الأرشيف

قرارات صعبة تقتضي سياسات واضحة من ‘الاسلاميين’ – حركة أحرار البحرين

  
قرارات صعبة تقتضي سياسات واضحة من ‘الاسلاميين’ برغم ان من السابق لوقته الحديث عن مدى حدوث تغير جوهري في المنظومة السياسية العربية، خصوصا في ظل غموض الاوضاع في العديد من بلدان الثورة، الا ان من الممكن تقديم بعض الرؤى حول التحديات التي تواجه الانظمة الجديدة التي ستحكم هذه الدول، ومدى قدرتها على الأبحار في محيطات لجية لا يمكن سبر اغوارها بسهولة.

وحتى هذه اللحظة ليس هناك من وصل الى الحكم عن طريق الاقتراع سوى حركة النهضة التونسية، وما عداها فما يزال رهين الظروف التي تحكم بلده. كما يمكن القول ايضا ان مصر ستكون مؤشر التغيير او عدمه في العالم العربي، ومع استمرار قبضة العسكر على الحكم وبحثهم عن امتيازات خاصة تتيح لهم ممارسة دور سياسي مرجح، ما يزال من السابق لاوانه ايضا القول باكتمال التغيير في مصر او الاعتقاد بان تغييرا جوهريا قد تحقق. فغياب حسني مبارك عن المشهد السياسي مع بقاء الجيش ماسكا بزمام الحكم يعني وصول الثورة الى طريق مسدود. ومع مرور الوقت قد يفقد الشباب الثوري قدرته على التعبئة والتصدي مجددا كما فعل العام الماضي. وسوف يجد ‘الاسلاميون’ الذين حققوا فوزا كبيرا في الانتخابات البرلمانية صعوبة في التعامل مع الجيش اذا ارادوا ان يمارسوا دور الحكم بحرية، بعيدا عن املاءات العسكر. والواضح ان الجيش قد اصبح البديل العملي لحكم مبارك، ويرفض التخلي عن سلطاته، ويصر على امتيازات خاصة يلتزم بها من يترشح للرئاسة. والواضح كذلك ان اي تغيير سياسي في الدول التي تتحرك فيها الثورات يخضع لهندسة سياسية معقدة تمارسها الولايات المتحدة وحليفاتها اللاتي دخلن على الخط بقدرة قادر وسرعة خاطفة. والدور الامريكي في توجيه نتائج الثورات ليس قدرا محتوما، بل يمكن تحييده بشرط وعي القوى الديمقراطية الصاعدة وتعميق قدرتها على استقلال قرارها مهما كانت الظروف.الاسلاميون الذين هم اكثر المرشحين حظا للفوز بموقع الصدارة في العمل السياسي في بلدان الثورات تواجههم اربعة تحديات جوهرية سوف يحدد تعاملهم معها مدى نجاح التجربة. قوى الثورة المضادة تدرك هذه التحديات وتعمل لتعقيدها وتبحث عن وسائل ضغط على الانظمة السياسية ذات التوجه الاسلامي. ويمكن القول بان مصر ستظل في العامين المقبلين حبلى بالمفاجآت لانها الثورة الناقصة التي تم تدارك عملية التغيير فيها قبل انتهائها. ولتأكيد الحضور السياسي الغربي، خصوصا الامريكي، في عالم الثورات، فمن المتوقع زيادة الضغوط على ايران لمنعها من قطف ثمار ثورتها ونظامها السياسي الذي سيظل محل نقاش في اوساط الاسلاميين الذين ما يزالون يبحثون عن انموذج اداري سياسي لصياغة انماط حكمهم. وليس مستبعدا استهداف ايران عسكريا لتحجيم تأثيرها او اسقاط ثورتها ونظام حكمها الاسلامي. وما ترويج المشروع الطائفي وبثه على المستوى الشعبي الا محاولة لتشييد جدران نفسية عازلة بين التجربة الايرانية والحالة النفسية للحركات الاسلامية الباحثة عن ممارسة حكم فاعلة. وهنا تستعمل السعودية ذراعا ضاربا من قبل تحالف قوى الثورة المضادة بطرق عديدة وفي مجالات شتى لترويج المشروع الطائفي بوسائل مختلفة وفي مناطق عديدة. ان توتير العلاقات بين المسلمين والمسيحيين او بين الصوفيين والسلفيين، بل داخل التيار الاسلامي العام (بين الاخوان والسلفيين) يمثل تطبيقا عمليا لاستعمال الطائفية سلاحا فاعلا من قبل قوى الثورة المضادة. وفي الخانة نفسها يندرج لصق الطائفية بالثورة البحرانية، وفرضه على الوضع السوري. وحتى الآن لا تبدو النخب السياسية الاسلامية قادرة على استيعاب خطر هذا الطرح الذي يستطيعون افشاله اذا استوعبوا مخاطره. وسيكون المشروع الطائفي واحدا من اخطر الآفات التي ستتحدى المشروع السياسي الاسلامي وتهدد مستقبله. وكمثال آخر تدخلت السعودية قبل عامين لمنع بيع منظومة الدفاع الروسية البعيدة المدى التي تتألف اساسا من صواريخ اس 300، لايران، بما قيمته اقل من مليار، لتوقع اتفاقا عسكريا لشراء اسلحة روسية بأكثر من سبعة مليارات. وبعد تطبيق حظر شراء النفط الايراني من قبل الغرب، اصبحت ايران اكثر اعتمادا على الصين لشراء نفطها. فتدخلت السعودية لدى الصين لتعويضها عن النفط الايراني اذا ما انضمت الى مشروع الحصار الغربي المفروض على ايران. وعندما سعى الايرانيون للتقارب من مصر بعد الثورة، هدد السعوديون بطرد اكثر من مليوني مصري يعملون بدول مجلس التعاون الخليجي. اما التحدي الثاني فيتمثل في مدى استعداد الاسلاميين لضمان الحريات العامة عندما يمسكون بزمام السلطة، ومدى قدرتهم على توسيع المشاركة السياسية من قبل الآخرين. وكان الغرب قد برر موقفه المتخاذل ازاء الغاء التجربة الانتخابية الجزائرية قبل عشرين عاما، بدعوى ان الاسلاميين لا يؤمنون بالحرية وانهم يستخدمونها للوصول الى الحكم عبر صناديق الاقتراع، لكي يلغوها بعد ذلك. انها تهمة سخيفة، خصوصا في ضوء التجارب القائمة، ولكن تم ترويجها على نطاق واسع. ومسألة الحريات وحقوق الانسان واحدة من اهم مستلزمات المجتمع المدني الحديث، وتقتضي تفعيل دور المؤسسات المدنية لتلعب دورا في التنمية السياسية والاجتماعية وتكرس ثقافة الانفتاح وحكم القانون والتعددية والشراكة. ان دفع الشباب للانخراط في مؤسسات المجتمع المدني ضرورة لتعميق التحول الديمقراطي الذي يعمق الثقة في التجربة الديمقراطية وقدرتها، عندما يحكم الاسلاميون، على تفعيل اداء الجميع في الممارسة السياسية والمجتمعية. هذه ليست دعوة للتخلي عن الثوابت الدينية والاخلاقية للمجتمعات العربية، بل انها تأكيد على ضرورة تعميق مبدأ الشراكة السياسية لينخرط الجميع في العمل الميداني ضمن منظومة تعمق حكم القانون وتهيىء للجميع فرصا متكافئة، وتفعيل مبدأ ‘لكل مواطن صوت’ في كافة اوجه الفعاليات المجتمعية. وهذا يتطلب من الاسلاميين ممارسة مبدأ الشورى داخل كياناتهم السياسية، لاتاحة الفرصة امام اف
رادهم للوصول الى مواقع اتخاذ القرار عبر صناديق الاقتراع الداخلية. كما يقتضي الامر البحث المعمق في ‘فقه الحكم’ بجدية، ليصبح الفقه وسيلة تيسير وتوضيح للافراد والمجموعات، بدلا من اقتصاره على الجوانب العبادية والعلاقات الزوجية. ان فقه ادارة المجتمع والامة يحتاج تقعيدا ما يزال غائبا بسبب بعد الاسلاميين عن الحكم طويلا. ويمكن القول ان ايران، سواء بسبب تجربة الحكم الطويلة، ام ديناميكية الفقه القائم على الاجتهاد، قطعت شوطا طويلا في صياغة فقه عصري مؤسس على الشريعة ومنسجما بشكل جيد مع قيم الدولة الحديثة سواء في مجالات الادارة ام العلم ام العلاقات الخارجية.الاقتصاد يمثل الدائرة الثالثة من التحديات التي تواجه من يحكم بلدان الثورات بعد انتصارها. وكما هو معلوم فان اقتصادات هذه الدول تراجعت في العقود الاخيرة لاسباب من بينها تضاؤل المدخولات وتقلص مساحات الانتاج، وزيادة النفقات بالاضافة للفساد المالي والاداري. واصبحت هذه الدول تعتمد لتغطية عجوزات موازناتها على المعونات الخارجية والاقتراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. والدعم الاقتصادي لا يأتي بدون ثمن، والثمن هنا يتجسد بالسياسات الخارجية لتلك الدول ومدى انسجامها مع توجهات الدول المانحة. وبالاضافة للولايات المتحدة الامريكية التي اعتمدت تقديم معونات مالية سنوية لدول مثل مصر (التي كان نصيبها السنوي من المعونات الامريكية حوالي ملياري دولار) وفرت دول مجلس التعاون شيئا من الدعم المشفوع بالشروط والاملاءات. اليوم يشعر حكام تونس من الاسلاميين بخواء خزينة بلدهم وحاجتهم لمعونات مالية فورية لاشباع بطون الجياع. ومع ان تركيا وعدت بشيء من هذا الدعم الا ان هناك شعورا بان ذلك لا يكفي لسد عجز الموازنة التونسية. وقد توجهت الحكومة الجديدة الى دول مجلس التعاون للحصول على مساعدات مالية، الامر الذي جعلها عرضة للشروط المذلة والابتزاز. والمال النفطي هو الذي منح دولة صغيرة مثل قطر دورا بارزا في قضايا المنطقة، ومن ذلك سياسات الوساطة التي تقوم بها بين الحين والآخر بين الفرقاء المتخاصمين، ومنها الدعم الاعلامي والمالي لبعض حركات المعارضة ودورها في توجيه مسار الثورات منذ ثوة تونس. ومن المؤكد ان المعونات الاقتصادية ستكون مدخلا للتأثير على مسار الثورات وتوجيهها وفق المسار المطلوب من دول الغرب. ولا تقل مصر حاجة مالية لسد العجز المتوقع في الموازنةٍ، والتعويض عن الدعم الامريكي والاوروبي احتجاجا من هذه الدول على التوجهات العامة للحكم الجديد الذي يفترض، وفق المعادلات الاستراتيجية، ان يواجه صعوبات مالية اكبر في المستقبل المنظور.ويمكن القول ان قضية فلسطين تمثل التحدي الرابع، فهي كبرى القضايا التي تواجه الاسلاميين في مجال الحكم. فالغرب لا يريد اضعاف ‘اسرائيل’ باحاطتها بدول ‘معادية’ يهيمن عليها الاخوان المسلمون. ولذلك تراجع عن السعي الفاعل لاسقاط النظام السوري لانه لا يريد ان يحكم الاخوان في سوريا. فلو حدث ذلك لكان الاردن الحلقة الاضعف في الدول المحيطة بفلسطين، ولأصبح اسقاط نظامه امرا محسوما خصوصا مع الوجود القوي لحركة الاخوان المسلمين في الاردن. وعندها ستكون فلسطين المحتلة محاطة بثلاث دول يحكمها الاسلاميون، ويواجهها في الشمال المقاومة الاسلامية اللبنانية ممثلة بحزب الله. انه السيناريو الذي يبعث القشعريرة في اوصال التحالف الغربي ومحور الاعتدال العربي الذي يسعى للتطبيع مع قوات الاحتلال الاسرائيلي. وثمة جهود متواصلة من جميع هذه الاطراف لابعاد القضية الفلسطينية عن الرأي العام وابقائها في دهاليز ‘المفاوضات’ و ‘مشاريع التسوية’. واصيب الكثيرون بخيبة امل كبيرة عندما لاذ العالم العربي بالصمت بعد العدوان الاسرائيلي الاخير على غزة وقتل العشرات من ابنائها. هذا الصمت العربي (على المستويين الرسمي والشعبي) ضروري لتوفير الاجواء لاي عدوان يخطط له العدو الاسرائيلي ضد ايران او اية دولة او مجموعة اخرى. واذا سمح العرب والمسلمون بذلك فلن يكون الفلسطينيون في الضفة الغربية او القطاع بمأمن من المزيد من العدوان والقتل. والملاحظ ان تراجع القضية في الوجدان الشعبي بسبب سياسات التعتيم والاخفاء، لم يقلل شغف الاجيال الجديدة بفلسطين، وان كانت الحكومات العربية تسعى دائما لتهميشها وابعادها عن محيطها العربي تدريجيا. وسوف تكون الشهور المقبلة ذات اثر مباشر على الموقف الدولي ازاء القضية الفلسطينية. هذا الموقف سوف يتأثر كثيرا بقرار مصر بشأن اتفاقات كامب ديفيد. وهنا مربط الفرس. فالامريكيون يريدون من اخوان مصر الالتزام بتلك الاتفاقات وعدم اتخاذ اي قرار بالغائها او تجميدها او قطع العلاقات مع الكيان الاسرائيلي، بينما يفترض ان تكون جماعة الاخوان المسلمين اكثر المنظمات الاسلامية ارتباطا بقضية فلسطين واصرارا على تحريرها ورفض الاعتراف بالكيان الاسرائيلي. وهذا ما يريد الامريكيون معرفته. فهل ان الجماعة ستتخذ قرارا تاريخيا بقطع علاقات مصر بالكيان الاسرائيلي ام سترجح كفة الجيش الذي التزم بحماية تلك الاتفاقات والحفاظ على العلاقات؟

ايا كان الامر فسوف تكون قضية فلسطين اكثر القضايا ضغطا على محاولات تشكيل توازنات سياسية وعسكرية في منطقة الشرق في المستقبل المنظور. وحتى هذه اللحظة تبدو ايران اكبر المستهدفين من قبل التحالف الغربي الذي تقوده امريكا ومحور الاعتدال العربي بسبب موقفها الرافض لوجود الكيان الاسرائيلي. وهذا هو جوهر الخلاف بين الجمهورية الاسلامية والغرب. كما أصبح واضحا بدون ليس او غموض ان ‘اسرائيل’ اكبر المتحمسين لضرب ايران بسبب مشروعها النووي، لاعتقادها ان امتلاك ايران قدرة تصنيعية مستقلة في المجال النووي سوف يخل بالتوازن الذي فرضته الولايات المتحدة الامريكية على المنطقة وذلك بالحفاظ على التفوق العسكري الاسرائيلي بشكل دائم. وحتى الآن لم يبد من إسلاميي ما بعد الثورات مواقف واضحة حول التهديدات الاسرائيلية المتواصلة ضد ايران، مع علم هؤلاء الاسلاميين ان ايران تدفع فاتورة موقفها الثابت من القضية الفلسطينية. ويقتضي منطق الثورات ارسال رسائل واضحة للولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الاسرائيلي بان الانظمة السياسية في مرحلة ما بعد الثورات، ستكون مختلفة في جوهر سياساتها عن الانظمة السابقة، وان فلسطين اكثر حضورا على اجندة الدبلوماسية العربية التي يفترض ان يكون للاسلاميين الدور الاكبر في صياغتها. اما الانصياع لمنطق محور الاعتدال العربي الذي يصر على تطبيع العلاقات مع الاحتلال ويتحالف مع الولايات المتحدة في سياساتها تجاه المنطقة وهي سياسات تقوم على اساس فرض الكيان كأمر واقع فسوف يزيد الموقف العربي ميوعة. ولعل هذا التحدي هو الاكبر للثورات العربية، التي ستحاكم نتائجها بمدى استقلال قادتها ام بقائهم تحت الرعاية الامريكية حتى الموت. انه صراع بين مشروعين: عربي اسلامي سلمي، وغربي صهيوني عنيف، وعلى الاسلاميين الذين وصلوا الى الحكم الاختيار في اي المعسكرين سيكونون وهل انهم مستعدون لتحمل تبعات ذلك الاختيار؟

د. سعيد الشهابي 2012-03-20

‘ كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي ادارة الموقعالتعليقات «0»

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق