Archive

حركة أحرار البحرين

حسنا فعلت المجموعة الدولية عندما قررت طرد حكومة البحرين من عضوية مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، فقد أعادت بذلك القرار قدرا من التوازن لهذه المؤسسة المهمة. فمن غير المعقول ان يحظى نظام يمارس أبشع أشكال انتهاك حقوق الانسان بعضوية مجلس يفترض ان يمارس التشريع والرقابة في هذه القضية المهمة التي ارتبطت في أذهان البشر بمدى التطور الديمقراطي واحترام الحريات في البلدان المتخلفة.

فعندما حظيت حكومة البحرين العام الماضي بعضوية المجلس بالغت في استغلال ذلك وكرست اسلوب التضليل والتشويش، وأعطت لنفسها الحق في انتهاكات حقوق اهل البحرين التي بلغت حد اعلان حرب مكشوفة على هويتهم وتاريخهم وثقافتهم، بدون حياء او خجل. كان المخططون للنظام الخليفي يعتقدون ان اموال النفط المسروقة من بطون الجياع ستوفر لهم القدرة لشراء مواقف الدول والافراد على المستوى الدولي الى الأبد، ولكن ذلك لم يحدث. صحيح ان العائلة الخليفية تمكنت من شراء بعض الموظفين لدى جهات دولية (حقوقية واعلامية) في مقابل تجاهل ما تمارسه ضد أهل البحرين من جرائم (وفي مقدمتها جريمة الإبادة الثقافية)، ولكن ذلك نجاح محدود ومؤقت. وقد استعاد النشطاء ما حدث قبل عشرة اعوام عندما دفعت العائلة الخليفية مبلغا يتجاوز مائة الف دولار لمؤسسة تشرف عليها احدى خبيرات حقوق الانسان بلجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة آنذاك، في مقابل تصويتها ضد مشروع قرار يدين النظام الخليفي بارتكاب جرائم في مجال حقوق الانسان. كانت تلك الخطوة الفاشلة بداية لسياسة شراء الاشخاص والمواقف على الصعيد الدولي. ويلاحظ هؤلاء الناشطون اليوم ان عددا من الهيئات الدولية تم “تحييدها” بعد استلام مبالغ مالية كبيرة من العائلة الخليفية، وما تزال مؤسسات اعلامية وحقوقية مرموقة تمارس التعتيم على ما يجري في ارض اوال من جرائم على ايدي عصابات آل خليفة خصوصا فرق الموت.

وبطرد النظام الخليفي من عضوية مجلس حقوق الانسان، يشعر هذا النظام الآن انه اصبح في حل من المواثيق والعهود الدولية التي تنظم حقوق الانسان. ولذلك بدأ في الاسابيع الاخيرة بممارسة انماط جديدة من “إرهاب الدولة”، فبدأ بالاعتقالات التعسفية بهدف ادخال الرعب في قلوب ابناء البحرين، وبدأ مسلسل التعذيب مجددا، وسلط كلابه المسعورة على المواطنين للانتقام منهم بسبب استمرارهم في فضح جرائم العائلة الخليفية من تعذيب وسرقات واستلاب الاراضي وابادة المواطنين كثقافة وتاريخ. وعمدت هذه العائلة المجرمة لتوجيه فرق الموت لاغتيال الافراد من اجل ادخال الرعب في نفوس النشطاء، خصوصا بعد ان اتضح ان الوضع المحلي اصبح على فوهة بركان، وان اي تصرف أرعن من قبل الشيخ حمد وجلاوزته يقابله الشعب بردة فعل غاضبة تكشف للعالم مدى كراهية اهل البحرين لهذه العائلة المحتلة ونظامها السياسي. لقد أصبح الحاكم التنفيذي للبلاد اليوم شخص طائفي مقيت، اسمه خالد بن أحمد آل خليفة، وزير شؤون الديوان الملكي، الذي اشتهر بقصائده التي يشتم فيها اهل البحرين بنفس طائفي بغيض. ومنذ الغاء دستور البلاد الشرعي، اصبح هذا الشخص يحكم البلاد من خلال الوزراء الذين يعينهم بمجلس الوزراء، وذلك في اطار تفاهم غير معلن بين الشيخ حمد وعمه، خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، يقضي ببقاء خليفة في منصبه كرمز بلا سلطة، في الوقت الذي اصبحت شؤون البلاد تدار من قبل الديوان الملكي ووزيره. انها ثنائية بغيضة غير مرشحة للاستمرار طويلا، فرضتها الظروف وحاجة الطرفين للتعايش ضمن صيغة توافقية تناسب كلا منهما.

نظام الحكم الخليفي في صيغته الجديدة يقوم على  اساس تكريس ظاهرة “الخلفنة” بشكل غير مسبوق. فقد خصص الشيخ حمد نصف المناصب الوزارية لأفراد من آل خليفة، في خطوة تنطوي على الكثير من تحدي أهل البحرين (شيعة وسنة)، وتدفع الوضع الى مستويات هابطة من الاستغلال السياسي والانتهازية الطائفية غير مسبوقين في تاريخ المنطقة. فالبلاد تدار من قبل شخص طائفي ممقوت، خوله الحاكم صلاحيات مطلقة تتضمن سلطة التشريع (اصدر ديوان الشيخ حمد قوانين قمعية عديدة من بينها قانون الجمعيات وقانون الصحافة، وقانون التجمعات، وقانون الارهاب، وأخيرا، منع استجواب أحمد عطية الله آل خليفة)، وسلطة التنفيذ (اغلب اعضاء مجلس الوزراء معينون من قبل الديوان الملكي، وسلطة القضاء (وقد تجلى ذلك واضحا في قضية محاكمة الاساتذة الثلاثة مؤخرا، اذ أصدر قرار المحاكمة، ثم ألغى المحاكمة عندما انتفض اهل البحرين ضد العائلة الخليفية احتجاجا على ذلك القرار). البحرين اذن تعيش وضعا خاصا لا مثيل له في المنطقة، يتلخص بوجود عصابة اجرامية  تسرق اموال البلاد واراضيها وتفرض دستورها وقوانينها على المواطنين بالقوة، وتشكل حكومة يهيمن عليها افراد العائلة الخليفية، ويتم تأميم كافة وسائل الاعلام، وتفتح جنسية البلاد لمن يريد الحاكم بعيدا عن اي سند قانوني، ويمارس الاغتيال السياسي من قبل فرق الموت الذين يستلمون الاوامر من القصر الملكي،  ويتم رهن البلاد للقوى الكبرى في مقابل توفير الدعم الامني والعسكري للعائلة الحاكمة. انها جريمة العصر من الدرجة الاولى، فهي تقضي على الضحية بالسم الخفي، بدون ان يراق دمه على الارض بشكل يؤدي الى التقزز المكشوف. يتم ذلك في ظل صمت  اعلامي مطبق، اشتريت فيه الاقلام والضمائر والمواقف، واغتصبت فيه الكلمة حتى اصبحت تنضح بالخزي، بدون ان تعي أغلبية المواطنين حقيقة ما يجري.

ان شعب البحرين، وهو يواجه هذا الواقع، يقف اليوم حائرا مما يحاك له، بين سلطة حاقدة ضده وضد ما يمثله من بعد انساني وتراث ثقافي، وقيادات ما تزال تسعى لاستيعاب المشروع الاجرامي الذي يصعب على الكثيرين استيعابه نظرا لتعقيداته وتداخلاته. انه مشروع يفوق ما يمكن ان تتمخض عنه عقلية الاحتلال الخليفية، ويتصل في منطلقاته واساليب تنفيذه، باجهزة دول كبرى دخلت بقوة على الخط وعملت بشكل مكثف على مدى  ثلاثة اعوام (ما بين وفاة الحاكم السابق في 1999 الذي استلم ابنه الحاكم الحالي مقاليد الحكم بعده، واعلان اول اجراء عملي يكشف هوية المشروع وذلك في 14 فبراير 2002). لم يكن المشروع، على مستوى التخطيط والتنفيذ والاخراج، من صنع عقلية الاحتلال الخليفية، فهي عقلية عاجزة عن التفكير والتخطيط، بل صاغته أيد أجنبية تمتلك من الخبرات ما يمكنها من طرح ما تم طرحه، واستغفال المواطنين والقيادات بالشكل الذي حدث. نعيش اليوم في اجواء هذا المشروع، لنرى مصاديقه جلية في تصرفات العائلة الخليفية ازاء المواطنين، ولنرى ان من بين الايدي التي تستعملها لضرب المعارضين عناصر كانت في الفترة السابقة محسوبة على المعارضة، ولكن تم تحييدها بالمناصب والوجاهات والاموال. انها عودة للقصص الكلاسيكية التي مارسها الطغاة والديكتاتوريون عبر العصور لضرب مناوئيهم، وذلك بالبحث عن العناصر الرخوة لاستمالتها واستغلالها في ضرب المعارضة والنشطاء.

ولكن هل سينجح هذا المشروع الخليفي الخبيث؟ ثمة مؤشرات عديدة تفيد بانه ربما وصل الى نهاية الشوط، وانه بدأ بالتراجع والانكماش. فبعد اعلان انتهاء فترة عمل مجلس الشورى (الذي يعين الشيخ حمد نصف اعضائه)، عبر بعض اعضائه عن خيبة املهم وان فصل الانعقاد السابق لم يحقق اي انجاز على مستوى التشريع. وكان واضحا من خلال التطورات في الشهور الاخيرة، كما ذكرنا، ان التشريع سلطة خاصة بالقصر الملكي، وان خالد بن أحمد آل خليفة يسيطر على اكثر من نصف الاعضاء المنتخبين لمجلس الشورى، بالاضافة الى جميع الاعضاء المعينين، ولذلك استطاع افشال اي مشروع برغبة لا يتناسب مع الخطط الخليفية ومصالح الشيخ حمد وعصابته. وربما استغرب البعض من عدم التمكن من مساءلة الوزير المعني بالمخطط الاجرامي ضد شعب البحرين، أحمد عطية الله آل خليفة، ولكن ذلك أمر متوقع، اذ يستحيل ان يسمح النظام بالتعرض للعناصر الاساسية في المشروع السياسي الهادف للقضاء على هوية اهل البحرين (شيعة وسنة). فكما أصدر الشيخ حمد في 2002 قانون حماية المعذبين، وحمى به العناصر الفاعلة في مشروعه وفي مقدمتهم عبد العزيز عطية الله آل خليفة وخالد المعاودة وخالد الوزان وعدنان الظاعن وسواهم من مرتكبي جرائم التعذيب، فقد منع هذه المرة، بشكل وقح ومكشوف، التعرض لأحمد عطية الله آل خليفة، لان ذلك التعرض قد يؤدي بالخيوط الى القصر الملكي ومن يديره. لقد اتضحت الآن خفايا مشروع الشيخ حمد الذي وصفناه بالتخريبي منذ اليوم الاول لطرحه قبل اكثر من ستة اعوام، وبذلك آن الاوان للمطالبة بسقوط هذا النظام العفن، واستبداله بآخر يختاره أهل البحرين بشكل حر، خصوصا بعد ان مزق الشيخ حمد الوثيقة الوحيدة المترتبة على استقلال البلاد، ولم يعد هناك مصدر لشرعية الحكم الخليفي. فليكن هذا هو المنطلق، والله هو الناصر والمعين

اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين

حركة احرار البحرين الاسلامية
1 يونيو 2007

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق