Archive
Bahrain Freedom Movement
تنويه: بحسب مفهوم النظام، فإن هذا المقال- ومقالات الفسيلة[1] وغيرها- التي تندرج تحت عنوان: تثقيفي أو توعوي، معرفي أوتوضيحي، كشف للحقائق أو تعرية للمواقف، مزيل للريبة والشك أومجيب على التسائل، أو…الخ ، هو تحريض على كراهية النظام، ونشر معلومات من شأنها الحاق الضرر بالمصلحة العامة- المادة 165 و168 من قانون العقوبات [2]- لهذا وجب التوضيح)
(لا يوجد شك بالأحقية والمشروعية الإنسانية والأخلاقية والدينية في المطالبة بالحقوق وعدم التهاون في ذلك ولكن المشكلة هو التلكوء والتوقف عند ترجمة الموقف عملياً. المشكلة في معرفة الإنسان بدائه ودواءه ومع هذا، يتوانى عن أخذ الدواء. المشكلة في “ضمور” الضمير والإرادة عند الإنسان، بحيث يرى الباطل ولا يستنكره، حتى بمستوياته الدنيا. المعضلة في عدم الإستجابة لصرخات الإستغاثة لإدراك الوضع العام من التدهور أكثر بحيث لا يمكن “إنعاش الضمير”، كما ينعش المسعف قلب المريض عندما يتوقف.
هناك توصيف للمشكلة مع عدم ترجمة القناعة بأن الباطل باطل ولا يمكن تحويره ليلبس لبوس الحق، وأن الحق “حق” ولا يمكن أن يخفى ليفهم بأنه باطل. تتعمق المعضلة عندما تتداخل المفاهيم، بل تقلب- كما سنأتي لذلك عندما نستنطق مواقف الحسين “ع”، فيصبح الباطل هو الحق، والمنكر معروف، والمعروف منكر والحق باطل. “ألا ترون الى الحق لا يعمل به، والى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا”- هكذا رأى الحسين الوضع في أيامه. أدرك وأيقن الحسين “ع” أن هناك انقلاباً و”ردة” في المفاهيم التي جاء بها الإسلام عبر نبيه محمد “ص”.
أيضاً.. كان توصيف وتحديد الظالم المسرف في غيه جلياً واضحاً، كما كان الموقف المطلوب، بل والتضحية المطلوبة أيضا، واضحة. “إن يزيد شارب الخمر قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله”. لا يمكن إستخدام التكتيكات لتشوه بل تذوب وتزوي معها الثوابت وتزول، كما لايمكن تقديم التكتيكات على حساب الثوابت. ولايمكن خلط الحق بالباطل. فإما “يزيد” وما قام به على حق، فنتبعه ونؤمن بحكمه. وإما أن يكون على باطل، وجب رفضه ومقاومته. لايمكن بأي حال قبول أي تكتيك أو مشروع يتم من خلاله مصادرة الثوابت. لا يمكن التجاوز عن الفسق في حرمة شرب الخمر كونه يعبر عن عدم الإلتزام بالدين ومبادئه، كما لايمكن تبرير حلية قتل النفس المحترمة. فكون “يزيد” هو الحاكم والسلطان “المتجبر”، لايعني مسايرته وتبرير تجاوزاته حتى في ثوابت الدين وحرماته. هذه أطر موقف الحسين من يزيد.
لقد استطاع نظام يزيد أن يشوه الحقائق ويقلبها ويفرض على الجميع الأمر قبول الواقع والإستسلام له، بل والتطبيع معه. ولهذا، ومع وضوح الرؤية عن الحسين “ع”، لابد أن يخرج الأمة من سباتها، وايقاظها من التخدير اليزيدي الذي تسلل الى العقل والنفس. “ألا ترون الى الحق لا يعمل به..والى الباطل لا يتناهى عنه”. لقد رأى الحسين حقيقة الوضع الذي لا يمكن العيش أو التعايش معه “ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا”.
إذا ما الحل الذي المطلوب لتصحيح الوضع المعوج؟
“إن ابن زياد قد وقف بين اثنتين، بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله ونفوس أبية..”. لقد أيقن الحسين بأن نظام يزيد قد استطاع أن يصادر إرادة الأمة- نخبها وعلماءها ورموزها وقواعدها ولايمكن بأي حال من الاحوال استمرار الوضع على ما هو عليه، حيث أن الخطر قد وصل لمستوى لايمكن القبول به. فمن ناحية، صار هناك قلب للموازين وقبول ومسايرة “تطبيع” مع ذلك الوضع (قبول حكم يزيد غير الشرعي)، ومن ناحية أخرى لقد تم تخدير الأمة بحيث إنها ترى خطط ومشاريع النظام تفعل- ليس في الخفاء بل في وضح النهار والعلن- أمامها، ولكنها لاتستطيع النهوض لرفضه أو الوقوف في وجهه. ولهذا، رأى الحسين بأن عليه أن يقف أمام هذا الجرف في التيار، وأن الحل بأن يصقعه ويصدم الأمة ليوقظها من التخدير، ويوقف مشاريع النظام عند حدها. (بالطبع، هذا هو تحليلنا للموقف، وفي حقيقة الأمر فإن موقف الحسين نابع من تنفيذ تكليفه الشرعي والأخلاقي دون النظر الى من يقف وراءه، بل لم يهمه أن يواجه جيش يزيد لوحده، كما أكد في أكثر من موقف في كربلاء وما قبلها). الحسين، ابن بنت رسول الله “ص”، سيد شباب اهل الجنة، والجميع يعلم ذلك، بما فيهم يزيد- الحاكم الطاغية الظالم. العدو والصديق يعلم ذلك، ولامراهنة ولامزايدة على نسب ومقام الحسين. وعليه، لم يكن قبول قتله أو تبرير ذلك (وهنا لا نتحدث عن الجيش اليزيدي المكون من مرتزقة، بل عن أبناء الأمة وكوادرها)، ومنا هنا يأتي معنى الصدمة للأمة، بأن يدفع الحسين- السبط ذلك الأمام- ثمن خنوعها وسكوتها وقبولها للظلم ومشاريع مصادرة الهوية والإرادة. وقد تمثلت رد الفعل لمقتله –عليه السلام- بالثورات اللاحقة وأثر ذلك على حكم يزيد الذي لم يطل بعد الحسين.
والحسين “ع” يعلم أثر ذلك (مقتله ومقتل أهله) على الحكم وعلى الأمة، ولكن لا مناص. “إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي، فيا سيوف خذوني”. ولأنه عليه السلام قد خرج “لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد (ص)”، “أريد أن آمر بالمعروف وأنه عن المنكر وأسير بسيرة جدي (ص)، فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق”، فهو لم يبالي بما يحدث عليه وعلى أهله، وهو يعلم بضريبة الموقف الذي التزم به وبمستوى التضحية المطلوب تقديمها لتتحقق أهدافه عليه السلام: “خط الموت على ابن آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وخيل لي مصرع أنا لاقيه، رضا الله رضانا أهل البيت”. ولوضوح التكليف والقناعة التي وصل لها الحسين عليه السلام، لم يكن ليتردد لتقديم ما يلزم من تضحيات لتصحيح الإعوجاج، حتى وإن تطلب ذلك قتل ابنه الرضيع-عبدالله- وهو بين يديه، وما أفظعه من موقف يهتز له الوجدان.
إذن عندما يصل التشويش في المفاهيم لحد يضرب في أصل الثوابت وعندما يتضح الانحراف عن البوصلة، يوجد حاجة لإعادة التوجيه. وعندما تقلب الثوابت وتصبح تكتيكات، فلا بد من التصحيح، وعندما يتوقف الضمير عن “النبض” والحياة، فلا بد من انعاشه وانقاذه بالوسائل المختلفة: بـ”النفخ” غير المباشر أو المباشر (قبلة الحياة)، بالتدليك، بالمساج، بالوخز، وحتى بالصقع العالي بالكهرباء (هذه وسائل تستعمل لإعادة النبض للقلب بعد توقفه). يهمنا أن تعود الحياة، و”النبض” والوجود لذلك الإنسان. ولهذا في ظل هذه الأوضاع، من الضياع، وقسوة القلب، وبرود المشاعر بحيث لا ترد على الوخز أو الضرب أو حتى قطع الأوصال، نحتاج الى شخص مثل الحسين”ع” الذي بفقده من بيننا على يد الطاغية الظالم، ينتبه الضمير الشعبي ويصحو من غفوته.
فلقد تم القبول بالأمر الواقع والتطبيع مع حكم يزيد بن معاوية وتجاهل دعوات التذكير بالإنحراف في أصل الإستحقاق في إدارة الدولة ومعايير من يتقدم أو يترشح أو يعين لمنصب الحاكم. ولهذا جاء تحرك الإمام الحسين (ع) هادفاً الى ابقاء ضمير الأمة حيا وإن تكلف ذلك حياته وحياة أهله. لقد عاش الحسين وضوح الرؤية، موقناً بأن للتغيير ضريبة، ومستعداً لتقديم أعلى مستوى للتضحية. فالحسين فاضَلَ بين قيمة وجوده وبقاء الأمة، وفضل الأخيرة معتبراً ذلك تكليفه الذي لا تأخير أو تردد في تقديم التضحيات من أجله.
هذا هو الوضع في بلادنا، حالة من التشويش وقتل للإرادة وضمور واضح وجلي في الضمير إزاء ما تقوم به السلطة من تجاوزات حادة على مستوى الوجود والهوية. وعليه، هناك خيار إرادي واحد فقط لتصحيح الوضع، أو على الأقل تهيئة الأمور لفرصة تصحيح تعيد الأمور لنصابها. أن يظهر بين ظهرانينا من (شخص أو مجموعة) يقود حركة الرفض والمقاومة والإصرار على المطالبة بالوضع من خلال رؤية واضحة واستمرار متواصل واستعداد لتقديم التضحيات مهما غلت، وبهذا يظهر الحسين أو الحسينيون ليعملوا على تصحيح الوضع المعوج ويحدثوا الإصلاح الحقيقي الشامل المطلوب. هذا هو أسلوب الثورة المباشرة على الظلم والطغيان والإضطهاد.
هناك خيار آخر غير مباشر يعمل النظام، بسبب غروره وطغيانه، على تهيئة الوضع له، وهو ان يتواصل استهداف الشخصيات الفاعلة والنشطة، بحيث تخلق وضع “حسيني”. بمعنى، ان يعمد النظام عبر أجهزته المختلفة الى استهداف “اعتداء، سجن، تصفية، وغيرها” لبعض الشخصيات التي يعتقد بأنها وراء عدم استتباب الوضع واستقراره وأنها تستثير وتحرض وتسعى لخلخلة الأمن العام. وبهذا العمل الذي سيكون مرفوض محلياً ودولياً، شعبياً ونخبويأ، سينتج وضع ثورة غير مباشرة. حيث سيقود هذا التحرك “الأهوج” من النظام على تحريك مشاعر الرفض وعدم الرضا عند الأكثرية التي فرض عليه جو الصمت، وسيضطر الجميع للحديث عن رعونة وجنون النظام في قيامه بهذا التحرك. وسيعبر الجميع عن فقدان النظام لمعاني التعقل والتعامل بموضوعية، ولن يقتصر ذلك على فئة دون أخرى او مجموعة دون أخرى. سيدلل إستهداف – تلك الشخصية او الشخصيات- على عدم قدرة النظام على إدارة الوضع العام في البلاد، وسيعم الغضب والإحتقان وعدم الرضا عن هذا القرار والتصرف، ولن يحظى النظام بالغطاء الإجتماعي لما قام به.
فهل سيخرج من بيننا من يقوم بالدور الحسيني أم سيعمل النظام – بسبب هستيريته وضياع بوصلته – على خلقه وإيجاده؟ إننا نعتقد أن الوقت قد حان لهذا الدور، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو الأمل الوحيد لتصحيح الوضع السيء على جميع المستويات، وعلى الظالم تدور الدوائر.
——————————————————————————–
[1] Alsingace.blogspot.com, alsingace.katib.org
[2] المادة 165 : يعاقب بالحبس أو بالغرامة من حرض بإحدى طرق العلانية على كراهية نظام الحكم أو الازدراء به.
المادة 168: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبالغرامة التي لا تجوز مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من أذاع عمدا أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو بث دعايات مثيرة إذا كان من شأن ذلك اضطراب الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة. ويعاقب بهذه العقوبة من حاز بالذات أو بالواسطة أو أحرز محررات أو مطبوعات تتضمن شيئا مما نص عليه في الفقرة السابقة إذا كانت معدة للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها، ومن حاز أية وسيلة من وسائل الطبع أو التسجيل أو العلانية مخصصة ولو بصفة وقتية لطبع أو تسجيل أو إذاعة شئ مما ذكر.