Archive

Bahrain Freedom Movement

ولذلك، تخرج مسيرة ضخمة بالآلاف، هل ركزّت على الهدف الأساس؟ هل ركزّت على البوصلة؟ هل ركزّت على أصل المشكلة في البلد؟ أليس كلنا نعرف هذا؟ ألا نعرف أنّ ما جرى هو تطبيق وتنفيذ لما جاء في تقرير البندر؟ من وراء تفعيل التقرير ألا نعرفه؟ أليس كان من المفترض أن تستمر الفعاليات ضدّ النظام وممارساته وألاعيبه؟ كل الذي ذهبوا كانوا مقهورين يعيشون المعاناة والألم الحقيقي، لكن أين ترجمة كل هذا إلى فعل؟ بحيث أن من يحركون الطائفية ويثيرون المشاكل باتوا هم المصلحون، وحتى جاسم السعيدي صار مصلحاً وأعلن عن تشكيل لجنة لمعالجة الفتنة والطائفية( إذا لم تستح، فاصنع ما شئت )!

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمداً كثيراً كما هو أهله، وصلى الله وسلّم على محمد وآله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه المنتجبين.

السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات جميعاً ورحمة الله وبركاته

وتقبل الله أعمالكم إن شاء الله،

لا يشك أحد أن الأوضاع في البلد تتردى يوماً بعد يوم، ولا يشك أحد في هذا البلد ومن كل الاتجاهات من مشاركين ومقاطعين، ومن سنة وشيعة وغيرهم أن الأوضاع اقتصاديا ومعيشيا تتفاقم في كل يوم، ويشعر المواطن كل يوم بمزيد من الألم والمعاناة.

ولا يشك أيضاً أحد أن الحكومة والنظام ماضيان في برنامج تآمري على شعب البحرين ولن يتوقف حتى تعاد البوصلة ونعرف بالضبط ما هي أهدافنا وحقوقنا ومطالبنا ونعمل مع بعض؛ لأن الخطر اليوم ما عاد يتهدد جهة محددة دون جهة، وما عادت الاستهدافات فقط خاصة بحركة دون حركة، وإذا تابعتم التصريحات المختلفة فتشعرون فعلاً هناك شعور متواصل عند الجميع أن الكل مستهدف سواء كان شيعياً أو سنياً، وأن النظام حين يمارس هذه الاستهدافات لا يرد أن يحافظ لا على السنة ولا على الشيعة، بل يريد أن يحافظ على موقعه هو فقط.

تطبيقات حقيقية وتفعيل حقيقي بشكل سافر وواضح، وحتى التغيير في تشكيلات الوزارة لها علاقة بتطبيق تقرير البندر، على سبيل المثال، تم تغيير وزير العدل وجاؤوا بوزير من العائلة الخليفية؛ لكي يطبق ما جاء في تقرير البندر خصوصاً فيما يتعلق بالمآتم والمساجد والقضايا التي لها علاقة بهذا المجال.

وأعتقد أن الكل يدرك هذا؛ ولهذا يجتمع العلماء للمرة الثانية بسبب ما يرونه من تصريحات متواصلة والتدخل السافر لتوجيه المآتم والخطب والمنابر .. إلخ، وحتى مسألة بناء المساجد كجزء من تطبيق تقرير البندر في التضييق على طائفة محددة، ليس لصالح الوطن طبعاً، وليس لصالح السنة، بل لصالح من يحكم هذا البلد. وهذا واضح، إذ أن وزير العدل يصدر قرارات وأوامر بأن بناء مسجد أو مأتم يستوجب موافقته، وهو يستطيع أن يماطل في منحها أو أن يمتنع عن منحها، لهذه الدرجة! في مقابل المساجد الأخرى التي من الممكن أن تستثنى من ذلك!

وهم يسعون شيئاً فشيئاً لتطبيق الخطة من خلال التدخل في شؤون المساجد ومنع الخطب السياسية .. إلخ، وفي نفس الوقت إسكات كل صوت يحاول أن يقول كلمة حق في هذا البلد. وضرب أي مسيرة أو اعتصام أو احتجاج الذي كانوا يسمحون به سابقاً يقولون لك الآن وبكل صراحة أننا سنضرب بيد من حديد. كل إنسان يحتج على وضع سيء .. هم ليسوا على استعداد لإصلاح الوضع بقدر استعدادهم للقمع والمزيد من التضييق، وينتهزوا أي فرصة ليمارسوا ضغطاً أكبر على شعب البحرين. حتى قضية الإثارة التي أثارها جاسم السعيدي بإغراء وتوجيه، لأننا قلنا أن السعيدي هو مجرد شخص مدفوع ويقبض ثمناً، والجميع يعرف هذا من السنة والشيعة، هذا الرجل المشبوه برز بسبب وجود دعم سياسي معين له لتحقيق أهداف سياسية معينة.

وهذا له أمثال من التاريخ، وأعتقد أنني ذكرت بعضاً منها فيما يتعلق بهارون ( الرشيد ) وكيف أنه تعلق بأحد أئمة المذاهب السنية الأربعة من أجل إبرازه مقابل مذهب الشيعة ومحاولة إعطائه حالة من الشرعية وحالة من البروز والدعم، واليوم تجري نفس العملية من أجل تحقيق أهداف وأغراض.

واضح أيضاً أن الحكومة لا تقصد أو ليست مهتمة سواء في حركتها في الصحافة والإعلام بالدين، بل هو مجرد استغلال، بل يستغلون ذلك من أجل تحقيق أغراض سياسية التي لا علاقة لها لا بالسنة ولا بالشيعة. وهم أصلاً ليسوا مهتمون بالمذهب السني و الشيعي ولا حتى بالإسلام، المهم أن تبقى مواقعهم هم!

ولذلك في هذا البلد، لو تعديت على الله سبحانه وتعالى ليست لديهم مشكلة، لكن حذار أن تتعدى على النظام أو الحاكم … هذه هي الخطوط الحمراء، أما الله و الدين فليسا خطاً أحمر، وهذا واقع!

أمام هذا الوضع المتردي الذي يتفاقم يوماً بعد يوم، ألا توجد أسئلة حائرة عندنا؟ المسيرة التي خرجت بالآلاف بدل أن توصل رسالة، بدلاً من أن توقف المؤامرة، وبدل أن تكون هناك محاسبة ومراجعة لبعض الأخطاء التي يمارسها النظام وتمارسها السلطة، فقد استفادوا من الحدث لتمرير المزيد من القوانين الظالمة. وقام رئيس الوزراء بتشكيل لجنة وزارية لكي يراقب المساجد والخطب … ومنع حتى المواقع الإلكترونية التي قد تكون مساحة للتنفيس عن بعض الحقائق التي يعاني منها المواطن!

وقيامهم بحظر بعض المواقع السنية هو مجرد إجراءات شكلية، ولكن واقعاً هم لا يستهدفون ذلك، بل هو لمزيد من التضييق.. فإذا كانت الندوات والمسيرات والاعتصامات كلها ممنوعة، فإنه يتم التضييق بشكل أكثر لتصل إلى المواقع الإلكترونية فلا تستطيع أن تقول فيها رأيك بصراحة، فلا يوجد علاج للوضع بل زيادة ظلم!

وأمام هذا يعيش الإنسان الألم، وخاصة القريبين من المعاناة؛ لأن حجم الألم يختلف من شخص لآخر، فيأتي شخص لا يحس بالألم مباشرة ولا يحس بألم الجوع وألم الفقر، وتكون قراراته عادة ( بعيدة عن مستوى الحدث والألم )، أما الذي يعاني من الفقر والحرمان والمعاناة، والذي يتعرض للضرب والإهانة في الشارع فحتماً سيكون شعوره مختلفاً. وبالتالي، نحتاج لجهات ترصد وتعيش الحس الوطني والشعبي وتقدِّر معاناة الناس وتشعر بآلامهم.

الإمام الخميني عندما كان في منفياً في العراق بعيداً عن الشعب الإيراني، وفي البرد القارص بالنجف الأشرف يرفض توفير مدفأة؛ لأن كثيراً من الإيرانيين ليس عندهم مدفأة، فهناك شعور وإحساس حتى وإن كان بعيداً عنهم، أما إذا كنت كما يقول المثل المصري ( اللي ايده في الميه مش زي اللي ايده في النار .. ).

أعود لأقول أنه حتماً توجد تساؤلات عند الجميع، هل سيستمر هذا الوضع؟ وكيف سيعالج؟ وهل له علاج أم لا؟ وعندما ننطلق من الرؤية الإسلامية فهل ستقول لك لا تعالج الوضع واقبل بالظلم، أم أنها تضع أمامك خيارات من أجل أن تكون لديك مواقف تغيّر هذا الواقع الأليم؟

لذلك أحرص دائماً على أن آتي ببعض التأصيلات الإسلامية والقرآنية التي من الممكن عندما ننتبه ونفكر ونرجع إليها، أن تسهم في تخفيف المعاناة. أما إذا بقينا غير ملتفتين ولا مبالين ودائماً نظلّ في انتظار الأوامر، وكأن لا دور ( أو تأثير ) لنا! إذا بقينا كذلك ( فلن يتغير الوضع ).

أذكر هنا مجموعة من الطروحات القرآنية التي توضح دور وموقف الناس وإدراكهم وبصيرتهم تجاه الظلم والفساد والسلطات الحاكمة ( الدول ):

(1) قصة موسى مع فرعون: ( اذهبا إلى فرعون إنه طغى ) طه:43، اذهبا إلى من؟ إلى رئيس البلاء وهو من يحكم البلد، وليس لمن ليس بيده شيء! فالأول هو من يملك القرار السياسي، فمشكلتك ليست مع الموظف ولا الوزير ولا غيره، بل مشكلتك مع الرأس الكبير الذي يمتلك الصلاحيات والسلطات والقرار السياسي. وقصة موسى وفرعون قصة واضحة. وحتى عندما يأتي على ذكر هامان فيأتي به ضمن نطاق فرعون، باعتباره مستشاره أو رئيس وزرائه.

(2) قصة إبراهيم الخليل مع نمرود: أيضاً نمرود هو الملك، صحيح أن الأنبياء يتوجهون للشعوب ويعملون على خلق وعي لديها، لكن التصدي وتوجيه الناس والمواجهة تكون مع أعلى سلطة، وليس مع الوزارة الفلانية أو غيرها، لأنها في الأخير تنفذ سياسة عليا. فلا ينفع أن استهدف هذا الوزير أو غيره؛ لأن هذا حتى صدام كان يمارسه، فيقول لدينا مجموعة ككبش فداء ( الوزراء والمسئولين ) فاستهدفوهم ما شئتم لكن لا تقتربوا من الزعيم! فالزعيم هو حلاّل المشاكل، ولكن الوزراء من أين يأخذون أوامرهم؟ فدستور 1973 ( البحريني ) كان يتضمن بند مساءلة رئيس الوزراء لتصل إلى إمكانية حجب الثقة عنه، ولكن تم حذف هذا البند ليجعلوا من رئيس الوزراء خطاً أحمر. فما الفائدة من أن تحاسب الوزير الفلاني وهو يتلقى الأوامر من رئيس الوزراء؟

(3) في حركة النبي محمد صلى الله عليه وآله: بقدر ما توجهت دعوته للناس والمستضعفين، لكن في الوقت كان موقفه ( ومواجهته ) مع أسياد قريش الذين كانوا يمثلون الزعامة في ذلك الوقت.

وهكذا عندما تقرأ أي سيرة تذكر في القرآن الكريم تكون المواجهة بين المصلح وبين رأس السلطة؛ لأن بيده زمام الأمور.

نأتي لحركة الإمام الخميني في إيران: نرى نفس الأوضاع التي كانت موجودة هناك نعيشها نحن الآن، ظلم، وصحافة كذابة، وإعلام مضلّل، نهب أموال .. إلخ، كل هذا موجود عندنا وأشد أحياناً. لكن السيد الإمام لم يذهب للوزير الفلاني .. فلو خاطبته من الليل وحتى الصباح فلن يكون لديه جواب إليك، لأنه في الأخير عبدٌ مأمور ينفذ أوامر من هو أعلى منه، فهو موظف.

لذلك السيد الإمام ركّز المواجهة مع الشاه، وحملّه المسؤولية مطلباً بسقوطه، وقيل أن السافاك وغيره مسئولون عما يجري، ولكن كان يرى أن جهاز السافاك كان في النهاية يتلقى الأوامر من الشاه نفسه أو بعلمه.

ما يجري في البحرين الآن، أليس الملك على علم به؟ هذا القمع الحاصل في الشوارع، وانتهاك الحقوق، وضرب النساء والأطفال، ألا يعلم بكل هذا، أم أن كل التفاصيل موجود عنده؟

سابقاً وفي بعض الأحيان، لم تكن المخابرات وقوات الشغب تضرب المحتجين، وتستخدم مسيل الدموع وتخنق المنطقة، لماذا؟ لأنه ليس لديهم أوامر، أما الآن فلديهم أوامر.

لا يوجد جهاز في الدولة يتصرف من تلقاء نفسه إلا إذا استلم أمراً من أعلى، الآن هذا الاستهداف .. من جاسم السعيدي ومحمد خالد وغيرهما، ما هم إلا جهات منفِّذة للمؤامرة الكبيرة.

إذاً، إذا كان القرآن الكريم قد ركّز على أن الأنبياء والمصلحون كان يستهدفون رأس الفساد والسلطة حتى يكون من الممكن أن تحل الأمور.

حرة الإمام الحسين نفسه، والطغيان والفساد الذي كان منتشراً من كان وراءه؟ فهل تكلم الإمام الحسين مع فلان العالم أو الوزير، أم تكلم مع يزيد مباشرة؟ يزيد هو من كان وراء ذلك الفساد والطغيان، وإذا صلح يزيد فستصلح الأمة، كما يقول الرسول صلى الله عليه وآله: ( صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدا فسدت أمتي قيل: يا رسول الله من هم ؟ قال: الفقهاء والأمراء ) والرواية لها ألفاظ مختلفة. إذا وجد حاكم غير عادل ولم يأت عالم يقف ضده تكون النتيجة: فساد وظلم ووو … إلخ.

و حركة الأئمة سلام الله عليهم، الإمام الكاظم (ع) لم يتصدى للجلاوزة هنا وهناك، كلا لأنهم ينفذون الأوامر، بل تعامل مع هارون ( الرشيد )، و الإمام الرضا (ع) مع المأمون، فدائماً التاريخ يتحدث عن صراع بين المصلح والشعب والأمة، وبين من يملك القرار.

لا أستطيع أن حاسب هذا المجنَّس على ما يفعل، فمن أعطاه الجنسية، وأعطاه الضوء الأخضر لكي يهين المواطن في بلده بدل أن يحترمه؟! من الذي شوّه سمعة المواطن الأصيل ليأتي هذا الأجنبي ويتحداه في وطنه ويعتدي عليه؟ هل المجنّس لديه هذه الرغبة أم أنه تمت تعبئته وتحريضه؟

لذلك، إذا لم ندرك المسيرة تماماً فسنظل نمضي مغمضي الأعين لا ندري إلى أين تتجه بنا البوصلة. وإذا قمنا بعمل مشاريع ضد الجهات التي ندرك فعلاً بأن لها التأثير مثل العريضة المطالبة بإقالة رئيس الوزراء لا نرى تجاوباً من الجميع.

لأنّ لدينا مشكلة في التطبيق، نقول بأن رئيس الوزراء ظلمنا وآذانا ونهبنا طيلة 37 سنة ولازال يملك ملايين الأمتار المربعة من الأراضي.

وقد يأتي أحدهم ويقول: ينبغي أن تشكل حكومة منتخبة، كيف يحدث هذا، وما قيمة هذا الكلام إذا لم يترجم إلى فعل؟

إذاً، مشروع يحمل رؤية نظرية نتوافق عليها ونسير على الطريق هل تؤثر أم لا؟ وليس القضية مواجهة دموية، إما أن تحصل مواجهات، وإلا ليس لدينا خيارات سياسية! فلتكن لدينا خيارات سياسية بشرط أن يتوافق عليها الجميع، وتشكل موقف شعبي وموقف شارع، عندها يمكن أن تؤثر.

هذا منطلق قرآني واضح إذا لم نلتفت إليه فسنظل ندور وندور دون أن نعالج الجرح، بل ما يحيط به دون أن نصل إليه.

ولذلك، تخرج مسيرة ضخمة بالآلاف، هل ركزّت على الهدف الأساس؟ هل ركزّت على البوصلة؟ هل ركزّت على أصل المشكلة في البلد؟ أليس كلنا نعرف هذا؟ ألا نعرف أنّ ما جرى هو تطبيق وتنفيذ لما جاء في تقرير البندر؟ من وراء تفعيل التقرير ألا نعرفه؟ أليس كان من المفترض أن تستمر الفعاليات ضدّ النظام وممارساته وألاعيبه؟ كل الذي ذهبوا كانوا مقهورين يعيشون المعاناة والألم الحقيقي، لكن أين ترجمة كل هذا إلى فعل؟ بحيث أن من يحركون الطائفية ويثيرون المشاكل باتوا هم المصلحون، وحتى جاسم السعيدي صار مصلحاً وأعلن عن تشكيل لجنة لمعالجة الفتنة والطائفية( إذا لم تستح، فاصنع ما شئت )!

هل تحركنا والآلاف التي خرجت فقط لأن السعيدي تهجّم على الشيخ عيسى أحمد قاسم، وننسى كل المؤامرات وما يحاك ضدّ شعب البحرين؟ إذاً، نحن نتكلم عن نتيجة وليس الأسباب!

هناك أسباب إذا لم تعالج فلن يتغير شيء، ولذلك المسيرة انطلقت يوم الخميس، بينما رجعت الإهانات في اليوم الثاني في جريدة أخبار الخليج نفسها، ارجعوا للجريدة، كانت هناك مقالة تتحدث عن الإمام المهدي ( عجل الله فرجه الشريف ) وتفنّد هذه الفكرة بطريقة وقحة، وأيضاً كانت تتكلم عن إهانة السعيدي للشيخ عيسى أحمد قاسم وتحاول رفع مستوى جاسم السعيدي!

وإذا كنتم تتذكرون، قلت أنه إذا اقتصر الاحتجاج على ذلك، فستظلّ هناك ممارسات وتحدٍّ لنا أكثر من مرّة، وسيتحدوننا كل يوم!

(4) ( ولقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئا وضاقت بكم الأرض بما رحبت ثم ولّيتم مدبرين ) التوبة: 52. المواطن حسب تعبير الإمام الجواد (ع) حوالي 80 غزوة، فالله يريد أن يقول أن هذه الثمانون غزوة التي نصرتكم فيها كنتم قلة ولم تكونوا كثرة، ولم يكن يتوفر عندكم السلاح ولكنكم انتصرتم؛ لأنكم أخذتم بأسباب النصر الحقيقية. إذن المسألة ليست مسألة كثرة أو قلّة، فيوم حنين كان عددكم 12 ألفاً، حتى قال بعضهم لن نهزم من قلة، لكنّ القرآن يقول أن الكثرة ليست هي سبب النصر. حزب الله ليس أكثرية في الشعب اللبناني، لكنه يملك إرادة ويملك روح مقاومة، ورؤية ثاقبة لذلك انتصر. القرآن يقول أنّ القلّة مع الفهم والإدراك والتوكل الحقيقي على الله، مع الشعور والإحساس أنّ الله يمكن أن يحقق النصر، وإن كنا قلة كما قال سبحانه: ( .. كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله .. ) البقرة: 249،إذا بقينا نتحدث بعنوان الكثرة فلن نحقق شيئاً، التقارير تقول أننا في البحرين نشكل أكثرية، ولكن هل نحن قادرون على تحقيق شيء طيلة هذه السنوات؟ إذن مسألة عنوان الكثرة تكون ( منتجة ) مع التنظيم والعمل والوضوح، ومع الاستعداد للتضحية، عندها يمكن أن تحقق شيئا. أما الكثرة التي تكون بغير تنظيم ودون معرفة أهدافنا وشعاراتنا، وما هي الأجندة التي نريد أن نحققها فلن نحقق النصر، وستصيبنا حالة من الغرور، وللأسف الشديد فإن هذا ما يحدث! سامحوني عندما أكون صريحاً؛ لأنني متألم جداً من هذا الوضع، ونحن رأينا ماذا كان الكلام بعد المسيرة، كان حول عدد المسيرة هل هو 100 ألف أو 120ألف أو أقل أو أكثر… ولم يكن يهمنا أن نعرف ماذا حققنا، وما هو الهدف الذي رسمناه، وما هي الأجندة التي نسعى لتحقيقها، وما هو الشعار الذي رفعناه! ثم يأتي أحدهم ليتكلم بغير وعي ويقول انظر كم عدد الذين خرجوا وكم هو عدد جماعة فلان، وكأن المسألة أننا نتحدى بعضنا البعض! بالعكس، نحن حرصنا أن نكون متواجدون في المسيرة لكي نوصل رسالة واحدة للحكومة والنظام بأننا جميعاً في خندق واحد وإن اختلفنا. كان من المفترض أن تكون لنا أجندة متوافق عليها، ثم نحرك البوصلة في الاتجاه الحقيقي. ولكن هذا لم يحدث، ولذلك فإننا لم نستثمر المسيرة .. ردّة الفعل التي كانت عند الناس لم تستثمر استثماراً جيداً. وهكذا كلما تأتينا فرصة – يهيئها لنا الله سبحانه وتعالى – فإننا نضيعها. فهذه قضية البندر التي تم اكتشافها، والذي أحث الله سبحانه وتعالى اختلافاً بين البندر وبين الحكومة، نحن لا نقول أن البندر مخلص ( بالضرورة ) لشعب البحرين، لكن نقول أنه حصل اختلاف فيما بينهم جعل البندر يكشفهم على حقيقتهم. يقولون أن البندر هو من كتب التقرير، على فرض أنه من كتب التقرير، فهو كتب التقرير بأمر من، ومن الذي ينفذه؟ الذي نشهده في البحرين، الذي يقوم بتنفيذه هل هو البندر أم الحكومة و الديوان الملكي ؟ وهذا التقرير لو كان في بلد آخر لقامت ثورة على الحكومة، والمطالبة باستقالة رئيس الوزراء وحكومته. وأيام كان الناس مشغولون بالانتخابات كان كثير من الإعلاميين الذين حضروا لتغطية الحدث يستغربون بقولهم كيف تكون مؤامرة بهذا الحجم يكشفها ذلك التقرير ولا تكون ردة فعل في الشارع! لو حصل في بلد ثانٍ أقلّ من هذا لحدث انقلاب. وقلت بأنه عندما كشفت الأوراق وجدنا السعيدي وغيره كانوا خائفين من أن تحصل ردة فعل وتحصل مطالبة بمحاكمات.. حتى الملك في لقاء مع العلماء كان متخوفاً، لكنه في الأخير وجد الأرض باردة ولا توجد ردة فعل، وأن الأمور تسير بشكل طبيعي. هذه أليست فرصة؛ بأنك تملك أوراق تدين بها النظام، وأتى البرلمان لم يستطع أن يطرح القضية فضلاً عن أن يعالجها! وخرج أحمد بن عطية الله بهيئة البطل؛ لأننا لم نعالج أصل القضية. إذن الكثرة كما يقول القرآن ليست هي النصر إذا كان منظمة وعارفة وتاركة لخلافاتها والتفتت لقضاياها الكبرى والمهمة فعندها يمكن أن تنتصر. وقلّة تملك رؤية وهدفاً وبوصلة واضحة يمكن أن تنتصر، وكثرة لا تملك من ذلك شيئاً لن تحقق النصر.

أخيراً أقول أن هناك كثيراً من الناس يعتقد أن المشكلة تكمن فقط في القيادة السياسية أو الرمز الفلاني، نعم هي مشكلة، لكن الشعب إذا أخذ دوره لن تكون مشكلة .. أما إذا كان دور الشعب فقط أن ينفذ الأوامر وكأنه غير مسئول أمام الله سبحانه وتعالى، بينما الرسول (ص) يقول: ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ).

أنا لا استطيع أن أستوعب . . إذا كان الله سبحانه يقول للرسول (ص): ( .. وشاروهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله .. ) آل عمران: 159.

ويأتي من هو أقل من رسول الله ولا يشاور الناس، أليس هذا شأن أمة وشعب؟

إذا بقي الشعب يعتقد دائماً ألا رأي له ولا يملك القدرة على الحوار ودراسة واتخاذ القرار ولا القدرة على النقد الصحيح، معنى هذا أنه يمكن للقيادة أن تستمر في أخطائها دون التفات.

العالم الغربي نجح؛ لأنه يوجد انتقاد ومراقبة من قبل الناس، فإذا أخطأ (المسئول أو المتصدي للشأن العام ) حاسبوه، لذلك فإنه يكون حذراً ويسعى لتحقيق إنجازات للناس. أما نحن فلا نحاسب أنفسنا ولا نحاسب غيرنا ولا نسمح حتى بمحاسبة الآخرين أو انتقادهم وتشخيص التصرف أو الموقف الصحيح من الخاطئ.

هذه الأجواء ستكون سبباً من الوبال و المزيد من الأخطار؛ لأن الحكومة كلما شعرت بهذا الضعف واصلت في ضربها وإهانتها للجميع.

والحمد لله رب العالمين،

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

Show More

Related Articles

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

Close