Archive

Bahrain Freedom Movement

فيما تبدو البحرين الاكثر “استعدادا” لأية حرب محتملة ضد ايران، فان ثمة تفاوتا في مواقف دول مجلس التعاون الخليجي ازاء التصعيد الذي تواصله الولايات المتحدة الامريكية تجاه الجمهورية الاسلامية الايرانية. ومع ان قرار الحرب يعتبر أمريكيا بالدرجة الاولى، فان مواقف دول الخليج تحظى باهمية لدى واشنطن، اذ لا يمكن فصل اي حرب في تلك المنطقة عن مصالح كل دولة فيها، فلو حدث عدوان امريكي او اسرائيلي ضد ايران، فمن المرجح ان تتأثر كافة دول الخليج بها مباشرة او بتبعاتها الامنية والسياسية والاقتصادية. ويمكن القول ان دول مجلس التعاون تعيش حالة من القلق الشديد ازاء احتمالات الحرب، خصوصا مع تباين مواقف دولها تجاه ايران، وعلاقاتها المتأرجحة بين الصداقة المضطربة والعداء الذي لا يستند الا الى الظنون والشكوك.

 هذا في الوقت الذي تسعى ايران فيه لطمأنة الدول المطلة على الشطر الآخر من الخليج بحسن نواياها، وعدم وجود أية اطماع لها سوى الحفاظ على أمن الخليج بتعاون دوله وشعوبه. ويمكن القول ان عمان وقطر والكويت تشترك في الموقف الأقل حماسا للعدوان ضد ايران، فيما تبدو السعودية والبحرين الأقل رفضا للحرب. وخلال العقد الاخير تم تطوير العلاقات بين طهران وجميع دول مجلس التعاون، ولكن ثلاثة تطورات مهمة ساهمت في تعقيد الموقف. اولها المشروع النووي الايراني والضغوط الامريكية على ايران لاحتوائه. وثانيها: الملف العراقي المضطرب وما ادى اليه من تباين في المواقف والاستراتيجيات لدى الدول المحيطة بالعراق. وثالثها: ما حدث في لبنان في العامين الماضيين، وما ادى اليه من تناقض في المواقف والسياسات بين طهران والرياض. هذه العوامل الثلاثة كانت، وما تزال، تضغط سلبا على محاولات التقارب بين شطري الخليج. وبرغم التصريحات التي تصدر عن عواصم دول مجلس التعاون التي تتسم عادة بالهدوء، فان طهران منزعجة من عدد من الامور: اولها ان دول الخليج تعتبر من اول الدول التي ساهمت في فرض الحصار الاقتصادي على ايران، الى حد ان مصارفها توقفت بشكل شبه كامل عن التعامل مع البنوك الايرانية. ثانيها: ان طهران لم تر من هذه العواصم مواقف داعمة او متضامنة معها، وضاغطة على سياسات واشنطن، بل انها تستقبل المسؤولين الامريكيين وتتناغم معهم في ما يطرحون، الامر الذي يشجع الولايات المتحدة على الاستمرار في خطتها الرامية لاستهداف ايران ليس بشأن مشروعها النووي فحسب، بل حتى في مشروعها السياسي. ثالثها: ان بعض عواصم الخليج يقف وراء التهييج الطائفي من جهة، وتضخيم الدور الايراني في العراق، وما يقال عن “التهديد الايراني” لأمن منطقة الخليج. رابعها: ان بعض دول الخليج يتحرك من وراء الستار لتحريض الدول الاوروبية بشكل خاص ضد ايران، في مقابل صفقات سلاح عملاقة، وتسهيلات عسكرية و “استثمارات” خليجية عملاقة في العواصم الغربية. خامسها: انه في الوقت الذي يتظاهر فيه بعض دول الخليج بالرغبة في اقامة علاقات ايجابية مع طهران، فان وسائل اعلامها تتسم عادة بالعداء لايران، ولا تخفي حساسيتها ازاء سياسات طهران الاقليمية والدولية، وعلى صعيد الامن والعلاقات الاقليمية. 

البحرين، الدولة الصغرى بمجلس التعاون الخليجي، تميزت في الشهور الاخيرة بمواقف اقل دبلوماسية تجاه ايران لاسبابها المحلية الخاصة. ومنذ مجيء الحاكم الحالي، الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، الى الحكم قبل تسعة اعوام، انتهج سياسة جديدة تتجسد بالاعتماد الاكبر على الدعم الغربي لمواجهة المعارضة المتنامية في الداخل. ويمكن القول ان البحرين هي الأكثر حماسا لأي عدوان محتمل ضد ايران. هذا القول يستند الى عدد من الحقائق.  أولها ان البحرين اجرت عددا من المناورات مع القوات الامريكية المرابطة على اراضيها كونها قاعدة  الاسطول الخامس في الخليج. ومن تلك المناورات تلك التي اقيمت في ربيع العام الماضي، والتي شاركت فيها قوات بحرينية بجانب القوات الامريكية التابعة للاسطول الخامس. ثانيها ما اعلنه رئيس الأمن العام بوزارة الداخلية البحرينية اللواء عبد اللطيف بن راشد الزياني، الاسبوع الماضي امام المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والامنية في لندن عن رغبة حكومته في استلام انذار مبكر باي تصعيد مزمع. واضاف “اذا تدهور الوضع سيكون هناك اثر كبير في البحرين حيث تتبع نسبة من سكاننا الشيعة القيادة الدينية لايران بصورة عمياء وبدون سؤال”. ثالثها ان حكومة البحرين مدينة للولايات المتحدة بمشروعها السياسي الذي بدأت تنفيذ بنوده منذ العام 1999، بخبرات واستشارات امريكية ودور مباشر لوكالة الاستخبارات المركزية الامريكية التي استطاعت “اقناع” بعض العناصر الفاعلة في المعارضة للانخراط في ذلك المشروع. رابعا ان البحرين وفرت للولايات المتحدة أقدم قاعدة في منطقة الخليج، وكانت مقرا للاسطول الخامس منذ اكثر من ثلاثة عقود. وتجدر الاشارة الى ان الطراد “فينسنس” الامريكي الذي أطلق الصاروخ على طائرة الايرباص الايرانية في 1988 كان قد تحرك من القاعدة  البحرية في البحرين ثم عاد اليها بعد اسقاط الطائرة ومقتل 290 راكبا على ظهرها.

 

مجلس التعاون يعيش عددا من الهواجس، الامنية والسياسية والاقتصادية، لا تنفك عن الاضطراب في السياسات الامريكية والغربية عموما. ولكن ما يبعث على اطمئنان حكومات هذه الدول نجاحها في “احتواء” ما كان يبدو من مشروع امريكي طرحه الرئيس بوش قبيل حرب العراق وبعدها، بموازاة ما سمي آنذاك بـ “مشروع الشرق الاوسط الكبير”. فقد كان الاعلان عن “المشروع الديمقراطي” صدمة كبيرة للدول الخليجية خصوصا السعودية التي تعتبر نفسها المعني الأول بها نظرا لغياب اي مظهر للاصلاح السياسي  يسمح بالمشاركة السياسية ويحمي حقوق الانسان. وكانت ازمة العراق اللاحقة فرصة لاستعراض القوة من جهة الامريكيين، ومجالا للتعبير عن الوجود والحضور الفاعل من قبل السعوديين. وقد قامت الرباض بعدد من المبادرات في العراق بثلاثة أساليب: اولها دعم العناصر المتطرفة التي تعبر الحدود، وبالتالي تمكنت من نقل المعركة من اراضيها الى ذلك البلد. ثانيها: انها تلكأت في التعامل مع الحكومة العراقية، بعد ان واجهت التغيير السياسي في العراق نظرا لما يمثله من تغيير في ما كانت تعتبره ثوابت في السياسة العربية خصوصا في جانب الحكم والابعاد الديمقراطية والاصلاح السياسي. ثالثها: انها استطاعت مساومة واشنطن على تخلي الاخيرة عن الالحاح في الطرح الديمقراطي في مقابل تعاونها الامني والسياسي. وقد لوحظ تغير خطاب مسؤولي البيت الابيض في السنوات اللاحقة للتغيير السياسي في العراق. وشيئا فشيئا تلاشى الخطاب الديمقراطي، واستبدل بمقولات الامن والاستقرار. كانت واشنطن حتى العام 2005 تبدو متحمسة للاصلاح السياسي والحقوقي في الشرق الاوسط، وأكد مسؤولون حاليون وسابقون ان واشنطن كانت تعتبر الحفاظ على الامن الاساس الاهم في سياساتها شرق –  الأوسطية، وان الديمقراطية امر ثانوي، ولكنها اصبحت اكثر اقتناعا بان تلك السياسة لم توفر الامن ولا الاستقرار، وبالتالي اصبحت  تميل الى ان تحقيق الديمقراطية سوف يوفر الامن ايضا. هذه المقولة تلاشت تدريجيا تحت الاصرار الخليجي، خصوصا مع تصاعد اسعار النفط.

 

واشنطن من جانبها اصبحت أكثر استيعابا لما يمتلكه النظام الخليجي من امكانات للضغط عليها، في الوقت الذي ادت سياساتها في الشرق الاوسط الى تراجعات غير قليلة. وبدا الرئيس بوش في الفترة الاخيرة، مع اقتراب نهاية عهده، اكثر ادراكا للتركة غير الايجابية التي سوف يخلفها عندما يترك البيت الابيض. وأول سمات تلك التركة ما علق بشخصه من نعوت كرجل حرب، شرس، يؤسس سياساته بعيدا عن القيم الانسانية، ويعارض حق تقرير المصير للشعوب، ويتحرك بقرارات انفرادية خارج الاجماع الدولي، ويدعم الاستبداد والديكتاتورية. وقد حاول في تصريحاته الاخيرة تغيير تلك النظرة، ولكن بدون جدوى. ولدى زيارته الاخيرة الى اوروبا الشهر الماضي، ادعى بان سياسته ادت الى جعل الشرق الاوسط “أكثر ديمقراطية” الامر الذي لا يتفق معه الكثيرون حوله. ومع ان زيادة اعداد الجنود الامريكيين في العراق قد أدى الى انخفاض وتيرة العنف نسبيا، فان “الحرب ضد الارهاب” التي سيخلفها وراءه ستظل متواصلة بدون حسم في الافق المنظور. ويخطيء من يعتقد ان وتيرة الارهاب قد تقلصت، او ان الشرق الاوسط اصبح اكثر ديمقراطية او ان العالم أصبح أكثر أمنا، او ان اوضاع الاقتصاد العالمي قد تحسنت، او ان البيئة شهدت تطورات ايجابية ملحوظة، او ان علاقات الاديان شهدت استقرارا وتفهما وتحسنا. هذه الجوانب ارتبطت بعهد الرئيس بوش وسياساته في العالم. ويمكن القول ان الانجاز الوحيد يتمثل بنجاحه في الغاء المشروع النووي الليبي، واحتواء المشروع النووي لدى كوريا الشمالية. ولكنه لم يستطع احتواء ظاهرة انتشار التكنولوجيا النووية التي سوف تستعصي على المراقبة الدولية. ولن تستطيع الوكالة الدولية للطاقة الذرية منع انتشار الاسلحة النووية طالما أصرت الدول التي تمتلك هذه الاسلحة على الاحتفاظ بها ورفض الالتزام ببنود اتفاقية منع انتشار الاسلحة النووية التي تنص على ضرورة سعي الدول التي تمتلكها للتخلص منها. الرئيس بوش لم ينجح على الاطلاق في تطوير اوضاع حقوق الانسان او الممارسة الديمقراطية في الشرق الاوسط، فهو لم يسع للضغط على “اسرائيل” المنتهك الاكبر لتلك الحقوق، كما تجنب ازعاج السعودية ولم يضغط عليها لتطوير ادائها السياسي على صعيد الداخل، واحترام حقوق الانسان وفتح مجال الحريات، وروج للنمط الفاشل من الاصلاح السياسي الذي يتم تنفيذه في البحرين، والذي من شأنه زيادة التوتر في البلاد وربما المنطقة.

 

ومرة اخرى يبدو النفط كلمة السر التي تحول دائما دون تطوير الاوضاع السياسية في الدول العربية المصدرة للنفط. هذه السلعة تحولت، في نظر الكثيرين، الى نقمة بدلا من ان تكون نعمة، اذ اصبحت مصدرا لمدخولات عملاقة بأيدي أنظمة استبدادية تستغلها لضمان استمرار حكمها ومواجهة مناوئيها. وحتى الولايات المتحدة الامريكية التي يفترض ان تكون قوتها الاقتصادية درعا واقيا من الابتزاز والمساومة، وجدت نفسها عرضة لذلك كله، واصبح عليها ان تكون “أكثر واقعية” فتستمع لما تقوله الانظمة وتتعاون معها لمواجهة المعارضات. هذه السياسة ليست جديدة، بل انها استمرار لنمط جديد – قديم من سوء استغلال السلطة والمال لتمرير المشاريع الشيطانية التي تزدري الانسان وتنتهك حقوقه وتحاصر حرياته. عائدات النفط ساهمت في تحويل المجتمعات الخليجية الى انظمة استهلاكية صرفة، وغير منتجة، في الوقت الذي اعتمدت فيه على العمالة الاجنبية الرخيصة خصوصا من شبه القارة الهندية. وتواجه هذه الدول اليوم احتمالات تراجع اقتصادي كبير مع تحسن الاوضاع في الهند وبداية هجرة معاكسة لتلك العمالة الى بلدانها الام. العائدات النفطية لم تنفق على تكوين المهارات المحلية، او تطوير اداء انظمة الحكم لتواكب مستلزمات العصر من حرية وشراكة سياسية مؤسسة على أنظمة دستورية، بل ما تزال تنفق على مشاريع استهلاكية غير منتجة، وكثيرا ما تكون غير ملائمة للبيئة، وغير منسجمة مع القيم التراثية والدينية. واشنطن غير معنية بأي من ذلك، والرئيس بوش، على وجه الخصوص، لم يقدم ما من شأنه ترك ذكر حسن له ولادارته. ربما كان أهل الخليج يطمعون في قدر من التغيير في ظروفهم، وتطوير انظمة الحكم لديهم، واحترام الحقوق الاساسية التي نص عليها الاعلان العالمي لحقوق الانسان. ربما كانوا يطمعون في ان يحكموا وفق دساتير يخطونها بأيديهم، ومجالس برلمانية توفر لهم فرصة المشاركة في ادارة شؤونهم. وربما كانوا يأملون ان يتمتعوا بقدر من الحرية في اختيار حكامهم. الرئيس بوش وفر لهم فرصة للأمل في البداية، كما فعل مع العراقيين، ولكن سرعان ما تبخر ذلك الأمل. في العراق تحول الأمل الى دائرة من العنف من جهة والابتزاز لاحقا لتوقيع اتفاقية مذلة ترهن البلاد واهلها للولايات المتحدة عقودا، وفي الخليج تحول الأمل الى المزيد من اليأس بامكان احداث تغيير مدني يحقق القدر الأدنى من الحكم المدني العصري. فما أرخص أرواح البشر ووجودهم لدى أمثال جورج بوش وتشيني ورامسفلد ورايس، ومعهم انظمة الحكم التي لا تؤمن بشراكة سياسية مع شعوبها ولا تقبل بالتجديد والتطوير، وتصادر الحريات وتقمع الآراء وتصادر الحقوق وتستحوذ على المال العام بدون رقابة او محاسبة. فما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه بوش بأسلافه من الرأسماليين والمستعمرين الذين يؤسسون امبراطورياتهم على الظلم والعدوان، ولا مكان في قاموسهم لاحترام الشعوب الآخرى والعيش المتساوي معها، او الحق في تقرير المصير. سيرحل بوش عن منصبه قريبا، وتبقى تركته الثقيلة التي كرست الفساد والانحراف والاحتراب واللاانسانية.

Show More

Related Articles

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

Close