
اللجنة، فقد كشف اعضاء فيها عن تجاوزات خطيرة في منح الجنسية. وقد اشار تقرير اللجنة الى ان زيادة اعداد المجنسين كان له انعكاسات سلبية من الناحية الامنية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية،
واوصى تقرير اللجنة بتعديل قانون الجنسية، واعادة النظر في من تم منحهم الجنسية خارج القانون، واعادة هيكلة ادارة الجنسية، ووضع معايير للاستثناء من شرط مدة الاقامة. وحمل التقرير المسؤولية الكاملة لوزير الداخلية الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة [8]. وقد تم تأجيل مناقشة التقرير في المجلس حتى ابريل القادم، ويشكك الكثيرون في قدرة المجلس على كشف الحقائق الاساسية فضلا عن اتخاذ
اجراءات بشأنها.
وكانت ست جمعيات سياسية قد عقدت ندوات وعرضت اشرطة فيديو ونماذج من جوازات سفر واصدرت تقارير مفصلة لبيان وقوع التجاوزات. كما وجهت اسئلة الى وكيل وزارة الهجرة والجوازات لم يتم الاجابة عليها حتى الآن [9].
ويمكن استنتاج الدوافع وراء سياسة التمييز في التجنيس من خلال الامور التالية:
ان معظم من تم منحهم الجنسية بشكل استثنائي هم من اصول قبلية سنية، وهي نفس الاصول التي تنتمي لها عائلة آل خليفة الحاكمة، وهم اقلية صغيرة في البلاد، ولكنهم يسيطرون على الحياة السياسية والاقتصادية واجهزة الجيش والأمن.
ان الغالبية العظمى من الذين تم حرمانهم من الجنسية لفترة طويلة هم من الشيعة الذين يشكلون اغلبية السكان، ولكن يتم التمييز ضدهم في التوظيف الحكومي وفي التوظيف في الجيش واجهزة الامن والخدمات والتعليم والسكن [10]، ولذلك فهم يشكلون الغالبية العظمى من العاطلين عن العمل، وينتشر بينهم الفقر، وتنشر بينهم تيارات المعارضة واعمال الاحتجاج.
ان جميع من تم تجنيسهم بشكل استثنائي قد تم جلبهم للخدمة في الجيش والحرس الوطني واجهزة الآمن،.ويعيش هؤلاء مع عوائلهم في مناطق شبه معزولة (كانتونات) [11] ووقد تم استخدامهم بفعالية في قمع اعمال الاحتجاج. ولا توظف هذه الاجهزة المواطنين الشيعة الا باعداد ضئيلة وفي وظائف هامشية. وخلال اضطرابات التسعينات قتل واصيب العشرات اثر الاستخدام المفرط للقوة في قمع التظاهرات، بينما تم اعتقال وتعذيب حوالي 7 آلاف مواطن جميعهم تقريبا من الشيعة [12].
بادرت السلطات الى منح الجنسية لعدد كبير من ابناء قبيلة الدواسر السعوديين الذين لم يسبق لهم الاقامة في البحرين. وقد تم جلب هؤلاء فقط للمشاركة في انتخابات مجلس النواب [13]. كما صدرت أوامر لمنتسبي اجهزة الجيش والشرطة للمشاركة في تلك الانتخابات [14]. وتمهيدا لذلك كانت السلطة قبل ذلك قد أجرت تغييرات تسمح للمتجنسين بالمشاركة في الانتخابات فور تجنسهم بدلا من مرور 10 سنوات وفقا للقانون [15].
التوصيات: يناشد مركز البحرين لحقوق الانسان السلطات والجهات المعنية بحقوق الانسان التدخل والدفع باتجاه:
المكاشفة والشفافية: بأن تعلن السلطة عن جميع المعلومات المتعلقة بالتجنيس وخصوصا في فترة التسعينات
ان يتم فتح المجال وبشكل علني للمناقشة والحوار وايجاد الحلول لهذه القضية
ان يتم اجراء اصلاح اداري في الاجهزة المتعلقة بمنح الجنسية ومحاسبة المسؤولين عن التجاوزات
ان يتم تعديل قانون الجنسية بحيث يحدد بشكل واضح شروط التجنيس بشكل استثنائي، ويقيد تلك السلطة بحيث يمنع اساءة استخدام تلك السلطة، ويحقق الشفافية بالاعلان الرسمي عن حالات منح الجنسية.
ان يتم وضع الحلول واعادة النظر ضمن الاطار الانساني لمن تم منحهم الجنسية خارج الشروط الاعتيادية
اتخاذ اجراءات لوقف أي تمييز في منح الجنسية، واي تفضيل للمجنسين الجدد في التوظيف والسكن والامتيازات
اعطاء الاولوية للمواطنين – ودون تمييز بينهم- للحصول على الوظائف والترقيات في اجهزة الجيش والأمن
اعطاء الاولوية في منح الجنسية بشكل استثنائي للمحرومين من الجنسية وللنساء ممن لديهن ابناء بحرينيين ولابناء البحرينيات
تسريع اجراءات منح الجنسية للمستحقين، واصدار جوازات سفر للبحرينيين المحرومين من ذلك مثل أبناء وذرية الحاج صالح الستراوي الممنوعين حتى الآن من العودة للبحرين.
———————————————————————-
[1] احصائيات موثقة في تقرير مركز البحرين لحقوق الانسان عن الاوضاع المعيشية والحقوق الاقتصادية
[2] تتمثل الامتيازات في توظيف المجنسين باجهزة الجيش والامن في حين يحرم من ذلك المواطنين الشيعة وهم يشكلون الاغلبية الساحقة من 30 الف عاطل عن العمل، وكذلك في الحصول على السكن، علما بان هناك اكثر من 40 الف طلب للمساكن الشعبية للمواطنين، بعضها منذ اكثر من عشر سنوات، وهناك حوالي 10 الآف منزل آيل للسقوط وغير صالح للسكن. كذلك يتم تفضيل المجنسين في الرواتب والمخصصات الاضافية والترقيات.
[3] المادة (6) من قانون الجنسية البحريني 1963
[4] ينص الاعلان العالمي لحقوق الانسان بأن لكل شخص الحق في جنسية ما.
[5] راجع تقارير منظمة العفو الدولية وتقارير الخارجية الاميركية السنوي وتقارير المنظمة البحرينية لحقوق الانسان في الفترة 1990-2000
[6] لا زالت ادارة الجوازات تضع العراقيل لحصول عدد كبير من المستحقين للجنسية حيث يتابع مركز البحرين ما يزيد على 40 من قضايا لافراد واسر، كما تتلكأ السلطات في منح جوازات السفر والسماح بعودة 66 من ابناء وذرية الحاج صالح الستراوي الذين يعيشون في المنفى
[7] معظم حالات التجنيس الاستثنائي يعتقد بانها حدثت في التسعينيات وبمراسيم خاصة من الامير الراحل
[8] تصريحات نائب رئيس اللجنة التحقيق النيابية بشأن التجنيس- جريدة الايام البحرينية- 16 فبراير 2004
[9] راجع التقارير واوراق العمل في الفعاليات التي اعدتها جمعيات الوفاق الوطني والعمل الوطني والعمل الاسلامي والتجمع القومي والوسط العربي والمنبر التقدمي.
[10] تقرير احصائيات التمييز الصادر عن مركز البحرين لحقوق الانسان
[11] من تلك المناطق: اسكان قوة الدفاع، واسكان سافرة واجزاء من مدينة حمد
[12] جمعت لجنة ضحايا التعذيب معلومات عن هذا العدد من الضحايا. كما رفعت اللجنة عريضة تحمل 33 الف توقيع من المتضررين والمتعاطفين معه يطالبون بالتعويض ومحاكمة المسؤولين. ويمكن مراجعة تقارير منظمة العفو الدولية وآليات الامم المتحدة عن الانتهاكات في البحرين ابان الحداث التسعينات
[13] لم تعترف السلطات في البداية بتجنيس افراد قبيلة الدواسر السعوديين، ولكن بعد تقديم جمعيات المعارضة لدلائل قاطعة على ذلك في ندوة جماهيرية اعلن الملك بأنه تم تجنيس هؤلاء لان اجدادهم سكنوا البحرين في في العشرينيات من القرن الماضي
[14] باعتبار ان تلك الفئات هي من اصول قبلية سنية فان مشاركتها في الانتخابات سيصب في صالح مرشحي تلك الفئة على حساب الفئات الاخرى
[15] عمدت السلطة الى ختم جوازات سفر المقترعين، وذلك لكشف من يتخلف عن المشاركة في التصويت خصوصا من العسكريين وممن حصلوا حديثا على الجنسية، وكانت جمعيات المعارضة قد دعت الى مقاطعة الانتخابات بسبب التغييرات الدستورية التي اجراها الملك وتقضي من بين امور اخرى بأن يعين هو نصف اعضاء البرلمان