Archive
Bahrain Freedom Movement
غيروا لباسهم و لونه لكنهم لم يغيروا طريقة معاملتهم. هذه هي الصورة التي بدأت عليها قوات الأمن البحرينية قبل أربعة أيام في حفل تخريج أول دفعة من الشرطة العسكرية، يومها قرروا أن يتم تغير لباس الشرطة من اللون الأخضر إلى اللون الكحلي. المتضررون من قوات الأمن لم يتضرروا من لون لباسهم بقدر ما تضرروا من قسوة معاملتهم و لجوؤهم إلى استخدام القوة المفرطة و العنف في تفريق أي تجمع سلمي.و كالعادة ففي مثل هذا الوقت من كل عام (17 ديسمبر) يقوم البحرينيون بعيد الشهداء و عادة ما تجرى مناوشات بين المتظاهرين الذين يطالبون بتحقيق العدالة الانتقالية و تعويض ضحايا التعذيب و الشهداء فترة تطبيق قانون أمن الدولة، وبين قوات الأمن البحرينية المدعوة بقوات من جهاز الأمن الوطني. وطوال أكثر من خمسة أعوام شهدت فيها البحرين مظاهرات و تجمعات سلمية قامت قوات الأمن باستخدام القوة المفرطة و تطبيق نظرية العقاب الجماعي من أجل تفريقها أو الحد من انتشارها. قنابل المسيل الدموع كانت تطلق بغزارة ومن دون أي هدف مبرر و غالبا ما تشهد المناطق اختناقات صحية تصيب الأطفال و كبار السن و تعلو الصيحات مطالبة بضرورة التوقف عن هذا الإجراء غير الإنساني الذي تقوم به قوات الأمن البحرينية و لكن من دون استجابة أو مساءلة من أحد، الأمر الذي تعتبره وزارة الداخلية ضوءا أخضر لضرب وقمع المتظاهرين.وها هي الآن تقطف ثمار غطرستها و قسوتها،فالغازات المسيلة للدموع تسببت في حدوث هبوط حاد في قلب الشاب علي جاسم، الذي عاد إلى بيته وهو مرهق و نعي نفسه أمام أهله الذين حملوه إلى المستشفي الدولي حيث فارق الحياة قبل وصوله. علي جاسم متزوج حديثا و يبلغ من العمر 30 سنة و كان ينتظر مولوده الأول إلا أن قنابل قوات الأمن البحرينية منعته من إتمام فرحته وحرمته هو وعائلته من حقه الإنساني في الحياة.مشاهد التشيع التي رافقت الشباب منذ لحظات وفاته الأولى حملت معها الكثير من التساؤلات و الاتهامات، أغلبها يصب في مصب مسئولية الحكومة المباشرة عن سبب وفاته. فالمشيعون الغاضبون كانوا يرددون ” الموت لآل خليفة” و ” تنحى يا خليفة ” في إشارة واضحة لتحميل رئيس الوزراء المسئولية المباشرة عن مقتل الشاب علي جاسم.مقتل الشاب علي جاسم سيضع أكثر من جهة أمام المحاسبة و المحاكمة الشعبية و سيضيف عنصرا جديدا في طريقة حسم الأمور و التعامل مع الحكومة البحرينية .الجهة الأولى المسئولة هي رئاسة الوزراء ممثلة في شخصها خليفة بن سلمان آل خليفة البالغ 69 عاما الذي يعتقد أنه ما زال الرجل الأقوى في الدولة و أنه الرجل المسئول عن إدارة أمن البحرين و يتحمل مسئولية كافة الإجراءات التي تتخذ في حق المعارضين بما في ذلك أسليب القمع و القتل المباشر وغير المباشر. هذا الاعتقاد تفاخر به رئيس الوزراء البحريني في لقائه الأخير مع صحيفة السياسة الكويتية ، ومن المتوقع أن يتفاخر اليوم بما أنجزته قوات الأمن البحرينية و تسببها في قتل شاب في أحدث مواجهات أمنية. وأمام هذا الاعتراف غير المسبوق لن يكون باستطاعة رئيس الوزراء خليفة بن سلمان أن يتنكر من مسؤولية قتل الشاب علي جاسم.الجهة الثانية التي ستوضع في الحسبان هي وزارة الداخلية، حيث صرح وزير الداخلية البحريني ، وفي معرض إجابته على سؤال نائب كتلة الوفاق في شأن استخدام قوات الأمن غازات محرمة دوليا و يحظر استعمالها، قال إن قوات أمنه لا تستعمل إلا الفلفل المطحون فقط، و لا يشكل أي خطر كما لا يوجد أي مانع من استخدامه. انتهت المساءلة وقتها لتبدأ الحقيقة المرة على واقع كارثة جديدة وهي استشهاد شاب في مقتبل العمر إثر تعرضه لغازات مسيل الدموع الذي أطلق بكثافة و بطريقة غير مبررة مرفقا مع طلقات رصاص مطاطي يحتفظ بها الأطفال و الناس في كثير من الأحيان . وزير الداخلية سيكون في موضع يصعب عليه التبرير لنفسه و لقوات الأمن ، خصوصا في إطار المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة طالب بها بيان جمعية الوفاق التي من المفترض أن لا تكون على غرار لجان التحقيق السابقة التي شكلت في أحداث مشابهة آخرها لجنة التحقيق في مقتل الشاب عباس الشاخوري.
كان بالإمكان أن تكون هذه الحادثة فرصة لبلورة أولويات جديدة و استحقاقات شعبية إلا أن تدخل بعض الأشخاص على خط الحديث عن الشهيد والشهادة قد تسبب في تعكير تلك الفرصة و سيكون من المؤسف جدا أن تجر الساحة إلي تبادل الاتهامات و التخوين بدل التوحيد و المطالبة بتحقيق أطر حماية للناس من بطش قوات الأمن.