Archive
Bahrain Freedom Movement
المقاومة المدنية و العصيان…. خرائط تقود المعارضة البحرينية عباس المرشد باستثناء حركات معارضة تشكلت في فترة الستينات و تحت ضغوط حركات التحرر الوطني و ما نتج عنها من تأثر واضح بمقولات ماركسية تتعلق بالكفاح المسلح ظلت المعارضة البحرينية وفية تماما للمنهج السلمي في المطالبة و الاحتجاج السلمي. حتى تلك الفصائل المقاومة عسكريا كانت قد أسقطت خيارها العسكري بعد فترة وجيزة من عمرها إذ تحولت بحلول السبعينات إلى قوى سياسية خالصة تنبذ الخيار العسكري و لا تشجع عليه.
رغم ذلك فإن الأجهزة الأمنية لم تكن تأخذ هذه المقومات و التحولات بعين الاعتبار و هي لا تزال تعمل بهاجس الانقلاب العسكري أو التحضير للثورة الشعبية فأرشيف المخابرات العامة وجهاز الأمن الوطني الحالي يحتوى على ملفات لأكثر من خمسة عشر قضية تخص مجموعات متهمة بمحاولة قلب النظام السياسي آخرها قضية ما يعرف بقضية الحجيرة حيث يوجه جهاز الأمن الوطني التهمة لحوالي ثلاثين شخصا بقيادة داعية السلام المعارض حسن مشيمع و تشير التفاصيل التي كشف عنها جهاز الأمن الوطني أن الأستاذ المشيمع قد خطط لقلب النظام عبر هؤلاء الثلاثين الذين تلقوا تدريبات عسكرية في منطقة الحجيرة في سوريا.
شوايا الشام مجندون طائفيا
منطقة الحجيرة التي يشير إليها ملف القضية، منطقة مكتظة بالسكان تقع في الجانب الشمالي لمرقد السيدة زينب و عادة ما يقوم الشيعة بزيارة مرقد السيدة زينب بشكل دائم حيث تصل أرقام الزائرين سنويا إلى أكثر من 70 ألف بحريني و العارف بجغرافية المنطقة و طبيعتها السكانية و السياسية يعرف جيدا أنها منطقة مكشوفة سياسيا و لا يمكن التخطيط فيها لأي عمل سياسي أو عسكري فالسكان شبه الدائمون فيها هم من العراقيين و اللاجئين الفلسطينيين لذا فإن المخابرات السورية و قطاع واسع من عناصر الاستخبارات الأخرى لا تسمح لأي نشاط فيها. و عندما انتقلت بعض فصائل المعارضة البحرينية في ثمانينات القرن الماضي إلى سوريا، اتخذت خيارا واضحا و صريحا حول تجميد نشاطها العسكري إن وجد و الاكتفاء بالحضور السياسي الخالي من الأنشطة المعلنة مكتفية بما تقوم به عناصرها في بيروت أو مناطق أخرى من العالم. و قد حدث أن قامت الحكومة السورية باعتقال المهندس عبد الرحمن النعيمي في العام 1990 نظرا لمعارضته الصريحة للحرب الأمريكية لتحرير الكويت و لكنها أي الحكومة السورية سمحت له بالبقاء بمعية عناصر معارضة أخرى من الجبهة الشعبية و من جبهة التحرير الوطني البحرانية و عناصر من الجبهة الإسلامية في سوريا وهو ما يثير غضب أجهزة الاستخبارات البحرينية و حنقها ضد الحكومة السورية. بعض المراقبين يعتقدون أن قيام حكومة البحرين بتجنيس ما يطلق عليهم بالشوايا في سوريا و الجلف في البحرين ( السورين من مناطق دير الزور و البوكمال و من البادية ) بكثرة ما هو إلا انتقام من التسهيلات التي كانت سوريا تقدمها لما تعتبرهم ضيوفا على أرضها و تعتبرهم حكومة البحرين منشقين و معارضين. و من المعروف بأن الشوايا هم فئة مكروهة في الأوساط الحضرية السورية و الكثير من هؤلاء الشوايا يكرهون النظام السوري الحاكم انطلاقا من خلفيات طائفية كونهم يمثلون قبائل سنية ترفض وجود العلويين في جهاز الدولة. لقد وجدت حكومة البحرين في هذه الفئة ملاذا مناسبا لتحقيق أغراضها السياسية المتعددة فهي تضغط على الحكومة السورية من خلال تجنيس هؤلاء و إعطائهم الجنسية البحرينية بطرق ميسرة و في الوقت نفسه يمكن لحكومة البحرين استثمار الحنق الطائفي المثار عندهم وتوجيهه نحو السكان الشيعة في البحرين الذين يشكلون أكثر من 60 % من السكان المحليين.
ميثاق العمل الوطني و بوصلة الانحدار
رغم أن ميثاق العمل الوطني سنة 2001 قد أراح الحكومة من وجود معارضة في الخارج إلى حد شبه نهائي إلا أن الأجهزة الأمنية زادت قسوة و كشرت عن أنياب جديدة أعادت الثقوب التاريخية و الصفحات السوداء إلى واجهة الأحداث السياسية من جديد. فالإضافة إلى الترسانة القانونية الإكراهية و المتعارضة مع مبادئ حقوق الإنسان لجأت الأجهزة الأمنية إلى استحداث مليشيات رسمية بلباس مدني تطارد المحتجين و تطلق عليهم الرصاص و تقوم باعتقالهم. و مع أنه لا توجد أرقام توضح حجم اعتماد الأجهزة الأمنية على هذه الميلشيات المدنية إلا أن الغالب على تشكليها عناصر عراقية و في بعض الأحيان يصعب التفريق بين لجهة أهالي دير الزور و الجهة العراقية، ومهما يكن فإن أعمالهم الوحشية كانت كفيلة بتأليب الرأي العام ضد هذه الميلشيات وقد حاول وزير الداخلية نفي الموضوع غلا أن الصور و مقاطع الفيديو التي بثت على موقع اليوتيوبكانت كفيلة بتراجع الأجهزة الأمنية عن استخدامها بعض الوقت و يؤكد شهود عيان و صور التقطت في الأحداث الأخيرة التي رافقت انعقاد محاكمة الأستاذ حسن مشيمع عودة الميلشيات المدنية مجددا.
ازدياد القبضة الأمنية و انخفاض الأسهم السياسية لدعاة المشاركة و الإصلاح من الداخل و قيام الأجهزة الأمنية باعتقال شخصيات سياسية معروفة على النطاق المحلي و الدولي جعل من موضوع إعادة قراءة الخرائط السياسية و سبل المواجهة موضوعا مثارا داخل الأوساط المهتمة و الأوساط المتضررة من بطش الأجهزة الأمنية و من انسداد الأفق السياسي. في إشارة واضحة إلى أن ميثاق العمل الوطني فقد بريقه و فقد معه شرعية الهدنة السياسية مع الحكومة، إذ أضحى الوضع ملتهب جدا و معرض للانفجار في أي لحظة تحت وطأة مفاجآت لا يبدو أن الحكومة و بعض الأطراف السياسية قد أخذتها في حساباتها داخل البازر السياسي.
الملك و الديوان يحكمان الخناققبل أن يجتمع ملك البلاد بالأستاذ حسن مشيمع في لندن قبل حوالي السنة كان الديوان الملكي قد أقفل باب الحوار و اللقاءات مع الأطراف السياسية المعارضة الأخرى و بالأخص جمعية الوفاق الوطني صاحبة أكبر كتلة نيابية. التسريبات من ذاك الاجتماع لم تكن كثيرة لكن المشيمع و بعد عودته من لندن حذر من مغبة التعويل على هذا اللقاء كما حذر من أي قراءة لا تعيد دفة القرار السياسي إلى مسارها الصحيح. وقتها نقل المشيمع عن الملك أنه قال لهم أن له رجال مخلصون جدا يعتمد عليهم بشكل كلي في إدارة أمور البلاد و خص منهم رئيس جهاز الأمن الوطني الذي كان سفيرا في لندن و وزير الداخلية و رئيس الديوان الملكي. لم يهمل السادة المشيمع مهلة أكثر من عام حتى تم اعتقاله بطريقة مخالفة للقانون بعد أن رفض المثول أمام النيابة العامة قبل أن تحدد له نوعية التهم الموجهة إليه و سبب الاستدعاء و اشتراط تنظيف القضاء و ضمان نزاهته.بعد الاعتقال و إتمام المهمة بشكل ناجح شهدت البحرين موجة من الاضطرابات التي لا تزال مستمرة و يتوقع البعض تصاعد وتيرتها في الأيام المقبلة و لكن بطريقة مختلفة. موقف الديوان الرافض للحوار مع القوى السياسية المعارضة يرتهن إلى عدة معطيات أبرزتها الأحداث الأخيرة و هي بحسب المراقبين تتمثل في :1- قدرة الأجهزة الأمنية على السيطرة حاليا على سير الأحداث، فما يحدث حاليا لا يقاس بما كانت عليه الأحداث المضطربة في فترة التسعينات وهي فترة تمثل شبحا مخيفا للأجهزة الأمنية التي ستكون على استعداد تام بقبول الحوار متى ما لاحت بوادر التصعيد ناحية تلك الفترة.2- قدرة الأجهزة الأمنية على إحداث مسافة ملموسة بين فرقاء المعارضة و استفادتها من هذا الخصام في تمطيط فترة الاعتقال و استمرار عملية الاعتقالات بشكل متواصل.3- تمنع القوى الكبرى في المعارضة عن استخدام الخيار الشعبي الضاغط و محاولتها الجادة في استنفاذ فرص الأدوات السياسية الحالية، فمتى ما دخلت جمعية الوفاق و المجلس العلمائي بشكل أقوى على خط المواجهة فإن الأجهزة الأمنية ستراجع سياساتها و تجبر على تسليم الأمور إلى السياسيين.4- استفادة الأجهزة الأمنية من متغيرات المحيط الدولي و انشغال دول الضغط المركزية بالأزمة الاقتصادية، في تمرير أجندة القبضة الحديدية و الاستفادة على وجه الخصوص من الدعم الدولي لحكومة البحرين أمام بعض الاثارات الإيرانية التي أثيرت مؤخرا.هذه المعطيات و معطيات أخرى ترى فيها حكومة البحرين أنها في مأمن من أي توتر يطيح بخطة الأجهزة الأمنية و يبرر لها الاستخدام المفرط للقوة بشكل دائم، كما يجعلها ملهوفة و بشغف للانتقام من بعض رموز المعارضة.
في المقابل فإن حكومة البحرين تواجه ضغطا مكثفا من قبل منظمات دولية على رأسها منظمة العفو الدولية و منظمة حقوقية أخرى كانت قد رفعت مذكرات تطالب بمحاكمة بعض رموز النظام لارتكابهم جرائم تطهير طائفي في البحرين إشارة إلى انتهاك حقوق الطائفة الشيعية في البحرين و وضعها تحت التمييز الواضح.
مقاومة مدنية و خطوات تصعيديةأمام انسداد الأفق السياسي و أمام تدهور الوضع الأمني و السياسي في ظل سوق اقتصاد عالمي متعثر و أزمته الخانقة، ربما حان الوقت لعقول المعارضة أن تعيد بناء خرائطها السياسية و أن تبتكر لها منهجا مقاوما يضمن لها التوصل إلى تسويات سياسية و في الوقت نفسه يعبدها عن دفع كلفة عالية قد لا تتحملها قواعد المعارضة الشعبية.قد لا تبدو الصورة واضحة لما ستقبل عليه المعارضة من خطوات تصفها عادة بالتصعيدية و تصر على سلميتها، إلا أن رسالة تحذيرية لم يكشف عن مصدرها كانت قد بعثت إلى بعض القطاعات التجارية قد ترسم جزءا من الصورة التي ستكون عليها المقاومة المدنية فحوى هذه الرسالة أن استمرار عملية الاعتقال و تمنع الديوان الملكي عن قبول مبادرات الحوار الوطني من شأنها أن تدفع بالبلاد إلى مزيد من الاشتعال و الاضطراب الأمني في الفترة المقبلة، أما الهدف منها فهو بالتأكيد محاولة الطلب من هذه القطاعات ممارسة الضغط على الحكومة للاستجابة لمبادرات الحوار تجنبا لتكبد مزيد من الخسائر التي ستضاف حتما إلى خسائر الأزمة الاقتصادية. أما الجانب الشعبي فهو يقترح على القيادات السياسية الأخذ بأساليب المعارضة في لبنان و على رأسها قطع الطرق و الاعتصامات الدائمة.
لقد برهنت المعارضة البحرينية على صلابتها في المنهاج السلمي في المطالبة السياسية و أبدت صلابة أخرى في مواجهة عنف السلطة وهي الآن لا تمتلك ما تخسره سوى ثقة جماهيريها التي تطالبها بمزيد من تفعيل الخيارات المؤجلة و رص صفوف المعارضة.
المقال القادم .. المؤسسات الخاوية على عروشها