Bahrain Freedom Movement

قرأنا الاعتذار الذي قدمه رئيس وزراء استراليا مؤخرا لمواطني أستراليا الاصليين الذين تعرضوا في السبعين عاما الاولى من القرن الماضي لعملية ابادة منظمة. اعتبر الاعتذار خطوة ايجابية تناقلتها وسائل الاعلام الاسترالية وبثتها الجرائد على الصفحات الاولى. واعتبر توقيت الاعتذار “يوما تاريخيا في حياة استراليا، وبرلمانها، وبشكل اهم، في العلاقات بين السكان الاستراليين الاصليين وغير الاصليين”. ولكن حذرت صحف اخرى من مرور ذلك الاعتذار بدون خطوات عملية مناسبة: “فالحقيقة المرة انه لم يم يشفع ذلك ببرنامج عملي ومتميز، فاناعتذار الامس سيبقى رمزا فارغا”.

ان ما يجري في البحرين اليوم لا يختلف كثيرا عما حدث في استراليا قبل مائة عام، عندما استهدف السكان الاصليون في وجودهم، وجيء بآخرين من اصقاع الارض ليحلوا مكانهم، وما فعله الاوروبيون في استراليا كان اجراء فاعلا، اذ انه تم بقدر من الهدوء وليس بالابادة الجسدية التي مورست في مناطق اخرى، وهي ممارسات لم تحقق اهدافها. ففي رواندا مثلا، قتل اكثر من مليون انسان في الحرب القبلية التي حدثت في التسعينات، ولكنها لم تؤد الى تغير جوهري في التركيبة السكانية. وكذلك الامر في البوسنة التي سعى الصربيون لتغيير الحقائق السكانية فيها بالقوة، وحاولوا القضاء على المسلمين وابادتهم، ولكن البوسنة اليوم بلد تقطنه اغلبية مسلمة بينما اصبح زعماء الفتنة مطاردين ومطلوبين للعدالة الدولية. وكوسوفا تعرضت لمثل ذلك، وبقيت مسلمة، وتسعى الآن للاستقلال. هذا يؤكد حقيقة مهمة وهي ان استعمال القوة للابادة البشرية لا يحقق اهداف القائمين بها، بل يؤلب الرأي العام العالم ضدهم ويفشل خططهم. بينما استطاعت قوات الاحتلال الاسرائيلية تغيير التركيبة السكانية في فلسطين، ليس بالابادة البشرية، بل بقوانين تجنيس اليهود من جهة واتخاذ اجراءات للتضييق على الفلسطينيين لبيع  الاراضي تارة، والنزوح عن البلاد بحثا عن ملجأ او عمل تارة اخرى. واستطاعت بذلك اضافة اكثر من ثلاثة ملايين يهودي الى سكان “اسرائيل”، وفي المقابل اصبح هناك اكثر من اربعة ملايين فلسطيني يعيشون في الشتات. هذه السياسات أقل اثارة للرأي العام العالمي، وبالتالي يمكن تمريرها وانجاحها بدون معوقات كبيرة. وهذا ما استفادته العائلة الخليفية في البحرين، اذ رأت في النموذج الاسرائيلي تجربة مفيدة لها، وسعت للاحتذاء بها وتنفيذ بعض فصولها في البحرين.

فمنذ صعود الشيخ حمد الى الحكم في 1999 عمل باتجاهين: اولهما طرح ما اسماه “المشروع الاصلاحي” لاشغال المواطنين بمسائل هامشية بعيدة عن مخططه الحقيقي، وادخل المعارضة في دوامة لا  تنتهي من الجدل والاختلاف حول المشاركة او المقاطعة في ذلك المشروع الذي اصبح هناك شبه اجماع على خوائه. وثانيهما انه عمد لاحداث تغيير جوهري في التركيبة السكانية باساليب ملتوية. وفي هذا المجال اصبحت الآلة الخليفية للتجنيس  تمارس قدرا كبيرا من السرية في جريمة التجنيس، فلا تكشف الارقام الحقيقية للمستوطنين، ولا تسمح للمجالس الصورية التي أنشأها الشيخ حمد بفتح ملفات التجنيس بشفافية ووضوح، ولا تعترف اساسا بوجود تجنيس خارج القانون. يضاف الى ذلك ان العائلة الخليفية التي ربما حققت ما  تريده من احداث التغيير السكاني المطلوب. بالاضافة الى ذلك اصبحت تتعاطى مع حقائق التاريخ بأساليب خطيرة جدا. فهي تتحدث الآن عن ان اغلبية شعب البحرين (شيعة وسنة) تم تجنيسها في الخمسينات والستينات، وتشكك في الحقائق التاريخية حول اعداد المواطنين ومذاهبهم. وفي الفترة الاخيرة اوحت الى بعض الكتاب والعملاء لاثارة البلبلة حول تلك الحقائق التاريخية، واصبح البعض يشكك في ولاءات الاغلبية الساحقة من شعب البحرين. بل ان هناك منهم من يدعي ان المواطنين الشيعة  ليسوا عربا، و انهم جاؤوا من ايران، وان عشرات الآلاف منهم جنسوا خلال نصف القرن الماضي. وفي الايام الاخيرة نشرت العائلة الخليفية كتابا حول الشيعة، شككت في اصولهم العربية، واعدادهم، بلغة يفهم منها انها لغة “فدائيي صدام” الذين تم تجنيس الآلاف منهم مؤخرا. فقد جاء في هذا الكتيب الذي صدر بعنوان “الشيعة في البحرين: من أين أتوا؟ خرافة السكان الاصليين”، تشكيك في اسلامهم، وانهم من بقايا اليهود، كما استعملت مصطلحات والفاظ مثل “الشعوبية” و “الصفوية” وغيرها من المصطلحات التي انتشرت في ذروة قوة حزب البعث في العراق.

العائلة الخليفية التي تمارس الآن اساليب مشابهة لما مارسه نظام البعث في العراق، تلعب بالحديد والنار، وهي لعبة خطيرة سوف تحقق احدى نتيجتين: فاما القضاء التدريجي على المواطنين البحرانيين الشيعة، سياسيا وبشريا وثقافيا، واما ان تفشل الخطة ويفشل معها الحكم الخليفي برمته. فشيعة البحرين لم ينفصلوا يوما عن اخوانهم من المسلمين السنة سواء في البحرين ام في بقية اقطار العالم، وهم اكثر حرصا على امن البحرين واستقرارها من غيرهم لانهم عاشوا فيها منذ بزوغ فجر التاريخ، ومن يشكك في هذه الحقيقية انما يخالف حقائق التاريخ، ويكفي القاء نظرة على كتب الفقه والفكر والتفسير التي كتبها عباقرا العلماء مثل الشيخ ميثم البحراني ليكتشف مساهمات الشيعة في علوم الاسلام. وما على الانسان الا ان يزور قبر صعصعة بن صوحان العبدي، الذي نفاه معاوية الى البحرين، وقبر اخيه الامير زيد، ليكتشف عمق الوجود التاريخي للمسلمين الشيعة في هذه الجزر المحتلة من قبل العائلة الخليفية. فهذه العائلة هي الدخيلة على البلاد، وهي التي احتلت اراضيها بالقوة، وسعت لغرس بذور الفتنة الطائفية بين ابنائها منذ ان دنست  اقدامهم ارضها الطاهرة. انها لم تكتف بتغيير الواقع السكاني باستقدام المرتزقة وتوطينهم في اراضينا المحتلة، بل سعت لتزوير التاريخ، واستيقظت فجأة لتكتشف صعوبة تمرير مخططها المشؤوم لان حقائق التاريخ لا تساعدها على ذلك. ان سماح العائلة الخليفية بنشر المقالات الصحافية والتصريحات التي يطلقها عملاؤها في الاعلام المحلي، ونشر الكتب التي تعتدي على المواطنين الشيعة وعقائدهم وتشكك في اصولهم وتزيف تاريخ وجودهم في ارضهم، كل ذلك يؤكد ان  العائلة الخليفية فتحت الباب على مصراعيه لحرب طويلة الامد مع اهل البحرين. واننا لنهيب بكافة المواطنين، شيعة وسنة، وعي خطر هذه الخطة الاجرامية على الوئام الاجتماعي، وعلى الوشائج التاريخية بين ابناء البحرين، على اختلاف مذاهبهم واصولهم. كما نهيب مجددا بعلماء البحرين ومفكريها اعادة النظر في الموقف، وتدبر ما يمكن اتخاذه من اجراءات لانقاذ البحرين من هذا المخطط الاجرامي الرهيب. لقد استغلت العائلة الخليفية هذا الصمت لتمرير أخطر مشروع في تاريخ البحرين منذ الاحتلال الخليفي لها، ألم يحن الوقت للاستيقاظ من السبات؟ أليس من المسؤولية الدينية الرد على هذه الجريمة ولو بتوضيح الحقائق والقطيعة القلبية مع رواد المشروع التخريبي الخطير؟ اننا نطلقها صرخة مدوية من الاعماق الى كل مسلم غيور لقطع الصمت والجهر بقول كلمات الحق ضد الباطل و الظلم والعدوان الذي يتعرض له اهل البحرين، فانا لله وانا اليه راجعون.

اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين