Archive

Bahrain Freedom Movement

والعجب أن البعض يتكلم عن كسر القانون، وكأننا نعيش في بلد يطبّق فيه القانون العادل على الجميع بلا استثناء، وأنَّ هؤلاء الفتيان وهذه المجموعة فقط هي من كسرت القانون العادل المُطبَّق في حق الجميع؛ فلا نجوِّز لأحدٍ أن يقوم بكسر القانون! فأي قانون تتكلمون عنه؟ هل هو القانون الذي جوّز لكم سرقة البلاد؟

خطبة الجمعة الثانية (السياسية)
لسماحة العلامة الشيخ عبد الجليل المقداد
(حفظه الله تعالى)
بجامع الحياك بالمحرق
بتاريخ 24/12/1428هـ
الموافق لـ: 4/1/2008م

بسم الله الرحمن الرحيم

مجموعة من الأحداث والأزمات التي مرّت بها البلد، وهناك بعض المستجدّات رأيتُ تناولها في هذه الخطبة.
الموضوع الأول: هو التجاوزات المستمرة الوحشية لرجال الأمن ضد العزّل والأبرياء، وحجّتهم في ذلك أننا نتعامل مع تجمّع وتجمهرٍ مخالف للقانون، ويتباكون على القانون.
لو أردنا أن نناقش هذه المسألة مناقشة موضوعية، وسلّمنا ـ جدلاً ـ أن هناك مخالفات وتجاوزات للقانون، فهل يحق لك أن تخالف القانون بحجة الوقوف في وجه مَنْ يخالف القانون؟
دعونا نتحاكم بلسان المنطق وبلسان العقل. إذا كان هناك ـ كما تقولون ـ مَنْ خالف القانون وتجمَّع وتجمهّر. ما هي الأساليب التي وضعها قانونُكم في مواجهة مَن يخالف القانون؟
هل قانونكم يجوِّز لكم أن تداهموا بيوت الأبرياء وأن تتعدّوا على الحرمات؟
هل قانونكم يجوِّز لكم أن تُمطروا الأبرياء، والعزَّل بوابلٍ من الغازات المسيلة للدموع، وبالرصاص المطّاطي الذي قد يأتي على الإنسان، والذي قد يؤدّي إلى هلاكه أو إلى إعاقته؟ فأي قانونٍ تتكلمون عنه؟ هذا أولاً.
والعجب أن البعض يتكلم عن كسر القانون، وكأننا نعيش في بلد يطبّق فيه القانون العادل على الجميع بلا استثناء، وأنَّ هؤلاء الفتيان وهذه المجموعة فقط هي من كسرت القانون العادل المُطبَّق في حق الجميع؛ فلا نجوِّز لأحدٍ أن يقوم بكسر القانون!
فأي قانون تتكلمون عنه؟ هل هو القانون الذي جوّز لكم سرقة البلاد؟
القانون الذي جوَّز لكم أن تضعوا أيدكم على خيرات هذا البلد؟ القانون الذي جوَّز لكم أن تُطلقوا أيدي سفهاءكم لتقوم بضرب النساء ودفعها؟ فعن أي قانون تتكلمون؟
وهل ترون أنكم تتعاملون مع شعب ساذجٍ لا يعرفكم ولا يعرف أساليبكم؟
لقد اختبرناكم، وجرّبناكم، ونعرف أساليبكم، وما انطوت عليه نفوسكم، فإن كان عندكم كلام آخر تفضّلوا به، أما هذا الكلام وهذه البضاعة التي ما عاد لها أثر ولا قيمة فبيعوه على من يسوِّق لكم هذا الكلام.
أما نحن فعلى بصيرة. وإذا كنتم تتكلمون على القانون فينبغي أن تطبِّقوه على أنفسكم أولاً، وتوقفوا أولئك السفهاء عند حدّهم، وتوقفوا أيدي رجال الأمن من أن تتلاعب بأمن هذا البلد وبحرماته كما تشاء.
دعوة لتشكيل لجنة تحقيق تنظر في تجاوزات وزارة الداخلية:
وفي هذا الصدد أقول:
ينبغي أن يُفتح باب التحقيق، وأن تُشكل لجنة تحقيقٍ للنظر في التجاوزات التي تقوم بها وزارة الداخلية، والمسؤول الأول هو وزيرها. ينبغي أن تُشكّل لجنة تحقيق من خلال أفراد أمناء من أهل النزاهة والدين وممن يخاف الله (سبحانه وتعالى)، لا من أولئك الذين يقدّمون رضا المخلوق على رضا الخالق بحفنة من الدراهم والدنانير.
ينبغي تشكيل هذه اللجنة والإصرار على تشكيلها؛ لأنها ليست هذه هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة في تجاوزات هذه الوزارة، وطالما تجاوزت وتجاوزت، وتتجاوز خلال عقود من الزمن وإني لأستغرب، ولي سؤال في نفسي وليتني أجد له جواباً:
يا وزير: هل اعترفتم على أنفسكم في يوم من الأيام بالخطأ؟
هتكتم الحرمات، قتلتم الأبرياء، نهبتم الأموال، فهل اعترفتم في يوم من الأيام وهل سجّلتم على أنفسكم في يوم الأيام أنكم أخطأتم، وأنكم تجاوزتم؟ هل في يوم من الأيام كان القانون يقف في وجهكم؟
ما هذا القانون الأعمى الذي لا يراكم و يرى غيركم فقط ويلاحقه؟!! فالقانون دائماً يكون في صفكم! دائماً أنتم مع القانون والقانون معكم! نصرُّ على أن تشكّل لجنة تحقيق، وإن كان هذا الكلام إنما نقوله من باب أداء الأمانة والمسؤولية، فمن هو الذي يُشكل لجنة تحقيق؟
ولكن مع ذلك نقول ـ أداء للمسؤولية والأمانة ـ يجب أن تشكل لجنة تحقيق للبحث في تجاوزات هذه الوزارة متمثلة في وزيرها، وفي الضبّاط من الصف الأول، ومَنْ يليهم مِن الرُتب، ممن يتجاوزون ويهدِّدون أمن هذا البلد.
الموضوع الثاني: يوم الشهداء:
هناك جدل دائر في تغيير هذا اليوم من شهر ديسمبر إلى شهر آخر، أو يوم آخر من أيام السنة. ولكني أقول: هل مشكلة هذا البلد سوف تنتهي بتغيير يوم؟
لماذا تعالجون المسبّبَّات وتغفلون عن الأسباب التي أوجدتها؟ ما لم ترفعوا تلك الأسباب لا فائدة في نقل يوم من شهر إلى شهر آخر، أو إلى يوم آخر، ولن يستطيع ذلك أن يحلّ المشكلة.
يوم الشهداء جاء نتيجة ظلم واضطهاد وتعسُّف وخرقٍ للقوانين والمواثيق والعهود، فينبغي أن تُصلحوا الخلل، وأن تقوموا بالنظر في تلك الأسباب. هذا أولاً.
والعجب من البعض أن يأتي متغافلاً لكثيرٍ من الأمور التي تسبب إزعاجاً لهذا الشعب، ولهذا البلد فيتغافل عنها ويأتي فيطرح لنا هذه المسألة وهي تبديل يوم الشهداء.
هل أنَّ البلد لا يعيش مآسٍ ولا أزمات إلا هذه الأزمة؟
يا أئمة جماعة، ويا أئمة جمعة ـ ممن تصرّون على هذا الطرح ـ: ما لكم لا تتكلمون على التجنيس السياسي؟
ما لكم لا تتكلمون عن السلب والنهب في ثروات هذا البلد؟ ما لكم لا تتكلمون عن الإستبداد والتمييز؟ هل أصبحت أوضاع البلد مرتّبة وعلى أحسن ما يكون ولا نعيش خللاً إلا في إحياء هذه الذكرى في هذا الشهر، أو في ذاك الشهر؟
لماذا كلما رأيتم قضية تسبّب إزعاجاً لهذا النظام ثارت ثائرتكم وألبّ كبيركم صغيركم؟ وعالمكم جاهلكم؟ ووقفتم؟ فلماذا لا تتكلمون عن الأمور التي تسبّب إزعاجاً لنا؟!
الموضوع الثالث: العريضة المطالبة باستقالة رئيس الوزراء:
وهو الموضوع الأهم وهو ما يرتبط بالعريضة الشعبية والتي يُتوقع أن تُطرح، والتي تُطالب باستقالة أو بتنحية رئيس الوزراء (1) .
ما هي مبررات هذه العريضة؟ فهل هذه العريضة لها مبررات أم لا؟
بدايةً، هذه العريضة تمثّل مطلباً حضارياً، سلمياً طالماً توسّل به أهل الحضارة والمدنية والعقلاء للوصول إلى مطالبهم، وليس فيها تجاوز لقوانين وأنظمة متّبعة، وهي أيضاً مقتضى الديمقراطية، ومقتضى مبدأ المساواة بين أفراد المجتمع وتكافؤ الفرص.
الرجل بقى في هذا المنصب أكثر من ثلاثة عقود! فهل عقمت أرحام النساء في هذا البلد من أن تلد رجالات لهم القدرة على أن يتسنّموا هذا المنصب؟
هل لا توجد في هذا البلد طاقات؟ هل لا توجد في هذا البلد رجالات؟ فلماذا يُحتكر هذا المنصب في هذا الرجل؟!
العريضة تمتلك مبرّرات موضوعية، وليس فيها تجاوز لقانون. وأيضاً البلد وطيلة تلك الفترة التي كان يرأس فيها هذا الرجل الحكومة مرّت بأزمات وأزمات كثيرة جداً، نحمِّله الجزء الأكبر من تلك الأزمات وهو المسؤول عنها. وقد تأتي شخصية أخرى وطنية يتم التوافق عليها وتضع البلد في المسار الصحيح الذي تقلُّ فيه الطائفية، ويقلّ فيه التميييز والإستبداد؛ فهذا حق مشروع لهذا الشعب وليس فيها تجاوز لقانون أو أنظمة.
قد تسأل وتقول: هل ستحقق هذه العريضة نتيجة؟
أقول: هي تصبُّ في الإتجاه الصحيح. وإذا اجتمع معها أساليب سلمية أخرى نتوقع أن تحقق نتيجة وأن تصل إلى الهدف المطلوب. إضافة إلى أننا ( لا أقصد نفسي فقط وإنما أعني جميع مَنْ يقوم بهذا التحرّك وهم كثيرون ) إنما نقوم بهذا الأمر أداءً للمسؤولية، وتسجيلاً لموقفٍ من هذا الرجل الذي نتحفّظ على سياسته التي اتبعها، بل ونعترض عليها، بل ونعتبره أنه هو المسؤول الأول عن كثير من الأزمات التي مرَّ بها هذا البلد.
هناك مَن لا يرتئي مثل هذه العرائض. أقول هذا من حقه. ولا يحق لأحد أن يصادر فكر الآخرين ولا رأيهم فمن حقِ أي إنسان أن يقول: إنني لا أرتئي مثل هذه العرائض. ولكن رجاءُنا ممن لا يرتئي هذه العريضة أن يقف منها الموقف المسؤول الذي يمليه الدين والوجدان والضمير وهذا أيضاً من حقنا تجاه كل مَن يخالف هذه العريضة.
ولا ينبغي توظيف الدين توظيفاً خاطئاً تجاه هذه العريضة. و للآخرين أن يرتئوا ما يرون، وهذا من حقهم ولا يسوغ لنا أن نسلبهم هذا الحق، بل هو من القبيح أن تصادر حق الآخرين ولكن أيضاً ليس من الصحيح حشد قيم الدين وتوظيفها توظيفاً سيئاً، وليس من الصحيح تأليب الناس على هذه العريضة.
نسأل الله (سبحانه وتعالى) أن تؤتي هذه العريضة ثمارها. وأن نُحقِّق هدفاً طالماً سعى هذا الشعب من أجل تحقيقه.
نسأل الله (سبحانه وتعالى) لنا ولإخواننا المؤمنين التوفيق. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم اجمع كلمتنا على التقوى، اللهم ألِّف بين قلوبنا، اللهم انصرنا على من ظلمنا، اللهم خُذ بأيدينا لما تُحب وترضى، اللهم لا تخرجنا من هذه الدنيا حتى ترضى عنا واجعل عواقب أمورنا إلى خير.
(( بسم الله الرحمن الرحيم * إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ))، الكوثر/1-3). صدق الله العلي العظيم.
(( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) النحل/90. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين.

ــــــــــــــ
(1) هنا انطلقت هتافات : الله أكبر، النصر للإسلام.

Show More

Related Articles

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

Close