الأرشيف

البحرين والملفات الشائكة بقلم:حسين البحراني البحرين.. هذه الجزيرة الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها نصف مليون نسمة، يستغرب المرء ما تعانيه من مشاكل، وحجم الملفات الشائكة المفتوحة على مصراعيها والتي تخيم بظلالها الخانقة على حياة المواطنين وتسبب لهم ضنكاً في حياتهم ومعاشهم. لقد عاشت البحرين على مر تاريخها الطويل فترات من التوتر والاحتقان فلا تكاد تهدأ فيها الأوضاع إلا وتعود للانفجار مرة أخرى. لقد كثرت المطالبات بالإصلاح، ورفعت الكثير من العرائض المطلبية إلى حكام آل خليفة على مر التاريخ السياسي المعاصر للبحرين، والمتتبع لأحوال هذه الجزيرة الصغيرة يدرك أنها تعوم على بركان كامن يمكن أن ينفجر في أي وقت مخلفاً آثاراً مدمرة تضر البلاد والعباد مما يحول بينها وبين اللحاق بركب الحضارة والتنمية على جميع الأصعدة. وتفسر هذه الظاهرة طبيعة العلاقة بين حكام البحرين من أسرة آل خليفة وشعب البحرين سنته وشيعته، فآل خليفة يرون أنهم جاءوا إلى البحرين فاتحين وعلى هذا الأساس كانوا ولا زالوا يتعاطون مع المواطنين، وهذا ما يتسبب في العديد من الاحتقانات والتوترات والانتفاضات المتعاقبة التي يفجرها ضنك المعيشة والتضييق الحكومي على المواطنين. ولم يأل آل خليفة جهداً في جعل لقمة العيش الهم الأكبر لدى المواطن البحريني قديماً وحديثاً لأنه – كما يرون – متى ما توفرت له ظروف العيش الكريم فإنه سوف يتحرك لنيل المزيد من الحقوق السياسية منها والمعيشية وهذا ما لا يريدونه بل ويسعون بكل ما أوتوا من إمكانيات مالية وإعلامية لتفقير شعب البحرين والهيمنة على الثروات والتمكين للعوائل الموالية للنظام اقتصادياً وسياسياً. لقد درس الدكتور فؤاد أسحق خوري في كتابة “القبيلة والدولة في البحرين” هذه السياسة الممنهجة واستعرض بالتفصيل نظام السخرة ومؤثراته على العلاقة بين الحاكم والمحكوم في البحرين وشرح كيف يهيمن المتنفذون من أسرة آل خليفة على الأراضي الزراعية ويستعبدون أهلها فيها. ملف السخرة لا زال من الموروثات التاريخية لشعب البحرين ولا زال – على رغم اختلاف الأساليب وتطورها – هو الشغل الشاغل للنظام الحاكم في البحرين، وهذا ما تؤكده حركة العاطلين عن العمل ومحدودي الدخل الذين يعيشون تحت خط الفقر مما لا يدع مجالاً للشك أن التعاطي الحكومي مع الملف المعيشي لا زال بنفس العقلية السابقة. ولعل ملف التجنيس من الملفات المتراكمة التي لا يمكن قراءتها بأي حال من الأحوال بمنأى عن العلاقة التاريخية بين شعب البحرين وآل خليفة، فآل خليفة تبنوا التجنيس السياسي لأنهم لا يثقون مطلقاً في شعب البحرين ويؤمنون أنهم ليسوا في أمان ما لم يستوردوا لهم حماة من الخارج يحولون بينهم وبين مواطني البحرين. ومما لا شك فيه أن الأزمة الدستورية التي قاد الملك البلاد إلى دهاليزها لأكبر مؤشر على وجهة نظر العائلة الحاكمة في شعب البحرين، مما جعل الملك يسـتأثر بالسلطات مما يعكس خوفاً من شعبه وعدم ثقة فيه. ولا شك أن ملف الشهداء وضحايا التعذيب وإصدار قانون 56 الذي ينتصف للجلادين من الضحايا لهو دليل آخر على خوف العائلة الخليفية من شعب البحرين وتردي العلاقة بينهم وبين محكوميهم،فالجلادون لم يتحركوا من تلقاء أنفسهم لولا وجود إيعازات من أقطاب النظام الحاكم لممارسة التعذيب والتنكيل بالمواطنين. ملف سرقة السواحل هو ملف آخر يؤكد على أن الأسرة الحاكمة في البحرين لا تألوا جهداً في التضييق على المواطنين من خلال فصلهم عن البحر الذي يسترزقون منه ويلجأون إليه للترويح عن أنفسهم. سياسة خلفنة الوظائف العليا في الدولة شاهد آخر على عمق المأساة والعزلة التي يعيشها نظام آل خليفة، وقد تبناها النظام السياسي الحاكم في البحرين على مر السنين من أجل الهيمنة على الثروات والمقدرات والإمعان في استعباد أهل البحرين، فإما أن يكون المواطن موالياً للنظام أو يكون من المغضوب عليهم،وهذا هو معيار الكفاءة الوحيد في فكر قبيلة آل خليفة. كثيرة هي الملفات العالقة والتي لا يمكن قراءتها بعيداً عن العلاقة المشوبة بالشك بين الحاكم والمحكوم في البحرين، ولا يمكن أن نستثني حاكماً من عموم قبيلة آل خليفة من تبني هذه السياسات الاحتوائية ضد شعب البحرين، والتي تهدف إلى تضييق الخناق، ومحاربة أبناء الشعب في أرزاقهم لتكون لقمة العيش هي الشغل الشاغل للمواطنين بحيث ينصرفون عن حقوقهم السياسية ولا ينفتحون على طلب العلم والمعرفة مما يجعلهم ليسوا ذوي حظ في إدارة مرافق الدولة المختلفة وتسلم زمام التنمية البشرية. وقد عمد النظام الخليفي إلى توظيف الطائفية المدمرة والتمييز المذهبي في توجيه الصراع السياسي بينه وبين شعب البحرين إلى اصطفافات طائفية لصالح النظام كلما أحس أنه في خطر وأن شرعيته على المحك، والأمثلة على ذلك كثيرة ونذكر منها هنا على سبيل المثال لا الحصر كيف عمل النظام على تحويل مطالبة الناشط الحقوقي الأستاذ عبد الهادي الخواجة باستقالة الشيخ خليفة بن سلمان معتبراً إياه سبباً لكل الأزمات التي يعيشها البحرينيون إلى حالة من التحشيد الطائفي القبلي للعوائل الموالية للنظام والتي تساهم معه في سرقة ثروات البحرين.

لقد كان ميثاق العمل الوطني الذي يتشدق النظام بحالة الإجماع والتوقيع عليه من الأغلبية الساحقة من أبناء البحرين فرصة للنظام لتصفية الأجواء مع شعب البحرين وإزالة أسباب التوتر والاحتقان التي تكون البحرين على موعد معها بعد كل عقد من الزمان من خلال إبداء حسن النية وإعطاء المزيد من الحقوق بما يكفل للمواطنين جميعاً دون استثناء حياة كريمة تحقق لهم الرخاء والكرامة،إلا أن النظام ضيع هذه الفرصة التاريخية ضارباً عرض الحائط رأي من وقعوا على ميثاق من شأنه أن ينقل البحرين إلى عهد جديد من المصالحة الوطنية وإزالة مخلفات الماضي الأسود لتسود روح الثقة المتبادلة التي طالما تشدق بها النظام الحاكم..ولكن تبقى مثل هذه الشعارات البراقة تصريحات تضليلية للاستهلاك الدولي لا تفيد النظام ولا تساهم – مع وجود الشواهد الموثقة – في تلميع وجهه الأسود وتنظيف يديه الملطختين بالدماء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق