Archive

Bahrain Freedom Movement

انتهت فصول المسرحية الانتخابية الهزيلة بعد شهور من التوتر الداخلي، وبدأت استحقاقات المرحلة الجديدة التي دشنت بفتح زنزانات التعذيب للأحرار من ابناء اوال، والبدء بتطبيق أقسى قوانين القمع والاضطهاد بحق المواطنين. السجون الخليفية تحتضن اليوم شرفاء من ذوي الضمائر الحية الذين تعالوا على الدعوات التي انطلقت من جهات عديدة لمسايرة الظلم والاستبداد، وانطلقت ضد الظلم الخليفي الذي يزداد رسوخا وشمولا. عاش المواطنون هذه المسرحية، وشاهدوا أداء أبطالها، حتى بلغت حلقتها الاخيرة التي تجلت فيها “زهوة النصر”، وهو انتصار مزعوم لا أثر له في المجرى السياسي للبلاد. فالاعضاء الجدد الستة عشر لن يختلفوا كثيرا عن سابقيهم الاثني عشر الا بنسبة يسيرة في الالتزام الديني والموقف السياسي. فاذا لم يتمكن السابقون من تحقيق شيء يذكر بمشاركتهم في المشروع الامريكو- خليفي فان الاعضاء الجدد لن يستطيعوا التأثير على عقلية الاحتلال الخليفية وسياساتها. وهذا ما كرره الرموز الكببيرة من المشاركين، الذي قالوا انهم قد لا يحققون مصلحة ولكنهم سيقللون الضرر.

ولكن هل كان حقا نصرا؟ ان كان ثمة نصر، فلمن على من؟ هل انتصرت الشرعية على اللاشرعية؟ هل كان انتصارا للمظلومين على الظالمين؟ هل انتصر المناضلون على المحتلين والمستبدين؟ الواضح ان الانتصار كان أقل من ذلك بكثير. فهو لا يعدو كونه “فوز” قروي على آخر في حلبة سباق غير متكافئة، و تقدم مواطن دعمته “المرجعية” على آخر لم يحظ برضاها. لم يكن انتصارا في معركة حقيقية بين طرفين لكل منهما اجندته واهدافه. بل كان عبارة عن “سباق ديكة” في ما بينها، بينما راعيها يراقب الوضع ضاحكا عليها، ومتلذذا بالجراح التي تحدثها في بعضها البعض. هذه الديكة اصبحت “مدينة” للجزار الذي يتلاعب بها لانه وفر لها فرصة الظهور على الحلبة، امام عدسات المصورين وتحت الاضواء الاعلامية التي أنفقت العائلة الخليفية من اموال الشعب الملايين لدعوتها الى البلاد لتقديم صورة عن “الانتخابات الديمقراطية” المنقطعة النظير. نعيش هنا نموذجا من التضليل المنهجي للرأي العام من قبل نظام حكم مدعوم من قوى خارجية، وهو يسعى لتنفيذ سياساته  لابادة شعب بهويته وثقافته وتاريخه. كنا وما نزال، نسعى لحرمان هذا النظام المقيت من البريق الاعلامي الذي يسعى له ليستطيع الاستمرار في سياساته، واعتبرنا المشاركة في مشاريعه دعما لتوجهاته، بدون ان تعود على ابناء البحرين بأي نفع او عدل او حرية.

اذا كان ثمة انتصار كبير فهو للظالم ضد المظلومين، ولعقلية الاستبداد والاحتلال على الراغبين في الحرية. لقد كان انتصارا (نأمل ان يكون مؤقتا) للظاهرة الفرعونية، وهيمنة للمشروع الامريكي الذي وضعته هيئة الاستخبارات الامريكية في العام 2000، على بلد طالما تطلع اهله ومناضلوه الى الحرية والابتعاد عن الفلك الامريكي والصهيوني. نقول انه انتصار لأعداء الشعب للاسباب التالية: فقد كانت المشاركة بحد ذاتها اقرارا للدستور الذي وضعه المحتلون الخليفيون والامريكيون (وكتبه رمزي الشاعر وليس أي مواطن بحراني آخر). تلك المشاركة طوت صفحة المعارضة الدستورية التي شاركت فيها الجمعيات السياسية قبل اربعة اعوام، اذ أصبح من غير المنطقي للذين “فازوا” في هذه “الانتخابات الديمقراطية” ان يستمروا في عدم الاعتراف بالدستور الخليفي، فضلا عن السعي لالغائه من خلال تشكيل سياسي أقيم على اساسه. اما الشيخ حمد فقد تحققت له مبايعة واسعة من التيار الديني، بقيادة علماء كبار، وهو ما لم يحلم به، ولم يكن يتوقع حدوثه بهذه السرعة. وان من السذاجة بمكان الاعتقاد بان فوز بعض العناصر النظيفة سوف يغير المعادلة السياسية التي تحكم البلاد، فهي تمثل اقل من نصف مقاعد النصف المنتخب، وبالتالي فهي أقل من ربع مجلس الشورى.

نعود مرة اخرى للمقولة التي استعملت لتبرير مسايرة الظلم الخليفي، وهي “تقليل الضرر”. ونناقش ذلك بطرح قول الامام زين العابدين (ع) للزهري: فما أقل ما أعطوك اياه في مقابل ما أخذوا منك”. لقد أخذوا التصويت على دستورهم، والبيعة لفرعونهم، ولم يعطوا الشعب شيئا في مقابل ذلك. فاذا كانت الوفاق قد فازت بستة عشر مقعدا، فان عدد الفائزين عن الشيعة في الانتخابات السابقة كان 12 شخصا، كان بعضهم اقوى من ناحية الاداء من بعض اعضاء قائمة، فلماذا المبالغة في الشعور بالانجاز؟ لماذا نسمح لانفسنا بالوقوع في الفخ الذي يضعه الاعداء لنا؟ ان من مصلحة  العائلة الخليفية  ان تعم اجواء البهرجة والشعور بالانجاز في اوساط الناس، وذلك بهدفين: اولهما تكريس سطحية  التفكير لديهم بحيث يتم الاهتمام بانجازات وهمية بينما القضايا الكبرى والقرارات الاستراتيجية باقية بأيدي العائلة الخليفية. وثانيها: ان انتشار روح الرضى والقناعة والشعوب بتحقيق الانجازات يقضي تدريجيا على روح النضال والتشنج ضد الظلم السلطوي، ويهمش المناضلين ويعمق روح الاستسلام للحكم. ان من غير الممكن تقليص الضرر الذي كثر الحديث عنه لاسباب عديدة: اولها: في مجلس لا يشرع، بل التشريع محصور بالعائلة الخليفية وبالتحديد بيد الشيخ حمد شخصيا، ثانيا: ان وجود كتلة تعادل اقل من ربع اعضاء مجلس الشورى لا يفيد في تقليص الضرر. فالضرر المقصود هنا هو تشريع القوانين التي لا تناسب المواطنين. ولكي يتم رفض مشروع اي قانون تقدمه العائلة الخليفية فلا بد من توفر ثلثي الاصوات لرفضه، وهذا ما لا يمكن تحقيقه لان العائلة الخليفية تضمن نصف الاصوات لانها تعين نصف اعضاء المجلس، ثانيا: لكي يمكن تشريع قانون فانه يحتاج ايضا الى ثلثي الاصوات، وهذا غير ممكن ايضا. فما هو الضرر الذي يمكن تقليصه؟ كما ذكرنا فما دام أصل الضرر موجودا فلا مجال لتقليص آثاره. فالدم النازف لا يمكن وقف القطرات التي تسيل منه ما لم يتم علاج الجرح النازف. واذا بقيت عين النجاسة فلا مجال لتحقيق الطهارة. وما دام الدستور الخليفي هو الذي ينظم السلطات الثلاث، ومنها التشريعية، فلا مجال لتجاوزه بأي شكل من الاشكال. الامر الذي حققته المشاركة، كما أسلفنا، هو انها اعتبرت من قبل الحكم تصويتا على الدستور الخليفي الذي بقي غير شرعي بسبب الرفض الشعبي له.

ماذا بعد؟ الانتخابات الصورية التي اجريت مؤخرا ليست نهاية المطاف. فالانتخابات ليست غاية بذاتها، بل ان الجسد الذي يتم انتخاب اعضائه هو المهم، وما دام هذا الجسد فاقدا لسلطة التشريع، ومعتمدا في اساسه على دستور غير شرعي، فان الانتخابات لن تغير الوضع كثيرا. صحيح ان هناك بعض القطاعات الشعبية قد تم تحييدها بسياسات التخدير السلطوية والتي مارسها بعض الاطراف، ولكن روح النضال المتأصلة في عروق اهل البحرين، واستمرار شعورهم بالظلامة، وصمود العناصر المناضلة التي عجنتها التجربة وتخرجت من غياهب السجون، كل ذلك سيحول دون القضاء على روح المقاومة المدنية. والبحرين على موعد في الشهور المقبلة، مع استحقاقات عديدة امام المنظمات الحقوقية الدولية، في ما يخص التمييز وتغيير التركيبة السكانية وحماية المعذبين والجلادين. ولن يتردد الاحرار الذين حملوا مشعل الحرية على مدى اكثر من ثلاثين عاما في حمل شعلة النضال ضد الاستبداد الخليفي، غير آبهين بالمجالس الصورية التي يشكلها لحماية نفسه والامعان في التنكيل بالمواطنين. ان الدستور الخليفي سيظل فاقدا للشرعية، ولا يغير هذه الحقيقة انتخابات صورية هنا، واخرى هناك. والمنطق نفسه يحكم المجالس البلدية التي فشلت في السنوات الاربع الماضية في منع نهب الاراضي والاستيلاء بالقوة من قبل العائلة الخليفية المحتلة على البحر بعد ان لم تبق من اليابس شيئا، وبعد ان تضاءلت الارض التي يعيش عليها شعب البحرين الى اقل من عشرة بالمائة من مجموع مساحة الجزر. اما المدخولات النفطية فستظل هي الاخرى، مادة للنهب من قبل هذه العائلة المحتلة، ولن تستطيع اسكات الاصوات المطالبة بالتوقف عن سلب تلك الاموال، وانهاء الاستغلال والاستبداد والتنكيل بالاحرار.

شباب البحرين اليوم يتوافدون افرادا وقوافل على زنزانات التعذيب الخليفية، والمواقع الالكترونية تتعرض للمنع الواحد بعد الآخر، ولا يستبعد ان تبدأ العائلة الخليفية الحاقدة في تفعيل قانون الارهاب، مستغلة حالة الصمت التي توافقت مع بعض الاطراف الشعبية لفرضها، وهو أمر سيكون مادة لتحريك الغضب الشعبي مجددا في اوساط الشباب المحروم من الوظيفة والسكن، وأبسط مقومات العيش الكريم كالحرية والشراكة السياسية. البحرين اذن على موعد مع مستقبل مدلهم بالخطوب ما دامت محكومة بعقلية احتلال مقيتة ودستور غير شرعي مفروض بالقوة، واساليب للتضليل والتشويش ينفق عليها من اموال الامة.

اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين

حركة احرار البحرين الاسلامية
1 ديسمبر 2006

Show More

Related Articles

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

Close