Archive
Bahrain Freedom Movement
مشاهدات صحفي في البحرين (3) المؤسسات الخاوية على عروشها باستثناء الدولة فإن الجميع يمكنه أن يحضر في المشهد السياسي البحريني. فالدولة هي الغائب دائما عن أغلب الصراعات و عن إدارة الملفات المتأزمة. غيبا الدولة ليس مهما بقدر ما الذي يحضر إذا ما غابت؟ بالتأكيد فإن غياب الدولة لا يشير إلى غياب البنية الإدارية أو الأشكال الأخرى من المؤسسات السياسية عن الأنظار إذ بإمكان أي شخص أن يشخص الدولة في نظامها السياسي و في هيكلتها الإدارية و الوزارية، لذا فإن السؤال الذي يلاحق الناس هو أين يجدون الدولة التي تحمي مواطنيها و تضمن لهم حقوقهم و تطالبهم بالواجبات. غياب الحدود الفاصلة بين الحقوق و الواجبات هو ما تشير إليه عبارة غياب الدولة، و قد تشير هذه العبارة إلى معنى آخر أكثر دقة، ألا و هو فقدان المؤسسات السياسية و الفاعلين فيها إلى الصفة العمومية و تمثيل الناس بشكل متساوي، أو على الأقل بطريقة مقبولة.
على مثل هذا الغياب تتحرك الجماعات ضد الجماعات الأخرى و تتأسس أخلاقيات الانتقام فالجماعات الأقوى لا يمكنها أن تسمح للجماعات الأضعف أن تظهر أو أن تقوي نفسها و إذا ما فعلت ذلك فلن تكون هناك سوى طريقة الانتقام منها و معاقبتها على أفعالهم انطلاقا من دواعي شخصية في الغالب.
الدولة في البحرين عمرها قصير جدا فهي لم تحظى بالاعتراف الدولي كدولة مستقلة إلا في سنة 1971، إلا أن آليات عملها تمتد إلى أكثر من قرنين حيث استطاعت قبيلة آل خليفة الاستيلاء على الجزيرة و بالتالي تم إخضاعها إلى نظام سياسي قبلي لا يزال فاعلا بطريقة مباشرة من خلال مواد دستورية تنص على أن الحكم في البحرين وراثي في عائلة آل خليفة و تحمى مواد دستورية أخرى هذا الأساس حيث يمنع دستور 1973 و دستور 2002 تعديل هذه المادة منعا مطلقا. لا يقتصر الأمر على شكل النظام السياسي بل إن هناك ممارسات شديدة الالتصاق بالجانب القبلي أبرزها الاحتكار الواسع لمصادر الثروة و تقليص المشاركة إلى أقصى حدودها حتى في شكلها الديمقراطي.
البرلمان الذي ناضل من أجله الشعب
أكثر من فريق سياسي يرى أن المؤسسات السياسية الحالية هي مؤسسات خاوية على عروشها بعد إن كان بالإمكان الرهان عليها قبل إصدار دستور 2002 فعلى نقيض بعض مواد دستور 1973 يذهب دستور 2002 إلى إعطاء مزيد و مزيد هائل من الصلاحيات إلى الملك و يحرم منها المجلس الوطني باعتباره ممثلا للسلطة التشريعية و الذي لم منتخبا بالكامل حيث يقوم الملك بتعين نصف أعضاءه الثمانين. و كانت مواد دستور 1973 تعطي الصلاحية الواسعة للنواب في أن يكونوا ممثلا حقيقيين للشعب أما الآن فهم بالكاد يبلغون النصف و صلاحياتهم تكاد هي الأخرى أن تكون منعدمة إذ لا يحق للنواب المنتخبين مساءلة رئيس الوزراء و لا إلزام الحكومة بأي قانون إلا بعد موافقتها أو موافقة الأعضاء المعينين في حالات أخرى.
رغم أن أكثر من انتخابات أجريت في البلاد إلا أن المخرجات لم تتغير كثيرا فالصبغة الطائفية و الاستقطاب السياسي الذي حرك انتخابات 2002 هي نفسها التي حركت انتخابات 2006، و لم يشفع لمجلس النواب الحالي دخول أكثر من 16 نائبا معارضا يمثلون كتلة جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، إلى أروقته و غرفه الفخمة. فالدولة المسيطرة تسعى لتحويل هؤلاء المعارضين إلى وجهاء في أفضل الحالات و تمنع عليهم أن يتحولوا إلى سياسيين أكفاء. و قد حاول أعضاء كتلة الوفاق كثيرا أن يقطعوا الطريق على الحكومة في مسعاها و لكنهم أمام تضخم الدولة المسيطرة و أمام الفجوات الكبيرة في المؤسسات السياسية لم يستطيعوا أن يحركوا ساكنا إلا في حالات نادرة و قليلة جدا.
آخر تلك الحالات النادرة قدرة أعضاء الكتلة على منع مجلس النواب من إصدار بيان تأييد لجهاز الأمن الوطني في إجراءاته القاسية و البعيدة عن مواد وثيقة حقوق الإنسان و قدرتهم أيضا على إقناع بعض النواب الموالين للتصويت على مبادرة حوار وطني بهدف معالجة التوتر الأمني المتفجر منذ ديسمبر العام الماضي. ومع ذلك فقد استمر جهاز الأمن الوطني في اعتقال الناس و تعريضهم للتعذيب و استمر في تلفيق التهم ضد بعض السياسيين المعروفين على المستوى المحلي والدولي، و رغم موافقة مجلس النواب على مبادرة الحوار الوطني فقد ظلت الحكومة ترفض عقده و تصر على عدم اقتناعها بأهمية الحوار و تصر على إظهار مزيد من القسوة و التشدد في معالجة الملفات السياسية المتأزمة.
مؤسسات القضاء و الاحتكام العامة
الخواء السياسي و شكلية المؤسسات القائمة ليس هو الدليل الوحيد على غياب الدولة فالمؤسسات الأخرى تعيش حالة من الخواء و تسطير عليها أخلاقيات الانتقام و أخلاقيات العزوة و القرابة العائلية لذا رفضت المحكمة العليا طلب محامين الدفاع عن الأستاذ حسن مشيمع و الشيخ محمد حبيب في تعيين قاضي تحقيق غير الذي باشر التحقيق الأول معه ومع أن المحكمة لم تعطي جوابا قاطعا في هذا الشأن إلا إنها لم تلتفت إلى طلب هيئة الدفاع و سمحت للمدعي العام بمواصلة تحقيقاته مع معتقلين الرأي و لولا إصرار هيئة الدفاع في الجلسة الأولى للمحاكمة في فبراير الماضي، على تسجيل أقوال المتهمين و دعواهم بتعرضهم للتعذيب لما قامت المحكمة باتخاذ هذا الإجراء الروتيني و الحقوقي. إن هذه المواقف و غيرها ما من شك أنها تعزز موقف المعتقلين ورفضهم التوجه للنيابة العامة و إحالتهم للقضاء إذ هي مواقف تقترب كثيرا من التحيز إن لم تكن هي كذلك حقا.
إن افتقاد الدولة إلى الكفاءة في المؤسسات السياسية و إلى النزاهة و العدالة في المؤسسات الأخرى هي دوافع لأن تصبح البحرين متوترة أمنيا و تفتقد إلى الاستقرار السياسي و الأمني حاليا و مستقبلا وهو ما عبر عنه بيان اختتام الاعتصام الذي نفذ في منزل الأستاذ عبد الوهاب حسين و ما قاله صراحة الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان في لقاء مفتوح عقده بعد فك الاعتصام بليلة واحدة في منطقة النعيم وهذا الرأي يتفق عليه جميع قادة الجمعيات السياسي المعارضة باختلاف توجهاتها السياسية و لكن لا يبدو أنه رأي قادر على إقناع الحكومة بالأخذ به و تحقيق التوافق السياسي بين الأطراف السياسية.
صناعة القوة عند الحكومة
قد يعزو البعض ما يحدث حاليا و ما حدث من خواء، إلى ضعف القوى المعارضة و تشتتها، و بالتالي عجزها عن تحقيق قدر مناسب من التوافق فيما بينها، وهذا ما يجعل من الحكومة قادرة و بشكل مطلق على تجاهل مثل هذه المبادرات و التحذيرات. الشواهد المؤيدة لهذا الاتجاه كثيرة جدا و قد تؤدي في بعض الحالات إلى التعامي عن التذكير باستراتيجيات صناعة القوة المتبعة عند الحكومة وهي استراتيجيات فاعلة ومؤثرة جدا داخل المسار السياسي في البحرين.
إن تاريخ السياسية في البحرين مبني على قاعدة استخدام القوة و العنف وعلى ما يعرف بنظرية “القوة الكاملة الضاربة ” و لتحقيق ذلك تلجأ الحكومة إلى إتباع أساليب ووسائل مختلفة منها:
1- استخدام التهديد و التخويف بهدف تحديد تصرفات المعارضة و فرض شروط التكيف عليها.
2- إتباع سياسية الانتقام الذي يجسد التنفيذ العملي لمفهوم التهديد و ينقله من مرحلة السكون إلى مرحلة التحقيق.
3- الحرص الدائم على امتلاك أكبر قوة ممكنة و أجهزة أمنية مستعدة و مدربة.
4- العمل على إيجاد مبررات اللازمة لاستخدام القوة و الإفراط في استخدامها استنادا إلى عمليات تضليل و تزييف واسعة للحقائق و توظيفها من أجل تبرير استخدام القوة و فرض العقوبات الجماعية.
5- تضخيم الأخطار و الخسائر و التهديدات المترتبة على بعض الحوادث التي تقع و ربط ذلك بالأمن الوطني و في هذا المجال يري العديد من المراقبين أن الحكومة تختلق كثير من الحوادث الأمنية و السياسية من أجل تهيئة الرأي العام المحلي و العالمي لتقبله قيامها بأية عملية انتقامية.
6- إظهار قوى المعارضة بمظهر القوى المتصلبة و المتخلفة و الفاقدة للرؤية و محاولة ربط أنشطتها بمخططات خارجية.
7- إبراز الحكومة بمظهر الأمين الطاهر و الضحية المفترى عليها.
ما يقترحه بعض الساسة و المهتمين هو ضرورة بناء إستراتيجية موحدة بين قوى المعارضة تعمل على تكسير استراتيجيات القوة عند الحكومة لا بنقائصها بل من خلال عناصر القوة نفسها فالثور الأسباني لا يثار إلا بالأحمر من الألوان.