الأرشيف

تدوة معهد البحرين للتدريب بتاريخ 21/1/2002م حول الحس الوطني وبيئة العمل
 

المحاضر: د. منصور الجمري لعل كثير من الناس أعتقد أنه في عصر المعلومات والكمبيوتر فان دور الانسان سيتضاءل ويتراجع إلى درجات خطيرة قد تؤدي لمشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية لايستطيع الانسان تحملها. الا أن من قالوا بهذا ثبت خطأ ما أعتقدوا . ذلك لان التنوكلوجيا لا تضع الإنسان ، بل أن الإنسان هو الذي صنعها لتسهيل حياتها ، ولا يمكن لها بذلك أن تكون إلا أداة يستخدمها من أجل سعادته إن شاء أو شقاءه أن شاء ذلك ايضا. لعل الكمبيوتر هو أفضل أداة تحليلية اخترعها الانسان وهو قمة ما توصل له الابداع الانساني في السنوات الماضية . فلقد أصر فلاسفة كثيرون أن أي “مفهوم” نافع لا بد وأن يتم تفسيره رياضياً ، أي يتم تحويله إلى معادلات راضية. ثم جاء الكمبيوتر ومعه تحليل المفاهيم الى أرقام (واحد وصفر) ، وهذا ما أعطانا الحياة الرقمية (اقتصاد رقمي، اتصالات رقمية، الخ. نعم أن المعلومات يمكن تحويلها إلى واحد وصفر ، وبالتالي يمكن تحليلها ، وكل شيء يمكن تحليله فانه يعتمد على أجزاء ميكانيكية يمكن تفريقها وثم تجميعها ، وأن هذه الاجزاء (الرقمية او الميكانيكية) تساوي مجموعها (بمعنى ان الكل يتكون من الاجزاء التي يتمكن الانسان من فصلها عن بعضها الاخر). الا أن الانسان ليس مجموعة أرقام وليس مجموعة معلومات وليس مجموعة أحماض امينية او جينات.. الانسان أكبر من ذلك بكثير، فالامام علي (ع) يقول “أترعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر”. إن الحياة الانسانية ليست نتيجة جمع أجزاء جسدية وتركيبها ، أنها بالاضافة إلى النظام البيولوجي المادي ، هي أيضاً حياة ملؤها التفكير والاحساس ، العقل والوجدان .. لقد كان ديكارث ، الفيلسوف الفرنسي ، يقول: “أنا أفكر إذا أنا موجود” .. إن عنوان الحياة الانسانية هو التفكير هو العقل ، هو وجهة النظر التي ينتج عنها “حس” معين . الجميع يتحدث هذه الأيام عن عصر المعلومات ، ولكن كثير منا يغفل اثر هذا العصر على نمط التفكير ونمط الاحساس والمشاعر لدى مختلف أنواع البشر . إن توفر المعلومات عبر الحدود ودون حدود يعني أننا بحاجة لمن يسبح في محيط من المعلومات أننا بحاجة للانسان المتعلم ، العارف لعصره ومتطلبات عصره . إننا نعيش في عصر تحركة المعرفة ، وهذه المعرفة ليست الكمبيوتر ، وإنما هي الانسان الذي يسيطر على الكمبيوتر ويخترق الأرقام والتحليلات التي يوفرها الكمبيوتر ، وهو الإنسان الذي يخلق لنفسه تصور معين حول الحياة وحول دوره في هذه الحياة . الإنسان “المتعلم” هو الوحيد القادر على القيام بدور قيادي في عالم اليوم ، وهو الوحيد الذي يستطيع أن يوفر لنفسه وعياله لقمة العيش الكريمة . ولذا فان المؤسسة التعليمية مطالبة أن تقدم لنا المادة العلمية والعملية التي تخلق القيادات في المجتمع والمادة التي تمكن من يستلهمها في الحصول على رزقه بكرامة .. لا نريد التعليم الذي يعلمنا فقط كيف نحصل على الرزق ، فلربما كان الانسان همجياً ولكنه أيضا ذكيا في مجال تخصصه ، ولربما كان شريراً يضر الآخرين رغم خبرته وقدرته المهنية ، فمن هو الذي اخترع وسائل دمار الانسان غير الانسان نفسه ؟ ومن أجل ذلك فإننا بحاجة للقيم التي تخلق لنا الانسان النافع لغيره ، “فالخلق عيال الله وأحبكم لله أنفعكم لعياله” ، كما جاء في الحديث الشريف .. والانسان المخلص – بطبيعة الحال – يسعى لخدمة ذاته (ملعون من ألقى كلّه على الناس) ، ويسعى بعد ذلك لخدمة عائلته (الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله) “حديث شريف” .. (من بات كالاً في طلب الحلال بات مغفوراً له).. فالاسلام هو الذي يحثنا على الاهتمام بالجار “الجار ثم الدار”.. وهكذا فان الانسان الصالح في ديننا هو النافع لنفسه ، لعياله ، لجيرانه .. للناس أجمعين.. وهذا هو منطلق احساسنا الوطني … اننا نخدم وطننا لاننا بذلك نكون قد خدمنا أنفسنا واهلنا وجيراننا وبقية الناس القريبين منا… بيئة العمل المعاصر إن عالمنا المعاصر هو عالم متعدد الجوانب ، متعدد في أفكاره ، في سياساته ، في مناهجه ، وفي مهنة أيضاً . وهذا التعدد ليس الا تأكيداً لطبيعة الانسان تلك الطبيعة التي أكدها القرآن الكريم . “إن سعيكم لشتى” ، “قل كل يعمل على شاكلته…” إذا كانت النعددية في عالم السياسة اليوم تعني تعدد الأحزاب المتنافسة في اللعبة السياسية ، فان التعددية في عالم المال والاقتصاد هي تعدد التخصصات .. هي تعدد الاهتمامات المهنية . إننا نعيش في بيئة “متعددة” ، تتعدد فيها الاختصاصات والمهارات .. وفي المجتمع التعددي تستلم كل مؤسسة متخصصة مهمة محددة واحدة فقط تركز عليها وتسعى لزيادة فاعليتها تجاهها. فمعهد التدريب (مثلا) لديه مهمة واحدة فقط هي تخريج متدربين لتلبية حاجات سوق العمل …وهكذا كل مؤسسة داخل مجتمعنا المعاصر حالياً تهتم بعمل محدد. ولذا فأن كل مؤسسة داخل مجتمعنا تختلف في بيئتها وثقافتها عن الاخرى. ولذا ترى أن هناك المؤسسة الناجحة كما نرى المؤسسة الفاشلة . ذلك لأن لكل مؤسسة بيئة معينة تحدد اسلوب عملها ، اسلوب تعاطيها مع موظفيها الخ…. بمعنى آخر لكل واحدة من هذه المؤسسات ثقافة معينة وهي الثقافة التي تحدد بيئة العمل في المؤسسة. ويمكن تشخيص الانواع التالية من الثقافات التي تؤطر بيئة العمل في كل مؤسسة كما يلي :- البيئة السلطوية : وهذه البيئة تجدها في المؤسسات الصغيرة او المؤسسات الدكتاتورية والتي تقل فيها الضوابط وتعتمد على مركزية فرد ما أو مركزية قوة معينة. هذه البيئة تهتم بالتنافس الشديد مع الشركات الأخرى ، ويقوم المركز بتحديد الأهداف بدقة وبصورة حاسمة لا تقب
ل النقاش وذلك من أجل زيادة الانتاج وتقليل تكلفة ذلك الانتاج من أجل زيادة الربح التجاري. في هذه الحالة فأن المرونة قليلة والاهتمام بالوضع الخارجي للسوق يتغلب على الاهتمام بالعاملين داخل المؤسسة . البيئة البروقراطية/الروتنية : تعتمد على هذه البيئة على الضوابط والاجراءات والمعاملات التي يتطلب تخليصها المرور على محطات العمل الروتيني. وهذه البيئة لا تهتم بطول وقت الانتاج او تخليص المعاملات، لان أهم ما لديها هو تنفيذ متطلبات الاجراءات الروتينية . وفي هذه البيئة يتم التركيز على الاستقرار والتحكم في العمل بغض النظر عما قد يسببه الحصول على هذا التحكم والاستقرار . هذه البيئة هي التي تسيطر مثلاً على الوزارات الحكومية وعدد من المؤسسات المشابهة . البيئة المرنة/ المتفتحة : وهذه البيئة تعتمد على اللا مركزية وعلى الذكاء الشخصي للأفراد العاملين داخل المؤسسة ، وتسعى هذه البيئة لتحقيق النمو في الموارد البشرية والأرباح من خلال النجاح في تنفيذ المهمات التي تحتاج لإبداع مستمر. ومثل هذه البيئة تلبي متطلبات تلك الشركات التي تحتاج لسرعة الاستجابة وتنفيذ ما تتطلبه الاسواق المتطورة ، وهذا يعني أن الضوابط قليلة والاشخاص يتصرفون بحرية أكبر ومرونة تتطلبها الحاجة للابداع المستمر . البيئة الشعبية : وهذه قد لا تجدها في المؤسسات لان همها الأول هو إراحة العاملين أو الأفراد المنظمين في المؤسسة ، وهو ما قد نجده في النوادي والتجمعات الشعبية و المؤسسات الخيرية . العوامل التي تحدد البيئة التي تتبعها مؤسسة معينة متعددة وربما أهمها:- تاريخ المؤسسة . أصاحب المؤسسة . الحجم ، ونسبة ذلك الحجم داخل السوق . التكنولوجيا المستخدمة . أهداف المؤسسة . الأجواء المحيطة بالمؤسسة . الأشخاص داخل المؤسسة . الوضع الساسي والقوانين الضابطة .

الحديث عن البيئة الأفضل ليس هو ما حاولنا التطرق اليه ، ذلك لأن البيئة الأفضل هي التي تناسب العوامل المذكورة أعلاه ، ولكن المشكلة عندما تفرض المؤسسة بيئة معينة غير مناسبة ، وهذا ما يسبب الاحباط والفشل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies. 

إغلاق