Archive
Bahrain Freedom Movement
خرج الامام الحسين عليه السلام من مكة مهاجرا الى الله ورسوله “ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت، فقد وقع أجره على الله”، رافضا الانصياع للأمر الواقع الذي كان الطاغية يسعى لفرضه على الامة، وأعلن كلمته الشهيرة “اني لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا ظالما ولا مفسدا، وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد ان آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر”.
الخروج الحسيني كان تمردا على النظام الأموي، ورفضا له، وإعلانا عن مواجهته. كان ذلك الخروج قرارا حرا اتخذه حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في الوقت الذي انقسمت فيه النخبة المسلمة الى اتجاهات عدة: فأغلبها مستسلم للنظام الوراثي الاستبدادي، وبعضها اتخذ منحى تعبديا ولاذ بالزوايا وابتعد عن المجتمع وهمومه، والقليل منها قرر التصدي للظلم والاستبداد والانحراف.
نحيي ذكرى شهداء كربلاء، فنقرأ في ما فعلوه قصة نادرة من البطولات والتضحيات، تربطنا بمفاهيم اسلامية راسخة. في مقدمة هذه المفاهيم، الشهادة التي تدفع صاحبها للتضحية بنفسه والموت في سبيل مبدئه. وما أكثر الكتابات حول مفهوم الشهادة التي قدم الحسين عليه السلام أوضح تجلياتها، عندما تقدم نحو الاستشهاد راضيا، على طريق الدفاع عن الحق والعدل ودين الله. لقد وجد في تحول الخلافة الى نظام حكم وراثي بدعة لا تستقيم مع مباديء الاسلام ووصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كان يدرك ان عليه ان يتصدى لتلك البدعة “فاذا ظهرت البدع فعلى العالم ان يظهر علمه” لم يكتف الحسين بالتنظير للموقف، بل قرر ان يمارس الشهادة على مستويين: الوقوف مع الحق بعيدا عن الحياد، فهو ليس محايدا في صراع الحق ولا صارع الظالم والمظلوم. والاستشهاد على ذلك الطريق اذا اقتضى الامر. كان حكم يزيد باطلا وظلما، ولم يكن امام الحسين خيار ااتخاذ الموقف الحيادي والا لكان غير وفي للمباديء التي قامت عليها رسالة السماء. كان ينظر الى الوضع فيرى النظام السياسي قمة الباطل والانحراف، وانه لا مجال للاصلاح ما دام الحاكم مستبدا وطاغيا ومنحرفا، وانه لا مجال للصمت ازاءه او مسايرته. وقد سعى الامام عليه السلام لتوضيح مفهوم اساسي فاعتبر ان نظام يزيد هو عين المنكر، وان مسؤوليته تدفعه لمواجهته، فكان يعيب على الصامتين الذين لا يمارسون دورا ايجابيا لتغيير ذلك المنكر: “ألا ترون الى الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهي عنه”. الامام يعرف ان الامم السالفة انما محقت لان أهلها “كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه”. وبهذا الطرح اوضح الامام مفهوم المنكر وانه اوسع من الممارسات الفردية المنحرفة، وانه ما دام نظام الحكم منحرفا فلا مجال لاقامة الحق. كان يدرك ان رفض مسايرة الحكم اليزيدي سوف يؤدي به الى الاستشهاد. فواصل مسيرته عالما بمصيره، ويخطيء من يسعى لاظهار المسيرة الحسينية في غير هذا الاطار الواعي من الرغبة في التغيير، وهو اطار حركي اعتمده السائرون على نهج الحسين عليه السلام، كالامام الخميني والشهيد الصدر رحمهما الله عندما تصديا للظلم والطغيان، فحقق الله على يديهما التغيير المنشود.
العلماء الواعون طرحوا، عبر العصور، الأطر العامة للنهضة الحسينية، وكتب المرحوم الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، كتابه الشهير “الملحمة الحسينية” التي سعى فيها لاعادة تقديم النهضة الحسينية بصورة عصرية فاعلة، وابعادها عما يضعفها او يشوهها كعمل عظيم قام به حفيد رسول الله عليهما افضل الصلاة والسلام. فهو يدعو إلى أن تكون الشعارت شعارات رسالية تختزن في مضمونها المعاني الجليلة لهذه الرسالة العظيمة، وليست شعارات نابعة من عنديات الناس، كأن يرفُع شعار: “يا علي الأكبر يا بني، أين شبابك..” فهذه الشعارات ـ يقول الشهيد ـ هي ليست من الحسين(ع) في شيء، لأن شعاراته من نوع آخر متميز، وذلك من قبيل “ألا ترون أن الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً”(ج2، ص194). ويقول أيضاً: “لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً”. وعليه يمكننا القول إنّ شعارات الحسين(ع)، كانت شعارات إحيائية {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}(ج2، ص194). ومن هنا ـ يقول الشهيد ـ الآن نستطيع أن ندرك معنى إصرار الأئمة عليهم السلام، وتأكيدهم علينا، لضرورة إحياء عاشوراء وتخليدها، ومعنى الثواب والأجر العظيم الذي ينتظر كل من يساهم في عزاء أبي عبد الله (ج2، ص195).
الثورة الحسينية تبدو في حلل مختلفة في الاوضاع المتباينة. فعندما تكون الامة مضطهدة ومحكومة بنظام سياسي مشابه للنظام اليزيدي، يزداد صداها في نفوس الناس لانها تتحدث عن ظلامات مشابهة. وقد شاهد شعبنا دور الثورة الحسينية في اذكاء روح المقاومة المدنية للنظام السياسي القائم على المباديء نفسها التي قام عليها النظام الاموي، خصوصا في الثمانينات والتسعينات. كانت الشعارات تقض مضاجع النظام الخليفي الظالم، فاذا بجلاوزته يتصدون لنشطاء المواكب الحسينية بروح الانتقام، يعقتلونهم وينكلون بهم ايما تنكيل. مع ذلك لم يتمكن الطغاة من اخماد صوت الحق والحرية بل بقي الموكب الحسيني واحدا من أهم مظاهر تحدي نظام الاستبداد الخليفي. واليوم اصبح هذا الموكب يواجه تحديات عديدة: اولها المحاولات الحثيثة لاخضاعه لحالة الصمت العامة التي تسود البلاد، بمنعه من “التدخل في السياسة” وثانيها: التخطيط لاحتوائه مستقبلا من خلال تشريعات جديدة سوف تقرها المجالس الخليفية غير الشرعية، وتفرض على البلاد بالقوة. وثالثها: التغير التدريجي في نمط التفكير لدى بعض القطاعات بما في ذلك مراجعة ما كان يعتبر في الماضي من “الثوابت” ومنها طبيعة العلاقة بين اهل البحرين والطغمة الخليفية ا لحاكمة التي كانت تتسم بالعداء والرفض، ومفهوم النضال الوطني الذي ترسخ عبر عقود من الكفاح والمعاناة، ومفهوم المواطنة والحقوق والتعاقد الاجتماعي والسياسي، والمفاهيم المنطلقة على اسس دينية وايديولوجية حول الحرية والحقوق ومكافحة الظلم والاستبداد. هذه العوامل اصبحت اليوم أضعفت دور الموكب الحسيني في التغيير ومواجهة الظلم والاستبداد، خصوصا مع وجود سياسات رسمية لتطويع الارادة الوطنية وتأميم كافة الفعاليات الاجتماعية والدينية واخضاعها لقوانين تصدرها العائلة الخليفية بشكل متواصل وتفرضها بالقوة السلطوية لدى الدولة. أملنا ان تتصاعد الاصوات المتمردة ضد تحييد الموكب الحسيني في الصراع مع النظام الظالم، والاستفادة منه كمنبر حر لتحريك المشاعر ضد الاستبداد والانحراف ومصادرة الحريات وتغيير التوازن الاجتماعي، والمطالبة باطلاق سراح أسرانا المرتهنين لدى العائلة الخليفية الجائرة. نهيب مجددا بالخطباء والمثقفين والفنانين والرواديد اعلاء الصوت الحسيني لمواجهة النظام اليزيدي الظالم، وتحويل قضية الحسين الى مشروع متواصل للتغيير، فتلك هي رسالة عاشوراء.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
18 يناير 2007