Archive

Bahrain Freedom Movement

دخل عيد الشهداء تاريخ النضال الوطني البحراني منذ ان سقط الهانيان شهيدين على ايدي جلاوزة النظام الخليفي في السابع عشر من ديسمبر 1994. لقد كان يوما مشهودا، حيث كان شباب الانتفاضة يرفعون قبضاتهم في الهواء مطالبين بحقوق اهل البحرين، وفي مقدمتها اعادة العمل بدستور البلاد، المصدر الوحيد لشرعية الحكم الخليفي. كانت معنوياتهم عالية وهم يرفضون الانصياع للاملاءات السلطوية التي تسعى لاستعبادهم وابقائهم تحت هيمنة مقيتة من نظام توارثي استبدادي.

 فما ان انتشر خبر استشهاد الهانيين حتى عمت المسيرات والاحتجاجات اغلب مناطق البلاد، فاذا بوسائل الاعلام التي جاءت لتغطية قمة مجلس التعاون في المنامة تجد مادة دسمة في تغطية نهضة شعب مظلوم تمرد على الاحتلال وبدأ مسيرته نحو الحرية. لم يكن أولئك الشباب طامعين في شيء من حطام الدنيا وملذاتها، بل دفعهم الشعور بالمسؤولية الدينية والوطنية للانطلاق بدون خشية من رصاص البطش، ولا وجل من الموت. سقوط الهانيين مساء ذلك اليوم دشن عهدا متميزا، دفع النظام الظالم لاعادة النظر في اساليبه وسياساته. كان رئيس الوزراء القديم – الجديد، مصرا على سياسة القبضة الشرسة على الامور، غير عابيء بردود الفعل الدولية لما يمارسه من بطش وارهاب. فأمر بفتح زنزانات التعذيب لشباب البحرين واطفالها ونسائه وشيوخها، وأمر جلاديه الذين كانوا آنذاك تحت ادارة الضابط البريطاني سيء الصيت، ايان هندرسون، بالتعاطي مع شباب الانتفاضة بما يرونه مناسبا من اساليب قمع وتنكيل. فتواصلت الاعتقالات حتى تجاوزت بمجموعها اكثر من عشرة آلاف من المواطنين، تتراوح اعمارهم ما بين الثانية عشرة والسبعين عاما. وتواصل سقوط الشهداء على مدى الاعوام الاربعة التالية، وكان آخر شهداء الانتفاضة نوح خليل آل نوح، الذي اختطفته فرق الموت التابعة لقصر الشيخ حمد، ومزقت جسده في بضع ساعات قبل ان تلقي به على باب منزله. فرق الموت تلك هي نفسها التي تمارس الآن جرائم القتل والخطف، والتي تتمتع بغطاء سياسي من قصر الشيخ حمد الذي ما يزال يرفض التحقيق في جريمة اغتيال الشاب مهدي عبد الرحمن، من اهالي المحرق، في الصيف الماضي. فرق الموت هذه هي التي تختطف المواطنين وتنقلهم الى زنزانات التعذيب الخليفية، وهي التي تتصدى للمسيرات الاحتجاجية السلمية التي يصر المواطنون على ممارسته كحق مشروع وفق القوانين الدولية. ولقد كان منظر تلك الفرق الاجرامية مثيرا للتقزز عندما تصدت للاعتصام الاخير للمطالبة باطلاق سراح سجيني الرأي، الدكتور محمد سعيد وحسين عبد العزيز،  بأعدادها الهائلة واسلحتها الفتاكة.

فما أشبه الليلة بالبارحة، بل ما أشد حلكة الليل هذه الايام مقارنة بليالي الانتفاضة المباركة. يومها كانت معنويات الشعب تصل السماء علوا وشموخا، ولم يكن اليأس قد راودها سواء في عدالة قضيتها ام استعدادها لمواجهة الظالمين، لعلمها انهم لا يمكن ان يرعووا الا بالصمود والتحدي. كان أحدهم، كحميد قاسم وحميد النشابة، يخطط كرجل مسؤول لمواجهة عدو شرس، ولا يعبأ بما سيرتكبه ذلك العدو من جرائم ضد الانسانية، لان تلك الحماقات سوف تكلفه كثيرا. كان المواطنون يعيشون عقلية مختلفة ومعنويات أخرى، عارفا من خلال اطلاعه التاريخي ان الظالمين لا يرتدعون عن الظلم الا بالتحدي والمواجهة، وان تاريخ الشعوب والامم لم يسجل عودة الظالم عن غيه طوعا، بل ان ثورات الشعوب ونضالاتها هي التي تفرض التغيير وتجرف الظلمة والمستبدين الى مزبلة التاريخ. الايام الاخيرة حملت نبأ وفاة ديكتاتور تشيلي السابق، اوغستو بينوشيه، وهو مطارد من قبل ضحاياه الذين رفضوا ان يتغاضوا عن جرائمه بحقهم. وتشبت طوال العقد الاخيرة بحالة المرض للافلات من ايدي العدالة. وكان اعتقاله في بريطانيا بطلب من قاض اسباني مؤشرا لتوجه دولي يرفض التعذيب ويجرم مرتكبيه مهما كانت مواقعهم الرسمية. اما في البحرين فما يزال المعذبون والجلادون يتمتعون بحماية العائلة الخليفية الجائرة التي أصدر رأس نظامها في العام 2002  القانون 56 السيء الصيت الذي يوفر حماية رسمية لمرتكبي جرائم التعذيب والقتل خارج القانون بحق ابناء البحرين. ما تزال عناصر تلك الحقبة محميين من العدالة، وفي مقدمتهم ايان هندرسون وعادل فليفل وخالد الوزان وخالد المعاودة وعبد العزيز عطية الله آل خليفة. وتواصل دوائر التضليل والتشويش السلطوية اساليب الالتفاف على نشطاء حقوق الانسان، المطالبين بالغاء قانون الشيخ حمد ومعاقبة مرتكبي جرائم التعذيب وفق نصوص المعاهدات الدولية خصوصا معاهدة منع التعذيب التي يفترض ان العائلة الخليفية قد وقعتها في 1998. وما تزال لجنة الشهداء وضحايا التعذيب تخضع للحصار والتهديد سرا وعلنا، وتتدخل السلطات الخليفية في محاولة يائسة لمنع المسيرة التاريخية التي تنظمها سنويا للاحتفاء بذكرى عيد الشهداء في 17 ديسمبر. وترافق تلك المحاولات اصوات تدعو لتغيير موعد الذكرى لانها تتزامن مع عيد الجلوس الذي اعتبرته العائلة الخليفية عيدا وطنيا. وفي مقابل ذلك هناك مطالبات كثيرة بتغيير العيد الوطني للبلاد من موعده الحالي الذي يمثل صعود الحاكم السابق، الشيخ عيسى، الى الحكم ولا علاقة لشعب البحرين به، الى منتصف اغسطس، وهو اليوم الذي اكتمل فيه الانسحاب البريطاني من الخليج في 1971.

ديسمبر هذا العام لا يختلف كثيرا عما كان يحدث فيه كل عام لاسباب عديدة. من هذه الاسباب عمق الخلاف بين اهل البحرين والعائلة الخليفية حول الموعد الحقيقي للعيد الوطني، وما يصاحب ذلك من توتر في العلاقات والمشاعر. ومنها ايضا حلول عيد الشهداء في هذا الشهر، وهو قضية خلافية بين اهل البحرين المفجوعين باينائهم وشهدائهم، وتلك العائلة الجائرة التي تلذذت بقتل الضحايا ماضيا وحاضرا. ديسمبر هذا العام يشهد خلافا حادا بين الطرفين ايضا بسبب اعادة فتح زنزانات التعذيب للمواطنين الذين يجرأون على الافصاح عن مواقفهم المناوئة للاستبداد الخليفي، ومحاولات النظام تمييع الموقف الشعبي بانتخاباته الصورية، وسعيه الحثيث لاثارة النعرات المذهبية بعد ان ادرك ان التوافق الوطني لا يخدم نظام الاستبداد العائلي المتوارث. لقد وضع هذا النظام بلدنا وشعبنا امام استحقاقات خطيرة بهدف تكريس استبداده وهيمنته، وتمزيق الصف الوطني ليتحقق له ذلك، ومارس التضليل والتشويش على اوسع نطاق وذلك في اطار الصراع على قلوب اهل البحرين وعقولهم. ولكننا نكرر التعبير عن ايماننا بحتمية انتصار روح النضال ضد الاستبداد الخليفي، خصوصا مع وجود المعنويات العالية في اوساط اهل البحرين، وتعاليهم على سياسات النظام وسعيه الحثيث لاستهداف الناس في معنوياتهم ووجودهم وحقوقهم. انهم مطالبون بالاستمرار في الحفاظ على هذه الروح العالية والهمم الرفيعة وعدم الانهيار امام المغريات الخاوية التي يتظاهر النظام بتقديمها لهم.

اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين

حركة احرار البحرين الاسلامية
15 ديسمبر 2006

Show More

Related Articles

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

Close