الأرشيف

إما حرا، او شهيدا – حركة أحرار البحرين

  
كلمة من اجل حرية عبد الهادي الخواجة

بقلم الدكتور سعيد الشهابيرجل خمسيني، يأسرنا جميعا، ومعنا الشرفاء من ابناء هذا العالم، حبا وعشقا واحتراما وتقديرا، أليس هذا من عجائب الدنيا؟ ما الذي يملكه هذا الانسان الذي عبر الجسر بين الشباب والشيخوخة، لكي يمتلك قدرته على الأسر بهذه القوة؟ وهل يملك سوى الجسد ا لنحيف الذي لم يزده الشهران من الجوع سوى المزيد من الضعف والعجز والنحافة؟ هل خلق الله الاجساد النحيفة لتكون وسيلة جذب الآخرين الى اصحابها؟ ما حجم المهاتما غاندي؟ وكيف كان جسد الامام الخميني؟ صحيح اننا في عالم اصبح في العقود الاخيرة يروج ثقافة التنحيف كوسيلة لتحقيق الجسم المقترب من الكمال، ولكن التنحيف الذي يحققه المناضل باضرابه عن الطعام مرتبط بالروح والمعنى والذات والكيان والقيمة الانسانية. استطاع عبد الهادي تشذيب نفسه وروحه، ولم يكن جسده النحيف بحاجة للمزيد من فقدان الوزن، كما ان ما يهمه غير مرتبط بالشكل والجمال الظاهري. انه يرى ان من يعيش في ظل الاستبداد الخليفي لا يمكن ان يكون جميلا يوما الا اذا كان مناضلا، مجاهدا مقداما. فالاستبداد يذهب بنضارة الحكم والمحكومين معا، ويحول البشر الى ادوات يستعملها النظام لاطالة بقائه وتحريك آلات قمعه واستبداده. الجمال الحقيقي على مستوى النفس والروح لا يتحقق الا بالحرية التي تفتح آفاق الارتباط الصادق بالله سبحانه، فتتحقق بذلك عبادة الاحرار. وفي ظل الاستبداد والديكتاتورية يتعبد الناس بخوف ووجل وربما دجل ونفاق، ويتحاشون التوحيد المطلق الذي يقتضي المفاصلة الكاملة مع الارباب الآخرين.كان عبد الهادي الخواجة امام خيارين: فاما الاستكانة او التمرد على الواقع الأسود الذي فرضه العدو الخليفي على البلاد. فتمرد على الشرذمة الخليفية طوال عمره. وحتى عندما حاولت هذه الشرذمة خداع الجماهير، كان ابوزينب في طليعة الذين استوعبوا المخطط العدواني لهذا العدو الحاقد. فرفع منذ سنوات شعار “فلتسقط العصابة الحاكمة” في الوقت الذي كان النظام وابواقه تصر على ان الخليفيين هم الحكام الشرعيون. كان ذلك الشعار تحديا لمقولة ان الحكم الخليفي من ثوابت الشعب. فارتعدت الفرائص وارتفعت الاصوات المنددة بما اعتبرته “تطرفا” و “تجاوزا” للاجندة السياسية المفروضة على الناس بكافة الوسائل. الابواق الخليفية ما فتئت تحارب من يناقش اصل الحكم الخليفي وشرعيته او يتحدى مقولات الاستسلام لواقع فرضه المستعمرون سابقا، وتتعاون قوى الثورة المضادة اليوم لحمايته. كان الخواجة رمزا للوعي الوطني التحرري الذي انطلق من مبدأ حماية حقوق الانسان ليصل الى حقيقة ان تلك الحقوق لا يمكن ان تتحقق في ظل الاستبداد والديكتاتورية، وانه ما لم تسقط العصابة الحاكمة فلن تتطور حقوق الانسان خطوة واحدة. الخواجة يحمل معاني الكرامة بين جنبيه. وبعد سجنه وتعذيبه مع اخوة دربه، وفي مقدمتهم الاستاذ حسن مشيمع الذي يصارع المرض العضال في غرف التعذيب الخليفية والاستاذ عبد الوهاب حسين الذي يعاني هو الآخر من مرض مستعص على العلاج، والدكتور البطل الصامد المحتسب، عبد الجليل السنكيس الذي تحررت روحه ونفسه وان كان جسده اسيرا للاعاقة الخلقية. ولا يقل صمودا رموز وطنية في مقدمتهم الاستاذ ابراهيم شريف الذي كسر بعزمه وصموده ارادة الجلادين، واحدث شرخا في مشروعهم الطائفي. واما العلماء الاسرى فقد اوضحوا للعالم معنى ارتباط العلم بالعمل والموقف، فتحملوا العذاب من اجل الحرية والاستقلال. فالشيخ عبد الجليل المقداد والشيخ محمد حبيب المقداد، والشيخ سعيد النوري والشيخ سعيد المخوضر والشيخ محمد علي المحفوظ وبقية العلماء المرتهنين في سجون العدو صدعوا بالحق وجاهروا بالموقف فكان نصيبهم التنكيل والتعذيب.ستون يوما من الصوم كشفت للاستاذ ابي زينب اجواء العالم الملكوتي، واذاقته حلاوة التحرر من اعباء الدنيا ومغرياتها وبهارجها. فاصبح اكثر صمودا واصرارا، وحطم ارادة جلاديه، واصبح الديكتاتور الخليفي رمزا للتفاهة والاجرام والحقارة، لانه يستعمل سلطته للقمع وليس للاصلاح. فاصبح لسان حال الخواجة يردد مقولة أبي الشهداء (ع): اني لا ارى الموت الا سعادة، والحياة مع الظالمين الا برما”. شخصه ليس مهما في مقابل الرسالة والحق. لا تحكموا على شخصي، بل على موقفي، ومدى قربه من الحق، مصداقا لقول علي عليه السلام: “لا تقيسوا الحق بالرجال، ولكن قيسوا الرجال بالحق”.ومن خلال مجاهدة خاصة على مدى عقود ثلاثة متواصلة استطاع عبد الهادي الخوا جة ان يبني بيتا صامدا، يقدم افراده القضية والمبدأ والحق على مصالح العائلة. فكل من افراد هذا البيت أشد بأسا من الآخر. لا يترددون ولا ينكصون ولا يساومون ولا يتنازلون، ولا يساومون، ولا يسايرون، ولا يخافون في الله لومة لائم. فهذه زينب، البنت الكبرى للاستاذ الخواجة، كسرت ارادة الجلادين مرارا، واصبحت تصنع الخبر في الدنيا، وترغم انوف الطغاة وتمرغ كبرياءهم في الوحل. مرة تلو اخرى، وآخرها بالأمس عندما وقفت امام المستشفى العسكري بعد ساعات من اطلاق سراحها. هل لدى رجالنا قلوب بهذه المتانة والثبات؟ هل يستطيع احد مضاهاتها وهي التي عرفتها السجون وشبع جسدها ضربا من احفاد يزيد؟

عبد الهادي الخواجة يعرف ان هناك ثقافة موروثة لدى البعض، تقدس الطغاة وتلحس قصاعهم، وتمسح قاذوراتهم، وما اكثر هؤلاء. لكن هناك من ابناء البحرين البررة، من السنة والشيعة، من يعرف ان القضية في البلاد ترتبط بثقافة الحرية والعدالة والاستقامة. يعرف هؤلاء ان من يحكم اوال اليوم اصبح عبدا للمال والجاه والسلطان. ويتذكر هؤلاء موقف الخليفة عمر بن الخطاب عندما تصدى لعامله على البحرين، أبي هريرة بعد عودته منها، حاملا ثروة عظيمة استلبها من البحرانيين، فأنكر عمر عليه ذلك واعادها الى رأس المال. هذه السيرة يجب استحضارها من قبل من لا يزال يتحفظ على التصدي للظلم والجور والنهب وسلب اموال الشعب واحتلال اراضيه، فذلك جانب مشرق من التاريخ، بدلا من الاستسلام لتوجيه انظمة الاستبداد لشعوبنا والاسترسال في ما يفرق المسلمين ويفتتهم ويمزق وحدتهم. ان النضال من اجل الحرية والعدل عامل توحيد للامة، وهذا ما فعله عبد الهادي الخواجة الذي حمل هموم الشعب ولم يحصر نشاط بفريق دون آخر. لقد دافع عن جميع الناس، التزاما بالاسلام  وحبا في الخير والانسانية. انه يصارع الموت ونحن نتحدث هنا، فلندع الله سبحانه ان يوفقه لما يحب، وان يجعلنا جميعا من العاشقين لدربه السائرين على خطاه، المضحين من اجل الدين والحرية والوطن. وليكن دعمنا له بالصمود امام الاستبداد الخليفي والاستمرار في الثورة من اجل الاطاحة به، فان بقي فسوف نموت كل يوم مرتين.

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي ادارة الموقعالتعليقات «0»

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق