Archive
Bahrain Freedom Movement
خليفة بن سلمان في مهب الريح
عباس ميرزا المرشد
“سيكون من السهل منذ الآن الطعن في سياسية رئيس الوزراء
و سيكون من اللائق جدا، بل و من المناسب،
أن تبادر الجمعيات السياسية إلى تقوية العريضة الشعبية
المطروحة داخل الأوساط الشعبية، و دعمها ولو بشكل
غير رسمي، على أقل تقدير، كما ستكون فرصة لكثير
من الشخصيات السياسية المستقلة أن تعلن دعمها وموافقتها
على عريضة تنحية رئيس الوزراء خليفة بن سلمان..”
هي صفعة قوية لم يكن يتوقعها و حاول مرارا التهرب من تلقيها، لكنه هذه المرة بات مقتنعا أن الأمور لا تجرى كما كان يخطط لها قبل شهرين على الأقل. فهي المرة الأولى التي تلجأ فيها العائلة الحاكمة في البحرين إلى إظهار اختلافها و تكشف عن طبيعة الصراعات بين أجنحتها المتضاربة. القاعدة التي ظلت تحكم سير الخلافات داخل العائلة الحاكمة أن يقوم مجلس العائلة الحاكمة بحلها و وضع طرق تسوية لها في إطار صارم من السرية و الإخفاء و عدم إشراك أي غريب فيها. هذه القاعدة بدأت بالتكسر عندما باشر الديوان الملكي بنشر رسائل متبادلة بين الملك حمد و أبنه ولي العهد سلمان يشتكي فيها الأخير من عدم التجاوب و المماطلة من قبل عم والده رئيس الوزراء خليفة بن سلمان. و ذلك بعد أن صرح ولي العهد بأنه في صدد تقديم شكوى ضد بعض أعمال الحكومة إلى ملك البلاد. الرد الملكي و إن كان دبلوماسيا و حاول تحاشي تسمية الأشياء كما هي عبارات ولي العهد، حيث وصف الرد الملكي الشكوى بالروتين إلا أن تجاوب الملك الصريح مع أبنه كان أوسع من توقعات رئيس الوزراء الذي يصر في أحاديثه الخاصة و بشكل متكرر على أن حكم البحرين هو وراثة ورثها عن أبيه الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة و شاركه في ذلك أخيه عيسى بن سلمان.
كان الغالب في تسويات الصراع أن يتم تقاسم النفوذ و الوزارات أو المناصب العليا في الدولة، إلا أن هذه التسويات التقليدية لم تعد كافية كما يبدو في لجم الطموح و الرغبة في الاقتناء خصوصا مع تشابك أفراد الدرجة الأولى، وتكاثر تعدادهم بما لا يسمح للوزارات و المناصب العليا باستيعاب الجميع مثل ما كان الأمر في السابق. ما يشكل مخرجا من هذه الأزمة هو البحث عن مناطق نفوذ جديدة تتلاءم و سعة إيرادات الدولة و كثر خيراتها، مقابل ضيق الأجهزة الحكومية الحالية، فقد تم ابتكار مناصب جديدة كالمؤسسات الملكية و العائلية و إنشاء هيئات حكومية جديدة ، إضافة إلى استحداث مناصب غير معروفة مثل وزير الدولة لكل وزارة أو ما يطلق عليه منصب برتبة وزير يمكن من خلالها للأفراد الجدد من العائلة الحاكمة مراكمة الثروة و الاستفادة من العطايا و الهبات من خلالها. المنفذ الثاني الجديد لتسوية الصراعات على الثروة و السلطة هو الاستثمار في القطاع الاقتصادي و إنشاء شركات تمويلية و عقارية تمول أساسا من مدخرات الحكومة و توكل مهام إداراتها إلى أفراد من العائلة الحاكمة.
أمام هذا الوضع و تحت أحداث متتالية نشرت تلك الرسائل لتعطي رسائل مخيفة أخرى لكثير من الأطراف الداخلية و الدولية. السؤال الذي لم يجب عليه حتى الآن هو لماذا أظهر الديوان الملكي تلك الرسائل ؟ ومن يقف من ورائها ؟ وهل هي مقتصرة على مشكلة المطار و رغبة ولي العهد في ضمه إلى مدخراته أم أن هناك قصة أكبر؟
لقد حاول خليفة بن سلمان في مرات عديدة أن يوجه رسائل صريحة لنواب كتلة الوفاق يبدي فيها سلامة يده من تنظيم سري ، كشف عنه المستشار السابق صلاح البندر بقيادة خالد بن احمد وزير الديوان و يكشف عن عدم ثقته في أحمد عطية الله الذي يشغل منصب وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء بمعية مناصب أخرى مستحدثة أضيفت إليه مؤخرا. و رغم وجود مبررات صراع قديمة بينه و بين بن أخيه الملك حمد أمكن التستر عليها و تسويتها سريا فالخلاف أو الصراع بين الملك حمد و عمه رئيس الوزراء ليس خافيا على أحد و يمتد إلى الفترة التي كان فيها حمد بن عيسى ولي العهد و قائد قوة الدفاع و كثيرا ما كان يعتذر من حضور جلسات مجلس الوزراء لقناعته أنه لا يجب أن يخضع لسلطة أقل من سلطة ولي العهد و قد بعث برسائل عديدة، كشفت عنها الوثائق البريطانية الصادرة حديثا،إلى السفارة البريطانية ، يشتكي فيها تدخلات عمه و يطالب فيها بريطانيا أن تمارس بعض الضغط عليه.
إلا أن تصريحات خليفة بن سلمان الأخيرة بداية ديسمبر إلى صحيفة السياسية الكويتية رفعت درجة الرفض له خصوصا كشفه لمرض الملك و محاولته غير البريئة استثمار ذاك المرض لتقديم نفسه على أنه الأوحد في البلاد و أنه عميد العائلة الحاكمة و أنه مؤسس المشروع الإصلاحي ، الأمر الذي أغضب الملك حمد كثيرا . تزايدت حدة الصراع أيضا عندما حاول ولي العهد سلمان بن حمد تحويل مطار البحرين الدولي إلى شركة تابعة إلى شركته الخاصة ” ممتلكات” و إدارته بالتعاون مع القطاع الخاص بعد أن كان مطار البحرين الدولي يقع تحت سيطرة علي بن خليفة الابن الأكبر لرئيس الوزراء. الذي يبدو أن قيادة التنظيم السري ( خالد بن أحمد، أحمد عطية الله) قد دفعوا بقوة الملك حمد إلى إضعاف موقع رئيس الوزراء من أجل الاستفادة من موقعه و لتنفيذ بعض الأهداف المشبوهة و المتعلقة بالسيطرة على أجهزة الدولة و إحكام قبضتهم على منافذها و يرى البعض في ترقية شقيق وزير الديوان وزير الدفاع السابق بمرسوم ملكي إلى منصب القائد العام لقوة الدفاع و ترقية أحمد عطية الله أيضا مؤشرا على مثل هذا التوجه. و يضيف البعض أن هناك رغبة أمريكية عكستها زيارة الرئيس الأمريكي بوش إلى البحرين مطلع هذا الأسبوع في تنحية رئيس الوزراء و استبداله بولي العهد الشيخ سلمان و يعتقد هذا البعض أن زيارة بوش إلى البحرين كانت تستهدف جانبا اقتصاديا تربح من خلالها الشركات الأمريكية المتحالفة مع الجمهوريين و يمكن لولي العهد أن يتولى مهمة إدارة هذه المرحلة مقابل الحصول على عمولات خيالية لا يجب أن تذهب إلى جناح رئيس الوزراء خليفة بن سلمان . إذ تشير بعض الأطراف إلى نية ولي العهد استهداف ثلاثة وزراء كبار قاوموا تنفيذ خطط سلمان الاقتصادية و حاولوا احتكار الثروة لصالحهم و لصالح رئيس الوزراء .
لقد تلاحمت مصالح الجهات الثلاث ( الملك، خالد بن أحمد، بوش) ضد مطامح رئيس الوزراء خليفة بن سلمان و هي مصالح تكاد تتفق مع مطامح شعبية أخذت في التزايد ضد بقاء خليفة بن سلمان في سدة الحكم. فمنذ بداية الشهر الجاري و حركة حق و جمعية العمل الإسلامي تحشدان الجماهير للتوقيع على عريضة شعبية يزعم رفعها إلى الملك حمد تطالبه بتنحية رئيس الوزراء. و لكي تبدد هذه القوى المعارضة أي توهم أو مخاوف من تقاطع المصالح هذا فقد أدرجت في بنود العريضة فكرة إبعاد العائلة الحاكمة عن هذا المنصب وهو تفكير استراتيجي يتوافق و أهداف المعارضة السياسية بالتداول السلمي للسلطة.
سيكون من السهل منذ الآن الطعن في سياسية رئيس الوزراء و سيكون من اللائق جدا، بل و من المناسب، أن تبادر الجمعيات السياسية إلى تقوية العريضة الشعبية المطروحة داخل الأوساط الشعبية، و دعمها ولو بشكل غير رسمي، على أقل تقدير، كما ستكون فرصة لكثير من الشخصيات السياسية المستقلة أن تعلن دعمها وموافقتها على عريضة تنحية رئيس الوزراء خليفة بن سلمان.