Archive
Bahrain Freedom Movement
موسم العاشوراء يحل بعد ايام ليذكرنا بحقائق عديدة، ثابتة على مر العصور: اولها ان ان التاريخ الذي ترسمه دماء الشهداء لا يمحى، ولا تستطيع اية قوة ان تشوش عليه او تغيره او تزيله. ثانيها: ان دم الشهداء ينتصر على سيوف الطغاة دائما، فينتهي عهد الطغيان مهما طال الزمن وامتد عمره. ثالثها ان من استعمل السيف ضد الابرياء انما حفر قبره بيديه، وتلاشى امره وانتهى ذكره، فانما العاقبة للمتقين. رابعها: ان المجتمع الاسلامي انقسم الى فريقين: يزيديين وحسينيين، ولا ثالث لهما، وان من صمت على ظلم يزيد جبنا او خوفا او تصوفا، انما ساهم في دعم المشروع اليزيدي بذلك الصمت.
خامسها: ان الشهداء لا يموتون ابدا، وذلك ما يؤكده القرآن وتثبته حروف التاريخ: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون. ولذلك سيكون موسم العاشوراء هذا العام صاخبا جدا، وساخنا بالشعارات والهتافات ضد الظلم والاستبداد. وستطلق حناجر ابناء البحرين الاحرار، هتافهم الشهير المستمد من ملحمة عاشوراء الخالدة: هيهات منا الذلة. لقد اصبحوا احرارا منذ ان ساروا على درب الحسين وقدموا دماءهم طلبا للحق والعدل والحرية. لقد لبوا نداء الحسين الذي خاطب الاجيال بقولته الخالدة: ان لم يكن لكم دين، فكونوا أحرارا في دنياكم. فرفضوا الاستعباد والخضوع للنظام الخليفي الجائر، وراحوا يتحدونه بأساليبهم الحسينية ضمن مشروع المقاومة المدنية الآخذ في التوسع والامتداد. وشيئا فشيئا اصبح الوضع يزداد استقطابا بين اليزيديين والحسينيين، بين من يقول: هيهات منا الذلة، ومن يسعى لتهدئة الاوضاع بما يخدم الظلم ويجذره، ويقوي شوكته. لقد اثبتت حوادث الشهر الماضي ان الظلم يتعمق، وان روح الانتقام تتأصل لدى رموز الحكم الخليفي المجرم، وان مجال التعايش معه تتقلص بشكل مضطرد.
نستقبل عاشوراء بقلوب موجوعة، بعد ما ألم بشعبنا من مصاب جلل برحيل شهيدنا الغالي، علي جاسم مكي، قتيلا على ايدي طغاة آل خليفة، واعتقال العشرات من ابناء البحرين على ايدي المستوطنين والغزاة، والتنكيل بهم والمساومة على حريتهم. حقا انها قلوب موجوعة، ولكنها مفعمة بالأمل، لان عاشوراء رسالة أمل للعالم، تؤكد حتمية زوال اليزيديين، وارتفاع راية المحمديين محمولة بسواعد الشهداء والمظلومين عبر العصور والازمان.
فقد تقطع يدا العباس، ويمزق جسد علي الأكبر، ويقطع جسد الحسين، ولكن يزيد لا ينتصر ابدا، بل يخزى في الدنيا والآخرة، وتطاله دعوات المظلومين التي لا يحجبها شيء عن رب العزة والجلالة. لقد خط النظام الخليفي قبره بأيدي عناصره، فهو زائل لا محالة، عندما مارس القتل والتعذيب والقمع واستضعف الاحرار، ونكل بأبناء البلاد، واستعمل الاجانب للقمع. وازداد شراسة وارهابا عندما جاء بـ “فدائيي صدام” للاستقواء بهم على اهل البحرين، وحيث فشل اولئك في الدفاع عن سيدهم المقبور، فسوف يعجزون عن حماية النظام الخليفي الخائر. وكما لاحقت دماء شهداء العراق، وفي مقدمتهم الشهيدان الصدر الاول والثاني، وآلاف الشباب، نظام حزب البعث، فان دماء شهداء البحرين، وفي مقدمتهم الشيخ الجمري (الذي سيق اسيرا في مجلس يزيد امام الملأ) والشيخ النتشاس وآخرهم الشهيد علي جاسم مكي، ستلاحق الحثالاث الخليفية في ما هو آت من الايام. صحيح ان هناك من المثبطين والمرجفين والمهزومين من انبرى لخدمة النظام عمليا، ولكن ما اكثر الذين دعموا انظمة الظلم والجور، وما اضعف شوكتهم وأثرهم امام اصرار المجاهدين وصمودهم.
لقد بقي العاشر من المحرم يوما ثابتا في تاريخ البشرية، فذلك هو اليوم الذي سفكت فيه دماء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ايدي نظام يزيد التوارثي البغيض. ولم تستطع انظمة الجور ازالته من الذاكرة او محو آثاره. وكذلك يبقى السابع عشر من ديسمبر محفورا في ذاكرة الوطن، لانه اليوم الذي قررت العائلة الخليفية فيه قتل شباب البحرين في 1994 و 2007. ولقد ازداد رسوخ هذا اليوم في تاريخ البحرين، بعد سقوط الشهيد علي جاسم شهيدا آخر على طريق الحرية والخلاص من هذا النظام الاستبدادي الجائر. ومهما كانت محاولات البعض لالغاء ذلك اليوم، حفاظا على يوم آخر خاص بصعود أحد رموزها الى الحكم، فسيظل السابع عشر من ديسمبر عنوانا لظلامة اهل البحرين وسفك دماء شبابها على ايدي القتلة والسفاحين، خصوصا الديكتاتور المخضرم، خليفة بن سلمان آل خليفة.
ان شعبنا لا يعترف بالسادس عشر من ديسمبر “عيدا وطنيا”، بل انه يوم للاستعباد والاستبداد والظلم، وقد ذاق خلال حكم الشيخ عيسى من الأذى والتنكيل الشيء الكثير، ويكفي ان اكثر من خمسين شهيدا لقوا ربهم مضرجين بالدماء في عهده. وقد طاردته دعوات الامهات الثكالى حتى انتقم الله منه وأخذه اليه لينال جزاءه بشكل مهين. وها هو نجله يسير على دربه، درب القمع والاضطهاد والتنكيل، بل زاد على ابيه في الظلم، فصادر الاراضي البرية والبحرية ووضع يديه على عائدات النفط بدون حساب، ووظف الاجانب، كافراد ومؤسسات اعلامية وحقوقية وشركات علاقات عامة، لمحاصرة ابناء البحرين المناضلين. وزاد على ذلك بارتكاب جريمة التجنيس السياسي التي تهدف لزعزعة الامن الوطني والقضاء على الوشائج المتينة بين ابناء البحرين على اختلاف مذاهبهم واعراقهم. فطاردته، هو الآخر، دعوات المظلومين، حتى اصابه بعضها. ونجح ابناء البحرين بنقل ظلامتهم الى الخارج، فصدرت التقارير تباعا ضد العائلة الخليفية المجرمة، وسيكون موقفها عسيرا عندما تفتح ملفات انتهاكاتها الفظيعة لحقوق الانسان امام مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة، عما قريب.
شعبنا اذن على موعد مع موسم يعمق روح الرفض لكل ما هو انحراف عن الانسانية والاسلام، وكل ما يقوي نظام الحكم التوارثي الاستبدادي. انها مناسبة مقدسة يقف الحسينيون فيها معلنين انتصار الدم على السيف باندحار الظالمين وخزيهم، ومؤكدين سيرهم على خط الثورة الحسينية التي انطلقت للاصلاح، كما جاء على لسان قائدها الامام الشهيد، الحسين بن علي عليه السلام: إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي”. فالمصلحون هم من يسير على خط الحسين، قائلا: ان كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي، يا سيوف خذيني”. انه موسم الشهادة والارادة والصدق مع الله والنفس والناس. لقد صدق الحسينيون في مواقفهم، وتعاهدوا على نصرة المظلوم والتصدي للظالم، وعلى كل منا ان يقرر لنفسه بين ان يكون حسينيا او يزيديا، فهو الخيار ولا سواه. وهكذا قرر علي جاسم ان يكون حسينيا، وكذلك من شيعه وحضر مجلس فاتحته، وقرر احياء اربعينيته، باعلان البراءة من الظالمين، والتمسك بخط الحسينيين.اللهم ارحم شهداءنا الابرار، وفك قيد اسرانا، وتقبل قرابيننا يا رب العالمين