Archive

Bahrain Freedom Movement

لا زلت أعتقد أن الحكومة قادرة على خلط الأوراق كما تشاء و أنها تمتلك قدرة على تحويل مسار كثير من القضايا إلى الجهة التي لا تكلفها كثيرا مقارنة مع المسارات التي تخطها قوى المعارضة. و بعيدا عن ذكر حوادث سابقة تؤكد وجهة نظري، فإن الحوادث الأخيرة خلال هذا الأسبوع من شأنها أن تعطينا قراءة واضحة لآليات عمل الحكومة و نخص هنا الأجهزة الأمنية و

هل يعني رئيس الأمن العام ما يقوله..؟

عباس المرشد

لا زلت أعتقد أن الحكومة قادرة على خلط الأوراق كما تشاء و أنها تمتلك قدرة على تحويل مسار كثير من القضايا إلى الجهة التي لا تكلفها كثيرا مقارنة مع المسارات التي تخطها قوى المعارضة. و بعيدا عن ذكر حوادث سابقة تؤكد وجهة نظري، فإن الحوادث الأخيرة خلال هذا الأسبوع من شأنها أن تعطينا قراءة واضحة لآليات عمل الحكومة و نخص هنا الأجهزة الأمنية و ارتباط بعضها البعض. قبل الدخول في التفاصيل من المهم الإشارة إلى نقطتين، الأولى أن القوة التي نتكلم عنها عند الحكومة ليست قوة خارقة كما إنها ليست بعيدة عن سياسية أية حكومة تواجه معارضة تاريخية، إذن ما يجعل من الحكومة قوية و قادرة هو ما يتعلق بالجدية في التطبيق لأفكار بسيطة و آليات عمل تقليدية، كل ما تتطلبه وجود عقل مدبر بارد الدم محافظ بدقة على مصالحه لا يفرط بها تحت أي سبب كان. و جزء كبير من هذه الخصائص تفتقد إليه المعارضة إما لجهة تكوينها السياسي القائم على المدنية أو من جهة محاولتها الدائمة لإعطاء انطباع حسن الصورة عنها و عن مطالبها و طرق عملها.

النقطة الثانية هي أن هناك اختلافا واضحا و كبيرا بين اهتمامات المعارضة و بين اهتمامات الحكومة و هو اختلاف يؤدي إلى إبراز جانب القوة عند الحكومة و تضاؤله عند المعارضة. فالحكومة لا تهتم بالقضايا الدستورية أو مكافحة الفساد و التمييز الطائفي و إذا ما أبدت الاهتمام العلني بهذه القضايا فهو اهتمام من أجل الحد من آثار تلك القضايا لذا فهو اهتمام يؤدي وظيفة المنع و المصادرة. اهتمام الحكومة إذن يقع في مكان آخر هو المحافظة على الوضع القائم و حفظ المصالح الجارية و حراسة مواقع النفوذ الحالية و حرم السلطة المشيد منذ عقود من الزمن.

لنعود إلى تحليل بعض شواهد الأحداث الأخيرة و كيف استثمرتها الحكومة لصالحها. تبدأ الأحداث بشن حملة طائفية ضد بعض قوى المعارضة الغرض منها وصم تلك القوى بالطائفية، أما وظيفة هذه الحملة فهي الحد من قدرة المعارضة على بقاءها متماسكة من جهة و تشويش الرأي العام على قضاياها من جهة أخرى. هذا الأسلوب نجده كثيرا ما يستخدم في لبنان حاليا و تم استخدامه في الكويت جزئيا. و من ناحية سياسية فالبدء بشن مثل هذه الحملات و تركيزها يماثل جر الطرف الآخر إلى حرب استنزاف لا تكلف الطرف المساك بالسلطة كثيرا مقابل الطرف الآخر الذي يتحتم عليه مواجهة هذه الحملة بجزء كبير من طاقته المحدودة أصلا. بالرغم من وجود خيارات عديدة لمواجهة هذه الحملة إلا أن ابسطها هو أكثرها كلفة وهو المواجهة و الدخول في صراع مشابه.

الحكومة كانت قد وضعت عدة سيناريوهات بناء على الخبرة الميدانية و وضعت إزاء كل احتمال آليات عمل مضادة لأنها تنظر إلى الأمور من منظور الحرب و ليس من أي منظور آخر.

أقرب احتمالين بإمكان المعارضة أن تقدم عليهما لمواجهة حملة الوصم بالطائفية هما  الاحتمال الأول النزول إلى الشارع و الدخول في مواجهات محدودة تضطر معها قيادات المعارضة إلى الانسحاب و الدعوة إلى التهدئة. مواجهة هذا الاحتمال تقتضي الضرب بيد من حديد و اللجوء إلى استخدام سياسة العقاب الجماعي و محاصرة القرى و تأجيج الوضع الأمني بصورة أكبر من حجم النزول للشارع. مؤشرات نجاح هذه المواجهة الحكومية عادية جدا أعداد من المعتقلين و اتخاذهم كرهائن و أوراق مساومة لاحقة، و إشاعة الخوف و الاضطراب داخل الأوساط الشعبية بما يؤدي إلى التذمر و المطالبة بوقف المواجهات. الاحتمال الثاني الذي قد تقوم به المعارضة هو ممارسة عمل احتجاجي سلمي محدود كالذي حدث يوم الخميس في المسيرة المناصرة للشيخ عيسى قاسم. مواجهة هذا الاحتمال معقدة أكثر من الاحتمال الأول فالمعارضة عبر قيامها بالاحتجاج السلمي تحت أي عنوان تنطلق من خلاله سيعطيها قوة و ظهورا إعلاميا و يوفر طاقة نفسية لجماهير المعارضة. لذا فإن الاحتواء لابد أن يكون لاحقا و بعد انتهاء الحدث و كإجراء احترازي يمكن لبعض مراكز القرار الرسمي أن تدخل على خط المتابعة بناء على المعطيات الميدانية كحجم الاحتجاج و القائمين عليه أو حتى المشاركين فيه و كلها عناصر مهمة في ترتيب نوعية المواجهة اللاحقة. ما يجب أن تتميز به المواجهة اللاحقة أنها لا تلغي آثار و نتائج الحملة الأولى بل يجب أن تدفع بها و لكن عن طريق مزدوج يأخذ تقوية الحملة و يلغي أكبر نتائج لعملية الاحتجاج.

الوصول إلى هذه المرحلة من التدبيرات الأمنية و السياسية يعني في السياسة انكشاف قوى المعارضة أمام الحكومة و افتقداها لبعد المناورة و استخدام عنصر المفاجأة و هذا ما تفوقت به الحكومة على المعارضة في هذه الأحداث فهناك مناورة قامت بها الحكومة تمثلت في تأجيج الوضع الطائفي و الأمني ثم طرحت نفسها كوسيط و حكم بين الأطراف المتنازعة و هناك عنصر المفاجأة الذي تمثل في تشكيل لجنة مكافحة الطائفية بقرار من مجلس الوزراء.

مسار الأحداث حسب توقعات المعارضة كان يجب أن يذهب ناحية إلغاء آثار الحملة التي شنت ضدها و توقف حملات التشهير بعناصرها أيا كانت انتماءاتها و بالفعل أخذت الأحداث بعض خطوات هذا المسار  لكنها سرعان ما قلبت الأمور على المعارضة بفعل قدرة الحكومة على استثمار عنصري المناورة و المفاجأة و بسبب السقف المنخفض لآليات المعارضة. فمخرجات لجنة مكافحة الطائفية انصب على متابعة و ملاحقة عناصر أفراد المعارضة و تقديمهم للرأي العام على أنهم مسئولين عن أجواء الشحن الطائفي التي حدثت و تحويل الضحايا إلى جلادين و الجلادين إلى ضحايا. الخطأ القاتل الذي تقع فيه قوى المعارضة بشكل مستمر أنها تضع نهايات للأحداث بناء على قناعاتها و ليس على معطيات التجربة الميدانية و مخرجات التعامل مع الحكومة. فالوصول إلى هذا الحد لا يعني نهاية المسلسل المأخوذ من الحبكة المكسيكية، لذا فمن الطبيعي أن يظهر رئيس الأمن العام لنفي التعذيب و ممارسة الإكراه على المعتقلين رغم أن حملة لا للتعذيب ابتدأت قبل بداية الأحداث و كان بإمكان رئيس الأمن العام أن يدلي بتصريحاته حول نفي التعذيب و اتهام قوى المعارضة بسوء النية. و هنا يظهر عنصر ثالث هو عنصر التوقيت و الزمن بمعية المكان فقبل أسبوع كان رئيس الأمن العام في لندن يصرح أن الشيعة في البحرين يتبعون لإيران بصورة عمياء و يصرح اليوم أن الجمعيات السياسية المعارضة لديها سوء نية و تسعى لتوفير غطاء للخارجين على القانون. من المتوقع هنا أن تنشغل البيانات للرد على التصريح الأخير و يتم تناسي نتائج الحملة الطائفية التي ثبتها وسائل الإعلام و أجهزة الأمن التابعة للحكومة

Show More

Related Articles

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

Close