Bahrain Freedom Movement

أيها الفارس المترجل، لم يحن وقت الرحيل، فقعقعة الخيل والرجال لم تتوقف، والميدان الذي ما برحت تصول فيه وتجول، ينتظر فارسه المغوار، ليعيد التوازن الى الكفة المائلة، لانه لا يرضى لكفة الحق ان تميل الا علوا. قد ينكفيء غيرك، اما انت فثابت كالطود، صامد كالجبل، تميل الراسيات ولا تميل. قضيت شبابك في مجالس العلم، تزاحم العلماء بركبتيك، وتستمع الى اقوال العظماء من الرجال، فغرفت من معينهم ما أعانك على وعثاء السفر.

وهل يصدى من غرفت يراعه من نبع الشهيد الصدر؟ أصبحت بعد حين عالما بارعا، وسجلت افكارك في كتب عديدة بقيت مرجعا للأجيال التي تربت على يديك، تنهل منها أنى شاءت، وتقرأ فيها معالم الطريق الطويل نحو الوعي والحرية. لم تعرف مداهنة الظالمين قط، بل وقفت مع ابناء شعبك المظلومين، تشد أزرهم وتقودهم على طريق العزة والكرامة. ويوم ان عز القادة في زمن الطغيان والسجن والتعذيب ايام الانتفاضة المباركة، كنت انت هناك، تحضر جنائز الشهداء، تؤم المصلين على جسد هاني الوسطي وهاني خميس، وحميد قاسم وسواهم. لم يرعبك جند الطغيان ولا جلاوزة السلطان، بل كنت في مقدمة المجاهدين تتفوه بكلمة الحق بوجه السلطان الجائر، ولا تخشى في الله لومة لائم. كان أبناؤك وبناتك وذووك يرزحون في غياهب السجون، محتسبين صابرين راضين بقضاء الله، فما قيمة الحياة ان لم تكن جهادا ونضالا وفتوة ونزالا؟
يا أبا جميل: منذ ان انفتح قلبك على الله لم تخش سواه، فكنت في طليعة الركب دائما، لم تتخلف عن موقف مطلوب منك قط، ولم تتذرع بالمرض او اللامبالاة. ولم تبحث عن مال او جاه او منصب، وكل ما كنت تبتغيه ان تنال رضا ربك، مدافعا عن المحرومين، واماما للمتقين. قبل عشرين عاما كنت مستهدفا من قبلهم، فوقفوا بوجهك، وانتقموا منك بالابعاد عن موقع القضاء عندما اعتقل نجلك الاكبر في ذروة الحقبة السوداء. كانوا، كعادتهم، يساومونك على الموقف ويأملون ان يحصلوا منك تنازلا ليوفروا لحكمهم شرعية دينية ووطنية، ولكنهم فشلوا في ذلك، فوقفت على مسافة منهم، ورأيت عظمة موقفك ان تصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه. فما قيمة المرء الا بعمله وموقفه وشهادته. قليلون هم من يقفون موقف الشهادة على صراع الحق والباطل، والأقل منهم من يتقدم الصفوف دفاعا عن الحق وردعا للظلم. والكثيرون مستعدون لتقديم شهادة الزور ومعاشرة الظالمين، وارتياد مجالسهم، تلك المجالس التي لا يرتادها الا الشياطين، والتي يخشى الامام السجاد عليه السلام ان يحل عليه غضب لو ارتادها: “او لعلك آلف مجالس البطالين، فبيني وبينهم خليتني”. مثلك لا يرتاد مجالسهم، فأنت سليل الطاهرين الذين لم يدنسوا تاريخهم ولم يشعر يوما بضعف الحق عن مقارعة الباطل. ضعفك الجسدي لم يمنع روحك الكبيرة من التطلع للتغيير الضروري لاصلاح اوضاع الناس،
واذا كانت النفوس كبارا                            عجزت عن مرامها الاجسام
المشكلة الكبرى تفرض نفسها عندما تعجز النفس، فيتضاءل عطاؤها وتتجه لقبول الواقع بدون تغيير او تطوير. اما انت فكنت، برغم تداعي صحتك وآلام جسدك، تتطلع الى التغيير المنشود بلا خوف او جزع، بل بالعمل المتواصل والتوكل على الله المقتدر الجبار.
لم يكن غريبا اذن، وأنت أنت قائد جيل الصحوة والانتفاضة، ان تخرج البلاد لتشيع جسدك الطاهر، آلافا جاؤوا من كل حدب وصوب، معبرين عن حزنهم وإجلالهم لشخصك الكريم الذي جسد رسالة الاسلام في منطلقاتها واساليب عملها وثباتها، ورفض مجاراة الاشرار. اما سجانوك، فيذكر التاريخ كيف انتهوا يبابا، فلم تذرف عليهم دمعة عين، ولم يشيعهم قلب، بل هرع اهلوهم بهم الى التراب. فأين السيل البشري الذي لا حدود له من النفر القليلين الذين أسرعوا بسجانك الى مثواه، للتخلص منه ومن اعبائه. خالد أنت بروحك وفكرك، وعظيم أنت بارادتك وموقفك، وتاج أنت على رؤوس طلاب الحرية ومريدي العدالة والباحثين عن الحقيقة بدون رياء او مجاملة. تعلمنا منك كيف ننهض من بعد الضعف، ونرتقي بعد الهبوط، ونشري ما عند الله من خير ورضى، ونبحث عما يرضيه من سلوك وموقف، ونتطلع لما عنده من عطاء وبركة.
حططت رحلك بيننا هنيئة فاذا بك مرتحل الى غير رجعة. فالى أين انت صائر وارضك تبحث عنك قائدا، بعد ان شح القادة الميدانيون المتمرسون على الطعان والمنازلة. ومتى اللقاء بعد ان تفترق الاجساد، وهل ثمة فرصة للقاء الروح ولو في المنام؟ شخصك الكريم اذا أطل ملأ الدنيا بهاء وسناء، وقلبك حين يخفق تتداعى له قلوب الامهات الثاكلات مناجاة خفية تشاطره الصعود الروحي الذي لا يدانيه صعود. وروحك حين تتكلم بالشهادة والفداء، يتردد ذلك في أطلال الحمى، تلبيه أفئدة الأبطال الذين آلوا على أنفسهم ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم. تتحرك شفتاك بالنداء لمواجهة الظالمين فاذا بالجموع تتحفز غيرة لدينها وكرامتها، وتكرر هتافاتها ضدهم، غير آبهة بارهابهم. وهكذا اهتزت عروش الطغاة، فانتقموا منك ايما انتقام. ولكن أليس الله لهم بالمرصاد؟ لقد سعوا لكسر شوكتك، لعلمهم انك الأسد الهصور الذي لا يخشى في الله لومة لائم، ولكن ارادتك حطمت كبرياءهم، فاذا هم خاسرون.
كنت هنا، ورحلت الى هناك، ولكنك ما تزال هنا. أنت هناك بجسدك مع الانبياء والشهداء  والصالحين، في الحضرة الالهية التي لا يحضرها الا عمالقة البشر، ولكنك ايضا هنا بروحك وفكرك، تتحرك بين الصفوف وتتمرد على الموت، وتأبى الا ان تتعبد بمعارضة الظلمة والفاسدين ولاعقي دماء البشر. أنت هناك مع محمد وأهل بيته، وأنت هنا مع هذا الشعب الممتحن، فما أسعدك في الدارين، وما أشقى أعداءك، أعداء الشعب والآمة، وما أتعسهم وهم يعتقلون الاحرار، وينكلون بالابرياء، ويعتدون على الحرمات والكرامات. أحدق في عينيك فأرى سيماء البطولة والايمان، ويأخذني الخيال الى مشاهد البطولات الخالدة. ها هو أبو ذر يودعه علي قائلا له: خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك: وها هو عبد الله بن جبير يتحدى الحجاج ويدعو عليه: ” ‘اللهم اقصم أجله، ولا تسلطه علي أحد يقتله من بعدي’ وصعدت دعوة سعيد إلي السماء، فلقيت قبولا واستجابة من الله الواحد القهار، فكانت نهاية الطاغية.
طوبى لك يا أبا جميل، فما أفجعنا بك، وما أحسن ثوابك عند الله، وما أتعس الاشقياء الظالمين، عهدا لك ان نسير على هداك ودربك، وان لا نستسلم للاعداء، وان لا نقر دستورهم الذي قلت عنه انه ليس الدستور الذي ناضلنا من اجله. مرحى لك وروحك تحلق في عالم الملكوت الأعلى، وجسدك يستفر في الحضرة الالهية، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
حركة احرار البحرين الاسلامية
19 ديسمبر 2006