Archive
Bahrain Freedom Movement
“الأحكام قاسية و لا تخدم السلم الأهلي” قد لا تبدو هذه الجملة معبرة عن مجريات أحداث محاكمة معتقلي ديسمبر إلا أنها تمثل خط الإجماع الأول عند قوى المعارضة البحرينية. فصدور مثل هذه الأحكام يعد بداية لشروع القضاء البحريني في إصدار أحكام مشابه لقضايا أخرى ، و هي أحكام تقوم بمهمة التذكير و إعادة الاعتبار للأحكام السياسية التي كان جهاز أمن الدولة يصدرها طوال ثلاثين سنة قبل تحوله إلى جهاز الأمن الوطني سنة 2004.
حيثيات الحكم الصادر لم تأخذ بعين الاعتبار أي من بنود مذكرة الدفاع التي أكدت على جملة من النقاط أهمها عدم وجود سند قضائي من النيابة العامة بتفتيش منازل المتهمين في إشارة إلى قيام مجموعات من جهاز الأمن الوطني بتنفيذ حملة الاعتقالات من دون الرجوع إلى النيابة العامة. ثانيا تعرض المعتقلين إلى تعذيب جسدي و ضغط نفسي لأخذ اعترافات غير واقعية و حملهم على الاعتراف بالتهم الموجه إليهم. ثالثا غياب أي أدلة مقنعة بحيازة المعتقلين للسلاح المسروق. رابعا عدم الأخذ بشهادة شهود النفي الذين تقدموا بشهادات مخالفة لشهادات أفراد الشرطة. وزارة الداخلية قدمت تقريرها للقضاء أيضا و أدرجت فيه وجهة نظرها القانونية و الأمنية وكعادة أي جهاز أمني فلن تكون شهادته ضد نفسه. فصحيفة الإدعاء احتوت على جملة من الأقوال المخالفة للواقع مثل شهادة قائد الشرطة في مكان الحادث الذي قال أنه حضر لموقع الحادثة و وجد حوالي ألف متظاهر يهتفون بشعارات معادية للحكومة في حين أن قوات الشرطة و مكافحة الشغب كانت متواجدة قبل خروج المتظاهرين في مسيرة جنازة تشيع عادية.
في الوقت الذي يعرف الجميع فيه، أن قوات مكافحة الشغب و عناصر جهاز الأمن الوطني تقوم بتفريق المتظاهرين باستخدام الغازات المسيلة للدموع و بطلقات الرصاص المطاطي من دون توجيه أي إنذار فقد قال قائد الشرطة أنه أمر المتظاهرين بالتفرق و إنهاء المسيرة و لم يأتي بشهود أو دليل على أو أقواله. أعراض عدم التماسك و الاضطراب تبدأ في التصاعد و الظهور في إفادة قائد الشرطة و أفراد الشرطة المؤتمرين تحت قيادته فالشرطي الذي كان يقود سيارة الشرطة أدعى أنه تعرض للضرب مما أجبره على ترك السيارة و الفرار حفاظا على حياته و قد أغفلت التهم الموجهة للمعتقلين هذه التهمة و لم يرد على ذكرها رغم أن قائمة التهم حاولت إلصاق أكبر عدد من التهم بما فيها تلك المتعلقة بالنوايا و الأفكار و السجل السياسي. إن الظروف الموضوعية لأي شرطي يترك معداته العسكرية وسط متظاهرين هي أن يخبر قائد الشرطة بما تركه في سيارته فور محادثه للقائد إلا أن قائد الشرطة تفاجأ بأن هناك سلاحا في السيارة بعد حرقها إن المدة الفاصلة بين الاستيلاء على السيارة و بين حرقها لن تكنون أقل من عشر دقائق و تظهر الصورة المتوفرة أن رجال الشرطة بما فيهم قائد الشرطة كانوا على مقربة من السيارة و يرون تحطيمها فهل من المعقول أن لا يتحدث الشرطي قائد السيارة لرئيسه بما تركه داخل السيارة. لا تبدو أن رواية وزارة الداخلية قادرة على إقناع أطفال يتابعون أفلام كارتون فنتازية لكنها أقنعت القضاء البحريني و أقنعت بعض الجمعيات السياسية الموالية.
حاولت المحكمة في صحيفة منطوق الحكم أن تظهر بمظهر المحايد فعرضت مجموعة إجراءات قالت عنها أنها عادلة، السؤال الذي كان يوجه للمحكمة ما هو تعريفها للحياد و ما هو تعريفها للعدالة. فتقرير اللجنة الطبية المنتدبة يؤكد حدوث إصابات جسدية عند كافة المعتقلين لكنه و بحكم مرور أكثر من ثلاثة أشهر لا يستطيع الإفصاح عن فاعلها رغم أنه يصف بطريقة دقيقة أسباب تلك الإصابات بأوصاف تتوافق تماما مع شهادات المعتقلين و تعرضهم للتعذيب الجسدي. فهل أن الحياد هو ترك أجهزة الأمن أي مدة زمنية تراها مناسبة لعرض المعتقلين على اللجان الطبية في حين أن المعتقلين تقدموا بإفادات تعرضهم للتعذيب منذ الأيام الأولى للاعتقال؟ و هل العدالة تقتضي عدم محاسبة أجهزة الأمن على هذا التجاوز لحقوق المعتقلين؟
أيا كانت النتائج، فإن صدور تلك الأحكام يحمل رسائل و دلالات تحاول الحكومة أن ترسلها إلى القوى السياسية و أن تدلل على وجود إستراتيجية جديدة في التعاطي مع الأحداث الأمنية. أهم تلك الرسائل و الدلائل أن قانون أمن الدولة قد بعث من جديد و أنه جهاز للتنفيذ متى ما اقتضت مصلحة الحكومة ذلك و بالتالي فإن الجمعيات السياسية بكافة أطيافها ستكون تحت رحمة هذا القانون و تحت التهديد إن لم ترضخ و توافق على متطلبات جهاز الأمن الوطني