Archive
Bahrain Freedom Movement
من اهم مقومات ثقافة المعارضة في اوساط المجتمع البحراني، الاقتداء بسيرة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. هذه الثقافة ألقت بظلالها على المسيرة السياسية والاجتماعية للأجيال المتعاقبة على مدى اربعة عشر قرنا. فكان كل جيل يقرأ التاريخ وسيرة الائمة عليهم السلام بطريقته الخاصة ولكن ضمن الأطر العامة المتفق عليها من قبل المحققين، وهي أطر تؤكد سمة الرفض المطلق للظلم، وعدم مسايرته، والسعي لتغييره وفق التعليمات التي نص عليها الحديث الشريف: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فان لم يستطع فبلسانه ، وان لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الايمان”.
وكما هو واضح في النص فالرفض القلبي هو اقل ما يمكن ان يلتزم به المسلم الملتزم. هذه الثقافة موضع اتفاق تاريخي عبر الاجيال، ولم يشذ عنها أحد من المعروفين بالالتزام الديني. هذا لا يعني ان “الثورة” كانت طابعا عاما لتلك الاجيال، وانما تعني ان هناك مفاصلة كاملة مع انظمة الظلم والاستبداد، التي تحكم الناس بالظلم وتحارب المؤمنين في عقائدهم وممارساتهم. وهنا يجدر التأكيد على عدد من ثوابت تلك الثقافة، وهي ثوابت تتعرض احيانا للتشكيك من قبل من يجد صعوبة في الالتزام بسيرة العظماء من الائمة والعلماء والمصلحين. ومن هذه الثوابت ما يلي:
1- ان أئمة أهل البيت عليهم السلام لم يقروا الظلم قط، ولم يصالحوه. وكثيرا ما قيل ان للائمة هدفا واحدا واساليب متعددة، يجمعها الرغبة في الاصلاح والتصدي للظلم بالاستنكار والمحاربة وفق ما تسمح به الظروف. ومن الأخطاء الفكرية الشائعة القول بان الامام الحسين عليه السلام “ثار” وان الامام الحسن “صالح”. ومن غير المعقول ان “يصالح” الامام الحسن الحكم الاموي الذي أسس لأكبر انحراف في تاريخ الامة، عندما حول الحكم الاسلامي الى ملك عضوض وطارد المؤمنين ونكل بهم ايما تنكيل. فالامام الحسن حارب معاوية، واضطر لتوقيع هدنة معه تحت ضغط الظروف وتشتت الصف، واستعداد بعض قادته لبيع انفسهم لمعاوية في مقابل المال والمنصب. والقول بان بعض الائمة “ثار” وبعضهم “صالح” يخالف ما يوصف به السائرون على مدرسة اهل البيت عليهم السلام، بانهم يمثلون خط الرفض. فاي رفض لو كان هناك مصاديق لمصالحة الظلم او مسايرته؟ ان القول بوجود خطين متوازيين انتهجهما الائمة عليهم السلام يتعارض بالمفهوم السائد بان اهل البيت واتباعهم يمثلون الخط الرافض للظلم طوال التاريخ. ومن الضروري ان ينبري العلماء والمفكرون لاعادة صياغة ذهنية الاجيال الجديدة وفق خط الظلم، انطلاقا من النهج الذي خطه الأئمة عليهم السلام، وعدم الاسقاط المعكوس لواقع بعض الاطراف على الحقيقة التاريخية القائلة بان الأئمة عليهم السلام لم يقروا ظلما، ولم يصالحوا ظالما قط، وان هناك خطا واحدا يجمعهم جميعا وان اختلفت وسائلهم.
2- ان النص الديني الثابت على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، او أئمة اهل البيت عليهم السلام، ينطبق على الجميع، بمعنى ان ما قاله رسول الله ملزم للأئمة والعلماء وسائر المؤمنين، وما قاله الامام علي كذلك. فالامام الصادق ملتزم بما قاله من سبقه، وقوله ملزم لمن بعده من الائمة. فعندما كتب المنصور الخليفة العباسي إلى الإمام الصادق: لم لا تغشانا كما يغشانا الناس؟ فأجابه الإمام: (ليس لنا ما نخافك من أجله ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنيك، ولا نراها نقمة فنعزيك)، فكتب إليه المنصور: تصحبنا لتنصحنا. فأجابه الإمام: (من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك). فكلام الامام الصادق عليه السلام قانون ملزم لأتباعه جميعا، على مر العصور. وكذلك ما كتبه الإمام زين العابدين عليه السلام إلى محمد بن مسلم الزهري بعد أن حذره عن إعانة الظلمة على ظلمهم: ( أوليس بدعائهم إياك حين دعوك جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم، وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسلما إلى ضلالتهم، داعيا إلى غيهم، سالكا سبيلهم . يدخلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم . فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك”. وكذلك قول الإمام الصادق(ع) في رواية يونس بن يعقوب:«لا تعنهم على بناء مسجد»، فذلك أمر ملزم لمن يسير على نهج الآئمة عليهم السلام، وهي امور لا تخضع للاجتهاد الشخصي. ولا شك ان هناك حالات خاصة جدا، يجتهد الامام فيها مع عدم الاخلال بروح المبدأ العام الذي تحتويه هذه الاحاديث التي هي ثوابت لمن أراد ان يسير على خط الأئمة.
3- ان العمل السياسي المقاوم للظلم يسعى لاختراق اجهزة الظالمين، ولكنه اختراق منظم، يتم بشكل سري بعيدا عن عيون السلطات، بهدف حماية مصالح المؤمنين وقضاء حوائجهم. وكثيرا ما طرحت حالة “علي بن يقطين” للاستدلال بها على جواز الانخراط في العمل ضمن انظمة الحكم الظالمة. وفي ذلك مغالطة كبرى، لان ذلك الشخص قام بدوره ضمن خطة محكمة تهدف لاختراق النظام، وليس تقويته. فكان علي بن يقطين مدير شرطة هارون الرشيد، أليس ذلك اختراقا امنيا كبيرا للنظام؟ وهناك آخرون حققوا اختراقا للنظام السياسي العباسي بفاعلية ومنهم: عبد الله بن سنان بن طريف، ومحمد بن ابي عمير، ومحمد بن اسماعيل بن بزيع، وكان دور كل من هؤلاء محددا وباتفاق خاص وسري مع الائمة عليهم السلام، ولم يكن عملا معلنا يقوي النظام ويضفي عليه الشرعية. اما في البحرين، فقد راينا كيف ان من انخرط في العمل الحكومي، خصوصا الوزراء منهم، ذهبوا الى جنيف ودافعوا عن النظام الخليفي بكل حماس، كما حدث هذا الاسبوع وكما حدث قبل ثلاثة اعوام. هؤلاء قدموا شهادات زور لصالح آل خليفة وضد اهل البحرين. فهل هذا هو هو العمل الهادف لحماية حقوق المؤمنين؟
لا بد من اعادة بناء ثقافة شبابنا ضمن المفاهيم والقيم الاسلامية التي تعلمناها من آل بيت رسول الله، والتصدي لمحاولات تحريف التاريخ والمفاهيم والقيم، والسعي لخلق بلبلة حول مواقف الائمة عليهم السلام الرافضة للظلم والحكم التوارثي المقيت. فتلك مسؤولية العلماء والمثقفين، لمنع الانحراف عن تلك القيم الرفيعة، ومحاصرة حالة الميوعة والانصهار الاخلاقي في بوتقة الحكم الظالم الذي يهدف لابادة الشعب وتاريخه وثقافته. انها حاجة ملحة بعد ان بلغ السيل الزبى، واتضح ان من انخرط في صفوف النظام اصبح يقدم شهادات الزور ضد شعبنا، بوقاحة وصلافة، ووفر على النظام مهمة التصدي للاحرار والمظلومين.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا، يا رب العالمين.