الأرشيف

سبتمبر 2002

كيف تغيّرت امريكا خلال عام بعد 11 سبتمبر؟ د.سعيد الشهابي في الذكرى الاولى لحوادث 11 سبتمبر الدموية، كثرت المناقشات حول الوضع الامريكي ومدى التغيرات التي حدثت للولايات المتحدة سواء في ما يتعلق بسياساتها الخارجية ام بالتراماتها الدولية ام بالتغيرات النفسية التي حصلت لمواطنيها. وثمة تساؤلات حول مدى استعداد القوة الكبرى في عالم احادي القطبية، للعمل الجماعي في اطار الامم المتحدة ام انها اصبحت اكثر جنوحا للعمل المنفرد، واخرى حول ما اذا كانت تلك الحوادث المؤسفة قد ادت الى تقوية الولايات المتحدة ام اضعافها كقوة عسكرية وسياسية. وخلال الايام القليلة الماضية حفلت وسائل الاعلام الامريكية والبريطانية ببرامج واسعة حول هذه القضية وكتبت المقالات التحليلية الكثيرة وعقدت الندوات والمؤتمرات لمناقشتها في عواصم غربية عديدة. الامر الذي يتفق عليه الكثيرون هو ان الساحة السياسية الدولية تغيرت كثيرا خلال الاثني عشر شهرا الماضية، وان الولايات المتحدة على وجه الخصوص شهدت تغيرا جوهريا واسعا في النظرة الى العالم وطرق التعاطي مع قضاياه، والعلاقة مع المنظمات التي تمثل القرار الدولي. ويعود ذلك، في بعض جوانبه، الى شعور واشنطن بقدرتها على الدفاع عن نفسها بما لديها من وسائل بعيدا عن تعقيدات الموقف الدولي. واذا كان سقوط جدار برلين في 1989 يعتبر نهاية عملية للحرب الباردة من جهة وللاتحاد السوفياتي من جهة اخرى، فان سقوط برجي مركز التجارة العالمي يعتبر نهاية لمرحلة كانت الولايات المتحدة تدخل الحروب فيها نيابة عن الآخرين وبداية مرحلة تعتبرها واشنطن »مرحلة الدفاع عن النفس« بعد ما تعرضت له من اعتداءات. فالامريكيون ينظرون الى التفجيرات الانتحارية التي حدثت في صباح الحادي عشر من سبتمبر 2001 بانها »اعتداء على جميع الامريكيين« لانها كانت »عشوائية« وتستهدف قتل الامريكيين بغض النظر عن مواقعهم ووظائفهم، ولم تكن موجهة ضد هدف عسكري محدد. وبالتالي كان الرد عليها شاملا وبلا رحمة. مشكلة الولايات المتحدة انها قوة عسكرية عملاقة لا تسمح لاحد بالاعتداء عليها او من يمثلها، ولذلك اعتبرت حوادث التفجير »خدشا للكبرياء« و »اعتداء على الكرامة والوجود الامريكيين«. وعلى هذا الاساس كان الرد الامريكي قاسيا جدا، اذ لم تمض سوى بضعة اسابيع على التفجيرات حتى كانت الولايات المتحدة تخوض حربا شاملة ضد نظام طالبان وتنظيم قوات »القاعدة« وفي غضون شهر واحد حتى كان ذلك النظام ينهار تماما، ويلوذ قادته بالفرار. كان الموقف الامريكي يعبر عن حالة غضب شديد عمّت اوساط القادة الامريكيين بسبب فداحة حوادث 11 سبتمبر ودفعتهم لخوض حرب غير متكافئة مع نظام سياسي ساهموا في اقامته ومجموعات مسلحة شاركوا في تدريب افرادها وتسليحهم لمواجهة عدوهم الاكبر خلال الحرب الباردة. وكانت نتيجة تلك الحرب اسقاط نظام »طالبان« وتفتيت تنظيم »القاعدة« الذي يتردد في الاوساط ان رئيسه، اسامة بن لادن، ربما يكون قد قتل في الغارات التي شنتها القوات الامريكية بلا هوادة في جبال افغانستان الوعرة. فهل تعني تلك التطورات ان الولايات المتحدة اصبحت اقوى مما كانت عليه قبل 11 سبتمبر؟ وهل انتهى فعلا شبح الاعمال الارهابية ضد الولايات المتحدة ومصالحها؟ هذا جانب من النقاش الذي يدور في الدوائر الفكرية والسياسية، وليس هناك اتفاق بشأنه لعدد من الاسباب. فقد كشفت الاعتداءات التي استهدفت المصالح الامريكية قبل عام واحد عددا من الامور منها فشل اجهزة الاستخبارات التي تتجاوز ميزانيتها السنوية الثلاثين مليار دولار، الامر الذي دفع الرئيس الامريكي لاتخاذ قرار بتشكيل جهاز امني جديد يمارس التنسيق بين وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووجود مشاعر معادية للامريكيين لدى بعض القطاعات البشرية تدفع بعضهم الى حد التضحية بحياته لايذاء الولايات المتحدة واهانتها، وفشل السياسات الامريكية التي تسعى لاقامة كيانات متوازية لخدمة مصالحها بدون النظر الى ما قد يستتبع ذلك من مخاطر، وضعف التخطيط الاستراتيجي الامريكي الذي يخدم مصالح واشنطن. ويتجلى الضعف الامريكي ايضا في العوامل نفسها التي تمثل نقاط قوته. فحالة الانفتاح الثقافي الداخلي تحمل في طياتها مخاطر قد تؤدي الى تكرر ما حدث، وسعة مساحتها الجغرافية عامل لا يخلو من بعد سلبي، والحجم الكبير لترسانتها العسكرية يدفعها لاعمال غير مبررة ينجم عنها عداء للولايات المتحدة من قبل الشعوب الاخرى. اما القوة السياسية للولايات المتحدة فقد تراجعت كثيرا برغم ما يبدو من تعزيز لها. يؤكد ذلك عجز الولايات المتحدة عن تحقيق قدر ادنى من التوافق الدول ازاء مشروع حربها ضد العراق، فأغلب دول الاتحاد الاوروبي معارض لتلك الحرب المزمعة، ولا يتوقع ان تصدر الامم المتحدة قرارا بالحرب الا بعد اعطاء العراق فرصة السماح بعودة المفتشين، وهو امر لا يتناسب مع المشروع الامريكي الهادف لاسقاط نظام صدام حسين. وكانت الارادة السياسية الامريكية قد اصيبت بضربة غير قليلة في الربيع الماضي عندما دعمت واشنطن انقلابا عسكريا ضد الرئيس الفنزويلي المنتخب، شافيز، الذي اعاده الشعب الى السلطة بعد 48 ساعة فقط من الانقلاب، وبدت الولايات المتحدة محرجة امام العالم. كما ان خلافاتها الحالية مع الدول العربية خصوصا المملكة العربية السعودية، تعكس ضعفا سياسيا فوق التصور. اما مشروعها للسلام في الشرق الاوسط فان سقوطه يعتبر مؤشرا للضعف السياسي الامريكي عموما، وغياب الجدي
ة والمبدئية في التوجه الامريكي بالشرق الاوسط. وهناك قناعة لدى الكثيرين بان الشعب الامريكي ليس معاديا للعرب او المسلمين ولم يتصرف بحماقة بعد اعتداءات 11 سبتمبر. فقد حدثت قرابة الـ 300 حادثة اعتداء ضد المسلمين في الولايات المتحدة، ومئات المواجهات المحدودة ورسائل التهديد والشتم، ولكن في الوقت نفسه كان هناك تواصل بين المسلمين والشعب الامريكي يتسم بالانسانية والتعاطف. هذا برغم دعم الحكومة الامريكية غير المحدود لقوات الاحتلال الاسرائيلية. ويمكن القول ان تطورات العام الماضي أدّت الى تغيرات عميقة في طرق ادارة الازمات لدى القادة الامريكيين وتمثلت في عدد من الظواهر. فالنزعة نحو الاعمال والسياسات الانفرادية تعكس ضعفا في الموقف وتراجعا في السياسة، وتوجها نحو العزلة. وقد لوحظ خلال العام الماضي ان حالة الشعور بالاحباط لدى القادة الامريكيين دفعتهم في بعض الاحيان لاتخاذ قرارات خطيرة بدون الرجوع الى المجموعة الدولية المتمثلة بالامم المتحدة. ففي حرب الكويت توفر للولايات المتحدة دعم دولي واستطاعت اقامة تحالف واسع خلال الحرب، تداعى بعدها بسرعة. اما في حالة الحرب ضد افغانستان، فلم تستطع الولايات المتحدة اقامة تحالف مماثل، برغم انها كانت في وضع اقوى مما كانت عليه قبل عشرة اعوام. ولم تشارك في الحرب ضد طالبان والقاعدة سوى بريطانيا التي ارتبطت في سياساتها الخارجية بالولايات المتحدة. وعندما سعى الرئيس جورج بوش الابن لتوسيع دائرة الصراع في اطار الحرب المعلنة ضد الارهاب، وحدّد العراق كهدف آخر، فشلت الولايات المتحدة في الحصول على دعم من اي بلد سوى بريطانيا. ويعاني رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، في الوقت الحاضر من عزلة داخلية ليس في بلده فحسب، بل داخل حزبه، منذ ان أعلن موافقته غير المشروطة على المشروع الامريكي لضرب العراق. ولوحظ التباين في الموقف بين دول الاتحاد الاوروبي من جهة والولايات المتحدة من جهة في ما يتعلق بالحرب ضد العراق. اما روسيا والصين فهما معارضتان للحرب حتى الآن، وان كان هناك توقع بموافقة روسيا عليها اذا ضمنت الولايات المتحدة مصالحها المستقبلية في العراق. المهم في الامر ان الولايات المتحدة اصبحت اكثر جنوحا نحو استعمال القوة بقرارات منفردة خارج اطار الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي. وهناك الآن توجه، تحت الضغوط الامريكية، لاستصدار قرار من مجلس الامن الدولي يطالب العراق بالسماح بعودة المفتشين في غضون فترة محددة والا تعرضت بغداد لحرب شاملة. وتقول استطلاعات الرأي ان اغلب الامريكيين يشعرون بضرورة ابقاء الارتباط بالعالم الخارجي وان كانوا لا يحبونه، ويقول استطلاع آخر ان استمرار الارتباط مطلوب ولكن وفق الشروط الامريكية. وفي ما يتعلق بالعمل العسكري ضد العراق يرى 45 بالمائة ضرورة الحصول على موافقة الامم المتحدة او الدول الصديقة للولايات المتحدة بينما يؤيد 35 بالمائة نزعة امريكا نحو العمل العسكري المنفرد فيما لو اعترضت الدول الاخرى او رفضت الامم المتحدة الطلب الامريكي. اما شعبية الرئيس الامريكي فقد قفزت في الاسابيع التي اعقبت 11 سبتمبر الى 90 بالمائة لكنها تراجعت في الوقت الحاضر الى حوالي 65 بالمائة نتيجة سوء ادارة الفضائح المالية. ويؤكد النزعة الانفرادية للسياسة الخارجية الامريكية توجه واشنطن للتنصل من مسؤولياتها الدولية تجاه البيئة والتنمية والديون وغيرها. ويعتبر موقفها من اتفاقية كيوتو للحد من التلوث البيئي، ورفضها الانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية، واخيرا عدم الاكتراث بقمة الارض في جنوب افريقيا ورفض التوقيع على اي قرار ملزم للولايات المتحدة في ما يخص التنمية وتجديد مصادر الطاقة، كل ذلك كشف التناقض في السياسة الامريكية، فهي الدولة الكبرى في العالم ولكنها الاكثر رفضا للانصياع للارادة الدولية، والاقل استعدادا للمشاركة في المسيرة المشتركة لدول العالم، والاكثر انتهاكا لقوانين الانفتاح الاقتصادي وتحرير التجارة. وفي الاسبوع الماضي سمحت المحكمة الدولية لدول الاتحاد الاوروبي ببدء تطبيق نظام عقوبات اقتصادية ضد الولايات المتحدة بعد اصرار الاخيرة على الاستمرار في دعم الزراعة وفرض ضرائب على الحديد المستورد وعلى الشركات الاوروبية العاملة في الاراضي الامريكية. هذه النزعة لا تمثل نقاط قوة لدولة يفترض ان تكون اكثر من يراعي القوانين الدولية ويعمل لتقوية الامم المتحدة. وخلال العام الماضي فرضت الحكومة الامريكية قوانين صارمة تحد من الحريات وتنتهك حقوق الانسان، ورفضت اخضاع سجناء الحرب من عناصر تنظيم القاعدة لاتفاقات جنيف واعتبرتهم »مقاتلين غير شرعيين«، واصدرت قوانين تسمح باعتقال من تتهمهم بالارهاب لفترات غير محددة بدون توجيه تهم لهم او محاكمتهم. وما تزال مشاهد المعتقلين في سجن »كوانتنامو« بكوبا تعكس وحشية غير متوقعة من دولة قوية كالولايات المتحدة. صحيح ان الاجراءات لم تكن بالصرامة نفسها التي عومل بها اليابانيون خلال الحرب العالمية الثانية ولكنها لا تتوافق مع ما هو متوقع من دولة تستضيف على اراضيها الامم المتحدة والكثير من مؤسساتها. فخلال الحرب العالمية الثانية تم اعتقال 70 الفا من اليابانيين المتواجدين على الاراضي الامريكية بعد الهجمات اليابانية على بيرل هاربر. وثمة تغير في الاستراتيجية الامريكية تبلور بمرور الوقت يتمثل في بحثها المتواصل عن بدائل لنفط الخليج بسبب تداعي العلاقات مع المملكة العربية السعودية. وحتى الآن لم تثمر الجهود الم
بذولة في توفير مصادر بديلة للطاقة. لكن واشنطن تسعى في الوقت الحاضر لتجاوز نفط الخليج بتشجيع دول اخرى مثل نيجيريا على زيادة انتاجها للضغط على منظمة »اوبك« آلتي رفضت في الشهور الاخيرة الانصياع للضغوط الامريكية لزيادة حصص الانتاج. ويأتي ذلك في مجال البحث عن مصادر بديلة لنفط دول الخليج خصوصا مع تصاعد التوتر مع المملكة العربية اسعودية التي ينتمي اليها اغلبية المتهمين بالمشاركة في في حوادث 11 سبتمبر. وبرغم ما يقال عن الاقتصاد الامريكي فقد شهد انخفاضا حقيقيا في معدلات النمو خلال العام الماضي (من 3 الى 5.1 بالمائة)، وانخفض سعر الدولار حوالي عشرة بالمائة. وتقول بعض الاحصاءات ان 40 بالمائة من سكان نيويورك اما خسروا وظائفهم خلال العام الماضي او خسروا شيئا من عائداتهم. وساهم في تراجع الثقة بالاقتصاد الامريكي الفضائح المالية التي طالت عددا من الشركات العملاقة مثل انرون وورلدكوم وغيرهما. كما ساهم في هذا التراجع تصاعد الموازنات العسكرية واستحواذ »الحرب ضد الارهاب« على شطر كبير من الميزانية (أقر الكونجرس 40 مليار دولار كدعم طاريء للادارة). وتبلغ الميزانية العسكرية الامريكية مليار دولار يوميا، بينما تبلغ الديون الامريكية اكثر من 400 مليار دولار. وبالرغم من التعتيم على المقاطعة التي تجري حاليا للبضائع الامريكية في اغلب بلدان العالم الاسلامي، يتوقع الاقتصاديون ان تكون لها انعكاسات اقتصادية سلبية غير قليلة على المدى البعيد. وتقدر خسائر شركات التأمين نتيجة اعتداءات 11 سبتمبر بأكثر من 40 مليار دولار، ، بينما تقدر تكاليف مدينة نيويورك بسبب الهجوم بـ 95 مليار دولار على مدى العامين المقبلين.

الولايات المتحدة تبدو اليوم في حالة ارتباك سياسي خطير لا تقتصر آثاره المدمرة على منطقة بعينها، اذ ان لديها من اسلحة الدمار الشامل ما قد يؤدي الى كوارث بشرية لا تقل خطرا عما حدث عندما القيت القنبلة الذرية على هيروشيما وناغاساكي قبل اكثر من نصف قرن. وليس من مصلحة امريكا الاستمرار في هذه السياسة، كما ليس من مصلحة العالم الصمت على هذه السياسات. وما دام المنبر الوحيد المتاح في الوقت الحاضر يتمثل بالامم المتحدة فمن الضروري اجبار واشنطن على الاحتكام الى ذلك المنبر وعدم التصرف خارج اطار المجموعة الدولية. الارهاب ظاهرة خطيرة ومرفوضة، ومحاربتها يجب ان تكون من خلال توافق دولي وليس بارادات منفصلة. ومن مصلحة العالم ان تكون امريكا القوية خاضعة لحكم القانون الدولي وفي طليعة من يطبقه. تلك هي القوة الايجابية التي تبني ولا تدمر، تعمّر الارض ولا تخرّبها، تفضي على الارهاب واسبابه ولا تشجعه.

لماذا المقاطعة..؟! أ . سامي ناصر خليفة 4 سبتمبر 2002 إعلان الحركات الشعبية الكبرى والقوى الوطنية الفاعلة في البحرين دعوتها الشعب هناك لمقاطعة الانتخابات البرلمان المزمع عقدها في أكتوبر المقبل، ودعوتها لكافة الفعاليات الشعبية لإعلان المقاطعة، يستحق الوقوف أمامه وقراءته بتأن وحكمة. فما الذي يجعل قوى شعبية سياسية ودينية ذات وزن شعبي من العيار الثقيل جدا وذات سجل تاريخي في النضال من أجل احترام الدستور وعودة المجلس الوطني المنتخب، ما الذي يجعلهم يقاطعون الانتخابات البرلمانية التي تمثل المطلب الأساس في معارضتهم السابقة للنظام؟! وما الذي يجعل رموز شعبية لها تاريخها العريق وثقلها الاجتماعي وحضورها السياسي أن تقاطع العمل النيابي، وقد كرست جل حياتها في الفترة الأخيرة لتدافع عن عودة الحياة البرلمانية في البحرين؟! الخطوات التي قامت بها الحكومة منذ إعلان موعد الانتخابات، نجد أنه لا يمكن أن تفسر إلا كونها محاولة لتكريس الهيمنة على نتائج الانتخابات القادمة، من خلال سلسلة من الإجراءات جاءت خارج رحم دستور البلاد، بل كانت تمثل تطاولا صريحا على مقدرات الأمة ومكاسبها الدستورية، خصوصا وأن الحكومة تعلم علم اليقين حالة التأييد الشعبي العارمة للقوى الشعبية والتي ترجمتها نتائج انتخابات المجلس البلدي الأخيرة رغم العراقيل التي وضعت أمامها.

وأحسب أن خطوات الحكومة البحرينية التي جاءت خارج رحم الدستور لم تأت إلا لضمان عدم إلغاء أي مجلس جديد – يأتي بعيدا عن سيطرتها – كافة القوانين والإجراءات التي صدرت في غياب البرلمان المنتخب وفقا لدستور 1973، ولإيقاف فتح تحقيق شامل في قضايا التعذيب والقتل خارج القانون التي حدثت خلال الحقبة ما قبل الانفتاح السياسي مع ملاحظة أن مشاركة القوى الشعبية في الانتخابات البرلمانية بشكلها الحالي يعني القبول بمواد الدستور الجديد المفروض قسرا واعترافا به وقبولا ضمنيا بإلغاء دستور 1973 الشرعي، خصوصا وأن رضوخ الحكم للإرادة الشعبية لم يأت إلا بعد صمود الانتفاضة الشعبية في الداخل والخارج والتزامها بمطالب دستورية محددة، هذا الصمود الذي كان مدعوما من قبل ضغوطا دولية وإعلامية تراكمت على نظام الحكم واضطرته للرضوخ والقبول بالإصلاحات ولثقتنا بقادة التحرك الشعبي الذين أثبتوا أنهم على قدر كبير من المسؤولية عندما تناسوا جروح الماضي وارتقوا إلى مستوى المسؤولية ناظرين إلى المستقبل بطموح داعمين الانفتاح السياسي ومسيرة الإصلاح التي جاءت في ميثاق العمل الوطني. لتلك الثقة نجد أنه من الضروري أن تعيد الحكومة حساباتها، خصوصا وأن القوى الشعبية باتت في ظل الظروف الجديدة مغيبة تماما عن رسم القرار السياسي في البلاد، بل أصبح من الواضح أن الحكومة ومن خلال قراراتها وتغطية وسائل إعلامها تتعمد تجاهل تلك القوى الشعبية غير عابهة بما يحمل هذا التجاهل من تبعات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق